الشافي
كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
واعلموا أنَّه يجب على المسلم, أداءُ الصلوات الخمس في أوقاتها التي حددها الله لها، وبيَّنها رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقوله وبفعله، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "صل الصلاة لوقتها" رواه مسلم. فلا يجوز فعل الصلاة في غير وقتها، لا قبله ولا بعده, إلا لمن يجوز له الجمع بين الصلاتين, لعذر شرعي يبيح له الجمع...
الحمد لله الذي يُكوِّر النهارَ على الليل, ويُكوِّرُ الليلَ على النهار, يَمُنُّ على مَن شاء من عباده بالأمن والنعيمِ والأمطار, ويبتلي من شاء بالخوف والقحط والأخطار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ الكريمُ الغفَّار, يمحو برحمته الذنوبَ والأوزار, ولا يَهْلِكُ على الله إلا الظلومُ الكَفَّار.
وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله النبيُّ الْمُختار, صلى الله وسلم وبارك عليه, وعلى آله وأصحابه الطاهرين الأخيار, والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم العرضِ على الواحدِ القهار.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّه يجب على المسلم, أداءُ الصلوات الخمس في أوقاتها التي حددها الله لها، وبيَّنها رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقوله وبفعله، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "صل الصلاة لوقتها" رواه مسلم.
فلا يجوز فعل الصلاة في غير وقتها، لا قبله ولا بعده, إلا لمن يجوز له الجمع بين الصلاتين, لعذر شرعي يبيح له الجمع؛ كالسفر الذي تُقصر فيه الصلاة، والمرضِ الذي يحصل فيه على المريض بترك الجمع مشقة، وفي حالة المطر والوحل.
وبناءً على ذلك, فالذين يُسارعون إلى الجمع لمجرد وجود غيمٍ أو مطرٍ خفيفٍ لا يَحْصُلُ منه مشقة، أو لحصولِ مطرٍ سابقٍ لم يَنْتُجْ عنه وحْلٌ ونحوُه في الطرق، فإنهم قد أخطؤوا خطأً كبيرًا ، ولا تصح منهم الصلاة التي جمعوها إلى ما قبلها؛ لأنهم جمعوا مِنْ غير عذر، وصلوا الصلاة قبل دخول وقتها.
والعبرةُ في الجمع هو الحرج, كما قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما-, عندما سُئل عن سبب جمع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "لئلا يُحْرجَ أمَّته" رواه مسلم.
فإذا كان في ترك الجمع حرج، فليجمع الإمام ولا حرج عليه، وإذا كان على بعض المأمومين حرج, وعلى بعضهم يُسْرٌ؛ فليقتد بأضعفهم؛ لأن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ, فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَذَا الْحَاجَةِ" رواه مسلم.
وقالَ -صلى الله عليه وسلم- لعثمانَ بنِ أبي العاص, لَمَّا استعمله على الطائف، وأمره بتخفيف الصلاة بالناس: "اقتد بأضعفهم" رواه أحمد، أي: راع حال الضعفاء مِمَّنْ يصلون وراءك، فصلِّ صلاةً لا تشق عليهم.
وإذا ترددَّ الإمامُ بين الجمع وعدمه, لعدم وضوحِ السبب المسوغ؛ فإن الأصل ألا يجمع؛ لأن الجمع يحتاج إلى ثبوت السبب، فإذا لم يثبت, فإنَّ الأصلَ عدمُ الجمع فلا يجمع.
ولكنْ إذا لم يجمع, ثم انصرف الناس من الصلاة إلى بيوتهم, ثم حدث مطرٌ أو وحْلٌ يؤذي, ثم أذَّن الْمْؤذن للصَّلاة الأخرى؛ فللناس أن يصلوا في بيوتهم, ويُكتب لهم الأجر كاملاً؛ لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ, كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا" رواه البخاري.
والسنةُ في هذه الحالة أنْ يقول الْمؤذن: صلوا في رحالكم, ولا ينبغي له التردّد في قولها إذا وُجد المطر والحرج, ولو لم يقلها الْمؤذن: فيجوز الصلاة في البيوت عند المطر والوحْل.
وينبغي التَّنَبُّه, إلى أنَّ مَنْ كان معذوراً في ترك الجماعة, لمرضٍ أو مطرٍ ونحوِهِما, أو لا تجب عليه الجماعةُ في الأصل, كالمرأة, فإنه لا يجوز لهم الجمع في بيوتهم.
وإذا أراد الإمام أن يجمع, ولم يكن هناك سببٌ قويٌّ للجمع, فالواجب على المأمومين أنْ ينصحوا الإمام قبل أن يشرع في الجمع؛ لأن الجمع بدون عذرٍ شرعي كبيرةٌ من كبائر الذنوب, والصلاة الثانية لا تصح؛ لأنها صُلِّيَتْ قبل وقتها, فإن أصرَّ على أن يجمع, فلا تنصرفْ أمام الناس, بل ينبغي له أنْ يُصلِّيَها معهم وينويَها نافلة, فإذا جاء وقت العشاء أو العصر فلْيُصَلِّها؛ وذلك لأن خروجه في هذه الحال يؤدي إلى الشقاق والنزاع, والكراهيةِ منه أو عليه.
قال ابن عثيمين -رحمه الله-: "إذا جمع الإمام بدون سبب، فإن كان المأموم يرجو أن يجد جماعة في وقت العشاء, فليُصَلِّ معهم وينوها نافلة؛ لئلا يشق عصا الناس، وإن كان لا يرجو جماعةً فليصلها فرضاً وتجزؤه؛ لأن الجمع من أجل إدراك الجماعة جائز". اهـ.
ومَن جاء وقد فرغ الإمام من الجمع بين الصلاتين, فإن حضرتْ جماعةٌ, فلا بأس بالجمع, وإنْ انتظر ولم يأت أحدٌ فلا يَجْمعُ لوحده؛ لأن الجمع لم يُشرع إلا لإدْراك الجماعة, وإلا لقيل للناس: اذهبوا إلى بيوتكم, وإذا دخل وقتُ العشاء أو العصر فصلوها في بيوتكم فُرادى.
واعلموا - عباد الله- أنَ من صلى خلف إمامٍ لم يجمع بين الصلاتين, فلا ينبغي أن يذهب إلى مسجدٍ آخر ليجمع العشاء؛ لأنه فَصَلَ بين الصلاتين المجموعتين بفاصلٍ كثير, بل ذهب بعض العلماء إلى بطلان صلاته.
سُئل الإمام ابنُ بازٍ -رحمه الله-: في ليلةٍ مطيرةٍ صلينا المغرب فقط, ولم نجمع, وسمعت المسجد الآخر يصلي, فذهبت إليه وصليت معهم العشاء, فما حكم فعلي هذا؟.
فأجاب بقوله: "عليك أن تُعيد صلاة العشاء, التي صليتها في مسجدٍ غيرِ المسجد الذي صليت المغرب فيه, وذلك لعدم تحقُّقِ الجمع, لِمَا حصل بين الصلاتين من الفاصل الطويل". اهـ.
وقال ابن عثيمين -رحمه الله- فيمن فعل مثل ذلك:" أرى أن هذا يشبه من سافر في رمضانَ مِن أجل أنْ يُفطر, والعلماءُ قالوا: إذا سافر في رمضان مِن أجل أنْ يُفطر حرم عليه السفر والفطر؛ لأن هذا الرجل لم يذهب من أجل الرخصة, لكنْ يريد أن يتخلص من الصلاة, فكأنه يقول: أرحنا من الصلاة, ولا يقول: أرحنا بالصلاة. أرى مثل هذا إن لم تكن صلاته باطلة, فهي إلى البطلان أقرب منها إلى الصحة". اهـ.
ومن جمع صلاة العشاء مع المغرب جمع تقديم, من أجل عذرٍ شرعي، جاز الوتر بعدها، وتأخيرُه إلى آخر الليل أفضل إنْ أمكن.
وإذا جمع في الحضرِ بين الظهر والعصر, جمع تقديمٍ أو جمع تأخيرٍ، فإنه يصلي راتبة الظهر بعد العصر؛ لأن لها سبباً، وفعلُ ذوات الأسباب في وقت النهي لا بأس به.
وبالنسبة للأذكار: فلو سبَّح ثلاثاً وثلاثين للأولى, ثم سبَّح مثلها للثانية, وهكذا في الحمدِ والتكبير, ثم يختم ذلك بالتشهد مرتين فلا بأس, ولو بدأ بأذكار الثانية, ثم قضى أذكارَ الأولى فلا بأس أيضاً. مع أنه لو اكْتفى فيها بذكر واحدٍ لَأجزأه.
اللهم علِّمنا ما ينفعُنا, وانفعنا بما علَّمتنا, وارزقنا السداد في القول والعمل, وجنِّبنا الخطأ والزلل, برحمتك يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: إنَّ هذا الغيثَ والمطرَ الذي أنعم الله به علينا, واسْتمتع به الكثير منَّا, وانْشرحتْ لقدومه الصدور, وانْزاحتْ برؤيته الهمومُ والغموم، هو نفسُه الذي أغرق الله به بعضَ الدُّول والأمم, وشرَّد به أقواماً وأهلك آخرين.
أمضينا ليلةً واحدةً ماطِرة, فما إنْ طلع الفجر, حتى رأينا وجهَ الأرض ومعالِمَها قد تغيَّرت, فإذا بالوديان والشِّعاب تجري, والسدود مُمْتلئة, والبحيرات والْمُستنقعات في كلِّ مكان, أليس ذلك من آيات الله وآلائِه التي تدلُّ على عظمته ولُطْف تدبيره؟!.
كم ليلةٍ أصبح العباد منها وكأنما قاموا من قبورهم مِن هول ما أصابهم في ليلتهم! ففي إحدى البلدان, ضربهم زلزالٌ وهُم نيام, فأصبحوا لا يعرفون معالم بلدهم, الشوارع قد تصدَّعت, والبيوت قد انْهَدَمَتْ, ولا يسمعون إلا النحيبَ والصياح, ولا يدرون إلى أين يذهبون, ولا إلى أيِّ مكانٍ يأوون!.
وبعضهم اجتاحتهمُ السيولُ والأمطار, وأغرقتهمُ الشواطئ والبحار, حتى داهمهم على بُعد مئات الأمتار, وما ربك بظلاَّمٍ للعبيد: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].
ولذلك كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، إِذَا رَأَى مَخِيلَةً فِي السَّمَاءِ- أي سحابةً يُخال ويُظَنُّ فيها المطر-، أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، وَدَخَلَ وَخَرَجَ، وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَإِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ سُرِّيَ عَنْهُ، أي: ذهب عنه الخوفُ والوجل.
قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فقلت يَا رَسُولَ اللهِ, أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ؟ فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، مَا يُؤَمِّنُنِي –أَيْ: مَا يَجْعَلُنِي آمِنًا- أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: (هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا)" متفق عليه.
فاحمدوا الله أنْ أغاثَنا الله بالأمطار والخيرات, وجمَّل أرضنا بالشعاب والبحيرات, وجعل هذه الأمطار رحمةً وبركةً علينا, وسلَّمنا من الأضرار الناجمةِ عنها.
ولْنقابل هذه النعمةَ بالشكر والثناء, (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً) [النساء:147].
فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيمِ سلطانك.