الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
قال ابن عثيمين رحمه الله: "لكن يُستثنى مِن هذا الوِتر، فإن الوِتر يجوز أن يزيد الإِنسان فيه على ركعتين، فلو أوتر بثلاثٍ جاز، وعلى هذا, فإذا دَخَلَ الإِنسان بالوتر, بنيَّة أنه سيصلِّي ركعتين, ثم يُسَلِّم ثم يأتي بالثالثة، لكنه نسي فقام إلى الثالثة بدون سلام، فنقول له: أتمَّ الثالثة؛ لأن الوتر يجوز فيه...
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنَّ الله تعالى, جعل مَن طبيعة البشرِ السهوُ والنسيان, وقد حصل ذلك لنبيِّنا عليه الصلاة والسلام حيث قال: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ"[البخاري (401), ومسلم (1311)].
وأكثر ما يكون السهو في الصلاة, لكثرتها وحرصِ الشيطان على إبطالها, وقد حُفظ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم, أنه سها في صلاته في خمسةِ مواضع [الشرح الكبير 4/5, زاد المعاد 1/280].
واعلموا أنَّ أسبابَ سجودِ السَّهوِ ثلاثة: الزيادةُ والنقصُ والشك, فلْنأخذ حُكْمها من فعله صلى الله عليه وسلم, ونستنبطُ الأحكام منها, فذلك أدعى لفهمها وحفظها:
السببُ الأول من أسباب سجود السهوِ: أن تكون نقصاً في الصلاة, فسجود السهو يكون قبل السلام.
فمرةً صَلَّى الظُّهْرِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, لكنه لَمْ يَجْلِسْ للتشهد الأول, فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قبل السلام, ثُمَّ سَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ.[البخاري (1225) ومسلم (1298)].
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم, ترك واجبًا من واجبات الصلاة, وهو التشهدُ الأوَّل والجلوسُ له, فجَبَرَه بسجود السهو قبل السلام.
وصَلَّى مرةً صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الْعَصْرِ, فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ, فلمَّا سلَّم وأُخبر بالنقص, أَتَمَّ مَا بَقِي مِنَ الصَّلاَةِ, ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ[البخاري (482) ومسلم (1322)].
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم, ترك ركنًا من أركان الصلاة, وهو الركعتين الأخيرتين من صلاة العصر, فلما سلم وأُخبر بذلك أتى بما ترك, -ولم يكتف بسجود السهو-, وسجد للسهو بعد السلام؛ لأنه في الحقيقة زاد في الصلاة, وإن كان ظاهره أنه نقَّص منها, حيث زاد الجلوس للتشهد الأخير والسلام.
وهذا ما يجهله الكثير من الناس, حيث إذا سلَّم الإمام من ثلاث ركعات من صلاةٍ رُباعية, ظنوا ذلك نقصاً في الصلاة, والحقيقةُ أنها زيادةٌ فيها, حيث زاد فيها ما ليس منها.
قال العلماء: إذا نقَّص واجباً ناسياً كالتشهُّدِ الأول ونَهَضَ، فلا يخلو من ثلاثةِ أحوال:
الحالةُ الأُولى: أن يذكره بعد أن ينهض، أي: بعد أن تفارق فخذاه ساقيه، وقبل أن يستتمَّ قائماً، ففي هذه الحال يجلس ويتشهَّد، ويتم صلاته، ويسجد للسَّهو بعد السلام.
الحالة الثانية: أن يذكره بعد أن يستتمَّ قائماً، فيحرم عليه الرُّجوع ، سواءٌ شرعَ في القِراءة أم لم يشرعْ [هذا قول الشافعية واختيار الشيخ السعدي وابن عثيمين, المنهاج 1/ 40, المختارات الجلية للشيخ السعدي: 38, الشرح الممتع 3/376, والمذهب: أنه إذا ذكره بعد اعتداله قائما وقبل شروعه في القراءة: فالأولى أن لا يرجع, وإن رجع جاز، الشرح الكبير 4/59].
الحالة الثالثة: إذا ذَكَرَ قبل أن ينهض، أي: تأهَّب للقيام، ولكن قبل أن ينهض وتفارق فخذاه ساقيه، ذَكَرَ أنه لم يتشهَّد فإنه يستقرُّ ولا يجب عليه السُّجود في هذه الحال؛ لعدم الزيادة وعدم النقص[المختارات الجلية للشيخ السعدي: 38, الشرح الممتع 3/376].
ودليل ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، فَإِذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا فَلَا يَجْلِسْ, وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ"[رواه ابن ماجة (1208), وصححه الألباني في صحيح وضعيف ابن ماجة].
وإذا سلم المصلي قبل تمام صلاته ناسياً, ولم يذكر إلا بعد زمنٍ طويلٍ: فالواجب عليه أنْ يُعيد الصلاة من جديد.
وإن ذكر بعد زمنٍ قليل, كخمس دقائقٍ أو عشر, ولو خرج من المسجد, أو دخل في صلاةٍ أخرى: فإنه يكمل صلاته, ويسجد للسهو بعد السلام.
والسبب الثاني من أسباب سجود السهوِ: الزيادةُ في الصلاة, فمن زاد في صلاته فلْيسجد بعد السلام, ودليل ذلك, أنه صلى الله عليه وسلم, صَلَّى الظُّهْرَ مرَّةً خَمْس ركعات, فَلَمَّا سَلَّمَ وأُخبر بالزيادة: اسْتقبل القبلة وسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ[البخاري (404) ومسلم (1312)].
فإذا زاد المصلي في صلاته ركناً, كالقيام أو الركوع ناسياً, ولم يذكر الزيادة حتى فرغ منها: فليس عليه إلا سجود السهو, وصلاته صحيحة.
وإن علم بالزيادة في أثنائها: وجب عليه الرجوعُ عنها بدون تكبير, وسجود السهو بعد السلام وصلاته صحيح.
قال العلماء: "ولو قام إلى الثالثة في صلاة الليل فهو كما لو قام إلى ثالثة في الفجر"[الشرح الكبير 4/11].
يعني: أنه لو صلى في قيام الليل ركعتين ركعتين, لكنه نسي مرَّةً فقام إلى الثالثة, فلما ذكر قال في نفسه: أجعلها أربع ركعات, فهذا لا يصح, كما لو قام إلى الركعة الثالثة في الفجر متعمدًا.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "لكن يُستثنى مِن هذا الوِتر، فإن الوِتر يجوز أن يزيد الإِنسان فيه على ركعتين، فلو أوتر بثلاثٍ جاز، وعلى هذا, فإذا دَخَلَ الإِنسان بالوتر, بنيَّة أنه سيصلِّي ركعتين, ثم يُسَلِّم ثم يأتي بالثالثة، لكنه نسي فقام إلى الثالثة بدون سلام، فنقول له: أتمَّ الثالثة؛ لأن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين" ا.هـ. كلامه رحمه الله [الشرح الممتع 3/ 344].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشأنه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه (صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه) وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
عباد الله: والسبب الثالث من أسباب سجود السهوِ: الشك في الصلاة:
والشك في الصلاة له حالتان:
الحالة الأولى: أن يشك في الصلاة ولا يترجح له شيء, فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا, سَجَدَ مرةً أو مرَّتين: فإنه يبني على اليقين, واليقين هو الأقل, ثم يسجد قبل السلام.
ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صَلاَتِهِ, فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا, فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ, ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ, فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاَتَهُ, وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ"[رواه مسلم(1300)].
الحالة الثانية: أن يشك في الصلاة, لكنَّه ترجَّح وغلب على ظنه شيء: فإنه يبني على ما غلب على ظنه ويعملُ به, ثم يسجد بعد السلام.
ودليل ذلك قوله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ, فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ, ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ"[البخاري (401), ومسلم (1302)].
وَفِى رِوَايَةٍ لمسلم: " فَلْيَنْظُرْ أَحْرَى ذَلِكَ لِلصَّوَابِ ".
قال العلماء: لا يُلتفَت للشك في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: إذا طرأ الشكُّ بعد انتهاء الصَّلاة، فلا يُلتفت إليه.
الموضع الثاني: إذا لم يكن الشَّكُّ حقيقيًّا بل وهماً، أي: طرأ على الذِّهن ولم يستقر، كما هو الحال عند الموسوسين، فلا عِبْرَة به أيضًا.
الموضع الثالث: إذا كَثُرت الشُّكوك مع الإِنسان, حتى صار لا يفعل فِعْلاً إلا شَكَّ فيه، إنْ توضأ شَكَّ، وإنْ صَلَّى شَكَّ، وإن صام شَكَّ، فهذا أيضًا لا عِبْرَة به[الشرح الممتع 3/ 379].
هذا, وللكلام بقيةٌ بحول الله تعالى, نسأل الله تعالى يُفقِّهنا في دينه, وأنْ يثبتنا على شريعته وملَّته, إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.