المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | فواز بن خلف الثبيتي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
ففي عالمنا اليوم تطور العلم وتقدم الطلب، ومع ذلك فشت الأمراض واستعصت، أمراض لم نكن نعهدها، وبلايا لم نكن نعرفها، ولم يكن هذا الأمر سهواً، ولا قدر عبثاً، وإنما هي سنن ربانية ثابتة، أكدتها نصوص القرآن والسنة...أيها الناس: المرض كلمة مرعبة، وحالة مفزعة، وساعات مؤلمة، والأمراض والأسقام، وإن كانت ذات مرارة وثقل، واشتداد وعرك، إلا أن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله المبدأ المعيد، الفعال لما يريد، خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقداراً، وضرب لهم آجالاً لا يستأخرون عنها ساعة ولا يستقدمون، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وخليله، وخيرة من خلقه، صولات ربي وسلامة عليه وآلة وصحبة والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب اللي والنهار.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، التي هي معتصم عند البلايا، وسلوان عند الهم والرزايا.
واعلموا -حفظكم الله ورعاكم- أن الابتلاء سنة ربانية ماضية، وهي من مقتضيات حكمة الله -سبحانه- وعدله، متمثلاً وقعه بجلاء، في الفقر والغنى، والصحة والمرض، والخوف والأمن، والنقص والكثرة، بل وفي كلما نحب ونكره: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء: 35].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغني والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة".
عباد الله: إن البشر قاطبة مؤمنهم وكافرهم، مجمعون إجماعاً لا خداع فيه، على أن الصحة تلج فوق رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى، وأن الصحة والعافية نعمة مغبون فيها كثير الناس، كما أخبر النبي الكريم –صلى الله عليه وسلم-.
أيها الأخوة في الله: إننا نعيش في عصر وزمان كثرة أمراضه وأسقامه، أدواء وأمراض انتشرت في الناس انتشار النار في يابس الحطب، أدواء وأسقام لا يكاد يسلم منها أحد إلا من رحم الله، فهيهات أن ترى لذة لا يشوبها ألم، أو صحة لا يكدرها سقم، أو سروراً لا ينغصه حزن، أو راحة لا يخالطها تعب، أو اجتماعاً يعقبه افتراق، أو أماناً لا يلحقه خوف.
هذه سنة الله -تعالى- في خلقه وعباده.
ثمانية لابد منها على الفتى | ولابد أن تجري عليه الثمانية |
سرور وهم واجتماع وفرقة | ويسر وعسر ثم سقم وعافية |
ففي عالمنا اليوم تطور العلم وتقدم الطلب، ومع ذلك فشت الأمراض واستعصت، أمراض لم نكن نعهدها، وبلايا لم نكن نعرفها، ولم يكن هذا الأمر سهواً، ولا قدر عبثاً، وإنما هي سنن ربانية ثابتة، أكدتها نصوص القرآن والسنة، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)[الشورى: 30].
وقال صلى الله عليه وسلم: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها -عن طريق الأفلام والقنوات والصورة والمعاكسات ونحوها- إلا فشت فيهم الأمراض والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم" وصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
أيها الناس: المرض كلمة مرعبة، وحالة مفزعة، وساعات مؤلمة، والأمراض والأسقام، وإن كانت ذات مرارة وثقل، واشتداد وعرك، إلا أن الباري جل شأنه، جعل لها حكماً وفوائد كثيرة، علمها من علمها وجهلها من جهلها.
ولقد حدث ابن القيم - رحمه الله - عن نفسه في كتابه "شفاء العليل"، إلا أن الباري جل شأنه، جعل لها حكماً وفوائد كثيرة، علمها من علمها وجهلها من جهلها.
ولقد حدث ابن القيم - رحمه الله - عن نفسه في كتابه "شفاء العليل" أنه أحصى ما للأمراض من فوائد وحكم، فزادت على مائه فائدة، فالابتلاء بالأمراض والأسقام، وقد يكون هبة ونعمة من الله ورحمة، ليكفر الله بها الخطايا ويرفع بها الدرجات.
فلقد استأذنت الحمى على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما هذه؟ قالت: أم ملدم وهي كنية الحمى فأمر بها إلى أهل قباء، فلقوا منها ما يعلم الله، فأتوه فشكوا إليه، فقال: "ما شئتم، إن شئتم أن أدعو الله لكم فيكشفها عنكم، وإن شئتم أن تكون لكم طهوراً"، قالوا: يا رسول الله أو تفعل؟، قال: "نعم" قالوا: فدعها [رواه الإمام أحمد الحاكم بسند جيد].
قال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيراً يصب منه" يعني بالبلاء والمرض.
فالمرض تكفير لسيئاتنا وخطايانا التي اقترفناها بأسماعنا وأبصارنا وألسنتنا، وسائر جوارحنا، وهذا من رحمة الله بنا أن يجعل له العقوبة على معاصينا في دنيانا، قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة".
قال -صلى الله عليه وسلم- : "ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته كما تنحط الشجر ورقها".
وقال رجل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا ما لنا بها؟ قال: كفارات، قال أبي بن كعب وإن قلت؟ قال: "وإن شوكة فما فوقها" [رواه الإمام أحمد].
ولقد عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مريضاَ من وعك كان به يعني حمى فقال صلى الله عليه وسلم: "أبشر، فإن الله - عز وجل - يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة"[رواه أحمد وابن ماجه].
فالمرض ليس شراً محضاً، بل له ثمرات، وفيه خير وأجر عظيم، ولذا ابتلى بالأمراض والأسقام خيرة خلق الله، فمرض وطال المرض بأيوب، وأشتكى محمد -صلى الله عليه وسلم- ومرض صحابته - رضي الله عنهم -.
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : "إن العبد إذا سبقت له من الله المنزلة، فلم يبلغها بعمل، أبتلاه الله - تعالى - في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يبلغها".
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أشد الناس بلاء، ولما أصابته الحمى قال أبو سعيد الخدري: كنت أجد جرها بين يدي من فوق اللحاف، فقال يا رسول الله ما أشدها عليك قال: "إنا كذلك يضاعف لنا البلاء، ويضاعف لنا الأجر".
فالمرض وإن كان مذاقه مر، إلا أن عواقبه أحلى من الشهد المصفى، فعلام إذا يجزع أحدنا من المرض يصيبه، أو يسبه ويشتمه؟!.
فإن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- لما دخل على أم السائب قال: "مالك يا أم السائب تزفزقين؟ قالت الحمى لا بارك الله فيها فقال: لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد" [رواه مسلم].
وكان الصحابة يحتسبون هذا الأجر، فهذا أبو هريرة يقول: "ما من مرض يصيبني، أحب إلى من الحمى، لأنها تدخل كل عضو مني، وإن الله -سبحانه- يعطي كل عضو حظه من الأجر".
وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الأنبياء والصالحين كانوا يفرحون إذا نزل بهم البلاء، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء"
لأنهم يعلمون أن عظم الجزاء من عظم البلاء، ولقد أصاب أحد السلف مرض في قدمه فلم يتوجع ولم يتأوه، بل ابتسم واسترجع، فقيل له: يصيبك هذا ولا تتوجع؟! فقال: إن حلاوة ثوابه أنستني مرارة وجعه.
ومن هذا المنطلق -عباد الله-، اجتمع الكافر والمسلم والبر والفاجر في مصيبة المرض على حد سواء، افترقا في المرة والعاقبة.
نعم المرض يصيب المؤمن والكافر والبر والفاجر، ولكن بينهما من الأجر والاحتساب كما بين الأرض والسماء.
وفي هذا يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إنكم ترون الكافر من أصح الناس جسماً، وأمرضهم قلباً، وتلقون المؤمن من أصح الناس قلباً، وأمرضهم جسماً، وأيم الله لو مرضت قلوبكم وصحت أجسامكم لكنتم أهون على الله من الجعلان".
ودخل سلمان الفارسي - رضي الله عنه - على مريض يقوده، فقال له: "أبشر فإن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتباً، وإن مرض الفاجر كالبعير، عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عقل ولم أرسل".
قال بعض السلف: "لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس!".
ومن فوائد المرض: أنه سبب لدخول الجنة، فإن الجنة حفت المكاره، والمرض من المكاره، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الأعمى الذي فقد عينيه أنه إن صبر عوضه الله بالجنة.
وهذا من حرصها على ستر نفسها فدعا لها، فكانت تصرع ولا تتكشف فالمرض فصله وأجره لمن صبر وأحتسب كبي وعظيم.
ومن فوائد المرض وحكمه: أنه تذكره وعظه للعبد، فلربما أصيب الإنسان حال صحته وقوته بشيء من الكبر والعجب، والفرعنة وقسوة القلب، وغيرها من الأمراض المهلكة الفتاكة، فيرحمه أرحم الراحمين بأن يبتليه بأنواع من المصائب والأسقام، التي تريه عفه وعجزه وتواضعه، فتكون هذه الأمراض والأسقام بمثابة الحمية لهذا العبد من أدواء أخطر وأعظم، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلى ويمتحن بنعمائه.
فلولا أن الله - سبحانه وتعالى - يداوي عباده بأدوية المحن والإبتلاء، لطغوا وبغوا وعتوا، ولكنها الأمراض فيها الرحمة من الله والحكمة.
أيها الأخوة في الله: إن هذه الأسقام والأمراض إنما هي ابتلاء من أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، والله - سبحانه - لم يرسلها على عبده ليُهلكه بها، ولا ليعذبه بها، كلا، وإنما ليمتحن صبره ورضاه عنه، وإيمانه، ويسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحاً ببابه، لائذا بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعاً قصص الشكوى إليه.
عباد الله: هذا شيء من حكم وفوائد وأسرار الابتلاء بالمرض، ولا يظن ظان مما سبق أن المرض مطلب منشود، كلا، فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يتمنى البلاء، ولا أن يسأل الله أن ينزل به المرض، فلقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "سلوا الله العفو والعافية فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية".
فالمؤمن لا يتمنى البلاء، بل إذا أصابه الداء سعى في طلب الدواء، عملاً بفعل وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "تداووا عباد الله، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء غير داء واحد، الهرم" لذاته وإنما لما يفضى إليه من الصبر والاحتساب وحسن الثواب.
اشتكى عروة ابن الزبير الآكلة في رجله، فقطعوها من ركبته، وهو صامت لم يئن، وفي ليلته تلك سقط ولد له من سطح فمات، فقال عروة: "اللهم لك الحمد، كانوا سبعة من الولد فأخذت واحداً، وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة، فأخذت واحداً وأبقيت لي ثلاثة، فإن كنت أخذت فلقد أعطيت، وإن كنت قد ابتليت فلقد عافيت.
فرحم الله عروة وغفر له، فلقد كان بعض المرض عنده أخف من بعض، وبلاؤه أهون من بلاء غيره، فهان عليه مرضه وهانت عليه بلواه، هذا ديدن المؤمن، ينظر بعين بصيرته فيحد الله على أمرين:
أولهما: أن مصيبته لم تكن أكبر مما هي عليه.
ثانيهما: يحمد الله أن أبقى له ما كان يمكن أن يزول من صحة غامرة، وفضل جزيل، فهو ينظر إلى النعمة الموجودة، قبل ينظر إلى النعمة المفقودة.
ثبت في الصحيح عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- : أن أيوب - عليه السلام - لبث في مرضه وبلائه ثمانية عشر عاماً وروى أن زوجته قالت له يوماً: يا أيوب لو دعوت ربك يفرج عنك! فقال عليه السلام: عشت سبعين سنة صحيحاً فهل أن أصبر لله سبعين سنة؟!.
فالصبر وحدة -أيها الأخوة-- هو العاصم بأمر الله من الجزع عن الريب، وهو الهداية الواقية من القنوط عند الكرب.
فإن الجزع والهلع لا يرد المرض، بل يضاعفه ويزيده، فالمريض إن أحدثت له الأمراض والآلام سخطاً وكفراً، كتب في ديوان الهالكين، وإن أحدثت له شكاية، وعدم صبر، كتب في ديوان المغبونين، وإن أحدثت له اعتراضاً على الله، وقدحاً في حكمته، فقد قرع باب الزندقة أو ولجه، وإن أحدثت له صبرا وثباتاً لله، كتب في ديوان الصابرين، وإن أحدثت له الحمد والشرك، كتب في ديوان الشاكرين وكان تحت لواء الحمد مع الحمّادين، وإن أحدثت له محبة واشتياقاً إلى لقاء ربه، كتب في ديوان المحبين المخلصين.
في المسند وسنن الترمذي: "إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضي ومن سخط فله السخط، ومن جزع فله الجزع".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155- 156].
بارك الله لي ولكم في القرآن……
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، أحمده سبحانه وأشكره، لا إله غيره ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أكرمه ربه فاجتباه، وأحبه فضاعف عليه الوجع وابتلاه صلى الله علي آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
أخي المؤمن: يا من ابتلاك الله بالمرض، أسأل الله أن يكشف عنك كل ألم وضر.
أخي في الله: إذا ابتليت بمرض عارض فاحمد الله - تعالى - أنك لم تصب بمرض مزمن.
وإذا أصبت بداء شديد فاحمد الله -تعالى- أنك لم تصب بأكثر من داء، ولو شاء أصابك.
وإذا أصبت بأمراض فاحمد الله واشكره أنه أبقى عليك من عقلك، ولو شاء لسلبك إياه.
يروى أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "ما أصبت ببلاء إلا كان لله على فيه أربع نعم: الأولى: أنه لم يكن في ديني، والثانية: أنه لم يكن أكبر منه، والثالثة: أني لم أحرم الرضا، والرابعة: أني أرجو ثواب الله - تعالى –".
أخي المريض: اختار الله لك المرض، ورضيه لك، والله أعلم بمصلحتك من نفسك، وحق الله عليك في هذه البلوى هو الصبر، فإن الجزع لا يفيد، بل يزيد عليك آلامك، ويضاعف مصيبتك وأحزانك.
وسوف تنسى -أخي المريض- كل ما كنت تعانيه من آلام وأسقام إذا دخلت دار السلام، حيث ينادي مناد: "إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشتوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وذلك قول الله -عز وجل-: (وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[الأعراف: 43].
أيها الأخوة المؤمنين: ما أعظم الأجر، لو قدر الله المرض على عبد وهو مقيم على عبادته وطاعته وذكره، ما أجمل المرض يوم يقدم على العبد وهو من أهل القرآن والمحافظين والسابقين لفضائل الأعمال من قيام ليل وصيام ونهار، فإن الله إذا أقعد عبده بالمرض، كتب له ما كان يعمل حين كان صحيحاً، أي فضل أعظم من هذا؟!.
أخرج البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً".
أخي المريض: إذا حل بك المرض وأقعدك، فتدارك نفسك بتوبة لله صادقة، وذكر له على كل حال، ولا تنس نفسك من عمل صالح أو فعل خير أو صدقة جارية، وتأهب للموت برد الودائع ِإلى أهلها، والتخلص مما في ذمتك من مال، أو مظلمة، أو دين، فكم من مريض له ذنوب لا يتوب منها، أو عنده ودائع لا يردها، أو عليه دين أو زكاة أو في ذمته مظلمة لا يؤديها، وإنما تفكيره وحزنه على فراق الدنيا وما فيها، لا هم له سواه، نسأل الله العفو والعافية.
أخي المريض: إنك أحوج ما تكون إلى رحمة ربك وعفوه ومغفرته، فلم تهجر القرآن تلاوة واستماعاً؟! ولم تغفل عن ذكر الله والدعاء؟! لم ترفع الشكوى إلى الخلق وتنسى إلهك الحق؟! لم تتهاون بالصلاة بحجة المرض، وتؤخرها عن وقتها؟ فصل الصلاة لوقتها قائماً، فإن لم تستطع فجالساً، فإن لم تستطع فعلى جنبك متوجهاً إلى القبلة، فإن لم تتمكن فصل حيث كان اتجاهك ولا إعادة، فإن لم تستطع فصل مستلقياً رجلاك إلى القبلة، فإن شق عليك فعل كل صلاة في وقتها فلك أن تجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير حسبما تيسر، أما الصبح فلا تجمع مع صلاة قبله أو بعده.
تطهر -أخي المريض- التطهر الشرعي، فإن لم تستطع فتيمم، فإن لم تستطع فصل على حالك، ولا تدع الصلاة تفوتك عن وقتها: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)[البقرة: 286].
أخي المبتلى: اصبر لما أصابك، وانتظر الفرج من الله، ولا تكثر الأنين والشكوى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ)[النحل: 127].
لا تيأسن وإن طالت مطالبة | إذا استعنت بصبر أن ترى فرجاً |
اخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته | ومدمن القرع للأبواب أن يلجأ |
اللهم اجعلنا من الصابرين على بلائك، الشاكرين لنعمائك، اللهم شافي مرضانا ومرض المسلمين، اللهم خفف عنهم مصائبهم، وارفع درجتهم، وكفر عنهم سيئاتهم، واجعل ما أصابهم خيراً لهم في العاجل والآجل، اللهم أمدهم بعون منك، وتثبيت وتفريج يا أرحم الراحمين، اللهم عجل بشفائهم، وزوال كربتهم، اللهم لا شفاء إلا شفاؤك فأشف مرضانا ومرضى المسلمين يارب العالمين، اللهم ولا تحرم من يقوم من المسلمين على مريض بخدمة ورعاية وبر من الأجر والمثوبة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات....