البحث

عبارات مقترحة:

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

المهور وتيسيرها

العربية

المؤلف رضا بن محمد السنوسي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. الزواج طبيعة فطرية .
  2. حق المرأة في الصداق .
  3. نماذج من مهور الصحابة .
  4. ظاهرة التغالي في المهور .
  5. بركة المرأة تيسير مهرها .

اقتباس

ولقد ظهر في المجتمع اليوم التغالي في المهور والتباهي في نفقات الزواج، فهذه علبة مذهبة للمهر، وتلك ريالات فضة معقودة بشكل أنيق، وهذه أدوات تجميل، كل هذه زيادات على ما قرره الشارع الحكيم، وسرف بيّن وخيلاء ظاهرة، يضاف إلى ذلك الولائم المرهقة وقصور الأفراح الفخمة، كل هذا حدا بالشباب إلى العزوف عن الزواج والإعراض عنه، وما ظهر الفساد وانتشر الشر إلا يوم أن رأى الشباب أن مفتاح الزواج مسئولية ترهق كواهلهم، وأعباء ثقيلة لا طاقة لهم بها، فأحجموا...

 الخطبة الأولى:

أحبابنا في الله: الزواج طبيعة فطرية وارتباط حيوي وثيق يحفظ الله به النسل البشري في مجال الحياة، ويحقق به العفة والنزاهة والطهر لكلا الزوجين، وقد جعل الله لهذا الزواج أتم نظام وأكمله، حقق به السعادة لكلا الزوجين، وحفظ لهما الحقوق.

وفي طليعة هذا النظام أن فرض للمرأة حقاً على الرجل، ألا وهو الصداق الذي يعطيه لها دلالة صدق على اقترانه بها ورغبته فيها، وأنها موضع حبه وبره وعطفه ورعايته.

ولقد تفردت شريعة الإسلام على غيرها من الشرائع والقوانين، بأنها كرمت المرأة، وأحسنت إليها، وأثبتت لها حقها في التملك وحيازة المال بعد أن كانت في الجاهلية كسقط المتاع، تباع وتشتري، ولهذا أوجب الإسلام على من يتقدم لخطبة المرأة أن يدفع لها الصداق، وهو عبارة عن نوع من التقدير والاحترام، وليس ثمناً أو قيمة لها (وَءاتُواْ النّسَاء صَدُقَـاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً[النساء:4].

ولا يظنن أحد أن المهر ثمن للمرأة، أو ثمن لجمالها، أو للاستمتاع بها، أو ما يعتقده بعض العامة أنه قيمة لها، بل الحق أن المهر عطية من الله للمرأة، وهو حق لها تتصرف فيه كيف شاءت.

والإسلام لم يحدد مقدار المهر وكميته، وذلك لتباين الناس واختلاف مستوياتهم وبلدانهم وعاداتهم، ولكن الاتجاه العام في الشريعة الإسلامية يميل نحو التقليل فيه، فذاك أقرب لروح الدين، فيكون حسب القدرة وحسب التفاهم والاتفاق.

وقد كان السلف الصالح – رضوان الله عليهم – يتزوجون على القبضة من الطعام وعلى تعليم القرآن، أخرج البخاري: (5135) بسنده عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: إني وهبت من نفسي، فقامت طويلاً، فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة، فقال عليه الصلاة والسلام: "هل عندك من شيء تصدقها"؟ قال: ما عندي إلا إزاري فقال: إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئاً فقال: ما أجد شيئاً، فقال: "التمس ولو كان خاتماً من حديد"، فلم يجد، فقال: "أمعك من القرآن شيء"؟ قال: نعم سورة كذا وكذا وسورة كذا، لسور سماها، فقال: "قد زوجناكها بما معك من القرآن".

ولقد خطب أبو طلحة -رضي الله عنه- أم سليم فقالت: والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر، وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذلك مهري، ولا أسألك غيره، فكان كذلك، أسلم، وتزوجها رضوان الله عليهم أجمعين. بل إن سعيد بن المسيب رحمه الله زوج ابنته على درهمين.

وعلماء الأمة يرون أن الشارع لم يقدر المهر بقدر معين، بل تركه إلى اتفاق الطرفين الأب والزوج، أو الزوج والزوجة، وتراضيهما في تحديده مع مراعاة حال الخاطب وقدرته، قال تعالى: (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً[النساء:24]. والصحابة – رضوان الله عليهم – كانوا يمهرون ملء الكف من الدقيق أو السويق أو التمر، أخرج أبو داود: (2110) بسنده عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل".

وقد تزوج عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- على وزن نواة من ذهب، أخرجه أبو داود: (2019) بسنده عن أنس -رضي الله عنه-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى عبد الرحمن بن عوف ردعُ زعفران، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مهيم" أي مالك ؟ فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة. قال: "ما أصدقتها"؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: "أولم ولو بشاة".

ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- هو الأسوة والقدوة لهذه الأمة فلم يكن -صلى الله عليه وسلم- يزيد في مهر نسائه أو بناته عن خمسمائة درهم، أخرجه أبو داود: (2106) بسنده عن أبي الجعفاء السلمي قال: خطبنا عمر رحمه الله فقال: ألا لا تغالوا بصداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشر أوقية.

ولقد ظهر في المجتمع اليوم التغالي في المهور والتباهي في نفقات الزواج، فهذه علبة مذهبة للمهر، وتلك ريالات فضة معقودة بشكل أنيق، وهذه أدوات تجميل، كل هذه زيادات على ما قرره الشارع الحكيم، وسرف بيّن وخيلاء ظاهرة، يضاف إلى ذلك الولائم المرهقة وقصور الأفراح الفخمة، كل هذا حدا بالشباب إلى العزوف عن الزواج والإعراض عنه، وما ظهر الفساد وانتشر الشر إلا يوم أن رأى الشباب أن مفتاح الزواج مسئولية ترهق كواهلهم، وأعباء ثقيلة لا طاقة لهم بها، فأحجموا عنه وتولوا عنه، وهم معرضون.

والناظر في حال الشاب حديث التخرج من أين له أن يأتي بآلاف الريالات؛ حتى يكوّن أسرة وينشئ بيتاً حسب رغبة أهل الفتاة التي يخطبها وحسب العادات والتقاليد التي يحتكمون إليها؟ أليس من العقل بل من الدين أن يتعاون الآباء والأمهات، فيكونوا عوناً للشباب على الزواج، ويسعون بكل وسيلة إلى تسهيله وتيسيره والتخفيف من أعبائه؟ أليس من الأولى لهم من أن يساهموا في إحصان أبنائهم بدلاً من الانحراف والانجراف والسفر إلى خارج البلاد؟

إن المسئولية الملقاة على عواتق أهل الرأي والعلم في هذا المجتمع، تحتم عليهم القيام بواجب النصح والإرشاد وبيان الحق والتحذير من الآثار السيئة للمغالاة في المهور, في تكاليف الأعراس التي أصابت مجتمعنا، أين التكافل الاجتماعي؟ أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لابد أن يوجد للعامة من الناس القدوة والأسوة من أهل الفضل والعقل في تخفيف المهور، وتيسير أمر الزواج، والبعد عن التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما هي إسراف وتبذير وتضييق لطلب الحلال وتيسير في سلوك طريق الحرام.

فاتقوا الله – عباد الله – واحرصوا على أمر أبنائكم وبناتكم، وهيئوا لهم السبل الموصلة إلى سعادتهم في إقامة عش الزوجية سكناً ورحمة ومودة، واسلكوا من الوسائل ما يؤدي إلى إعفاف الشباب وإحصانهم من مغريات الفتن التي نعيشها في هذا الزمان، وأعينوهم بما عندكم حتى تستقيم لهم الحياة، وتسعدوا بهم في الدنيا والآخرة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَلتَّقْوَى[المائدة:2].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، اللهم اسلك بنا طريقك المستقيم، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم يسر أمر كل مسلم ومسلمة، وأمر كل مؤمن ومؤمنة، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. . . أما بعد:

إخوة الإسلام: الإسلام في حرصه على إقامة الحياة الزوجية الهانئة إنما يقيمها على الدين والخلق، أخرج الترمذي: (1085) بسنده عن أبي حاتم المزني قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد" قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دين وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات.

والإسلام اعتبر أن المرأة كلما كان مهرها قليلاً كان خيرها كثيراً، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة" [مشكاة المصابيح: 3097]. وأخرجه أحمد: (6/91) عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها".

فاتقوا الله – عباد الله – ويسروا أمر الزواج، واحرصوا على من ترضون دينه وخلقه، وإياكم من الرغبة في المال دون الدين، فالمال عرض زائل وعارية مستردة، والبقاء للدين، واحرصوا – رحمكم الله – على تيسير أموركم والبعد عن الإسراف والتبذير، فالأيام المقبلة أيام أعراس، فاحرصوا – رحمكم الله – على ما ترضون به ربكم وتسعدون به أنفسكم.

اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، ثم صلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم بذلك مولانا الكريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً[الأحزاب:56].