البحث

عبارات مقترحة:

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

العفو لا يقتضي الذلة

العربية

المؤلف أحمد شريف النعسان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. العفو شعار الكرماء .
  2. العفو ليس بالأمر الهين .
  3. ثناء الله على العافين عن الناس .
  4. العفو دليل على الشجاعة والانتصار على النفس .
  5. تفشي القسوة بين الناس .

اقتباس

إِنَّ العَفْوَ شِعَارُ الصَّالِحِينَ الأَتْقِيَاءِ ذَوِي الحِلْمِ والأَنَاةِ والنَّفْسِ الرَّضِيَّةِ؛ لأَنَّ التَّنَازُلَ عن الحَقِّ نَوْعٌ من أَنْوَاعِ إِيثَارِ الآجِلِ على العَاجِلِ, وبَسْطٌ لِخُلُقٍ نَقِيٍّ تَقِيٍّ يَنْفُذُ إلى شِغَافِ قُلُوبِ الآخَرِينَ, فلا يَمْلِكُونَ أَمَامَهُ إلا إِبْدَاءَ نَظْرَةِ إِجْلالٍ وإِكْبَارٍ لِمَنْ هذهِ صِفَتُهُ وهذا دَيْدَنُهُ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ العَفْوَ شِعَارُ الصَّالِحِينَ الأَتْقِيَاءِ ذَوِي الحِلْمِ والأَنَاةِ والنَّفْسِ الرَّضِيَّةِ؛ لأَنَّ التَّنَازُلَ عن الحَقِّ نَوْعٌ من أَنْوَاعِ إِيثَارِ الآجِلِ على العَاجِلِ, وبَسْطٌ لِخُلُقٍ نَقِيٍّ تَقِيٍّ يَنْفُذُ إلى شِغَافِ قُلُوبِ الآخَرِينَ, فلا يَمْلِكُونَ أَمَامَهُ إلا إِبْدَاءَ نَظْرَةِ إِجْلالٍ وإِكْبَارٍ لِمَنْ هذهِ صِفَتُهُ وهذا دَيْدَنُهُ, وصَدَقَ اللهُ -تعالى- القَائِلُ: (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) [فصلت: 34].

يَا عِبَادَ اللهِ: إِنَّ العَفْوَ عن الآخَرِينَ لَيْسَ بالأَمْرِ الهَيِّنِ, إذْ لَهُ في النَّفْسِ ثِقَلٌ لا يَتِمُّ التَّغَلُّبُ عَلَيْهِ إلا بِمُصَارَعَةِ حُبِّ الانْتِصَارِ والانْتِقَامِ للنَّفْسِ, ولا يَكُونُ ذلكَ إلا للأَقْوِيَاءِ الذينَ اسْتَعْصَوْا على حُظُوظِ النَّفْسِ ورَغَبَاتِهَا, وصَدَقَ اللهُ -تعالى- القَائِلُ: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 35].

يَا عِبَادَ اللهِ: العَفْوُ عن الآخَرِينَ لَهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ, وقَد أَثْنَى اللهُ -تعالى- على عِبَادِهِ المُتَّقِينَ, وَوَصَفَهُم بِكَظْمِ الغَيْظِ, والعَفْوِ عن النَّاسِ, والإِحْسَانِ إلى الخَلْقِ, وَوَعَدَهُم جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرْضُ, قَالَ تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 134].

روى الإمام أحمد عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُما-, أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كَظَمَ غَيْظَاً وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ, دَعَاهُ اللهُ تَبَارَكَ وَ-تعالى- عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ".

وَرُوِيَ عَن أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّهُ قَالَ: "بَلَغَنَا أَنَّ اللهَ -تعالى- يَأْمُرُ مُنَادِيَاً يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُنَادِي: مَن كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ شَيْءٌ فَلْيَقُمْ، فَيَقُومُ أَهْلُ العَفْوِ، فَيُكَافِئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانَ من عَفْوِهِم عن النَّاسِ".

يَا عِبَادَ اللهِ: كَثِيرٌ من النَّاسِ يَظُنُّونَ: أَنَّ العَفْوَ والصَّفْحَ والتَّجَاوُزَ والتَّسَامُحَ، يَقْتَضِي الضَّعْفَ والذِّلَّةَ, وهذا غَيْرُ صَحِيحٍ, بَلْ هُوَ قِمَّةٌ في الشَّجَاعَةِ والامْتِنَانِ وغَلَبَةِ الهَوَى, لا سِيَّمَا إذا كَانَ العَفْوُ عِنْدَ المَقْدِرَةِ على الانْتِصَارِ.

يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "لَوْ أَنَّ رَجُلَاً شَتَمَنِي فِي أُذُنِي هَذِهِ, وَاعْتَذَرَ إلَيَّ فِي أُذُنِي الْأُخْرَى, لَقَبِلْتُ عُذْرَهُ".

ويَقُولُ سَيِّدُنَا جَعْفَرُ الصَّادِقُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "لَأَنْ أَنْدَمَ عَلَى الْعَفْوِ عِشْرِينَ مَرَّةً, أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَنْدَمَ عَلَى الْعُقُوبَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً".

ويَقُولُ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "إِذَا أَتَاكَ رَجُلٌ يَشْكُو إِلَيْكَ رَجُلَاً فَقُلْ: يَا أَخِي، اُعْفُ عَنْهُ؛ فَإِنَّ العَفْوَ أَقْرَبُ للتَّقْوَى. فَإِنْ قَالَ: لا يَحْتَمِلُ قَلْبِيَ العَفْوَ, وَلَكِنْ أَنْتَصِرُ كَمَا أَمَرَنِي اللهُ -عزَّ وجلَّ-. فَقُلْ لَهُ: إِنْ كُنْتَ تُحْسِنُ أَنْ تَنْتَصِرَ، وإلا فَارْجِعْ إلى بَابِ العَفْوِ؛ فَإِنَّهُ بَابٌ وَاسِعٌ، فَإِنَّهُ من عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللهِ، وَصَاحِبُ العَفْوِ يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ باللَّيْلِ، وَصَاحِبُ الانْتِصَارِ يُقَلِّبُ الأُمُورَ؛ لأَنَّ الفُتُوَّةَ هِيَ العَفْوُ عن الإِخْوَانِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: ونَحْنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزْمَةَ القَاسِيَةَ التي مَزَّقَتِ الأُمَّةَ, وشَتَّتَتْ شَمْلَهَا, وفَرَّقَتْ جَمْعَهَا, وأَضَاعَتْ قُوَّتَهَا وشَبَابَهَا ورِجَالَهَا, وأَوْرَثَتِ التَّحَاقُدَ والتَّحَاسُدَ والتَّبَاغُضَ وقَسْوَةَ القَلْبِ, جَدِيرٌ بِنَا أَنْ نَرْجِعَ إلى الأَخْلاقِ المَرْضِيَّةِ عِنْدَ اللهِ -تعالى-, وهذا الأَمْرُ لا يُطِيقُهُ إلا مَن آمَنَ باللهِ -تعالى- واليَوْمِ الآخِرِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: بَعْضُ النَّاسِ اليَوْمَ قَد بَلَغَ من القَسْوَةِ مَا لا يُمْكِنُ مَعَهَا أَنْ يَعْفُوَ عَن أَحَدٍ أو يَتَجَاوَزَ عَنْهُ, لا يَرَى في حَيَاتِهِ إلا الانْتِقَامَ والتَّشَفِّي, لَيْسَ إلَّا, مِثَالُهُ مِثَالُ سَمَاءٍ إذا تَغَيَّمَ لَمْ يُرْجَ صَحْوُهُ, وإذا قَدِرَ لا يُنْتَظَرُ عَفْوُهُ, يُغْضِبُهُ الجُرْمُ الخَفِيُّ, ولا يُرْضِيهِ العُذْرُ الجَلِيُّ, يَسْمَعُ بِإِحْدَى أُذُنَيْهِ القَوْلَ فَيَشْتَطُّ غَضَبَاً ويَضْطَرِبُ, ويَحْجُبُ أُذُنَهُ الأُخْرَى عن قَبُولِ الاعْتِذَارِ.

يَا عِبَادَ اللهِ، يَا مَن تَعِيشُونَ هذهِ الأَزْمَةَ القَاسِيَةَ: تَرَاحَمُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ, واعْفُوا واصْفَحُوا عَن بَعْضِكُمُ البَعْضِ, ارْجِعُوا إلى سُنَّةِ نَبِيِّكُم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-.

يَا أَيُّهَا المُسِيءُ: أَسْرِعْ للاعْتِذَارِ وطَلَبِ السَّمَاحِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَكَ مَلَكُ المَوْتِ, وعِنْدَهَا تَنْدَمُ ولا يَنْفَعُكَ النَّدَمُ.

ويَا أَيُّهَا المُسَاءُ إِلَيْهِ: اِقْبَلِ عُذْرَ من اعْتَذَرَ إِلَيْكَ, ولا تَحْرِمْ نَفْسَكَ نِعْمَةَ الوُرُودِ على حَوْضِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-, روى الحاكم عَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-: "وَمَن أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنَصِّلَاً -مُعْتَذِرَاً- فَلْيَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ, مُحِقَّاً كَانَ أَوْ مُبْطِلَاً, فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الحَوْضَ".

اللَّهُمَّ رُدَّنَا إلَيْكَ رَدَّاً جَمِيلاً، آمين.