الغفور
كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...
العربية
المؤلف | الشيخ د عبدالرحمن السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
وفي هذا العصر والأوان استقَى أقوامٌ كثيرًا من المزالِّ من مشارِب أهل الزَّيْغ والضلال، فتكاءَدوا قبولَ الأحاديث النبوية التي يردُّها -بزعمِهم- الواقعُ المحسوس، أو يمجُّها هوى عقلِهم المنكوس، أو تتعارَضُ والطبَّ الحديث المدروس، وتتمانَعُ وكرامةَ النفوس. لأنها -بزعمهم المطموس- تُجمِّدُ تحرُّر العقل الوقَّاد من إشراقِه، وتُصفِّدُ الفِكرَ المُبدِع دون انطِلاقِه، وتلك هي قاصِمةُ الظهر، ورزِيَّةُ الدهر؛ حيث يُمجِّدون العقل، ويُقدِّمونَه على...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، لك الحمدُ ربَّنا حمدًا لا ينقضِي ولا يتوانى، حمدًا يتْرَى سرًّا وإعلانًا.
فحمـدًا ثم حمدًا ثم حمدًا | لربِّ العالمين بلا توانِي |
وشُكرًا ثم شُكرًا ثم شُكرًا | له في كل أوقاتٍ وآنِ |
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أولانا شريعةً مُباركةً وقُرآنًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه أعظمُ المُرسلين حُجَّةً وبُرهانًا، وأُسوةُ المسلمين تسليمًا للوحي وإذعانًا، اللهم صلِّ عليه وعلى آله الزَّاكِين نفوسًا، الرَّاجِحين عقولاً وأذهانًا، وصحبِه الأُلَى وقَّروا نصوصَ التشريع فكانوا كُماةً في التعظيم وفُرسانًا، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا مُبارَكًا مُعطَّرًا مُزدانًا.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حقَّ تُقاته؛ فتقواه -سبحانه- هي العزُّ المُنتضَى، والهديُ السنِيُّ المُرتضَى، وبها تُحقِّقُون الفوزَ والنصرَ والرِّضا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
تقوى القلوبِ هي السبيلُ إلى العُلا | وهي الصـراطُ المُستـقيمُ قبولاً |
فـلنتَّـقِ اللهَ الـذي هـو ربُّنـا | فـلـه الثَّنـاءُ مُرتَّلاً وجميـلاً |
أيها المسلمون: على حين فترةٍ من الرُّسُل هبَّت النسائمُ النديَّة للرسالة الإسلامية بتشريعاتها السنيَّة، فاعتنقَتها فِطرُ أُمم الأرض السويَّة دون تأبٍّ أو التِياث طويَّة، إلى أن خلفَت خلوفٌ انبجَسَت عنهم قضيَّةٌ عقديَّةٌ وأيُّ قضيَّة! طاشَت لها النُّهَى وطارَت، وأفلَت شُهُب الدُّجَى وغارَت.
وفي عصرِنا الرَّاهِن وتحديدًا أوانُنا هذا استأنَفَت رواجَها، ومجَّت مِلحَها وأُجاجَها، فألهبَت من غيرَة المسلم ضِرامَها، والأناةُ والروِيَّة دونَها، هيهات تُدرِك مرامَها؛ لأنها في الدين أبتَرُ من الحُسام الوالِج، وفي الهدي الشريف أنكَى وقعًا من السَّهم الزَّالِج، تلك -يا رعاكم الله- هي: قضيَّةُ تحكيم العقل بين يدي صحيح النَّقل، والاجتراء على مُقدَّس النصوص بمحض الآراء والأهواء ذات النُّكوص.
فشاهَت الفُهوم، وتمرَّدت الحُلُوم، وصُوِّبَت تلقاء الحقِّ الرُّجُوم، وشُخِّصَت حِيالَها بالعُبُوس والوُجوم، عياذًا بالله.
معاشر المسلمين: وهذه القضيَّة التي تشبَّع بها كثيرٌ من المشارِب، وانساقَ خلفَها فِئامٌ فأُركِسُوا في حمأة الغياهِب، قد حسمَها الإسلام، وجلاَّها أيَّما تجلية أساطينُه الأفذاذُ العِظام، قال -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات: 1].
فهذه الآيةُ الكريمةُ أصلٌ في استِئخار العقل بين يدي نور النَّقل، كما هي أصلٌ عظيمٌ في وجوب تعظيم النصِّ الشرعيِّ كتابًا وسُنَّة، والانقياد لهما عملاً وتحكيمًا، وخضوعًا وتسليمًا.
قال الإمام ابن تيمية النِّحرير قولاً غايةً في التأصيل والتحرير، يقول -رحمه الله-: "فكان من الأصول المُتَّفق عليها بين الصحابة والتابعين أنه لا يُقبَل من أحدٍ أن يُعارِضَ القرآن برأيه ولا ذوقِه، ولا معقولِه ولا قياسِه ولا وجدِه، قال -جلَّ اسمُه-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]. وما تعظيمُها إلا إجلالُها بالتحاكُم والإذعان لها".
ومن آكَد تلك الشعائِر: الكتاب والسنَّة النورُ والضياءُ في الدُّجُنَّة، وذلك ديدَنُ أهل الإيمان، وسَمتُ أهل الرِّضوان.
يقول الإمام العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "أولُ مراتب تعظيم الحقِّ -عز وجل- تعظيم أمره ونهيِه، ويكونُ المؤمن بحسبِ هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالإيمان والتصديق، وصحة العقيدة، والبراءة من النفاق الأكبر".
ولله درُّ الإمام الشاطبيِّ -رحمه الله- في قولِه: "المقصِدُ الشرعيُّ من وضع الشرعية: إخراجُ المُكلَّف عن داعية هواه حتى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبدٌ لله اضطرارًا". انتهى كلامُه -رحمه الله-.
وما إخراجُه عن داعية هواه إلا للسُّمُوِّ به في معارِج تعظيم الوحيَيْن الشريفيْن، ومُقتضاه الامتِثالُ للأوامر واكتِسابُها، والانتِهاءُ عن المناهِي واجتِنابها، والوَجلُ من التقديم بين يدي الرسول الكريم -عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم-.
إخوة الإسلام: وفي هذا العصر والأوان استقَى أقوامٌ كثيرًا من المزالِّ من مشارِب أهل الزَّيْغ والضلال، فتكاءَدوا قبولَ الأحاديث النبوية التي يردُّها -بزعمِهم- الواقعُ المحسوس، أو يمجُّها هوى عقلِهم المنكوس، أو تتعارَضُ والطبَّ الحديث المدروس، وتتمانَعُ وكرامةَ النفوس.
لأنها -بزعمهم المطموس- تُجمِّدُ تحرُّر العقل الوقَّاد من إشراقِه، وتُصفِّدُ الفِكرَ المُبدِع دون انطِلاقِه، وتلك هي قاصِمةُ الظهر، ورزِيَّةُ الدهر؛ حيث يُمجِّدون العقل، ويُقدِّمونَه على صحيح النَّقل.
وهي لوثةٌ اعتِزاليَّةٌ استِشراقيَّة، ونَعرةٌ فِكريَّةٌ وطائفيَّة، تتمدَّحُ المنهجَ العقلانيّ في التعامُل مع النصوص الشرعيَّة، وتُؤوِّلُها وفقَ الظروف التاريخية والاجتماعيَّة والسياسيَّة والواقعيَّة بما يفتحُ بابًا لأهل الأهواء لبثِّ سُمومهم، وسُخف حُلومهم.
يقول تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65]. تسليمَ الاستجابة والإخلاص، والصدق والخلاص، الخلاص من نوازع الهوى، ونزَغَات الرَّدَى.
يا ليت شِعرِي! أيُّ عقلٍ يُوزَنُ | به الكتابُ والهُدى والسُّننُ |
فكـلُّ مؤثِرٍ على النَّقل الهوَى | حلَّ عليه غضبٌ فقد هوَى |
في الأثر عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "إذا حدَّثتُكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فظنُّوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه".
وقد وردَت عن الشافعيِّ -رحمه الله- إشراقةٌ في التعظيم، وومضَةٌ في إعزاز النصِّ الكريم في قولِه -رحمه الله-: "يسقُطُ كلُّ شيءٍ خالفَ أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يقومُ معه رأيٌ ولا قياسٌ؛ فإن الله قطعَ العُذرَ بقولِه -صلى الله عليه وسلم-".
وقال أبو الطاهر السلَفيُّ -رحمه الله-: "كل من ردَّ ما صحَّ من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يتلقَّه بالقبول ضلَّ وغوَى؛ إذ كان -صلى الله عليه وسلم- لا ينطِقُ عن الهوَى".
الله أكبر! لله ما أروعَ هذا القولَ النورانيَّ الحصيف، المُضمَّخ بتعظيم النصِّ الشريف، وجوهرِه المُنيف؛ لأن قولَه -صلى الله عليه وسلم- حقٌّ ويقين، وقولَ سِواه -وإن علا- ظنٌّ وتخميم. ولكن
ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ | يجِد مُرًّا به الماءَ الزُّلالَ |
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وسائرُ المسلمين مُتَّفقون على أن ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا تُدرِكه كل الناس بعقولِهم، ولو أدرَكوه بعقولهم لاستغنَوا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-". انتهى كلامه -رحمه الله-.
لأن الحقَّ -تبارك وتعالى- جعل للعقول وإدراكِها حدًّا تنتهي إليه في الاستِنباط لا تتعدَّاه، وتعجزُ عنده ولا تتحدَّاه، وهذا ليس إلغاءً للعقل ودلالته، كلا؛ بل العقلُ الصريحُ شرطٌ في معرفة العلوم وكمال الأعمال وصلاحِها، وهو أحدُ الكليات الخمس التي جاء الشرعُ بحفظِها ورعايتِها.
كما أن الاستدلال به ليس مُطلقًا؛ بل بضوابط منهجيَّة، وقواعد مرعيَّة تضبِطُ مسارَه، وتحدُّ جنوحَه وانحِدارَه، لئلا يتقحَّم أسوارَ الدين رُويبضةُ العقلانيين، فيتشدَّقُ بسواد بيانِه، وإفكِه وبُهتانِه.
هوايا نُصوصٌ والغرامُ نُقولُ | هيهاتَ يُخلِفُ المنقولَ معقولُ |
والقاعدةُ الذهبيَّة: "موافقةُ صحيح المنقول لصريح المعقول".
أيها المؤمنون: ومن عُرر المنهَج العقلانيِّ: ردُّ أحاديث الآحاد الصحيحة التي تلقَّتها الأمةُ بالقبول، وذاك الردُّ شُنعةٌ شريحة، وطعنٌ وتشكيكٌ في عُظماء الرجال جهابِذة التخريج والتوثيق، والتثبُّت والتدقيق، والتضعيف والتصحيح، والتعديل والتتنقيح. وهم من هُم لله ردُّهم في الورع والحفظ الديانة، والضبط والأمانة.
وما ذاك إلا مئِنَّةٌ على تعظيمهم للنصوص وتوقيرها، وإجلالِهم لها وتقديرها، وينسلِكُ في ذلك ما كان عليه الإمام مالك من تبجيل الهدي الشريف، فلا يُحدِّثُ إلا في أجمَل حُلَّتِه وأكمل هيبَته؛ تعظيمًا للنصِّ النبوي وتكريمًا.
إن الذي منعَ الحرامَ هو الذي | شرعَ الحلالَ لنا وكلَّ مُفيدِ |
أفتُؤمنون ببعضِه وببعضِه تتها | ـوَنون، أذاكَ فعـلُ رشيدِ |
فيا أمة الإسلام، يا أتباع سيِّد الأنام -عليه الصلاة والسلام-: أيُّ نائِبةٍ تلك التي تُصيبُ الأمة حينما تُهاجِمُ مصدرَي هدايتها وسعادتها في عمدٍ وإصرارٍ، وتُقدِّمُ أضاليلَ عقول البشر على قولِ المُرسَل بالحقِّ والبِشَر -صلى الله عليه وسلم-؟!
أين الخُضوع الوِجدانيُّ التامُّ لنصوص سيِّد الأنام -عليه الصلاة والسلام-؟!
ربَّاه ربَّاه؛ إنه الخُلُق المنكور، والقولُ المدحور، والرأيُ النَّزِقُ المحطور الذي سفسطَ لإشباع رغبَات العقل المُمارِي لا لإشباع أشواق القلب المُتألِّه السارِي.
وَايْمُ الحقِّ؛ إن من جنفَ بإيمانه دون التعظيم والإذعان والتسليم والامتِنان لمُقدَّس النصوص فقد باءَ بالخَوَر والنَّصَب، وتردَّى من شاهِقٍ في الهلَكة والعطَب، والجنايَةِ والتبِّ، وسوء المُنقلَب.
فعلى الأمة جمعاء شدُّ رِكابِها صوبَ هذه الفاقِرة الخطيرة، فاقِرة التعقلُن حيالَ النصوص، لصدِّ زخَّارِها وأتيِّها، ودحرِ عتيِّها وأبيِّها، نُصرةً لدين الله، وحِفظًا لشرع الله، وذبًّا عن سُنَّة الحبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) [المجادلة: 20]، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].
إن أُريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ وإليه أُنيبُ.
باركَ الله لي ولكم في نصوص الوحيَيْن، ونفعَنا وإياكم بسُنَّة سيِّد الثَّقلَيْن، وعصمَنا من الخُلف عنها والنُّكوص والبَيْن، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله تقدَّسَ عظمةً وعلوًّا وجلالاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعنُو لها القلوبُ خُضوعًا وامتِثالاً، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه الذَّائِدين عن حِمَى النصوص أقوالاً وأفعالاً، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله في تعظيم النصوص، وجمِّلوا به إيمانَكم على وجه العُموم والخُصوص؛ يكُن شأنُكم في قوَّةٍ صفًّا كالبُنيان المرصُوص.
أيها الإخوة الأحبَّة في الله: لا مِراءَ أن الإسلام كان ولا يزالُ جليًّا في نصوصه، مُبهِرًا في قواعده وأحكامه، ومن عُمِّي عليه منه شيءٌ فلأجل رغبَاتِه وأهوائِه التي صدَّتْه دون الحقِّ وصفائِه، ونورِ الهُدى وضيائِه، وإن الذين يتقدَّمون بعقولِهم الضَّحِلة، وآرائِهم المحِلة بين يدي تنزيل ربِّ العالمين، وهدي سيِّد المُرسَلين قد جنَحوا عن أهمِّ مبادئ الإسلام وحقائقِه، وأعظم معالمِه ودقائقِه، ألا وهي: الاستِسلام والإذعان لشِرعة الملكِ الديَّان.
ومما زادَ الطينَ بِلَّة والداء علَّة: ما تتقاذَفُه وسائلُ التواصُل الاجتماعيِّ والتِّقانات من تطاوُلٍ على الثوابت والنقليَّات والغيبيَّات، والإغراقِ في الماديَّات والعقليَّات.
وعليه -يا أمة الإسلام-، لا بُدَّ أن تُربَّى الأجيالُ والمُجتمعات على تعظيم النصوص قولاً واعتِقادًا، وعملاً وانقِيادًا، علميًّا وخُلقيًّا واجتماعيًّا؛ لأنه مِلاكُ الحِفاظ على الهويَّة الإسلاميَّة، والحِصنُ المَكينُ دون تسلُّلِ لصوص النصوص ذوي الأفكار السُّلوليَّة شطرَ ديار المسلمين الأبِيَّة.
وبذلك تعِزُّ الأمةُ وترقَى، وتبلغُ من المجد أسمَى مرقَى.
هذا، وامتثِلوا -رحمكم الله- أمرَ ربِّكم، الذي أثابَكم به أجرًا عظيمًا، وشرفًا باذِخًا عميمًا، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".
عليـك سلامُ الله ما سحَّ هاطِلٌ | وما حرَّكَت ريحُ الصَّبَا وُرقَ الغضَا |
صـلاةٌ مـن المولَى وأزكى تحيَّةٍ | على المُصطفى ما لاحَ برقٌ وأومضَ |
اللهم صلِّ وسلِّم على سيد الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين، نبيِّنا وحبيبِنا وقُدوتنا محمدِ بن عبد الله، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المُسلمين.