البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

البعث والنشور [الجنة]

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. حالُ آخِر الداخلين الجنة ناجياً من النار .
  2. حالُ آخر الداخلين الجنة ممّن عُذِّب بالنار .
  3. تناسب التأثر بذكر الجنة والنار مع الإيمان .
  4. مَشاهِدُ من الجنة .
  5. أعظم لذّات الجنة .

اقتباس

وتبدأ الحياة في الجنة، ألا تنتظرون بداية تلك الحياة؟ ألا تشتاقون لتقصّي ما في الجنة من نعيم لا نهاية للذاته، ومشاهد لا حدود لجمالها؟ إنها جزاء المجاهدة والصبر.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

في ظل جهاد إخواننا في أنحاء الشام -نصرهم الله ضد الباطنيين المجرمين من رافضة وصفويين ونصيريين- نعيش أجواء نصر قريب، (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)، وسيكون لنا مع جهادهم وقفة لاحقة إن شاء الله تعالى.

أيها الإخوة: انتهى حديثنا الماضي عند خروج المعذبين من المؤمنين من النار بشفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشفاعة سائر الأنبياء، ثم الصديقين والشهداء والصالحين، وبلوغ أولئك المعذبين الجنة.

ولكن؛ قبل بلوغهم الجنة هناك من دخل الجنة، آخر الناس قبلهم ممن لم يعذب في النار، فقد جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- في صحيح الترغيب، جاء نقل مقاله -صلى الله عليه وسلم- في وصفه لعبور الناس الصراط قوله -عليه الصلاة والسلام-: "حتَّى يمرَّ الَّذي أعطي نورَهُ على قدر إبهامِ قدمَهِ يحبو على وجهِهِ ويديهِ ورجليهِ، تُجرُّ يدٌ وتعلَقُ يدٌ وتجرُّ رِجلٌ وتعلَقُ رجلٌ، وتصيبُ جوانبَهُ النَّارُ، فلا يزالُ كذلِكَ حتَّى يخلُصَ، فإذا خلصَ وقفَ عليهم ثمَّ قالَ: الحمدُ للَّهِ! لقد أعطاني اللَّهُ ما لم يُعطِ أحدًا إذ نجَّاني منها بعدَ أن رأيتُها".

قالَ: "فينطلَقُ بِهِ إلى غديرٍ عندَ بابِ الجنَّةِ، فيغتسلُ فيه، فيعودُ إليهِ ريحُ أَهْلِ الجنَّةِ وألوانُهُم، فيرى ما في الجنَّةِ من خلالِ البابِ، فيقولُ: ربِّ أدخِلني الجنَّةَ! فيقولُ اللَّهُ تبارَكَ وتعالَى لَهُ: أتسألُ الجنَّةَ وقد نجِّيتُكَ منَ النَّارِ؟ فيقولُ: يا ربّ اجعل بيني وبينَها حِجابًا لا أسمعُ حسيسَها". قالَ: "فيدخلُ الجنَّةَ".

قالَ: "ويرى -أو يرفعُ لَهُ- منزلٌ أمامَ ذلِكَ كأنَّما الذي هوَ فيهِ إليهِ حُلمٌ ليدخُلَهُ، فيقولُ: ربِّ أعطني ذلِكَ المنزلَ! فيقولُ: فلعلَّكَ إن أعطيتُكَهُ تسألُ غيرَهُ؟ فيقولُ: وعزَّتِكَ! لا أسألُ غيرَهُ! وأيُّ منزلٍ يكونُ أحسَنَ منهُ؟"، قالَ: "فيُعطاه فينزِلُهُ".

قال: "ويرى -أو يُرفَعُ له- أمام ذلكَ منزلٌ آخرُ كأنَّما الَّذي هو فيهِ إليهِ حُلْمٌ، فيقولُ: ربِّ أعطني ذلك المنزلَ! فيقولُ اللَّهُ جلَّ جلالُهُ: فلعلَّكَ إن أعطيتُكَهُ تسألُ غيرَهُ؟ قال: لا وعزَّتِكَ لا أسألُ غيرَهُ! وأيُّ منزِلٍ يكونُ أحسنَ منهُ؟ قال: فيُعطاه فينزِلُ، ثمَّ يسكتُ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ما لَكَ لا تسألُ؟ فيقولُ: ربِّ لقد سألتُكَ حتَّى استحييتُكَ، وأقسَمتُ لَكَ حتَّى استحييتُكَ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ألم تَرض أن أُعْطيَكَ مثلَ الدُّنيا منذُ يوم خلقتُها إلى يومِ أفنيتُها وعشرةَ أضعافِهِ؟ فيقولُ: أتستَهْزئُ بي وأنتَ ربُّ العزَّةِ؟ فيضحَكُ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ من قولِهِ".

قالَ: فرأيتُ عبدَ اللَّهِ بنَ مسعودٍ إذا بلغَ بهذا المَكانَ من هذا الحديثِ ضحِكَ، فقالَ لَهُ رجلٌ: يا أبا عبدِ الرَّحمنِ، قد سَمِعْتُكَ تحدِّثُ هذا الحديثَ مرارًا، كلَّما بلغتَ هذا المَكانَ مِن هذا الحديثِ ضحِكْتَ! فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يحدِّثُ بهذا الحديثَ مرارًا، كلَّما بلغَ هذا المَكانَ من هذا الحديثِ ضحِكَ حتَّى تبدُوَ أضراسُهُ.

قالَ: "فيقولُ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ: لا، ولَكِنِّي على ذلِكَ قادرٌ، سَل؛ فيقولُ: ألحِقني بالنَّاسِ، فيقولُ: الحق بالنَّاسِ".

قالَ: "فينطلقُ يرمُلُ في الجنَّةِ، حتَّى إذا دَنا منَ النَّاسِ رُفِعَ لَهُ قصرٌ من درَّةٍ فيخرُّ ساجدًا، فيقالُ لَهُ: ارفع رأسَكَ، ما لَكَ؟ فيقولُ: رأيتُ ربِّي، أو تراءى لي ربِّي، فيقالُ لَهُ: إنَّما هوَ منزلٌ من مَنازلِكَ!".

قالَ: "ثمَّ يَلقى فيها رجلًا فيتَهَيَّأُ للسُّجودِ، فيقالُ لَهُ: ما لَكَ؟ فيقولُ: رأيتُ أنَّكَ ملَكٌ منَ الملائِكَةِ، فيقولُ له: إنَّما أَنا خازنٌ من خزَّانِكَ، عبدٌ من عبيدِكَ، تحتَ يدي ألفُ قَهْرمانٍ -أي خادم- على مثلِ ما أَنا عليهِ".

قالَ: "فينطلقُ أمامَهُ حتَّى يَفتحَ لَهُ القصرَ"، قالَ: "وَهوَ في درَّةٍ مجوَّفةٍ سقائفُها وأبوابُها وأغلاقُها ومفاتيحُها منها، تستقبلُهُ جوهرةٌ خضراءُ مبطَّنةٌ بحمراءَ، كلُّ جوهرةٍ تُفضي إلى جوهرةٍ على غيرِ لونِ الأخرى، في كُلِّ جوهرةٍ سررٌ وأزواجٌ ووصائفُ، أدناهُنَّ حوراءُ عيناءُ، عليها سبعونَ حُلَّةً يُرى مخُّ ساقِها من وراءِ حللِها، كبدُها مرآتُهُ، وكبده مرآتها، إذا أعرضَ، عنها إعراضةً ازدادت في عينِهِ سبعينَ ضعفًا، عمَّا كانت قبلَ ذلِكَ -أي: بالحسن- فيقولُ لَها: واللَّهِ لقدِ ازدَدتِ في عيني سبعينَ ضعفًا، فتقولُ لَهُ: واللَّه واللَّهِ! أنت لقدِ ازددتَ في عيني سبعينَ ضعفًا! فيقالُ لَهُ: أشرِف -أي: انظر-"، قالَ: "فيشرفُ، فيقالُ لَهُ: ملكُكَ مسيرةُ مائةِ عامٍ ينفذُهُ بصرُهُ".

قالَ: فقالَ عمرُ: ألا تسمعُ إلى ما يحدِّثُنا ابنُ أمِّ عبدٍ يا كعبُ عن أدنى أَهْلِ الجنَّةِ منزلًا؟ فَكَيفَ أعلاهم؟ قالَ كعبٌ: يا أميرَ المؤمنينَ، فيها ما لا عينٌ رأَت، ولا أذنٌ سمِعت؛ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ جعلَ دارًا فيها ما شاءَ منَ الأزواجِ والثَّمراتِ والأشربةِ، ثمَّ أطبقَها فلم يرَها أحدٌ منَ خلقِهِ، لا جبريلُ ولا غيرُهُ منَ الملائِكَةِ! ثمَّ قرأَ كعبٌ: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

قالَ: وخلقَ من دونَ ذلِكَ جنَّتينِ، وزيَّنَهُما بما شاءَ، وأراهما من شاءَ من خلقِهِ، ثمَّ قالَ: من كانَ كتابُهُ في علِّيِّينَ نزلَ تلكَ الدَّارَ الَّتي لم يرَها أحدٌ، حتَّى إنَّ الرَّجلَ من أَهْلِ علِّيِّينَ ليخرجُ فيسيرُ في ملكِهِ فلا تبقى خيمةٌ من خيامِ الجنَّةِ إلَّا دخلَها من ضوءِ وجهِهِ، فيستبشِرونَ بريحِهِ، فيقولونَ: واهًا لِهَذا الرِّيحِ! هذا رجلٌ من أَهْلِ علِّيِّينَ قد خرجَ يسيرُ في ملكِهِ.

فقالَ عمر: ويحَكَ يا كعبُ هذِهِ القلوبُ قدِ استَرسَلَت فاقبِضها! فقالَ كعبٌ: والَّذي نفسي بيدِهِ، إنَّ لِجهنَّمَ يومَ القيامةِ لَزفرةً ما يبقى من ملَكٍ مقرَّبِ ولا نبيٍّ مرسلٍ إلَّا يخرُّ لرُكْبتيهِ، حتَّى إنَّ إبراهيمَ خليلَ اللَّهِ يقولُ:" ربِّ نَفسي نَفسي! حتَّى لو كانَ لَكَ عملُ سبعينَ نبيًّا إلى عملِكَ لظننتَ أنَّكَ لا تَنجو".

هكذا يريد عمر أن يوازن بين الرجاء والرهبة.

أيها المسلمون: هكذا؛ هذا الحال في أقل الناس حظا بالجنة ممن لم يعذب في النار من أهل الجنة، أما الممتحشون الذين احترقوا في النار ثم أخرجوا منها فقد روى أبو هريرة في صحيح البخاري قوله -صلى الله عليه وسلم-: "حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَيُخْرِجُونَهُمْ وَيَعْرِفُونَهُمْ بِآثَارِ السُّجُودِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ، فَكُلُّ ابْنِ آدَمَ تَأْكُلُهُ النَّارُ إِلَّا أَثَرَ السُّجُودِ، فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مَاءُ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ.

وَيَبْقَى رَجُلٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ قِبَلَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَدْ قَشَبَنِي رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذكَاؤُهَا. فَيَقُولُ: هَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَفْعَلْ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ! فَيُعْطِي اللَّهَ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ; فَيَصْرِفُ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ.

فَإِذَا أَقْبَلَ بِهِ عَلَى الْجَنَّةِ رَأَى بَهْجَتَهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَبِّ قَدِّمْنِي عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنْتَ سَأَلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: فَمَا عَسَيْتَ إِنْ أُعْطِيتُك ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَ غَيْرَهُ؟ فَيَقُولُ: لَا وَعِزَّتِكَ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَ ذَلِكَ! فَيُعْطِي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ.

فَإِذَا بَلَغَ بَابَهَا فَرَأَى زَهْرَتَهَا وَمَا فِيهَا مِنَ النَّضْرَةِ وَالسُّرُورِ، فَسَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ! مَا أَغْدَرَكَ! أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ الْعُهُودَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ لَا تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ.

فَإِذَا ضَحِكَ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تَمَنَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا، أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ، حَتَّى إِذَا انْتَهَتْ بِهِ الْأَمَانِيُّ قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ مَعَهُ".

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه-: "قَالَ اللَّهُ: لَكَ ذَلِكَ، وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ". قال أبو هريرة: "وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة".

وفي رواية ابن مسعود -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى! فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى! فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ؛ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا، فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي -أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي- وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟"، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَكَانَ يَقُولُ: "ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً".

معاشر المسلمين: الجنة. ما أجمله من اسم! الجنة منى المؤمنين، ومبتغى المشمرين، وبُغية الصالحين، وهي من الغيب الذي يقوى حضوره في القلب بقدر ما في القلب من إيمان؛ فإذا زاد الإيمان كان استحضار الجنة في القلب أكبر؛ ولذا فإن أثر الحديث عنها في القرآن والسنة يتفاوت بين قلب وآخر، فمن الناس من إذا سمع قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك"؛ يحضر في ذهنه قربها كأنه يراها أمامه، وكذلك يحضر في ذهنه قرب النار.

ومن الناس من يسمع ويقرأ الآية تلو الأخرى والحديث تلو الآخر ولكن الأثر سطحي ضعيف جداً، فنفس الإنسان في صراع بين قوة جذب وإغراء الحس الظاهر للعين والأذن واليد، هذه الدنيا القريبة الملموسة، وبين الحس الإيماني الباطن الناظر في لذائذ الغيب، المرتقي بالإنسان في صراع بين هذا وذاك.

ولقد كانت تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة منذ بداية دعوته تربية إيمانية صافية، تقوم كلها على إجلال الغيب، وتعظيم الغيب، والتطلع إليه، والارتباط به قبل الدنيا.

ففي المطالب العلية بإسناد صحيح من حديث جابر بن عبد الله قال: "لَمَّا لَقِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- النُّقَبَاءَ، قَالَ لَهُمْ: "تُؤْوُونِي وَتَتَّبِعُونِي؟!". قَالُوا: فَمَا لَنَا؟ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لَكُمُ الْجَنَّةُ".

شيء غير ملموس، شيء لا يرونه الآن ولن يروه حتى يموتوا، ليس هناك وصف في الدنيا، ولا منفعة حسية إطلاقا، إنما هي الجنة.

من حديث أنس بن ثابت بن قيس في مجمع الزوائد بإسناد صحيح أيضا أن أباه قام خطيبا باسم الأنصار لما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم ليبايعوه، فقال: "نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأولادنا، فما لنا يا رسول الله؟ قال: "الجنة"، قالوا: "رضينا".

أسأل الله لي ولكم الجنة؛ وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد: فيا فرحة أهل الجنة ويا حسرة أهل النار بعد اكتمال الفريقين في موطنهما الأساسي الخالد!.

في صحيح ابن خزيمة من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَيَبْقَى أَهْلُ النَّارِ, فَيُطْرَحُ مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ, ثُمَّ يُقَالُ: هَلِ امْتَلأَتِ؟ فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثُمَّ يُطْرَحُ فِيهَا فَوْجٌ آخَرُ, فَيُقَالُ: هَلِ امْتَلأَتِ؟ فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ ثُمَّ يُطْرَحُ فِيهَا فَوْجٌ آخَرُ, فَيُقَالُ: هَلِ امْتَلأَتِ؟ فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى إِذَا أُوعِبُوا فِيهَا وَضَعَ الرَّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا, فَانْزَوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ: قَط؟ قَالَتْ: قَط قَط.

فَإِذَا صُيِّرَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ, وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ, أُتِيَ بِالْمَوْتِ مُلَبَّبًّا"، وفي رواية أبي سعيد: "على هيئة كبشٍ أملح"، "فَيُوقَفُ عَلَى السُّوَرِ الَّذِي بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ, فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ, ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ, فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ لِلْشَفَاعَةِ وَالِهِينَ، فَيُقَالُ: لأَهْلِ الْجَنَّةِ وَلأَهْلِ النَّارِ، هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ، هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ: قَدْ عَرَفْنَاهُ، هَذَا الْمَوْتُ الَّذِي وُكِّلَ بِنَا, فَيُضْجَعُ, فَيُذْبَحُ ذَبْحًا عَلَى السُّورِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ, خُلُودٌ فَلا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ, خُلُودٌ فَلا مَوْتَ".

وتبدأ الحياة في الجنة، ألا تنتظرون بداية تلك الحياة؟ ألا تشتاقون لتقصّي ما في الجنة من نعيم لا نهاية للذاته، ومشاهد لا حدود لجمالها؟ إنها جزاء المجاهدة والصبر.

(وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا) [الإنسان:12-22]

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الدخان:51-57].

(يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) [الزخرف:68-73].

في صحيح الجامع بإسنادٍ صحيحٍ، عن صهيب قال: تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)، فقال "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، نادى منادٍ: يا أهل الجنة، إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه. فيقولون: وما هو؟ ألم يثقّل موازيننا، ويبيّض وجوهنا، ويدخلنا الجنة، ويزحزحنا من النار؟". قال: "فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله! ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه، ولا أقر لأعينهم" نسأل الله من فضله.

ومهما نقلنا أيها الإخوة من القرآن والسنة من أوصاف الجنة ومنازلها وأنهارها فإنما هي أوصاف لتقريب المعنى لن توصلنا للحقيقة المعيشة في الجنة.

صح في الترغيب أن ابن عباس قال: "ليس في الجنة شيء مما في الدنيا، إلا الأسماء".

فقالوا جميعا:

وَحَيَّ على يوم الْمَزِيدِ الَّذي به

زيارةُ رَبِّ العرش فاليوم مَوْسِمُ

وحيّ على وادٍ هنالك أفيحٍ

وتربتُه من إذفرِ المسك أعظم

وكثبان مسكٍ قد جُعِلْنَ مقاعداً

لمن دون أصحابِ المنابر يعلم

فبينا همو فى عَيْشِهِمْ وسُرورِهِمْ

وأرزاقُهم تجرى عليهم وتُقسَم

إ ذا هُمْ بنورٍ ساطعٍ أشرقَتْ له

بأقطارها الجنَّاتُ لا يُتَوَهَّم

تجلَّى لهم ربُّ السماواتِ جَهْرَةً

فيضحك فَوْقَ العَرْشِ ثُمَّ يُكَلِّم

سلامٌ عليكمْ يسمعون جميعُهُمْ

بآذانِهِمْ تسليمَهُ إذْ يُسَلِّم

يقول سَلونى ما اشْتَهَيْتُمْ فكُلّ ما

تريدون عندي إنَّني أنا أرحم
نحن نسألُكَ الرضا فأنت الّذي تُولِى الجميل وترحم

فيعطيهمو هذا ويشهدُ جَمْعُهُمْ

عليه تعالى اللهُ فاللهُ أكرم

فيا بائعاً هذا ببخسٍ معجَّلٍ

كأنك لا تدرى! بلى سوف تعلم

فإن كُنْتَ لا تدرى فتلك مصيبةٌ

وإنْ كُنْتَ تدرى فالمصيبةُ أعظم

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة...