البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

هكذا أسلم هؤلاء

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. قصة إسلام ضماد بن ثعلية الأزدي .
  2. قصة إسلام سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٌ وما فيها من الدروس والعبر .
  3. قصة إسلام عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ وما فيها من الفوائد .

اقتباس

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ تَوْحِيدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَنُورَ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى الأَمِينِ؛ أَنَارَ اللهُ بِهِ الْقُلُوبَ، وَأَحْيَا بِهِ النُّفُوسَ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ هَامِدَةً لا خَيْرَ فِيهَا، وَمَيِّتَةً لا حِرَاكَ بِهَا، فَالْفَرْقُ شَاسِعٌ وَالْبَوْنُ بَعِيد، قَالَ اللهُ -تعالى-: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)[الأنعام: 122].

(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1].

الْحَمْدُ للهِ الذِي شَرَحَ صَدْرَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ لِلإِسْلامِ، وَهَدَى مَنْ رَحِمَ مِنْهُمْ إِلَى نُورِ الإِيمَانِ، نَحْمَدُهُ سبحانه وَنَشْكُرُه وَمِنْ جَمِيعِ ذُنُوبِنَا نَسْتَغْفِرُه، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْلَمُوا أَنَّ تَوْحِيدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَنُورَ رِسَالَةِ الْمُصْطَفَى الأَمِينِ؛ أَنَارَ اللهُ بِهِ الْقُلُوبَ، وَأَحْيَا بِهِ النُّفُوسَ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ هَامِدَةً لا خَيْرَ فِيهَا، وَمَيِّتَةً لا حِرَاكَ بِهَا، فَالْفَرْقُ شَاسِعٌ وَالْبَوْنُ بَعِيد، قَالَ اللهُ - تعالى -: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)[الأنعام: 122].

أُمَّةَ الإِسْلَام: إِنَّهُ قَلَّ صَحَابِيٌّ آمَنَ بَعْدَ كُفْرِ وَهَدَاهُ اللهُ بَعْدَ ضَّلالِ، إِلَّا وَلِإِسْلَامِهِ قِصَّةٌ وَلِدُخُولِهِ الدِّينِ عِبْرَةٌ، رضي الله عنهم وَأَرْضَاهُمْ، وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَأْوَانَا وَمَأْوَاهُمُ، فَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيمَانُ وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ وَعِصْيَانُ.

وَمَعَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْضُ الْقِصَصِ وَالْعِبَرِ لِأُلَئِكَ السَّادَةِ الخِيَر.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّ ضِمَادًا "وَهُوَ ابْنُ ثَعْلَبَةَ الأَزْدِيُّ" قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ "وَهِيَ: مَسُّ الْجِنِّ " وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ: "يَرْقِي مِنَ الأَرْوَاحِ" أَيْ: الْجِنِّ، وَسُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لا يُبْصِرُهُمُ النَّاسُ فَهُمْ كَالرُّوحِ وَالرِّيحِ-، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ! قَالَ فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ "يَعْنِي: أَنْ أَرْقِيَك" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ".

فَقَالَ ضِمَادٌ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ -أَيْ: عُمْقُ الْبَحْرِ وَقَعْرُه وَلُجَّتُهُ التِي تَضْطَرِبُ أَمْوَاجُهَا، وَلا تَسْتَقِرُّ مِياهُهَا -هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلَامَ، قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "وَعَلَى قَوْمِكَ؟" قَالَ: وَعَلَى قَوْمِي[رَوَاهُ مُسْلِم].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَلْ رَأَيْتُمْ وَسَمِعْتُمْ رَجُلا مُشْرِكا؛ لَكِنَّهُ عَاقِلٌ يَبْحَثُ عَنِ الْحَقِّ فَوَجَدَهُ، جَاءَ لِيُعَالِجَ النَّبِيَّ مُحَمَّدَاً - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْجُنُونِ الْمَزْعُومِ، لِكِنَّهُ سُرْعَانَ مَا سَمِعَ كَلامَاً يُشِعُّ نُورَاً، وَقَوْلاً يَتَلَأْلَأُ بَهَاءً، فَقَبِلَ الْحَقَّ وَأَسْلَمَ: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام : 122].

إِنَّهُ نُورُ الْوَحْيِ وَهَدْيُ الرِّسَالَةِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ - رحمه الله - فِي الْمَغَازِي: أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ - رضي الله عنه - حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَدْعُو أَهْلَهَا لِلإِسْلامِ بِأَمْرٍ مِنَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَنَزَلَ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ - رضي الله عنه -، فَخَرَجَ بِهِ يَطُوفُ عَلَى الأَحْيَاءِ يُبَلِّغُهُمْ رِسَالَةَ الإِسْلامِ، فَقَصَدَا دَارَ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ وَدَارَ بِنِي ظَفَرٍ، فَدَخَلا حَائِطَاً مِنْ حَوَائِطِهِمْ فَجَلَسَا فِيهِ، وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٌ، وَهُمَا يَوْمَئِذٍ سَيِّدَا قَوْمِهِمَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ وَكِلاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ لِأُسَيْدٍ: لا أَبَا لَكَ، انْطَلِقْ إِلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَتَيَا دَارَيْنَا لِيُسَفِّهَا ضُعَفَاءَنَا، فَازْجُرْهُمَا وَانْهَهُمَا عَنْ أَنْ يَأْتِيَا دَارَيَنْا، فَإِنَّهُ لَوْلا أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ مِنَّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ، فَهُو ابْنُ خَالَتِي وَلا أَجِدُ عَلَيْهِ مَقْدَماً، فَأَخَذَ أُسَيْدٌ حَرْبَتَهَ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زَرَارَةَ، قَالَ لِمُصْعَبٍ: هَذَا سَيِّدُ قَوْمِهِ قَدْ جَاءَكَ فَاصْدُقِ اللهَ فِيهِ.

قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمَا، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إِلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟ اعْتَزِلانَا إِنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةُ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ -رضي الله عنه-: أَوْ تَجْلِسَ فَتَسْمَعَ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرَاً قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ، قَالَ: أَنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ بِالإِسْلامِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَقَالا فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمَا: وَاللهِ لَقَدْ عَرْفَنَا فِي وَجْهِهِ الإِسْلامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَذَلِكَ مِنْ إِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ! كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالا لَهُ: تَغْتَسِلُ فَتَطَهَّرُ وَتُطُهِّرُ ثَوْبَيْكَ ثُمَّ تَتَشَهَّدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ ثُمَّ تُصَلِّي، فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إِنَّ وَرَائِي رَجُلاً إِنِ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ! وَسَأُرْسِلُهُ إِلَيْكُمَا الآنَ، إِنَّهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى سَعْدٍ وَقَوْمِهِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ سَعْدٌ مُقْبِلاً، قَالَ: أَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى النَّادِي، قَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: كَلَّمْتُ الرَّجُلَيْنِ فَوَ اللهِ مَا رَأَيْتُ بِهِمَا بَأْسَاً، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا، فَقَالا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ! وَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ بَنِي حَارِثَةَ خَرَجُوا إِلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ ابْنُ خَالَتِكَ لِيَخْفِرُوكَ، فَقَامَ سَعْدٌ مُغْضَبَاً مُبَادِرَاً مُتَخَوِّفَاً لِلَّذِي ذَكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ مَا أُرَاكَ أَغْنَيْتَ شَيْئَاً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمَا، فَلَمَّا رَآهُمَا مُطْمَئِنِّينَ عَرَفَ أَنَّ أُسَيْدَاً إِنَّمَا أَرَادَهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا، فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمَاً، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا أُمَامَةَ وَاللهِ لَوْلا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ هَذَا مِنَّي أَتَغْشَانَا فِي دَارَيْنَا بِمَا نَكْرَهُ، وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَيْ مُصْعَبُ، جَاءَكَ وَاللهِ سَيِّدُ مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ، إِنْ يَتْبَعْكَ لا يَتَخَلَّفْ عَنْكَ مِنْهُمُ اثْنَانِ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبُ: أَوَ تَقْعَدَ فَتَسْمَعَ فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرَاً وَرَغِبْتَ فِيهِ قَبِلْتَهُ وَإِنْ كَرِهْتَهُ عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ، قَالَ سَعْدٌ: أَنْصَفْتَ، ثُمَّ رَكَزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، قَالَا: فَعَرَفْنَا وَاللهِ فِي وَجْهِهِ الإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، لِإِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَنْتَمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ؟ قَالا: تَغْتَسِلُ فَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ تُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ، وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ فَأَقْبَلَ عَامِدَاً إِلَى نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلاً، قَالُوا: نَحْلِفُ بِاللهِ لَقَدْ رَجَعَ إِلَيْكُمْ سَعْدُ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الذِي ذَهَبَ بِهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيَاً وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً، قَالَ: فَإِنَّ كَلامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ حَرَامٌ عَلَيَّ حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَوَ اللهِ مَا أَمْسَى فِي دَارِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمَاً أَوْ مُسْلِمَةً.

أَيُّهُا الْمُؤْمِنُونَ: هَكَذَا فَلْيَكُنْ رُؤَسَاءُ النَّاسِ وَشُيُوخُ الْعَشَائِرِ، مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، يَسْتَغِلُّونَ مَكَانَتَهُمْ بَيْنَ أَقْوَامِهِمْ فِي نَشْرِ الْفَضِيلَةِ وَرَدِّ الرَّذِيلَةِ.

اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيمِ الْحَمِيدِ، ذِي الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيمِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَهَذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ، يَقُولُ: "كُنْتُ وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلالَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُسْتَخْفِيًا جُرَءَاءُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: "أَنَا نَبِيٌّ" فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي اللَّهُ" فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللَّهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ" قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: "حُرٌّ وَعَبْدٌ" قَالَ: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ -رضي الله عنهما- مِمَّنْ آمَنَ بِهِ، فَقُلْتُ: إِنِّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: "إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، أَلا تَرَى حَالِي وَحَالَ النَّاسِ، وَلَكِنْ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي" قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي، وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ، وَكُنْتُ فِي أَهْلِي فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ، وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةَ، فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟ فَقَالُوا: النَّاسُ إِلَيْهِ سِرَاعٌ، وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: "نَعَمْ! أَنْتَ الَّذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ" قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ؟ قَالَ: "صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ، حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ". قَالَ: فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَالْوُضُوءَ حَدِّثْنِي عَنْهُ؟ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ وَفِيهِ -يعني: فمه- وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إِلا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"[رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

اللهُ أَكْبَرُ -يا عباد الله- هَذَا حَدِيثٌ عَجِيبٌ، وَفِيهِ عِلْمٌ وَفِقْهٌ، وَفِيهِ حِرْصُ الصَّحَابَةِ - رضي الله عنهم - عَلَى السُّؤَالِ عَنِ الْعِلْمِ لِيَعْبُدُوا اللهَ عَلَى بَصِيرَةٍ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي السُّؤَالِ وَالعِلْمِ والعَمَل.

فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ صَحَابَتِهِ وَاجْزِهِمْ عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّتَهُمْ وَاتِّبَاعَهُمْ وَاجْمَعْنَا بِهِمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ.