البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

خطبة عيد الفطر

العربية

المؤلف أحمد بن محمود الديب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. الحث على ملازمة الطاعة بعد رمضان .
  2. الغناء في يوم العيد .
  3. هدي النبي في العيد .
  4. التحذير من ابتداع أعياد لم يأذن بها الله .
  5. التحذير من موالاة الكافرين والتشبه بهم .
  6. توجيهات للشباب وللمرأة المسلمة .
  7. التحذير من بعض الأعمال في العيد .
اهداف الخطبة
  1. بيان هدي النبي في العيد والتحذير من بعض المنكرات
  2. نصائح وتوجيهات عامة

اقتباس

نستقبل عيد الفطر المبارك الذي شرع عقب شهر رمضان؛ إظهارًا للقيام بشكر الله - تعالى - على نعمة التوفيق من أداء عبادة الصيام، وتقربًا إلى الله – تعالى - بإطعام الطعام وصلة الأرحام، وابتهاجًا بهذا اليوم المبارك الذي يشعر فيه المسلمون بتآخيهم وتوادهم وتراحمهم، فكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- التكبير في ليلة هذا اليوم، وأن يغتسل ويتجمل ويتطيب ويلبس الجديد من الثياب...

الخطبة الأولى:

أما بعد: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها الجمع الكريم: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله تعالى.

عباد الله: إن يومكم هذا يوم عظيم وموسم كريم، "وإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

أيها الإخوة والأخوات: يا من ودعتم شهرًا كريمًا وموسمًا عظيمًا، أقبلتم على تلاوة القرآن، وصمتم النهار، وقمتم ما تيسر لكم من الليل، وأكثرتم من الذكر والدعاء، وتصدقتم بجود وسخاء، فأخرجتم زكاة أموالكم، وأخرجتم زكاة الفطر طيبة بها نفوسكم، وتقربتم إلى ربكم بأنواع الطاعات رجاء ثوابه وخوف عقابه، كم من جهود بذلت، وكم من أجساد تعبت، وكم من طاعات بذلت، وكم قلوب وجلت وكم من أكف رفعت، وكم من دموع ذرفت، وكم من عبرات سكبت في موسم الرحمة والمغفرة.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

أيها الإخوة والأخوات: لقد مر هذا الشهر الكريم بخيراته وبركاته، مضى من أعمارنا وهو شاهد لنا أو علينا، بما أودعناه فيه من أعمال، فعلينا -أيها المستمعون الأكارم- أن نواصل الأعمال بعد رمضان، فكما كنَّا في رمضان علينا أن نكون كذلك بعد رمضان، علينا أن نتأسى بسلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى-، الذين توجل قلوبهم وتحزن نفوسهم عندما ينتهي شهر رمضان؛ لأنهم يخافون ألا يتقبل منهم عملهم، ولذا فقد كانوا يدعون الله تبارك وتعالى بعد رمضان ستة أشهر أن يتقبله منهم، وستة أشهر بعد رمضان أن يبلغهم رمضان، فمن الغريب أن يسيء أبناء الإسلام فهم شعائر الإسلام، فلا يعملون الطاعات إلا في مواسم معينة وأوقات محددة، فإذا انتهت كان ذلك آخر عهدهم بها، نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، وعليكم أن تسارعوا في الخيرات كما كنتم في رمضان.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

هذه الكلمات قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت ذلك عند البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثٍ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبِمُزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! وَذلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الرحمة المهداة: "دعهما يَا أَبَا بَكْرٍ؛ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا"، وعند النسائي: عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتانِ تَضْرِبَانِ بِدُفَّيْنِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ: "دَعْهُنَّ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا"، وعند ابن ماجه: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ، تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ فِي يَوْمِ بُعَاثٍ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ؟! وَذلِكَ فِي يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

فانظروا -يا رعاكم الله- كيف غضب أبو بكر -رضي الله عنه- لأنه يعلم أن الغناء محرم في شريعة الإسلام، ولكن النبي -عليه الصلاة والسلام- بين له أن من الغناء ما هو مباح في يوم العيد، لا كما يدعي البعض بأنه مباح في كل وقت، قال الطبري -رحمه الله-: "هذا الحديث حجتنا لأن أبا بكر سمى ذلك مزمور الشيطان، ولم ينكر النبي على أبي بكر قوله، إنما منعه من التغليظ في الإنكار لأنهم في يوم عيد".

ثم إني أتساءل: أين الغناء بما تقاولت به الأنصار يوم بُعاث من غناء اليوم من امرأة أو أمرد بآلات ومزامير وغزليات ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! مع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حذر من ذلك، ففيما رواه البخاري تعليقًا ووصله أبو داود عن أبي مالك الأشعري: سمعَتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "لَيَكُونَنَّ في أُمَّتِي أقوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحرير والخَمْرَ والمعازفَ" الحِرَ أي: يستحلون الزنا عياذاً بالله. وفي صحيح ابن حبان عن أبي مالكٍ الأشْعرِيَّ أنه سَمِع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحَرِيرَ والخَمْرَ والمَعَازِفَ". وروى النسائي عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ كِتَابًا فِيه: "وَإظْهَارُكَ الْمَعَازِفَ وَالْمِزْمَارَ بِدْعَةٌ فِي الإسْلاَمِ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ إلَيْكَ مَنْ يَجُزُّ جُمَّتَكَ جُمَّةَ السُّوءِ".

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

فها نحن -أيها الإخوة والأخوات- نستقبل عيد الفطر المبارك الذي شرع عقب شهر رمضان؛ إظهارًا للقيام بشكر الله تعالى على نعمة التوفيق من أداء عبادة الصيام، وتقربًا إلى الله تعالى بإطعام الطعام وصلة الأرحام، وابتهاجًا بهذا اليوم المبارك الذي يشعر فيه المسلمون بتآخيهم وتوادهم وتراحمهم، فكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- التكبير في ليلة هذا اليوم، وأن يغتسل ويتجمل ويتطيب ويلبس الجديد من الثياب، كما ثبت عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يأكل قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر، لما رواه الترمذي عن عبدِ الله بن بُرَيْدَةَ عن أَبيهِ قال: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لا يخرجُ يومَ الفطرِ حتى يَطْعمَ، ولاَ يَطْعَمُ يومَ الأضْحَى حتى يُصَلِّيَ". وقد استَحبَّ قومٌ مِن أَهلِ العلمِ أَن لا يَخْرُجَ يَوْمَ الفِطْرِ حتى يَطْعَمَ شيئًا. ويُسْتَحبُّ له أَن يُفْطِرَ على تَمْرٍ، ولا يطْعَمُ يومَ الأضحى حتى يَرجِعَ. وروى ابن ماجه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ تَمَرَاتٍ". وفي السنن الكبرى للبيهقي عن ابن عُمَرَ أَنَّهُ كان يغتسلُ في العيدينِ اغتسالَهُ من الجَنَابَةِ، وعن ابنِ عُمَرَ أنهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يومَ الفِطْرِ قبلَ أَنْ يَغْدُوَ.

وعن خروج النساء إلى مصلى العيد, روى البخاري عن أُمِّ عَطيةَ قالت: "أُمِرْنا أن نُخْرِجَ الحُيَّضَ يومَ العِيدَينِ وذَواتِ الخُدورِ، فَيشْهدنَ جَماعةَ المسلمينَ وَدعْوتَهم، وَيَعتزِلُ الحُيَّضُ عن مُصلاّهُنَّ". قالتِ امرأةٌ: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إِحدانا ليس لها جِلبابٌ! قال: "لِتُلْبِسْها صاحِبَتُها مِن جلبابِها".

ومن هديه -صلى الله عليه وسلم- في صلاة العيد أن يصليها في الخلاء، ثم يرجع من طريق غير الذي ذهب منه، ففي صحيح ابن حبان عن أبي هُريرَة قالَ: "كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا خَرَجَ إلى العيدينِ رَجَعَ في غيرِ الطَّريقِ الَّذي خَرَجَ منهُ".

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

أيها الإخوة الكرام الأحبة: لقد جعل الله -سبحانه وتعالى- عيد الفطر ليحتفل فيه المسلمون ويروحوا عن أنفسهم, بعد امتثالهم لأمره -عز وجل- في القيام بعبادة الصيام والقيام، وسمي العيد عيدًا لأن لله -عز وجل- فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل يوم، منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وفيه صدقة الفطر، ولأن العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور، سرورًا بنعمة الله تعالى أن من عليهم بإتمام شهر الصيام، والحكمة من هذا العيد أن الله تعالى يكافئ عباده بهذه المناسبة إذا قاموا بحقها.

وهذا العيد شرعه الله تعالى لعباده ليتميزوا به عن غيرهم، روى أبو داود وأحمد والنسائي على شرط مسلم -رحمه الله- عن أنَسٍ قال: قَدِمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلعَبُونَ فيهِمَا فقال: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟" قالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِليَّةِ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ"، وعند النسائي: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ لأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ الْمَدِينَةَ قَالَ: "كَانَ لَكُمْ يَوْمانِ تَلْعَبُونَ فِيهِمَا وَقَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْر مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الأَضْحَى".

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا"، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

ففي هذين اليومين يتفضل الله تعالى بكرمه وجوده ورحمته على من قام بحق هذين العيدين، فإن اليومين الجاهليين لم يقرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تركهم يلعبون فيهما، بل قال: "إنَّ الله قَدْ أبْدَلَكُم بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ"، وهذا الإبدال يقتضي ترك أعياد الجاهليين والتمسك بالبديل.

أما الأعياد التي يبتدعها الناس, ويحدثون فيها من اللهو والبذخ وارتكاب ما حرم الله تعالى باسم المواسم والمناسبات وأعياد الميلاد ورأس السنة وما إلى ذلك, فلا يخفى على أحد أنها مما أُحدث في الدين، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحذر من ذلك، فعن عائشةَ -رضيَ الله- عنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ فيهِ فهوَ رَدّ". فمن الغريب أن يسيء أبناء الإسلام الفهم لشعائر الإسلام، فإن سوء الفهم للبعض ليس دليلاً على ضعف الإسلام، فالإسلام دين الله تعالى لا يزال عزيزًا قويًا.

وكيف لا؟! فلقد جاء الإسلام وكانت حياة الناس في الجاهلية مليئة بالاضطراب والفوضى؛ فعقيدتهم عبادة الأصنام والأوثان، وشريعتهم شريعة الغاب بلا سُنة ولا كتاب، وشعارهم الظلم والتسلط والبغي والعدوان، إلى أن أذن الله تعالى ببزوغ فجر الإسلام وإشراق شمس الإيمان ببعثة خير الأنام، قال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) [ص: 29]، وقال تعالى: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [المائدة: 15، 16].

جاء الإسلام دينًا كاملاً ونظامًا شاملاً حوى من العقائد أصحها وأسلمها، ومن العبادات أيسرها وأسمحها، ومن الأخلاق أزكاها وأشرفها، كتب الله بقاءه، وضمن حفظه، وجعله صالحًا لكل زمان ومكان، فالحمد الله الذي هدنا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدنا الله.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

وإذا كانت كل أمة تفاخر بأنظمتها وتعتز بمبادئها من ديمقراطية واشتراكية ورأسمالية وشيوعية، فإننا -نحن المسلمين- مطالبون بالاعتزاز بديننا لأنه شرع ربنا، قال تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ) [آل عمران: 83]، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

فديننا -يا عباد الله- ليس من صنع البشر، بل هو من عند الله عز وجل، (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19]، فإذا تمرد أحدنا على هذا الدين فإن ذلك بداية الهزيمة.

وإنه لمن المؤسف حقًا أن يسيء أبناء الإسلام الفهم لشعائر هذا الدين، فنرى بعض أبناء الإسلام وقد أصيب بالانهزامية أمام الآخرين، وأصبح أُذنًا لكل ناعق، يسير مع كل مارق، يسير مع أعداء الإسلام في تقليد وتبعية، ويقول: إن ذلك دبلوماسية، ويعد ذلك من التقدم والمدنية، كيف يتنازل أبناء الإسلام عن دينهم وإسلامُهم حريص على تميزيهم عن غيرهم؟! ولذلك كان النهي عن التشبه بالكفار أحد التكاليف الربانية. كيف يتنازل أبناء الإسلام عن دينهم, والله تعالى ينهاهم عن موالاة الكفار إذ يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51]؟! كيف يتنازل أبناء الإسلام عن دينهم ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهاهم ويحذرهم من التشبه بالكفار فعن ابنِ عُمَرَ قالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" رواه أحمد وأبو داود وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "إسناده جيد"؟! كيف يتنازل أبناء الإسلام عن دينهم وقد أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمخالفة اليهود والنصارى في تعجيل الإفطار وفي تأخير السحور، وأن يُصلوا في نعالهم، وأن يوجهوا قبورهم إلى القبلة، وفي صيام يوم عاشوراء بصيام يوم قبله وبصيام يوم بعده، وأن يخالفوهم أيضًا في أعيادهم؟!

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا"، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

أيها الإخوة الكرام الأحبة: يا من ودعتم شهرًا كريمًا وموسمًا كريمًا، إن أعداء الإسلام أساؤوا الظن بشريعة الإسلام لما رأوا أبناء الإسلام تهاونوا في إسلامهم، فبذلوا جهودهم ضد هذا الدين، فنفذوا إلى مناهج تعليم الأمة، وحاولوا أن يغيروا مناهجها ليوجدوا مناهج إلحادية، حتى تتربي الأجيال تربية غير إسلامية، بالتركيز على اللغات الغربية كالإنكليزية والفرنسية أو غيرها، ونفذوا إلى وسائل إعلام الأمة، فجعلوا وسائل إعلام هدامة لا تخدم قضايا الأمة، ولا تحل مشاكلها، إنما هي بعيدة عن دينها وأخلاق إسلامها، نفذوا إلى اقتصاد الأمة فأقاموا اقتصادًا ربويًا بعيدًا عن تعاليم الإسلام ومبادئه، فانتشرت البنوك الربوية، وبذلك تخضع الأمة لاقتصاد ربوي، نفذوا لمجتمعات الأمة، وأشعلوا نار الفتنة بين أبنائها، وحاولوا أن يصبغوا هذه المجتمعات بصبغة غربية؛ كل ذلك لإيقاف زحف هذا الدين، ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، قال الله تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) [التوبة: 32].

فها أنتم -يا عباد الله- أقبلتم لإحياء سنة نبيكم، فصليتم صلاة العيد التي تؤدى في صباح أول يوم من شهر شوال، والتي يخرج فيها المسلم والمسلمة بعد تمضية شهر في الصيام والقيام ومجاهدة النفس إلى أيام الفرح والسرور التي قال فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" رواه البخاري ومسلم، فتمسكوا بدينكم وعضوا عليه بالنواجذ.

ويا أيها الرجال: استوصوا بالنساء خيرًا عملاً بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ- عَنهُ قالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَكْمَلُ المُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ" رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وروى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ". لا يَفْرَك أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر، واعدلوا بين نسائكم واعدلوا بين أبنائكم.

ويا شباب الإسلام: يا أبناء اليوم ورجال الغد، كونوا شبابًا فاهمًا واعيًا بدينه، واحذروا من أفكار أعداء الإسلام، واحذروا من الدعاوى المضللة، واحذروا من دعاة العلمانية الذين يريدون أن يفصلوا الدين عن الحياة، ويفصلوا الدين عن الدولة، واحذروا من الخمر والمخدرات وجميع المسكرات، فإنها مدمرة للأخلاق، ويا شباب الإسلام، اعلموا أن من الشباب من يفهم العيد على أنه انطلاق للغرائز وممارسة للفوضى من غير تحرج ولا حياء، كما يحدث في بلاد أوربا، فأعيادنا ليست كأعيادهم.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

ويا أيتها المسلمة العفيفة الشريفة: اعلمي أن وظيفة المرأة ودورها خطير في داخل أسرتها وفي تربية أبنائها، فاحذري النداءات المريضة والمغرضة من أشباه الرجال أعداء المرأة الذين يدعون ليل نهار إلى خروج المرأة للعمل على إطلاقه، سواء كان ذلك لعذر أم لغير عذر، وسواء كان مناسبًا للمرأة أم غير مناسب، إنها دعوة لهدم البيت الآمن، فمن استجابت إلى تلك الدعوى سوف تدفع الثمن من كرامتها، وسوف تدفع الثمن من عفتها، وسوف تدفع الثمن من راحتها ومن تربية أبنائها، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33]، أي: اِلْزمنَ بيوتكن.

فيا أيتها الزوجة المؤمنة: كوني عونًا لزوجك على طاعة الله تعالى، وقومي بمسؤولياتك في بيتك، ولا تعتمدي على العاملات في تربية أبنائك، فأنت في بيتك راعية ومسؤولة عن رعيتك، واهتمي بأبنائك، فمن الغريب أن كثيرًا من النساء يكثرن من الدعاء على أنفسهن أو على أبنائهن بالموت والهلاك، فهذا أمر خطير، فإن دعاء الوالد مستجاب، فاجعلي دعواتك لهم بالهداية والصلاح والتوفيق، وحافظي على صلاتك وأديها في وقتها، واحذري من مجالس الغيبة والنميمة.

أيتها الأخت المسلمة: احذري من دعوة الجاهلية، فلقد اتخذت الجاهلية الحديثة المرأة سلعة تباع وتشترى، واعتبرتها تسلية ومتعة، وجعلتها تطوف في الشوارع، تفخر بعريها وعبوديتها لبيوت الأزياء وأساتذة الديكور والتجميل، عرضوا صورها بشكل فاضح مخزٍ، ونادوا بمزيد من التهتك والابتذال باسم التحرير، باسم تحرير المرأة، وباسم التقدم والحضارة، ثم جاء أذنابهم في بلاد المسلمين ليدفعوا المرأة المسلمة إلى هذه الهاوية، فجعلوها ترقص باسم الوطن والتحرير، وتتبرج وتكشف عن وجهها باسم الحضارة والمدنية، فاحذري أيتها المؤمنة، واقتدي بأمهات المؤمنين، فهن أطهر نساء وأعف وأعلم النساء.

الخطبة الثانية:

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا"، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

الحمدُ لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن محمدًا عبدهُ ورسولُهُ.

أيها الإخوة الكرام الأحبة: إني محذر من بعض الأعمال التي تحدث من البعض في أيام العيد، وهي:

1-   إحياء ليلة العيد بالصلاة، وأما ما ورد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَتَي الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ" رواه ابن ماجه فهو حديث شديد الضعف، بل حكم عليه بالوضع، ولم يثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- في إحياء ليلة العيد ما يستند عليه.

2– حث الناس على الخروج إلى المقابر لزيارة الموتى.

3– إقامة حفلات ليلية يحدث فيها من المنكرات من اختلاط الرجال بالنساء, وشرب ما حرم الله تعالى.

4– اللعب بالنار والمفرقعات، وارتداء ملابس وقبعات، وتعليق أوراق الزينة في البيوت والمحلات، وهذه الزينة تحمل أشكال الصليب، وهذا الفعل فيه تشبه بفعل الكفار.

5– إحياء ليالي العيد بالسهر وحفلات الرقص واستماع الأغاني والموسيقى الصاخبة وغير الصاخبة.

6– الإسراف في الشرب والطعام.

7– هجر المساجد وترك صلاة الجمعة والجماعات.

8– خروج النساء إلى الأسواق متبرجات متزينات متعطرات، وهذا فيه ما فيه من البلاء العظيم والشر المستطير.

9– المصافحة بين المرأة والرجل الأجنبي بدعوى التهنئة بالعيد، وهي من المنكرات والعادات القبيحة المذمومة.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهذَا عِيدُنَا".

اللهم اجعله عيدًا سعيدًا وأعده أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، اللهم أعده على الأمة الإسلامية وقد تحقق لها ما تصبو إليه من عزة وكرامة وعودة للمسجد الأقصى، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين...