العفو
كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفِيَّاً لِأَصْحَابِهِ الكِرَامِ، الذينَ كَانَتْ قُلُوبُهُم أَنْقَى وَأَصْفَى قُلُوبِ البَشَرِ على الإِطْلَاقِ، كَانَ وَفِيَّاً مَعَهُم؛ لِأَنَّهُم بَذَلُوا دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُم وَأَرْوَاحَهُم في سَبِيلِ خِدْمَةِ هَذا الدِّينِ الحَنِيفِ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ -تعالى- بِهِ. لَقَد بَلَغَ من وَفَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فَيَا عِبَادَ اللهِ: أَعْظَمُ النَّاسِ وَفَاءً على الإِطْلَاقِ، هُوَ: سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، وَكَيْفَ لا يَكُونُ كَذَلِكَ وَهُوَ الذي أَرْسَلَهُ اللهُ -تعالى- رَحْمَةً للعَالَمِينَ؟ وَمَا خُلُقُ الوَفَاءِ إلا مِن الرَّحْمَةِ.
لَقَد كَانَ سَيِّدُنا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وَفِيَّاً لِأَصْحَابِهِ الكِرَامِ، الذينَ كَانَتْ قُلُوبُهُم أَنْقَى وَأَصْفَى قُلُوبِ البَشَرِ على الإِطْلَاقِ، كَانَ وَفِيَّاً مَعَهُم؛ لِأَنَّهُم بَذَلُوا دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُم وَأَرْوَاحَهُم في سَبِيلِ خِدْمَةِ هَذا الدِّينِ الحَنِيفِ الذي أَكْرَمَنَا اللهُ -تعالى- بِهِ.
يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَد بَلَغَ من وَفَاءِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّهُ كَانَ وَفِيَّاً لِمَنْ آمَنَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَنْ يَرَاهُ، وَمِن صُوَرِ هَذَا الوَفَاءِ:
أولاً: جَعَلَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِخْوَانَهُ، وَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهُ لَقِيَهُم، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي". فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي".
ثانياً: شَهِدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُم أَعْظَمُ الخَلْقِ إِيمَانَاً، روى الإمام أحمد والحاكم عَن أَبِي جُمُعَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: تَغَدَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا، أَسْلَمْنَا مَعَكَ، وَجَاهَدْنَا مَعَكَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي".
وروى البَزَّارُ عَن عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، عَن النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "أَخْبِرُونِي بِأَعْظَمِ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ؟" قَالُوا: المَلَائِكَةُ. قَالَ: "وَمَا يَمْنَعُهُم مَعَ قُرْبِهِم من رَبِّهِم، بَلْ غَيْرُهُم؟". قَالُوا: الأَنْبِيَاءُ. قَالَ: "وَمَا يَمْنَعُهُم وَالوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِم، بَلْ غَيرُهُم؟". قَالُوا: فَأَخْبِرنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: "قَوْمٌ يَأْتُونَ بَعْدَكُم، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي، وَيَجِدُونَ الوَرَقَ المُعَلَّقَ -أي: القُرآنَ الكَرِيمَ- فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، أُولَئِكَ أَعْظَمُ الخَلْقِ مَنْزِلَةً، وَأُولَئِكَ أَعْظَمُ الخَلْقِ إِيمَانَاً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".
يَا عِبَادَ اللهِ: إِذَا كَانَ الوَاحِدُ مِنَّا حَرِيصاً على أَنْ يَنَالَ شَرَفَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مِن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، فَإِنَّهُ لا يَسَعُهُ إلا وَأَنْ يَتَحَقَّقَ بِالإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ، وَذَلِكَ من خِلَالِ تَطَابُقِ الأَفْعَالِ مَعَ الأَقْوَالِ.
فَيَا أَيُّهَا الحَرِيصُ على نَيْلِ شَرَفِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مِن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: تَحَقَّقْ بِالإِسْلَامِ وَبِالإِيمَانِ، وَإِلَّا فَقَد تُحْرَمُ مِن هَذَا الشَّرَفِ العَظِيمِ، والمُسْلِمُ الحَقُّ هُوَ مَن انْطَبَقَ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ الذي رواه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
سَلْ نَفْسَكَ -يَا أَخِي الكَرِيمُ- هَلْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِكَ أَمْ لا؟
وَمَا أَكْثَرَ صُوَر الإِيذَاءِ بِاللِّسَانِ، فَإِنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِكَ -وَأَنتَ كَمَا قَالَ تعالى عَن العَبْدِ: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) [القيامة:14-15]- فَهَنِيئَاً لَكَ. وَإِلَّا فَرُدَّ المَظَالِمَ إِلَى أَهْلِهَا قَبْلَ مَوْتِكَ، حَتَّى لا تَنْدَمَ، وَلَا يَنْفَعُكَ النَّدَمُ.
سَلْ نَفْسَكَ: هَلْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن يَدِكَ أَمْ لا؟
وَمَا أَكْثَرَ صُوَر الإِيذَاءِ بِاليَدِ، وَمِن جُمْلَتِهَا سَلْبُ الأَمْوَالِ وَأَخْذُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمِنْهَا الضَّرْبُ وَالقَتْلُ، وَمِنْهَا ... وَمِنْهَا... فَإِنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن يَدِكَ، فَهَنِيئَاً لَكَ.
وَإِلَّا فَأَنْتَ نَادِمٌ وَرَبِّ الكَعْبَةِ إِذَا لَمْ تَتُبْ إِلَى اللهِ -تعالى-، وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ مَا تَحَقَّقْتَ بِالإِسْلَامِ الحَقِّ.
والمُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ مَن انْطَبَقَ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيثُ الشَّرِيفُ الذي رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، عَن النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
والمُؤْمِنُ الحَقُّ هُوَ الذي تَنَبَّهَ إلى هَذَا الَحدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ البُخاري عَن أَبِي شُرَيْحٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، أَنَّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَاللهِ لَا يُؤمِنْ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنْ، وَاللهِ لَا يُؤمِنْ". قِيلَ: وَمَن يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الَّذِي لَا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ".
سَلْ نَفْسَكَ: هَلْ تُحِبُّ الخَيْرَ للآخَرِينَ كَمَا تُحِبُّهُ لِنَفْسِكَ؟ وَهَلْ تَسْعَى إِلَى إِيصَالِ الخَيْرِ للآخَرِينَ كَمَا تَسْعَى إِلَى إِيصَالِهِ لِنَفْسِكَ؟ وَهَل يَأْمَنُ النَّاسُ من شَرِّكَ وَظُلْمِكَ؟
فَإِنْ كَانَ هَذَا وَصْفَكَ فَأَنْتَ المُؤْمِنُ الذي يَسْتَحِقُّ نَيْلَ شَرَفِ شَهَادَةِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "أُولَئِكَ أَعْظَمُ الخَلْقِ مَنْزِلَةً، وَأُولَئِكَ أَعْظَمُ الخَلْقِ إِيمَانَاً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".
أَسْأَلُ اللهَ -تعالى- أَنْ يَرُدَّنَا إلى دِينِهِ رَدَّاً جَمِيلَاً، وَأَنْ يُحَقِّقَنَا بِالإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ لِنَكُونَ أَهْلَاً لِنَيْلِ شَرَفِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مِن سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "أُولَئِكَ أَعْظَمُ الخَلْقِ مَنْزِلَةً، وَأُولَئِكَ أَعْظَمُ الخَلْقِ إِيمَانَاً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ"، آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.