البحث

عبارات مقترحة:

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

من صفات المؤمنين

العربية

المؤلف خالد بن سعد الخشلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الاعتبار بمرور الأيام .
  2. طائفة من صفات المؤمنين في سورة \"المؤمنون\" .
  3. وقفات مع تلك الصفات .
  4. أهمية معرفة صفات المؤمنين في القرآن الكريم .

اقتباس

إن ذكر الله -عز وجل- لصفات المؤمنين ونعوت المتقين في كتابه الكريم بيان وإيضاح للسبل والطرق التي تنال بها ولاية الله -عز وجل-، ويحصل بها للعبد الفوز والظفر، والفلاح والنجاح. فدونك -أيها الأخ المسلم- صفات جامعة، ونعوتاً كاملة، وأحوالا شريفة، ومقامات علية، ومنازل رفيعة، وصف الله -عز وجل- بها عباده وخيرته من خلقه.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومَن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله وأمينه على وحيه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتأملوا -رحمكم الله- في سرعة مرور الليالي والأيام، وخذوا من ذلك عبرة بسرعة انقضاء الأعمار، وتصرم الشهور والأعوام، فما هذه الليالي والأيام إلا مراحل يقطعها العبد إلى آخر مرحلة من عمره.

والسعيد والله حقا من كانت حياته عامرة بطاعة الله، ومن كان عمره مشغولا بعبادة مولاه، ذلك والله من ربح دنياه، وفاز بأخراه! ذاك والله الموعود في الدنيا بالسعادة والطمأنينة، والمبشر في الآخرة بالفلاح وأصناف النعيم والكرامة! ووالله! ما أعظم خسارة أقوامٍ قطعوا أعمارهم وأمضوا حياتهم في لهو وإعراض وسهو وغفلة.

ما أعظم والله غبنهم يوم فرطوا في استثمار فرص الحياة ومواسم العمر! ما أعظم غبنهم وما أعظم تفريطهم يوم منحهم الله الزمان والوقت والعافية والصحة فلم يستثمروها في عمل مبرور، وسعي مشكور، يقربهم من ربهم -عز وجل- يوم القدوم عليه!.

ما قولُنَا بينَ يَدَيْ حَاكِمٍ

يعدِلُ في الْحُكْمِ ولَا يعدلُ

ما  قولنا لله في موقفٍ

يخرس فيه اللَّسِنُ المقول

إذا سئِلْنَا فيه عن كُلِّ  ما

نقولُ في الدنيا وما نفعل

ما الفوز للعالم في علمه

وإِنَّما الفوزُ لِمَنْ يعمَلُ

جعلني الله وإياكم وسائر إخواننا وأحبابنا من عباد الله المتقين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

إخوة الإسلام: كتاب ربنا -عز وجل- القرآن العظيم الذكر الحكيم بين أيدينا، وسوره الكريمة وآياته العطرة تحدثنا عن كل ما فيه فلاحنا، عن كل ما فيه نجاحنا، وعن كل ما يكون سببا لشقائنا وتعاستنا؛ إنه كتاب التذكر والاعتبار، إنه كتاب التدبر والتأمل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ص:29].

لقد أخبرنا الله -عز وجل- في كتابه الكريم في مواطن كثيرة وفي سور متعددة عن جملة وفيرة من صفات عباد الرحمن وعن أحوالهم وخصائصهم، حتى يعرض الإنسان نفسه عليها ليرى ما معه من الإيمان والتقوى، وليعرف قدر اتصافه بهذه الأوصاف.

إن ذكر الله -عز وجل- لنعوت المؤمنين في كتابه الكريم بمثابة الميزان الدقيق الذي يزن العبد به نفسه في إيمانه، يزن العبد فيه نفسه في تقواه، قوة وضعفاً، وكثرة وقلة.

إن ذكر الله -عز وجل- لصفات المؤمنين ونعوت المتقين في كتابه الكريم بيان وإيضاح للسبل والطرق التي تنال بها ولاية الله -عز وجل-، ويحصل بها للعبد الفوز والظفر، والفلاح والنجاح.

فدونك -أيها الأخ المسلم- صفات جامعة، ونعوتاً كاملة، وأحوالا شريفة، ومقامات علية، ومنازل رفيعة، وصف الله -عز وجل- بها عباده وخيرته من خلقه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:1-11].

جعلني الله وإياكم من عباد الله المتقين المتصفين بهذه الصفات، والمتحلين بهذه الخلال، الموعودين بالخلود الأبدي في دار الكرامة في جنة الله -عز وجل-.

أيها الإخوة المسلمون: إن في هذا العرض الجامع لصفات عباد الرحمن أعظم التنويه وأبلغ التقدير لعباد الرحمن وصفاتهم، وما استحقوا به الفلاح ووراثة جنة النعيم.

إنهم عباد مفلحون، الفلاح لهم محقق، والفوز لهم مؤكد، سعادتهم مضمونة، ونجاحهم متيقن؛ وكيف لا يكون حالهم كذلك وقد اتصفوا بأحسن الصفات، وأجمل الهيئات، وتلبسوا بأحسن المقامات، وأزكى الأحوال؟ فهنيئا لعبد من عباد الله اتصف بهذه الصفات التي رتب الله -عز وجل- الفلاح والظفر عليها في الدنيا والآخرة!.

عباد الرحمن الموعودون بالفلاح والخلود الأبدي في جنة الله -عز وجل- ودار كرامته هم في صلاتهم خاشعون، مُحْضِرون لقلوبهم بين يدي مولاهم، إذا افتتحوا صلاتهم أدركوا قربهم من ربهم فتخشع قلوبهم وتسكن جوارحهم وتطمئن قلوبهم وأفئدتهم، يتأدبون بين يدي الملك سبحانه وتعالى، فلا التفات في صلاتهم ولا إعراض، ولا وساوس ولا أفكار، يجاهدون أنفسهم في صلاتهم كما يجاهدون أعداءهم.

يجاهدون أنفسهم على الخشوع في الصلاة والطمأنينة فيها وإحضار القلب؛ لعلمهم أنهم في صلاتهم في مناجاة مع خالقهم، في مناجاة مع مالكهم سبحانه وتعالى.

لقد أدركوا من الصلاة مقصودها، وحققوا لبها وروحها؛ لعلمهم أن الصلاة التي لا خشوع فيها ولا حضور قلب -وإن كانت مجزية مثابا عليها- أثرها على العبد وفائدتها في تهذيب نفسه وتصليح سلوكه محدود جدا؛ فضلا عن نقصان الثواب المترتب عليها.

ثم هم في حياتهم بعيدون عن اللغو، معرضون عنه، وهذه إحدى ثمار الصلاة الخاشعة؛ فإن الصلاة الخاشعة المؤداة باطمئنان وخشوع، التي يستحضر العبد فيها قربه من ربه -عز وجل-، تمنعه من الخوض في الحرام واللغو، هم عن اللغو معرضون: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) ينزهون أنفسهم ويترفعون عن كل ما لا نفع فيه ولا فائدة.

إن أولئك يضنون بأوقاتهم ويشحون بأثمانهم أن تذهب في اللغو، أن تذهب في اللغو واللهو، هم صائنون لأسماعهم عن اللغو، حافظون أبصارهم عن مشاهدته، لا مجال في حياة عباد الله المفلحين لسماع كلمة سافلة، ولا مشاهدة منظر ساقط: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص:55].

قلوبهم لا ترتاح للغو، لا لسماعه ولا لمشاهدته، وآذانهم لا تصغي: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) [الفرقان:72]، قلوبهم لا ترتاح إلا لسماع كلام الله -عز وجل- وذكره وتسبيحه وتحميده وتهليله وتكبيره، لا تسمع إلا الخير، ولا تستلذ إلا بالخير والمعروف.

وإذا كان هذا وصفهم وهذه حالهم مع اللغو الذي لا فائدة فيه؛ فكيف ستكون حالهم مع الحرام والزور؟ إنهم سيكونون أشد إعراضا وأعظم بُعدا عن الحرام.

إن العبد متى ملك نفسه عند سماع اللغو ومشاهدته كان ذلك دليلا على سعادته، وعنواناً لحزمه مع نفسه ومجاهدته لها.

إن عباد الله بهذا الوصف العظيم حريصون على تزكية نفوسهم وتطهير قلوبهم؛ ولهذا كان وصفهم الثالث: (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ)، إنهم كما يحرصون على تزكية أموالهم وتأدية حق الله الواجب فيها وإيصاله لمستحقيه من الفقراء والمساكين ونحوهم هم حريصون كذلك على تزكية نفوسهم وتهذيب أرواحهم من كل خلق مشين ووصف ذميم.

إنهم حريصون على تزكية نفوسهم من أدناس الأخلاق ومساوئ الأعمال التي تفسد القلوب وتمرض الأرواح وتخبث النفوس، إنهم في جهاد دائم وحرص مستمر على التربية والتصفية، التربية لنفوسهم على محاسن الأخلاق ومحامد الأعمال، والتصفية من قبائح المعتقدات والآراء، ومفاسد الأخلاق والسلوك، هم دائما ما بين تخلية وتحلية، تخلية لقلوبهم ونفوسهم من كل خلق وطبع سيء لا يحبه الله -عز وجل-، وتحلية لقلوبهم ونفوسهم وأرواحهم بالأخلاق الفاضلة، والصفات الحميدة، والأفعال الكريمة.

إنهم محسنون في عبادة خالقهم بخشوعهم في صلاتهم وطمأنينتهم فيها، محسنون مع خلق الله بأداء الزكاة، والتخلق بالأخلاق الحسنة، والبعد عن الأخلاق الذميمة.

ثم يأتي بعد ذلك الوصف الرابع من أوصاف المؤمنين الكريمة ونعوتهم العظيمة الجليلة التي امتازوا بها عن أهل الشهوات: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ)، إنه وصف جامع طالما تكرر ذكره في كتاب الله -عز وجل- وصفا لعباد الله المؤمنين.

إنه وصف جامع مانع، فهم لفروجهم حافظون، يحفظونها عن كل استمتاع محرم وتلذذ محظور؛ لعلمهم أن من أكثر ما يدخل الإنسان النار فمه وفرجه، إنهم يحفظون فروجهم عن كل أحد إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم.

بل هم مع أزواجهم في هذا الباب في عبادة؛ لأنهم فعلوا ما أحله الله: "وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له بها أجر".

إنهم مع فروجهم في حفظ تام وصيانة أكيدة، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وما عدا ذلك فهم بعيدون عنه كل البعد؛ لأن مقارفته عدوانٌ صارخٌ وتعدٍّ أثيمٌ وانتهاكٌ لحرمات الله -عز وجل-.

إن حفظهم لفروجهم يجعلهم بعيدين عن المسالك المحرمة الممنوعة لقضاء الشهوات ونيل الوطر، فلا الزنا يقربون، ولا اللواط يفعلون، بل هم في تحرز شديد من كل تلذذ محرم، كالاستمناء والسحاق وإتيان النساء في الأدبار أو وقت المحيض، إن هذه السبل محرمة، وطرق موصدة عند عباد الله المؤمنين.

بل من تمام محافظتهم على فروجهم أنهم حريصون أشد الحرص على البعد عن كل خطوة لا تقرب إلى الله -عز وجل-، حريصون على ترك كل ما يدعو إلى الحرام من نظر إلى ما لا يحل ولمس وخلوة ونحو ذلك من خطوات الشيطان.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:21].

جعلني الله وإياكم من عباده المتقين الصالحين المتصفين بهذه الصفات، إن ربي على كل شيء قدير.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

أيها الإخوة المسلمون: إن من صفات عباد الرحمن التي استحقوا بها وراثة الفردوس الأعلى حفظهم لأماناتهم، حفظهم لعهودهم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ).

إنهم مراعون لأماناتهم، ضابطون لها، حافظون لعهودهم، موفون بها، حريصون على القيام بمقتضيات الأمانة ومتطلبات العهود، سواء كانت تلك الأمانات والعهود بين العبد وربه، وهي الحقوق التي أوجبها الله على العبد، أو كانت حقوقا على المخلوقين، فجميع ما أوجبه الله على عباده أمانة، وأمانة الآدميين أمانة أخرى.

والمؤمنون مراعون للأمانتين جميعا، حذرون من كل تفريط فيها أو تقصير، وكما بدأت هذه السورة الكريمة صفات المؤمنين بوصف بالصلاة، ختمت بها، فقال الله -عز وجل- (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)، أي: المداومون عليها في أوقاتها وحدودها وشروطها وأركانها، فكما أثنى الله -عز وجل- عليهم بالخشوع في الصلاة أثنى -عز وجل- بالمحافظة عليها، وبهذين الأمرين تحصل المحافظة التامة على الصلاة.

فأين هذا الوصف العظيم: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) أين هذا الوصف العظيم من حال فئام من الناس في هذا الزمن هم في تفريط وتضييع لصلواتهم؟.

كثير من الناس اليوم لا يشهدون من الصلاة إلا أقلها، ولا يحافظون على الصلاة إلا أقلها، بل يوجد بين ظهرانينا وفي بيوتنا وفي جيراننا من لا يشهد الصلاة البتة عياذا بالله، وإن شهدها شهد الجمعة أو وقتا أو وقتين، وبقية الأوقات هو مفرط فيها، إما تارك لها بالكلية عياذا بالله، أو مؤخر لها بتعمد حتى يخرج وقتها.

وقد أفتى جمع من أهل العلم على أن من تعمد تأخير صلاة حتى خرج وقتها لم تنفعه تلك الصلاة وإن قضاها؛ لأن فعل الصلاة عمدا في غير وقتها ليس عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عَمِلَ عملا ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ"، أي: مردود عليه.

فليحذر أولئك القوم الذين هم في تضييعٍ لصلواتهم، ليحذروا من هذه المصيبة، ليحذروا من هذه المعصية العظيمة والجريمة الكبيرة إن هم أرادوا النجاة لأنفسهم في دنياهم وأخراهم.

هذه -أيها الإخوة المسلمون- جمل من صفات المؤمنين التي بها ينالون الفردوس الأعلى الذي هو أعلى الجنة ووسطها وأفضلها، خالدين فيها لا يبغون عنها حولا، من غير مكدر ولا منغص، فاعرض نفسك أيها المؤمن على هذه الصفات لترى مدى تحقيقك لها.

أيها الإخوة المسلمون: هذا كتاب ربنا بين أيدينا لا تكاد سورة من سوره تخلو من ذكر بعض صفات المؤمنين، ألا وإن من التدبر الحق للقرآن أن يقف الإنسان مع كل صفة ذكرها الله في كتابه لعباده المؤمنين، ومع كل خلة من خلالهم، وخلق من أخلاقهم، سواء كان هذا الخلق من الأخلاق الفعلية أو الأخلاق التركية؛ ليتعرف على مدلول الصفة ومعناها ولازمها ثم يجتهد بعد ذلك بالتحلي بها وبالاتصاف بها، حتى يكون العبد من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، هذه هي القراءة النافعة، هذه هي القراءة المثمرة التي كان عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؛ امتثالا لقول ربهم: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [ص:29].

إذا سمعت الله -عز وجل- في كتابه يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأصغِ لها سمعك؛ فهو إما خير تؤمر به، وإما شر تنهى عنه، ونعوذ بالله أن يكون حال بعضنا ممن يقرأ القرآن والقرآن يلعنه، ويكون القرآن حجة عليه يوم القيامة لا حجة له.

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من المنتفعين بكتابه، المتدبرين لآياته، الممتثلين لأوامره، المنتهين عن نواهيه؛ إن ربي على كل شيء قدير.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صلى عليّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرا".

اللهم صل وسلم وبارك...