البحث

عبارات مقترحة:

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

خطوة في الإصلاح

العربية

المؤلف سعد الدريهم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الصلاح في التمسك بالكتاب والسنة .
  2. رأس الإصلاح إصلاح البيوت .
  3. الدعاء بالصلاح .
  4. الإصلاح الناجح .

اقتباس

عندما كانت الأمة تأخذ بهما كانت هي الغالبة، وعندما تركت نهجهما أضحت مغلوبة مدحورة لا يكاد يُؤبه لها، وقد عرف الأعداء تلك الحقيقة لذا تراهم ما استطاعوا يحرصون أشد الحرص على إبعاد الأمة عن دينها؛ فسلطوا كلَّ كيد وكلَّ مكر في هذا السبيل؛ فأحدثوا الإغواء ونشروا البغاء وأضحى مكراً كباراً، لا يكاد يصمد له إلا من أحيا الله قلبه بالإيمان، ولا ....

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعدُ:

فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

إنه لا سعادة للأمة ولا نجاة -أيها الأحبةُ في الله-، إلا برجوعها لمنهاج ربها وما جاءها عن نبيها محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فهما حصانة الأمة وهما الهديُ القويم والصراط المستقيم، وهما من يبلغانِ بالأمة ما تتمنى عزاً وشموخاً.

فعندما كانت الأمة تأخذ بهما كانت هي الغالبة، وعندما تركت نهجهما أضحت مغلوبة مدحورة لا يكاد يُؤبه لها، وقد عرف الأعداء تلك الحقيقة لذا تراهم ما استطاعوا يحرصون أشد الحرص على إبعاد الأمة عن دينها؛ فسلطوا كلَّ كيد وكلَّ مكر في هذا السبيل؛ فأحدثوا الإغواء ونشروا البغاء وأضحى مكراً كباراً، لا يكاد يصمد له إلا من أحيا الله قلبه بالإيمان، ولا زالت الأيام تفترُّ لنا عن مكرٍ وخبثٍ من قناة أولئك الأوباش، وهم إن استمروا؛ فسنرى ما تطيش له العقول ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إننا -أيها الجمع الكريم-، مطالبون بالإصلاح، وعلى رأس كل إصلاح إصلاح البيت، ومن ثم إصلاح المجتمع، ثم إصلاح البلد قاطبة، وهي ليست مهمة شاقة أو عسيرة، بل هي في يدك وكلٌّ يستطيعها؛ لأن صلاح أيِّ أمرٍ يكون بصلاح قاعدته، وقاعدةُ أيِّ مجتمع أيها الجمع الكريم، هو البيت، وكلٌّ منا يملك زمام بيته توجيها ونصحاً، بل ويملك الأخذ على أيديهم لو رأى منهم اعوجاجاً عن جادة الصواب؛ قد يعتريك في بداية الأمر بعض العنت وبعض المشقة، ور بما عورضت من قبلهم، لكن بالمجاهدة ستُهدى السبيل الصالح -إن شاء الله-، وسترى من أهل بيتك الإذعان؛ خاصة إذا مزجتَ ذلك ببيان شفقتك عليهم، وأنه مرادٌ به مصلحتهم، ولا بد أن تجعل الرفقَ رفيقك في مسعاك، وهذا مسلك الأنبياء والرسل مع أممهم، وهو كذلك مأمورٌ به كلُّ ساعٍ للإصلاح؛ فإذا كان هذا سلوكاً محموداً ومطلوباً مع الأبعدين فكيف به مع الأهل الأقربين، لا ريب أن استحضاره معهم أكثر إلحاحاً وحاجة.

بيوتنا -والحمد لله- فيها خير كثير، فما زالت محاضن صالحة لتربية النشء، وما زال يخرج منها الصالحون والعلماء الناصحون، ولكنها تواجه ضغطاً وتشهد غزواً مركَّزاً من الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وأضحى الرهان على أشده بين المصلحين والمفسدين لكسب معركته، فإذا استمر الخير فيه وعُزِّزَ جانب الصلاح بين أفراده، فهذا مؤذن بصلاح الأمة، وهل الأمة إلا بيوتاً ومجتمعاتٍ تقوم على هذه البيوت، وإذا قوض الخير من بيوتنا؛ فهذه هي الباقعة التي ستأتي على البقية الباقية من الفضائل، فالبيوت والدور دورها عظيم، وتستحق منا الاهتمام؛ فأشعلوا في بيوتكم مشاعل الإصلاح؛ قوموا بالتوجيه، وحاربوا الشرور التي ربما تسربت إليها دون علم منكم، وبقدر ما نُصْلِحُ من بيوتنا بقدر ما نصلح من المجتمع؛ قد لا تستطيع أن تمنع المنكرات خارج البيت، لكنك وبحكم قوامتك وحرصك على أهل بيتك تستطيع منعها من بيتك، وتستطيع أن تتقدم خطوة أخرى بأن تشيع في أهل بيتك ضرر هذا المنكر أو ذاك؛ فتكسوهم حصانة ضده، وهذه الحصانةُ ستنطلق منهم لتُدَثِّر من كان غائباً عن الوعي ومن كان مغروراً، وبهذا يتنامى جانب الصلاح وتنطلق بذرته، ولكن من كان عاجزاً عن إصلاح بيته، ولو كان غيوراً على دين ربه، هل يستطيع إصلاح المجتمع والدولة، لا يستطيع ذلك، وما انطلق منطلق ومنذ القديم أيها الجمع الكريم، إلا من قبل بيته؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بدأ ببيته فنفث فيه روح الإيمان فآمنوا، ثم انطلق للأقربين، ثم العشيرة، ثم القبيلة، وهذا توجيه القرآن: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)[الشعراء: 214].

وكل من نال الحظوة بالإسلام من صحابته أسكنها أهل بيته: "وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول".

فتكوين القاعدة في الدعوة وهي البيوت كفيل بنجاحها، كما أن الناس يراعون جانب القدوة؛ فأنت إذا دعوتَ الناس ستجدهم يصوبون النظر تجاه بيتك، هل هو على هدي من نصيحتك وتوجيهك؛ فإن كان ثمة استجابةٌ منهم وأخذٌ بتلابيب نصيحتك؛ فستجدهم يسارعون فيها، لذا نلحظ أن الخليفة عمر ابن عبدالعزيز - رحمه الله - عندما بدأ مشروعه الإصلاحي، كانت بدايته من بيته فأصلح حاله وقوَّمَه؛ حتى أضحى أنموذحاً يحتذى؛ فانقاد له من بعد بنو أمية، ثم الأمة قاطبة، حتى أعداءُ الأمة في وقته، فالناس أيها الجمع الكريم، تسلم مقاليدها لمن علمت صدقه؛ فاصدقوا الله أيها الدعاة في أنفسكم وفيمن حولكم، وسترون القبول ولا يكن رأس مال أحدكم في الدعوة كليماتٍ يصدع بها في الناس ولكنَّ قلبه وبيته خلوٌ منها؛ لأن الكلام وإن تشابهت نبراته يداعب القلوب بحسب ما فيه من صدق وتطبيق؛ لذا قد يكون الإنسان داعية وهو صامت لم ينبس ببنت شفة بسبب صدقه وتطبيقه لما علم، وعلى قدر نياتكم ترزقون: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[العنكبوت: 69].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهدُ أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فأيها الأحبة في الله: إن أثر الدعاة قد خَفُتَ عندما انبرى للدعوة أناسٌ لا يؤمنون بما يدعون إليه؛ فتجده يدعو الناس وهو يخالف ما يدعو إليه، وتجده يطالب بإصلاح البيوت وبيته يعج بالخلل والانحرافات، وبعضُهم عندما يُعَاتَبُ في ذلك يقول لك: انظر إلى قولي ولا تنظر إلى فعلي، وهذا وربي لا يستقيم في الفهم الصحيح؛ لأنَّ لكلِّ قَولٍ حقيقة، وحقيقة القول منك أن تُرى معالمُه على جوارحك؛ فاستجيبوا أيها الدعاة ويا أيها القدوات، إلى ربكم واقرنوا القول بالعمل لتفلحوا، وليس هذا من التنظير بل من الحق الذي لا مرية فيه؛ جاء العبيد إلى الحسن البصري - رحمه الله -، فقلوا: يا إمام، لو خطبتَ خطبة حثثت فيها الناس على العتق؛ فقد أنهكنا ما نحن فيه من رِقِّ العبودية، وشغلتنا عن طاعة ربنا وفعل الصالحات، وعن طلب العلم وابتغاء الفضائل، فوعدهم الإمام خيراً، لكنَّه تأخر عليهم مدة، ثم خطب خطبة لقيت صدى في نفوس الناس؛ فتدافعوا لعتق مواليهم، وبعد أن نالوا حريتَهم، جاءوا للإمام يشكرونه، لكنهم عتبوا عليه تأخره؛ فقال لهم - رحمه الله -: لم يكن عندي عبد فأُعتقَه فأبدأ بنفسي، ولم يكن لديَّ مالٌ؛ فلما حصل المال اشتريتُ عبداً فأعتقتُه، ثم خطبت حينها عن فضلِ العتق؛ فكان ما ترون، فَرَحِمَ الله تلك العظام، لقد كانوا يقرنون القول بالعمل، فهذه أقوالهم لا زالت باقية، والأفعال منهم لا زالت صامدة، وكانوا يتخوفون قول الله - سبحانه وتعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف:2- 3].

وخلاصة القول -أيها الجمع الكريم-: إن الإصلاح الناجح والناجع أياً كان نوعه يبدأ من النفس، ثم البيت، ثم ينطلق بعد ذلك للمجتمع، والإصلاح الخامل الذي لا بركة فيه هو من يوجَّه للمجتمع دون أخذ النفس والمجتمع الصغير البيت بحظها منه، وإذا صدقت النوايا بارك الله في الجهود.