الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد العزيز الدهيشي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
في حيّنا كان قدرُنا وجود حديقة كبيرة بين بيوتِنا وجامعنا، يرتادها الكثير ويستمتع بها القريب والبعيد، ويغشاها الغث والسمين، ولنا معها وقفات من متابع لأحوالها وسابرٍ لشؤونها، ومستمعٍ مصغٍ لما يصلني بين الفينة والأخرى من جيران متواصلين وأحبة غيورين. الوقفة الأولى: من حق كل مارٍ وزائر وساكن الاستمتاعُ بمثل هذه المرافق، والخروجُ إليها بالأهل والأولاد، ولكن الفرحةَ والترويحَ يكمل باتباع الآداب الإسلامية في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ..
عباد الله: حين تعيش النفوس على حال واحدة وتسير بنمطية معينة يصيببها الضجر ويغشاها الملل، وربما جرَّها إلى ترك العمل والنفرةِ من الجد والكد والسهر، فلا بد من مرواحة بين الأعمال وما يتخللها من استرخاء واستجمام، فالنفوس تكلُّ كما تكل الأبدان، والقلوب بحاجة إلى نشاط وإنعاش، قال علي-رضي الله عنه-: "أجموا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان". وخير من قيله ذلك المنهج النبوي الذي رسمه رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- في ذكر قاعدة نبوية منهجية بليغة في كيفية التعامل مع النفوس وما يكتنفها من قوة وضعف ونشاط وخمول وزيادة وقلة بقوله لحنظلة الأسدي-رضي الله عنه-: "يا حنظلة، ساعة وساعة". وإن من مجالات الترويح عن النفس أو الأهل والأولاد الخروجَ إلى الحدائق والمتنزهات العامة.
عباد الله: في حيّنا كان قدرُنا وجود حديقة كبيرة بين بيوتِنا وجامعنا، يرتادها الكثير ويستمتع بها القريب والبعيد، ويغشاها الغث والسمين، ولنا معها وقفات من متابع لأحوالها وسابرٍ لشؤونها، ومستمعٍ مصغٍ لما يصلني بين الفينة والأخرى من جيران متواصلين وأحبة غيورين.
الوقفة الأولى: من حق كل مارٍ وزائر وساكن الاستمتاعُ بمثل هذه المرافق، والخروجُ إليها بالأهل والأولاد، ولكن الفرحةَ والترويحَ يكمل باتباع الآداب الإسلامية في الجلوس واللباس والحجاب، فقد جاء رجل إلى سلمان الفارسي -رضي الله عنه- متسائلًا ومتعجبًا من شمولية هذا الدين الإسلامي فقال: "علمكم نبيكم كل شيء!" فقال-رضي الله عنه-: "أجل". رواه مسلم. والحذر من إزعاج الآخرين من مرتادين أو ساكنين، بإصدار الأصوات المزعجة أو جلب المفرقعات وما شابهها.
الوقفة الثانية: إن ترك الأبناء والإخوة الصغار بمفردهم الساعة والساعتين دون رقيب ولا متابع يسرحون ويمرحون باسم التنزه واللعب خطأٌ كبير وتفريطٌ ظاهر، فربما أحدثوا شغبًا، أو أظهروا شططًا، أو اقترفوا خطأ، والمُلام حينئذ والداه، وإن كان من عتب فعلى ولي أمره، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" متفق عليه. وأخطر من هذا كله أن تتلقفهم أيدِي الغدر والخيانة وجلساءِ السوء والوقوع في شراكهم، إما بجلب سوء، أو استغلال سيئ، أو اعتداء سافر، فالأماكن العامة المفتوحة مظانهم وهي مراتعهم، ومن خلالها يقتنصون، وبها ينفثون سمومهم ويفسدون، حيث البعدُ عن الرقيب والحسيب.
الوقفة الثالثة: ويكبر الخطر وتعظم المصيبة بإيداع البنات أو الأخوات بمفردهن باسم التنزه أو بحجة رياضة المشي، فربما اعترضهن شياطين الإنس الذين لهم بالمرصاد بالمضايقة والمعاكسة، وعرضوا أنفسَهن للفتنة والافتتان بهن، والنبي -صلى الله عليه وسلم-قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري. فالنساء حبائلُ الشيطان وفتنةُ الرجال، فحذار حذار من التهاون في ذلك، وتركِ الحبل على الغارب، وإن كان لا بد فاعلين فليلتزمن الحجاب الشرعي ويبتعدن عن التزين والتطيب، وعن مجامع الرجال وتجمعات الشباب، ومن حقهن على وليهن مرافقتُهن والجلوسُ أو المشيُ معهن، والسعيد من وعظ بغيره، والفائز من نجا بنفسه وأهله.
الوقفة الرابعة: إن الخلل حاصلٌ والخطأ واردٌ، ولا بد في مثل هذه التجمعات الكبيرة مع انعدام الرقيب والمتابع، ولكن يبقى أن المواطن هو رجلُ الأمنِ الأول، فليكن لنا تعاون وتواص فيما نراه من أخطاء وتجاوزاتٍ بالتواصل مع المخطئين، أو إيصالها إلى الجهات ذات العلاقة، قال سبحانه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
الوقفة الخامسة: وفي طليعة المخالفات وعلى رأس التجاوزات تلك المظاهر التي لا نعدمها وللأسف كل يوم؛ من تكاسل وتخلف عن حضور الصلاة من بعض المرتادين للتنزه، مع رؤية المصلين يتوافدون إلى الجامع، وربما قد أقيمت الصلاة ولكن لا حياة لمن تنادي، فإن أصابهم فتورٌ ودب إليهم كسلٌ فلم لا نعينهم بالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة والدعوة إلى إقامة الصلاة مع جماعة المسلمين، ونذكرهم بأن لا خير في الحياة بدون الصلاة، وأنها مصدرُ السعادة ومبعثُ الطمأنينةِ الحقيقية. ولنعلم جميعًا أنا سنحاسب على صنيعهم، ونؤاخذ بتقصيرنا معهم، فقد روى الترمذي عن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر؛ أو ليوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقابًا منه, ثم تدعونه فلا يستجاب لكم". وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "كان يقال: إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمل المنكرُ جهارًا اسَتَحقُوا العقوبةَ كلَّهم". وإن كان الحياء قد نزع من نفوسهم فلم الحياء منهم؟! ولن نعدم الاستطاعة في العمل بمراتب تغيير المنكر، فقد روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال-صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لمن يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"رواه مسلم.
أصلح الله الأحوال، وبارك في الأفعال والأقوال، وجعلنا مفاتيح للخير، دعاة إليه، معينين عليه.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى.
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى.
عباد الله: لم لا يكون لنا تعاون وتضافر في الجهود بالمطالبة بإيجاد متابعة ومراقبة وتوفير تنظيم وترتيب لمثل هذه التجمعات الكبيرة المفتوحة، حيث اتسع الخرق على الراقع، وتجاوز المرتادون المئات إن لم يصلوا إلى الآلاف، وهذا حق من حقوق الجيران والقريبين إن حصل لهم إزعاج، أو خافوا ضررا، إما بقصرها على فئة معينة، أو بتقييد الدخول والخروج منها، مع المطالبة بإيجاد متابعة دائمة ومقر ثابت لرصد التجاوزات وضبط المخالفات.
لا يصلــح النـــاس فوضـــى لا ســراة | لهم ولا سراة إذا جهالهم ســـادوا |
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت | وأن تــوالـــت فبــــالأشـــرار تنقـــــاد |
فكم من قضايا ضبطت، وشكاوى رفعت، ونزاعات حصلت جَراء وضعها الحالي؛ مما استدعى الاستجداء برجال الأمن للنظر فيها وإنهائها.