القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | محمد بن أحمد السماعيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
المعلم -أيها الأحبة-: هو صاحب اللبنة الأولى في الأمة، فهل رأيتم العالم الداعية الذي يحمل هم دينه وتلتف حوله الجماهير، ويثني عليه الناس لديه، أم أبصرتم القاضي الذي يحكم في دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، أم قابلتم الجندي الذي يقف في الميدان حامياً لعرض الأمة، وحارساً لثغورها، كل..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه بالحق والهدى، بعثه في الأميين يتلو عليهم آياته ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، وقد كانوا قبله في ضلال وعمي، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين حازوا ميراث الأنبياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم واقتفى.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه.
واعلموا -رحمكم الله تعالى- أنكم في زمان قد كثرت فيه الوسائل التعليمية، وتطورت فيه الميادين التربوية، وإن من أهم الميادين التعليمية، وأعظمها أثراً، ما يتلقاه الأفراد في المؤسسات التعليمية من مدارس ومعاهد، وكليات وجامعات.
هذه الدور التي تحتوي أثمن ما تملكه الأمة، تحتضن الثروة البشرية، رجال الغد وجيل المستقبل، ثروة تتضاءل أمامها كنوز الأرض جميعها، هذه الدور تقوم على معلم، ينشر العلم، ويبذل النصيحة، وعلى طالب يطلب العلم، ويتلقى الفضيلة، وعلى ولي أمر يهمه كل منهما.
وكل من هؤلاء في يده أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة، هو مسئول عنها أمام الله –تعالى-.
أما المعلم فهو حامل رسالة العلم، ومنشئ الأجيال، ومربي الرجال، ومعلم الناس الخير، يصلي عليه الرحمن، وتصلي عليه ملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، فأي منزلة عالية يبلغها المعلم.
المعلم -أيها الأحبة- هو صاحب اللبنة الأولى في الأمة، فهل رأيتم العالم الداعية الذي يحمل هم دينه وتلتف حوله الجماهير، ويثني عليه الناس لديه، أم أبصرتم القاضي الذي يحكم في دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، أم قابلتم الجندي الذي يقف في الميدان حامياً لعرض الأمة، وحارساً لثغورها، كل أولئك إنما جاؤوا من قنطرة التعليم، وعبروا من بوابة الدراسة، وقد كان لهم ولا شك معلمون ولم يعدموا مدرساً ناصحاً، وأستاذاً صادقاً.
أيها المعلمون: إن التعليم مسؤولية عظيمة، تتطلب من المعلم: أن يكون مخلصاً في عمله؛ إذ الإخلاص خصلة تواطأ العلماء على الوصاة بها.
قال الإمام النووي: "يجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله، وألا يجعله وسيلة إلى غرض دنيوي".
كما يجب على المعلم: أن يكون قدوة صالحة لتلاميذه، فالتناقض بين القول والعمل، والظاهر والباطن، وازدواجية التوجيه كل ذلك من أكبر مشكلات الجيل المعاصر؛ وذلك كله نبات بذرة خبيثة، ألا وهي عدم العمل بالعلم، فالمأمول منك أيها المعلم أن تساهم في اجتناب هذه النبتة السوء لا أن تساهم دون قصد في سقيها، فإنك إن فعلت ذلك فإنما توبخ نفسك.
يقول ابن مسعود: "من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبخ نفسه".
كما أن حسن المنطق للمعلم أمر ضروري؛ إذ هو معيار من معايير تقويم الشخصية، وحتى حين المعاتبة والمحاسبة لا يليق التجاوز ورمي الكلمات من غير مبالاة، وتصنع الكلمة الطيبة في نفس الطالب وتؤثر فيه، وفي المقابل فالكلمة الجارحة تهدم أسوار المحبة، وتقضي على المودة والمحبة.
الخطبة الثانية:
وأما أنت يا طالب العلم فقد أحسنت الطريق حينما سلكت طريق التعلم؛ إذ هو طريق الجنة، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة".
فاتق الله في حياتك ودراستك وأعمالك؛ لأن تقوى الله من أسباب تحصيل العلم النافع؛ كما قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)[البقرة: 282].
وإن من أهم ما يوجه إليه انتباه الطلاب هو: احترام من يقدم العلم لهم، فاحترام الأستاذ والشيخ عنوان النجاح والفلاح.
واسمع إلى ما يقوله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حق المعلم: "إن من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال ولا تعينه في الجواب، وأن لا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشي له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطلبن عشرته، وإن زل قبلت معذرته، وعليك أن توقره وتعظمه ما دام يحفظ أمر الله، ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته".
ولقد ضرب السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- المثل العليا في التأدب مع أساتذتهم، فهذا ابن عباس ابن عم رسول الله ج يجيء إلى بلغة زيد بن ثابت ليأخذ بركاب زيد بن ثابت، فيقول زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول ابن عباس: هكذا يفعل بالعلماء الكبراء.
وكان هارون بن زياد مؤدباً للخليفة الواثق بالله، فلما تولى الواثق الخلافة دخل عليه هارون فبالغ في إكرامه، فلما خرج قيل له: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا الذي أول من فتَّق لساني بذكر الله، وأدناني من رحمة الله تعالى.
إن سبب عدم انتفاع طلبة العلم بما يلقى عليهم يرجع إلى عدم توقيرهم للمعلم واحترامهم له، فمن لا يتجرأ عليه جهراً يتجرأ عليه سراً؛ إذ تجد كثيراً من الطلاب والطالبات همهم في الفسح الوقوع في أعراض أساتذتهم، ونبذهم بالكلام السيء البذيء، وهذا بلا شك منكر عظيم، وغيبة ذميمة، يجب على المسلم الترفع عنه.
أيها المسلمون: إن الدور التعليمية لا يكتمل بناؤها إلا برجل خارج المدرسة ببدنه لكنه فيها بحرصه ومتابعته ألا وهو ولي أمر الطالب، فهو أكثر الناس حرصاً على أولاده؛ إذ أن عاطفة الأبوة من أعظم العواطف رقة وتأثراً، تدفع لهم دون عد أو حصر، وتسأل عن مطالبهم دون كلل أو ملل، وقد يظن بعض الآباء أنه بتوفير لوازم المدرسة وحاجاتها قد أدى ما عليه وانتهى دوره، وهذا من القصور؛ لأن مسؤولية الوالد لا تنتهي عند هذا، بل عليه متابعة أبنائه في دراستهم وغيرها، يختار جلساءه، ويعرف ذهابه وإيابه، يصحبه إلى المساجد والمجامع النافعة، يعلمه مكارم الأخلاق، ويحثه عليها، يصوِّب خطأه ويشكر صوابه.
هذا ما يتعلق به خارج المدرسة، أما في المدرسة فعلاقة الوالد بمدرسة ولده علاقة رحم لا ينبغي أن تنقطع، فزيارة الوالد لمدرسة ولده والالتقاء بالمدرسين، وأخذ آرائهم، ومتابعة تحصيل ولده السلوكي والعملي أمر محمود للوالد ومردود إيجابي على الولد، وهذا كله من باب البر والتقوى، وقد قال الله –تعالى- في كتابه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة:2].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.