البحث

عبارات مقترحة:

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

سوريا .. والجسد الواحد

العربية

المؤلف حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. المؤمنون كالجسد الواحد .
  2. وجوب التعاون على ردع الظلم ونصر المظلوم .
  3. التعاوُن على الظُّلم إثم عظيم .
  4. إقامة منهج الإسلام يحفظ الأمة .
  5. دعوة لجمع عُلماء الأمة لدراسةِ النوازِل .
  6. ضرورة عدم الانفراد بالفتوى .

اقتباس

إن الواجبَ اليوم على ولاة أمور المُسلمين وعلمائِهم أن يتعاوَنوا على ما فيه نُصرة الإسلام ومصلحة المُسلمين، على آحاد طلبة العلم الحذَر من إصدار الفتاوى فيما يتعلَّق بأمورٍ مُهمَّةٍ تتعلَّق بالأمة جمعَاء، وأن لا يكون ذلك إلا بعد دراسةٍ مع كافَّةِ العلماء وفقَ التأصيل العلميِّ الرَّصِين، والتصوُّر الواقعيِّ المَكين، مع...

الخطبة الأولى:

الحمد لله ناصِر المؤمنين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الصالِحين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ صلاةً وسلامًا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المُسلمون: اسمعوا إلى قولِ ربِّكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

إخوة الإسلام: إن ما يُحيطُ بالمُسلمين من مصائِب وشُرور، وما يقعُ ببعضِ بُلدانهم من مِحَنٍ وظلمٍ وفسادٍ عريضٍ لَيستوجِبُ علينا جميعًا التعاوُن والتكاتُف، والتعاضُد والتناصُر لإقامة الحق والعدل، ودفع الباطل والظلم، يقول ربُّنا -جل وعلا-: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].

فالمؤمنونُ كالجسَد الواحد يشدُّ بعضُهم بعضًا، إخوةً في السرَّاء والضرَّاء، يقول -سبحانه-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: 71]، (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].

ورسولُنا -صلى الله عليه وسلم- قائدُ الأمة جمعاء يقول: "المؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضُه بعضًا"، وشبَّك بين أصابعِه؛ إشارةً إلى لُزوم هذا الأمر.

أيها المسلمون: في تطبيقات النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه القاعِدة العظيمة يُذكِّرُنا بقولِه: "مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفِهم مثَلُ الجسَد الواحِد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسهَر والحُمَّى". متفق عليه.

إخوة الإسلام: المُسلِمون في المنظور القُرآنيِّ وفي المسلَك النبويِّ هو ما يُسطِّرُه قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "المُسلمُ أخو المُسلم، لا يظلِمُه ولا يُسلِمه، من كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجَته، ومن فرَّجَ عن مُسلمٍ كُربةً فرَّجَ الله عنه كُربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن ستَرَ مُسلمًا ستَرَه الله يوم القيامة". متفق عليه.

من هذه الأُسس العظيمة والأُصول المتينة النابِعة من القرآن والسُّنَّة التي أساسُها التوحيدُ وطاعةُ الله -جل وعلا-؛ فإن من أعظَم المُوبِقات وأشدِّ المُحرَّمات: السعيُ في سفك دماء المُسلمين، أو هتْك أعراضِهم، أو الاعتِداء على أموالِهم.

ألم يقل الله -جل وعلا- في كتابِه العظيم: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]؟!

هل بعد هذا البيان من بيانٍ -أيها المسلم-؟! هل بعد هذا البيان الذي بلغَ من البيان أوضحَه؟! هل هناك أبلغ من هذا الزَّجْر؟!

فما بالُ بعض البشر يتهاوَنُ في هذا الأمر وهو من ورطَات الأمور التي لا مخرَج منها، كما قال ابن عمر -رضي الله عنهما- في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المُسلمُ أخو المُسلم لا يخونُه ولا يكذِبُه ولا يخذُلُه، كلُّ المُسلم على المُسلم حرامٌ؛ عِرضُه ومالُه ودمُه".

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لن يزالَ المؤمنُ في فُسحةٍ من دينِه ما لم يُصِب دمًا حرامًا". رواه البخاري.

إخوة الإسلام: إن المُسلمين اليوم وقد عمَّهم الخِزيُ والعارُ بما يُسفَك في أرضِهم من دماءٍ، إن الواجبَ عليهم، إن الفرضَ المُتحتِّم أن يتعاوَنوا على ردعِ الظُّلم وعلى نصرِ المظلوم؛ فمن أُصول الدين وركائِز الشَّريعة التي لا يختلِفُ عليها أحدٌ من المُسلمين إن كان له إسلام: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [التوبة: 71].

ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من رأى منكم مُنكرًا فليُغيِّره بيدِه، فإن لم يستطِع فبلِسانِه، فإن لم يستطِع فبِقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمان". رواه مسلم.

يا أمة الإسلام: كفَى بُعدًا عن التأصيل الإسلاميِّ، أليس بينَكم ضياء تستضيئُون به؟! أليس لكم هُدًى تهتدُون به إذا سِرتُم على مضامِينه؟!

إن خليلَ الله نبيَّنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- يُذكِّرُنا بما تصلُحُ به أحوالُنا، وتسعَدُ به حياتُنا، ويدرأُ الشَّرَّ عنّا، ويُقيمُ العدلَ بيننا، فيقول: "انصُر أخاك ظالِمًا أو مظلومًا". فقال: يا رسول الله: أنصُرُه إن كان مظلومًا، أرأيتَ إن كان ظالمًا كيف أنصرُه؟! قال: "تحجزُه أو تمنَعه عن الظُّلم، فإن ذلك نصرُه". رواه البخاري.

ومن هنا، فالتعاوُن على الظُّلم إثمٌ عظيمٌ وجُرمٌ جسيمٌ في القُرآن والسُّنَّة: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

إن هذا الحُكم وهو حُكم من عاوَنَ ظالمًا أنه آثِمٌ إثمًا عظيمًا، وقد ارتكبَ جُرمًا جسيمًا، لأن حُكمَه في القرآن، وحُكمَه في السنَّة هو ما يذكُرُه قولُ الله -جل وعلا-: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).

وفي سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولُه: "سيَكونُ بعدي أُمراء يكذِبون ويظلِمون، فمن صدَّقَهم على كذِبِهم وأعانَهم على ظُلمهم فليس منِّي ولستُ منه، ولن يرِدَ عليَّ الحوض". رواه النسائي، وهو صحيحٌ عند المُحقِّقين من أهل العلم.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، راقِبُوا الله -جل وعلا-، حافِظوا على أُصول الأُخُوَّة الإيمانيَّة والمحبَّة الإسلاميَّة؛ فرسولُكم -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيه ما يُحبُّ لنفسِه". متفق عليه.

فكيف يستقيمُ الإسلامُ مع رفع السيف على المُسلمين؟!

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعَنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أحمدُ ربي وأشكرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: لن ينجُو المُسلمون من الشَّقاء، لن يُحفَظوا من الشُّرور حتى تنطلقَ مسالِكُهم وتصرُّفاتُهم من مُنطلق هذا الدين، لا من عصبيَّةٍ، ولا من هوًى، ولا من طائفيَّةٍ، ولا من حماسٍ وعاطفةٍ.

لن تأمَن الأمةُ الإسلاميَّة من مخاوِف، وتسلَم من فتنٍ ما لم يعمَل ساسَتُها وقادتُها بالإسلام الكامِل، ويلتزِمُ شعوبُها ومُجتمعاتُها بهذا الدين وبأحكامه في الصغير وفي الكبير.

فقاعدةُ الأمان: الحِفاظُ على إقامة التوحيد الخالِص لله -جل وعلا-، والبُعد عن الشرك وعن البِدع، وعن ذرائِع الشِّرك ووسائلِه، ربُّنا -جل وعلا- يقول: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام: 82]، أي: بشِركٍ (أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ).

أصولُ الحِفظ لهذه الأمة المحمدية، ركائِزُ السلامة ليست في العُدَّة وفي السلاح فقط، وإنما في إقامة منهَج الإسلام في الدَّقيق والجَليل، في الصغير والكبير، في الصِّدق مع الله في ذلك. ولهذا علَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الأمةَ عبرَ تاريخِها أنها لديها قاعدةٌ عظيمةٌ، ألا وهي قولُه -عليه الصلاة والسلام-: "احفَظ الله يحفَظك، احفَظ الله تجِده تُجاهَك".

إن الواجبَ اليوم على ولاة أمور المُسلمين وعلمائِهم أن يتعاوَنوا على ما فيه نُصرة الإسلام ومصلحة المُسلمين، على آحاد طلبة العلم الحذَر من إصدار الفتاوى فيما يتعلَّق بأمورٍ مُهمَّةٍ تتعلَّق بالأمة جمعَاء، وأن لا يكون ذلك إلا بعد دراسةٍ مع كافَّةِ العلماء وفقَ التأصيل العلميِّ الرَّصِين، والتصوُّر الواقعيِّ المَكين، مع استِدراكٍ لمآلات الأمور وعواقِب النتائِج.

فلنَتَّقِ الله في شباب المُسلمين؛ فما كان ابنُ المُبارَك وغيرُه من سلَف هذه الأمة يُنادُون ويُخاطِبُون الأمةَ إلا حينما يكون أحدُهم في الصفِّ أمام العدو.

ألا -أيها المسلمون- إن الفتن عظيمة، وإنه لا مخرَج إلا بفقهٍ رشيدٍ، فخيرُنا إنما هو في الفِقهِ في هذا الدين، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "من يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهْه في الدين".

ولهذا من مِنبَر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نُنادِي أمثالَ رابِطة العالَم الإسلاميِّ أن تُسارِع في جمع عُلماء الأمة لدراسةِ النوازِل الواقِعة، من مُنطلق نُصوص الشريعة ونوازِلِها، مع مُراعاة قاعِدة الشريعة الكُبرى: الشريعةُ جاءَت لجلْبِ المصالِح وتكثيرِها، ودرءِ المفاسِد وتقليلِها.

أما الاضطرابُ والتخبُّط، وتصديرُ الفتاوى الأُحاديَّة لشباب الأمة، مع قِلَّة استِيعابٍ في الاجتهاد المطلوب في الفتوى، فذلك مما يُنذِرُ بعواقِب أليمة، نسألُ الله -جل وعلا- السلامة.

ألا وإن الله أمرَنا بالصلاةِ والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وسيدِنا وحبيبِنا وقائدِنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديِّين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآل، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أيها المسلمون: إنني داعٍ فأمِّنُوا بقلوبٍ خاشِعةٍ حاضِرةٍ، لعلَّ الله -جل وعلا- أن يرحمَنا وأن يرحمَ هذه الأمة.

اللهم يا حي يا قيوم، اللهم يا حي يا قيوم، اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا عزيز يا حكيم، بِك نستنصِر، اللهم بِك نستنصِر، اللهم بِك نستنصِر، اللهم انصُر المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم انصُر المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم انصُر المُسلمين في كل مكانٍ.

اللهم يا فارِج الهمِّ، فرِّج همومَ إخواننا في سُوريا، وفي فلسطين، وفي كل مكان، يا حي يا قيوم، يا كاشِف الغمِّ، يا كاشِف الغمِّ، اكشِف غُمومَنا وغُمومَ المُسلمين في سُوريا، وفي فلسطين، وفي كل مكانٍ من بُلدان المُسلمين.

اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين، اللهم يا حي يا قيوم، اللهم يا عظيم، اللهم نتضرَّع إليك، اللهم نبتهِلُ إليك، اللهم ارحَم ضعفَنا وضعفَ المُسلمين، اللهم ارحَم ضعفَ المُسلمين في سُوريا، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم عجِّل بحقنِ دمائِهم، اللهم عجِّل بحقنِ دمائِهم، اللهم عجِّل بحقنِ دمائِهم، وحِفظِ أعراضِهم يا ذا الجلال والإكرام، يا عزيز يا حكيم، يا حيُّ يا قيوم، يا من لا ينصُر المُسلمين سِواه، يا من لا ينصُر المُسلمين إلا إياه.

اللهم من بيدِه ملكُوت كل شيء، يا من يُجيرُ ولا يُجارُ عليه، أجِر المُسلمين من شرِّ هذه الفِتَن، اللهم أجِر المُسلمين من شرِّ هذه الفتن، اللهم أجِر المُسلمين من شرِّ هذه الفتن.

اللهم بلِّغهم رمضان وقد تحقَّق النصرُ والفوزُ لجميع المُسلمين يا حي يا قيوم.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

عباد الله: اذكُروا اللهَ ذِكرًا كثيرًا، وسبِّحوه بُكرةً وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.