المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | عبد الله اليابس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
هذا شهر رمضان تولى وانسلخ بما فيه، شاهدًا مصدقًا على المحسن بإحسانه وعلى المسيء بإساءته، فعلى من منَّ الله عليه بالتوفيق فيه وتاب إلى الله وأناب، وصام وقام، أن يحافظ على هذه الدرجة الطيبة ويزداد في الخيرات، فطوبى له هذا العيد السعيد الذي يباهي الله به ملائكته، ويشهدهم أنه غفر لعبده في هذا اليوم الجوائزي، وعلى المسيء الذي فرط في موسم خصب لا يعوَّض أن يتوب إلى الله ويبادر، فإن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر.
الخطبة الأولى:
الله أكبر، الله أَكبر، الله أَكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر، الله أَكبر، الله أَكبر، الله أَكبر، الله أَكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
الحمد لله الذي سهل لعباده طرق العبادة ويسر، وتابع لهم مواسم الخيرات، لتزدان أوقاتهم بالطاعات وتعمر، فما انقضى شهر الصيام حتى حلت شهور حج بيت الله المطهر، نحمده على أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، ونعمه التي لا تحصر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأحد الصمد المتفرد بالخلق والتدبير، وكل شيء عنده بأجل مقدر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أنصح من دعا إلى الله وبشر، وأفضل من تعبد لله وصلى وزكى وصام وحج واعتمر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما بدا الصباح وأنور، وسلم تسليمًا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أمّا بعد:
فتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير، وعيدكم مبارك، وأسأل الله أن يعيده علينا وعلى أمة الإسلام وهي في عزّ ومنعة ورفعة إنه على كل شيء قدير.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: هذا شهر رمضان تولى وانسلخ بما فيه، شاهدًا مصدقًا على المحسن بإحسانه وعلى المسيء بإساءته، فعلى من منَّ الله عليه بالتوفيق فيه وتاب إلى الله وأناب، وصام وقام، أن يحافظ على هذه الدرجة الطيبة ويزداد في الخيرات، فطوبى له هذا العيد السعيد الذي يباهي الله به ملائكته، ويشهدهم أنه غفر لعبده في هذا اليوم الجوائزي، وعلى المسيء الذي فرط في موسم خصب لا يعوَّض أن يتوب إلى الله ويبادر، فإن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا أمة محمد: ها أنتم أكملتم صيام شهركم، ورفعتم أصواتكم بالتكبير تمجيدًا لربكم، وفرحًا بالثواب العظيم، الذي بشر به النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- من صام رمضان وقامه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب: منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان".
اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من إتمام الصيام والقيام، فإن ذلك من أكبر النعم، واسألوه أن يتقبل ذلك منكم ويتجاوز عما حصل من التفريط والإهمال، فإنه تعالى أكرم الأكرمين وأجود الأجودين.
واعلموا أن نبيكم -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر"، وتفسير ذلك أن صيام رمضان يقابل عشرة أشهر، وصيام ست من شوال يقابل شهرين فذلك تمام العام.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
لقد بعَث الله نبيَّنا وسيّدنا محمّدًا بدينٍ كامل، وشرعٍ شامل، غايةٍ في الإحكام، عدلٍ في الأحكام، لا أَمتَ فيه ولا عِوَج، ولا ضيقَ فيه ولا حَرَج، هدَى الله به النفوسَ بعد ضلاله، وجمع به القلوبَ بعد فُرقة، وألَّف به بين الناسِ بعدَ عَداوة، فأصبحوا بنِعمتِه إخوانًا، وصاروا باتِّباعه أنصارًا وأعوانًا، جماعةٌ واحدة فلا تجزُّؤ ولا انقِسام، ولا تميُّز ولا انفِصام، رِباطُها رابطةُ العقيدة، وآصِرة الدين وأخوّة الإسلام. رابطةٌ تنكسِر تحتَها جميعُ الولاءات الجاهليّة، والانتماءات الحزبيّة، والنّعرَات الطائفيّة، والدعاوى العصبية، والصيحاتِ العنصرية، والشعاراتِ القومية، يقول رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "المسلمون تتكافأ دِماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على مَن سواهم". أخرجه أبو داود.
دينٌ اختاره الله لنا وارتضاه، وشرعه لنا واصطفاه، لا يجوز لنا الخروجُ عن دعواه، ولا ابتغاء دينٍ سواه، ولا الزّهادة في مسَمّاه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
بشراكم يا من قُمتم وصُمتم، بُشراكم يا مَن تصدَّقتُم واجتهَدتم وأحسنَتم، هذا يومُ الفرح والسرور والفوز والحبور، ذهب التّعَب، وزال النصب، وثبت الأجرُ إن شاء الله تعالى.
تقبَّل الله صومَكم وشهرَكم، وأعاد الله علينا وعليكم تلكم الأيّامَ المباركة أعوامًا عديدة وأزمِنة مديدة والأمّة الإسلاميّة في عزّة وكرامة ونصرٍ وتمكين ورِفعَة وسُؤدَد.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: ها أنتم عملتم بأمر ربكم الذي دعاكم إلى أخذ زينتكم من اللباس اللائق عند الصلاة، لا سيما صلاة الجمعة والجماعة وفي العيدين، فقد علمتم أن إطلاق الأمر في الآية يدل على وجوب الزينة للعبادة: (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، ليكون المؤمن وقت عبادة الله تعالى في أجمل حالة، إنه مظهر حضاري جميل يعطي الدليل على أن الإسلام دين حضارة ومدنية ورقي.
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
في هذا اليوم العظيم، يجتمع المسلمون في جميع أقطار المعمورة لصلاة العيد، وعندها تبرز الوحدة الإسلامية في أبهى ثيابها، وأروع صورها، يجتمع في المصلى الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والرئيس والمرؤوس، كل منهم لا فارق بينهم، يجتمع الأسود مع الأبيض، والأبيض مع الأسود، على اختلاف اللغات وعلى اختلاف الألوان، إنها لوحدة عظيمة، يمد أحدهم يده لصاحبه وهو لا يعرفه، وربما أنه لا يعرف لغته فيسلم عليه ويحتضنه لأنه يشعر بأنه أخوه في الإسلام، يشاركه في آماله وفي آلامه، وهذه المزية لم تكن لأمة من الأمم إلا لكم أيها المسلمون.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: الصلاة الصلاة، إنها عمود الإسلام وناهية عن الفحشاء والآثام، من حفظها فقد حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، الصلاة أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر دينه، وإن فسدت فسد سائر دينه، فاتقوا الله عباد الله، والصلاة الصلاة.
إياكم -عباد الله- واضطهاد الناس وظلم الناس؛ فإن الظلم محرم، حرمه الله على نفسه، وحرمه على عباده فقال: "يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا".
إياكم -عباد الله- وقرب شيء من المسكرات، فإن من مات وهو يشربها كان حقًّا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال أي طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله: وما ردغة الخبال؟! قال: "عصارة أهل النار"، وإن من شرب الخمر في الدنيا حرم من خمر الآخرة: (لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزفُونَ).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا أمة محمد: لا خيرَ يرجَى من الخُلفِ والتنازع، ولا صلاحَ يؤمَّل من التشاحنِ والتقاطع، ولا فائدةَ تحصَّل من التصارُم والتصارع. فيا مَن نسِي الصفاء، وألِفَ القطيعةَ والجفاء، يا من اجتَهَد في المنابَذَة، ولجَّ في المبايَنَة، ونأى عن الصِّلَة، ونبَا من المودّةِ، يا من أظهَر الشناءةَ والمناوَأة، هذا يومُ التّسامح، هذا يومُ التّصافح، هذا يوم التلاحُم، هذا يوم التراحُم، تصافَحوا يذهبِ الغلّ، وتسامحوا تذهَبِ الشّحناء، خُذوا بأيدِي بعضِكم، وطهِّروا قلوبكم من الأحقادِ والضغائن، وأقيلوا العَثراتِ، واقبلوا المعذرةَ من الزلاّت، تقاربوا ولا تباعَدوا، تآلفوا ولا تنافَروا، ولا تقاطعوا ولا تدابَروا، ولا تباغضوا ولا تنافَسوا ولا تتحاسَدوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا. ومتى حصَل بين مسلِمَين عَتبٌ وموجدةٌ، أو نبوَة ومَغضبة لم يجُز لأحدِهما هجرُ أخيه أكثرَ مِن ثلاث، فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحلّ لمسلمٍ أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث ليال، يلتَقيان فيُعرِض هذا ويعرِض، وخيرُهما الذي يبدَأ بالسلام". متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحلّ لمسلم أن يهجرَ أخاه فوقَ ثلاث، فمن هجَر فوقَ ثلاث فماتَ دخل النار". أخرجه أبو داود.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: تأملوا في البلدان من حولكم، واشكروا نعمة ربكم عليكم، فتن وحروب، واضطرابات ومظاهرات، وملوك كانت لهم أموال قارون، وملك فرعون، فأصبحوا في غياهب السجون، أو هاربين مبعدين، أو مختفين عن العيون، إن في هذه الأحداث عبرة لكل ذي عقل رشيد، ورأي سديد: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يا نساءَ المسلمين: إنّ الله رفعكنّ وشرّفكنّ، وأعلى قدرَكنّ ومكانتَكنّ، وحفظ مكانكن وحقوقَكنّ، فاشكرنَ النعمةَ، واذكرن المِنّة، فما ضُرِبَ الحجاب ولا فُرِضَ الجِلباب ولا شرِعَ النّقاب إلاّ حمايةً لأعراضِكنّ، وصيانةً لنفوسِكنّ، وطهارةً لقلوبكنّ، وعصمةً لكنّ من دواعِي الفتنةِ والخسار، وسُبُل التحلّلِ والانحدَارِ، فعليكنّ بالاختِمار والاستِتار، واغضُضن من أبصاركنّ، واحفَظنَ فروجكنّ، واحذَرنَ ما يلفِت الأنظار، ويُغرِي مرضَى القلوبِ والأشرار، واتّقين النار، فعن أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهلِ النار لم أرهما: قومٌ معهم سياطٌ كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساءٌ كاسيات عارِيات، مميلات مائلات، رؤوسُهنّ كأسنِمَة البُختِ المائلة، لا يدخُلنَ الجنّةَ ولا يجِدن ريحها، وإنّ ريحَها لتوجد من مسيرةِ كذا وكذا". أخرجه مسلم.
أيّها الآباء والأولياء: صونوا نساءَكم، واحفَظوا أعراضَكم، وحاذِروا التقصيرَ والتساهل، واجتنِبوا التفريطَ والتشاغل، الذي لا تؤمَن لواحِقُه وتوابعه، وتواليه وعواقِبه، بيدَ أنّ عاقبتَه بوار، وخاتمتَه خسار، كونوا أُباةَ العار وحماةَ العرين؛ تعيشوا كرماءَ وتموتوا أوفياء.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيّها المسلمون: ابتهِجوا بعيدكم، ولا تكدِّروا جمالَه وصفاءَه، وجلاله وبهاءَه بالمعاصِي والآثام، واللهوِ الحرام، استقيموا على الطاعة والإحسان بعد رمضان، فما أحسنَ الإحسانَ يتبعُه الإحسان، وما أقبَح العصيانَ بعد الإحسان، ومن أتى مِنكم من طريقٍ فليرجِع من طريقٍ آخر إن تيسَّر له ذلك اقتداءً بسنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
اللهم إنّا خرجنا في هذا المكان نرجو رحمتَك وثوابَك، فتقبّل مساعيَنا وزكِّها، وأعلِ درجاتِنا وأعلها. اللهمّ آتنا من الآمالِ منتهاها، ومن الخيرات أقصاها. اللهم تقبّل صيامنا وقيامنا. اللهمّ تقبّل دعاءنا يا أرحم الراحمين.
اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا، وتجاوز اللهم عن تقصيرنا وتفريطنا، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار، وأدخلنا الجنة دار القرار، يا عزيز يا غفار، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة، وأمة الإسلام في عز ومجد وتمكين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويهدى فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع يا قريب يا مجيب.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.