الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
إنَّ الصلاةَ حمايةٌ للمسلم، ووقاية له من أمراض القلوب والأبدان، ومن فِتَن الشهوات والشبهات؛ ولهذا تجد المحافظين على الصلوات من أصحِّ الناس أبدانًا، وأهنئهم عيشا، وأسعدهم حياة، وأبعدهم عن القلق والغم والضيق؛ وهذا مصداق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلّى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله".
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه -سبحانه-، راقبوه في خلواتكم وجلواتكم، راقبوه -سبحانه- في علانيتكم وسركم، ليكن الله -عز وجل- ومراقبته واطلاعه عليكم حاضرا عند الإقدام على أي عمل أو قول؛ فإن مَن اتقى الله وراقبه وعلم يقينا أن الله مطّلع عليه ومُحْصٍ أعماله وحركاته وسكناته دعاه ذلك إلى تعظيم الله، وتعظيم حرماته وأوامره ونواهيه، والحذر من الوقوع فيما يغضب الله ويسخطه.
علينا أن نقوّيَ -أيها الإخوة في الله- معانيَ التقوى والمراقبة في قلوبنا في حياتنا كلها، ولنستحضر قول الله -عز وجل-: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة:7]، وقول الله -عز وجل-: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الشعراء:218-220].
أسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا جميعا خشيته وخوفه ومراقبته وتقواه، واستحضار عظمته في جميع ما نأتي ونذر؛ إنه سميع مجيب.
أيها الإخوة في الله: إنّ مما هو مُسْتَقِرٌّ في أذهان الجميع بحمد الله ويتعلمه الصغار في مدارسهم والعوام في مساجدهم تعظيم قدر الصلاة، وعظيم قدرها في دين الله -عز وجل-، كيف لا وهي أجلّ وأعظم وآكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، ومحلها من الدين محل الرأس من الجسد؟ فبالله عليك! هل رأيت جسدا حيا بلا رأس؟! وهل لبدن قيمة في الحياة بلا رأس؟! فكذلك الصلاة في دين الله -عز وجل-.
إنه لا دين لمن لا صلاة له، ولهذا كان الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يكتب إلى رعيته في الأنصار: "إنّ أهمّ أموركم عندي الصلاة؛ فمَن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
هكذا كان المحدث الملهم الفاروق عمر -رضي الله عنه- أمير المؤمنين يكتب إلى عماله وإلى ولاته: "إن أهم أموركم عندي الصلاة...".
إن حقا على كل مسلم يرجو نجاة نفسه وخلاصها من عذاب الله وناره وفوزها وظفرها بنعيم الله وجنته أن يقف مليا عند هاتين الجملتين من قول أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-: "من حفظ الصلاة فقد حفظ دينه، ومَن ضيَّعَها فهو لما سواها أضيع".
إنَّهُ كُلَّما كان الرجل محافظا على الصلاة مواظبا عليها مقيما لها في سائر أحواله كلما كان ذلك سببا رئيسيا لمحافظته على بقية أمور الدين وقيامه بشرائع الإسلام، وكلما كان المرء مضيعا للصلاة كلما فتح على نفسه باب التفريط والتضييع لبقية أمور الدين وشرائع الإسلام.
هذه المعادلة باختصار: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)! فالمحافظة عليها سلم النجاة، وطريق الفلاح، المحافظة على الصلاة الخطوة الأولى في مدارج الكمال والفلاح والصلاح، وتضييع الصلاة بداية السقوط في الهاوية والخطوة الأولى في مسيرة الانحراف والزلل، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
وأنت إذا تأملت كتاب الله -عز وجل- وجدت في قصص الأنبياء والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام- تأكيدا عظيما على هذه الشعيرة؛ لما لها من أثر في صلاح العبد وتقواه وقربه من ربه -عز وجل-.
هذا هو خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- يقول (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم:40]، وهذا عيسى ابن مريم -عليه السلام- يقول فيما ذكر الله -عز وجل-: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) [مريم:31]، وهذا نبي الله إسماعيل -عليه السلام- يقول عنه: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) [مريم:55].
أيها الإخوة المؤمنون: أيها الآباء: إن من أعظم ما يعين على صلاح الأولاد وهدايتهم واستقامة أمورهم في الدنيا أن يتربوا على الصلاة والمحافظة عليها والعناية بها، إنك إذا رأيت الولد والشاب محافظا على الصلاة ناشئا على حبها فظن به خيرا وأْمُل فيه خيرا، وإذا رأيت الولد والشاب ينشأ وهو مفرط في الصلاة مضيع لها لا يقيم لها وزنا فاخْشَ منه وظُنَّ به ظن السوء، إن لم تتداركه رحمة الله -عز وجل-.
ولهذا فإن من الأهمية بمكان أن يعي الآباء والأمهات هذه الحقيقة في تربية أبنائهم وبناتهم، لا حظ لولد ولا بنت في الإسلام إذا ضيع الصلاة، إن الولد والبنت إذا ضيعا الصلاة فهما لما سوى الصلاة أضيع؛ ولهذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في لفتة عظيمة: "مروا أبناءكم للصلاة وهم أبناء سبع"؛ لم يرد في عبادة من عبادات الإسلام هذا الحث كمثل ما ورد في الصلاة.
معلوم أن ابن سبع سنين غير مكلف وغير واجبة عليه الصلاة، ومع ذلك يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع".
إن في ذلك دلالة عظيمة على أهمية الصلاة ومنزلتها وعظيم قدرها وعظيم أثرها في التربية على الهداية والصلاح والاستقامة والتنشئة على حب الخير.
والجملة الثانية من حديث أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- التي ينبغي أن يقف عندها كل مسلم قول الفاروق -رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وإن زكّى وإن حج وإن بذل من المعروف ما بذل! فما دام تاركا للصلاة فلا حظ في الإسلام له.
إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وإن تسمى بأسماء المسلمين، وإن ولد من أبوين مسلمين، وإن لبس لباس المسلمين، وإن عاش بين ظهراني المسلمين؛ "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، هذه هي النتيجة باختصار لتارك الصلاة: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة".
وأمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- أخذ هذه الحقيقة من قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة، من تركها فقد كفر"؛ كما جاء في الحديث الآخر.
إنه، بقدر محافظة الإنسان على الصلاة وحرصه عليها، يعظم حظه ونصيبه من الإسلام، فقس نفسك أيها المسلم ومدى انتسابك إلى الإسلام وحظك منه بصلاتك ومحافظتك عليها، إن من ضيع الأمانة وخانها في صلاته التي لا تأخذ منه في اليوم والليلة إلا دقائق معدودات فهو لما سواها من الأمانات والمسؤوليات أضيع.
ولهذا فظُن بالرجل خيرا إذا رأيته محافظا على الصلاة، ظن به خيرا لأدائه الأمانة، ومن ضيع هذه الأمانة وخانها فهو لما سواها من الأمانات والمسؤوليات والواجبات أضيع، من خان حي على الفلاح يخُن حي على الكفاح.
أيها الإخوة في الله: إن مما يقوي اليقين ويرسخه في أهمية الصلاة وعظيم قدرها وجلالها أن نتعرف على شيء من فضائلها وثمراتها وفوائدها.
فمن ذلك أن الصلاة أم العبادات وأس الطاعات، ولهذا جاء في الحديث: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة".
هل رأيت -بالله عليك- خيمة تقوم بلا عمود مهما كثرت أوتادها وتعددت؟ يقول ابن القيم -رحمه الله-: "لما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه، كانت أفضل من كُلٍّ من القراءة والذكر والدعاء بمفرده، لجمعها ذلك كله، مع عبودية سائر الأعضاء".
فالصلاة تجمع بين قراءة القرآن وذكر الله وتسبيحه وتهليله ودعائه، كما تجمع السجود والركوع والتكبير وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي لا يخفى ما فيها من تعظيم الله -عز وجل- والتذلل بين يديه والتضرع إليه -سبحانه وتعالى-.
ولهذا -أيها الإخوة المؤمنون- كانت الصلاة شعار المسلم، كانت شعار دار الإسلام، تصوروا -بالله عليكم- حال مسلم يقول بأنه يشهد أنه لا إله إلا الله وأنه مسلم، تصوروا حاله وهو لا يصلي ولا يقيم للصلاة وزنا! تصوروا مدينة تدّعي أنها من مدن الإسلام لا وجود للصلاة فيها، هل يمكن ذلك؟!.
ولهذا كان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا غزا قوما لم يغزُ حتى يصبح وينظر؛ فإن سمع أذاناً كَفَّ عنهم، وإنْ لم يسمع أذانا غار عليهم.
أيها الأخ المسلم: إن أعظم شهادة تحصلها وتزكية تنالها شهادة البراءة من النفاق وتزكية السلامة من النفاق، هذه الشهادة وهذه التزكية لا يمكن أن تنالها إلا بالمحافظة على الصلاة ومع الجماعة إن كنت من أهل وجوبها، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتبت له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق".
يا الله! ما أعظم جودك! وما أعم إحسانك! وما أوسع فضلك وكرمك! الله أكبر! هذه البشارة العظيمة والبراءة التي لا تعدلها براءة، براءة من النفاق وبراءة من النار يحصلهما العبد المسلم بمحافظته على الصلاة جماعة أربعين يوما، إن من كتبت له البراءة من النفاق ضُمّن في عباد الله المؤمنين، ومن كتبت له براءة من النار ضُمِنَتْ له جنة الله -عز وجل-.
ألا فليهنأ المصلون عمار المساجد، ألا فليفرحوا بأعظم موعود وأحسن بشارة لهم من الرب الكريم -عز وجل-.
ووالله! ما أعظمها من خسارة! وما أعظمه من غبن لهاجري المساجد وعاقّي الصلاة المضيعين لها، المفرطين في إقامتها! يا له من غبن عظيم يقترفه أولئك المضيعون المفرطون لأعظم شعيرة وأعظم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين.
أيها الإخوة في الله: إن الصلاة خير موضوع، وإذا كانت كذلك فإن السعيد من استكثر منها، والموفق من عباد الله من لازم المحافظة عليها، والمحروم حقا ليس من حرم الأهل، ليس من حرم المال والولد، ليس من حرم الجاه، ولكن المحروم حقا من حرم الصلاة، المحروم حقا من حرم لذة مناجاة الله، المحروم حقا -أيها الإخوة المسلمون- من حرم لذة التضرع والتذلل والانكسار بين يدي الكريم الغفار العزيز الجبار، المحروم حقا الذي لم يذق للسعادة طعما مَن لم يعكر جبينه وأنفه ووجهه وأعضاءه بالخضوع لله رب العالمين.
هذا والله هو المحروم حقا، المحروم من أعرض عن دعوة حي على الصلاة حي على الفلاح، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر".
وفي وصية له لرجل سأله مرافقته في الجنة قال: "أَعِنِّي على نفسِكَ بكثْرةِ السّجود".
إن سجود المحراب واستغفار الأسحار ودموع المناجاة سمة يحتكرها المؤمنون، ولئن توهم الدنيويّ جناته في الدنيا والنساء والقصر المنيف فإن جنة المؤمن -والله!- في محرابه، إن جنة المؤمن في ركوعه وسجوده وتذلـّله وتضرعه بين يدي رب العالمين.
فهل رأيت عاقلا يفرط في جنته؟ هل عاقل يزهد في جنته؟ بل هل رأيت عاقلا يصدر عن جنته! فيها مستراح قلبه وانشراح صدره واستقامة نفسه، فيها نور دنياه وآخرته؛ ولهذا كان شعار المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "أرحنا بها يا بلال"، هكذا كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يعبر عن مدى الراحة والطمأنينة والسعادة التي يجدها المسلم في صلاته، فكان يقول لبلال مؤذنه -رضي الله عنه-: "أرحنا بها يا بلال".
فليكن هذا الشعار المبارك شعاراً لكل واحد منا يجعله نصب عينيه كلما ضاقت به الأمور، وسدت في وجهه الطرق، وتكدرت عليه الحياة: "أرحنا بها يا بلال"، والله -عز وجل- يقول: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].
فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وذريتنا من أهل الصلاة، وأن يوفقنا للمحافظة عليها وإقامتها، وأن يرزقنا فيها الخشوع والطمأنينة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وليّ من أطاعه واتقاه، ومُعِزّ مَن لاذ بحماه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده -سبحانه- على عظيم إحسانه، وتتابع امتنانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- ولتكن الصلاة أعظم ما نحافظ عليه من شرائع الدين بعد تحقيق التوحيد لله رب العالمين، وكيف لا نحافظ على الصلاة -إخوة الإسلام- وهي من أجَلِّ الأعمال والطاعات والقربات التي تقربنا إلى الله -عز وجل-؟ "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه".
والله -عز وجل- يقول في كتابه (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق:19]، وفي الحديث: "إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة".
إن الصلاة نور للمسلم في الدنيا والآخرة، بل لها نور للمسلم قبل الموت وعند الاحتضار وبعد الموت في البرزخ وبعد البعث يوم الحشر والنشر، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "والصلاة نور"؛ إنها نورٌ للمسلم في أحواله كلها، من أراد النور في الدنيا فلن يجده إلا في المحافظة على الصلاة، من أراد النور في تلك الحفرة الضيقة المظلمة بعد الموت فلن يجده إلا في الصلاة، من أراد النور بعد الحشر على الصراط فلن يجده إلا في الصلاة.
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "بَشِّر المشَّائين في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".
إنَّ الصلاةَ حمايةٌ للمسلم، ووقاية له من أمراض القلوب والأبدان، ومن فِتَن الشهوات والشبهات؛ ولهذا تجد المحافظين على الصلوات من أصحِّ الناس أبدانًا، وأهنئهم عيشا، وأسعدهم حياة، وأبعدهم عن القلق والغم والضيق؛ وهذا مصداق قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صلّى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله".
إنك رأيت بعينيك من الناس من هو محافظ على الصلاة نشأ على الصلاة وحبها وإقامتها والمحافظة عليها، وقد يصاب في بدنه بمرض عظيم؛ ولكن ذلك المرض لا يؤثر على سعادته ولا يؤثر على حياته؛ بل لا يزيده المرض إلا صبرا واحتسابا وطلبا للأجر من الله -عز وجل-، لا يزيده ذلك المرض إلا رغبة في الصلاة وحرصا عليها وحرصا على الحضور إليها.
ولطالما رأينا كباراً في السن قد أتعبهم المرض ونالهم من البأساء ما نالهم ومع ذلك لا يمكن أن يفرطوا في فرض واحد بل لا يمكن أن يفرطوا في الجماعة مع أن الجماعة قد لا تكون واجبة عليهم إذا لم يستطيعوا الحضور إلى صلاة الجماعة بمشقة بالغة.
وفي الجهة المقابلة يبدو من الناس أشخاص قد يصاب الواحد منهم بمرض يسير ولكنه نشأ وهو تارك للصلاة غير مبالٍ بها، فما إن يصاب بذلك المرض إلا وتراه يدعو بالويل والثبور، إلا وتراه في قلق وغم وهم ونكد، قد ضاقت به الدنيا والعياذ بالله، وهذه ثمرة من ثمار المحافظة على الصلاة أو تضييعها.
وبالجملة فالصلاة -أيها الإخوة المسلمون- بداية الطريق وأوسط الطريق ونهاية الطريق، الصلاة بداية الطريق لنيل محبة الله وولايته، بالله عليكم: من نال ولاية الله؛ فماذا سيحصل له من الله؟ من نال ولاية الله بالمحافظة على الصلاة توالت عليه الخيرات والبركات وارتفعت عنه الشرور والبليات.
"ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبضي روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته".
فنسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا وأهلينا وذريتنا من مقيمي الصلاة، اللهم ردنا إليك جميعا ردا جميلا بالمحافظة على الصلاة في أوقاتها ومع جماعة المسلمين.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وقال عليه الصلاة والسلام-: "مَن صلّى عليّ صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً".
اللهم صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ...