البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

ونزل المطر

العربية

المؤلف عبيد بن عساف الطوياوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. حاجة البشر إلى خالقهم   .
  2. الحث على الدعاء وآدابه .
  3. العقوبات العاجلة للذنوب والمعاصي .
  4. من أسباب نزول الغيث من السماء .
  5. من أسباب القحط والجفاف .
اهداف الخطبة
  1. التذكير بنعمة المطر
  2. بيان بعض الأسباب المانعة لنزول الأمطار

اقتباس

سببان هامّان من أسباب القحط والجفاف والشدة ومنع نزول المطر وهما: منعُ زكاة الأموال وعدمُ أدائها لمستحقيها، ونقص وبَخْسُ المكاييل والموازين ليس سببًا في الجفاف والقحط فقط، وإنما في تضييق المعيشة وشدتها وجور الحكام أيضًا عليهم وظلمهم لهم: "ولا نقص قوم المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا" الحديث. أما...

الخطبة الأولى:

أما بعد: فعلينا أن نتقي الله حق تقاته ونطيعه, ونعلم أننا فقراء إلى الله ضعفاء مهما بلغ الشخص من القوة، محتاجون إليه سبحانه في كل نَفَسٍ ولحظة وثانية، بل وفي كل طرفة عين وأقلّ من ذلك. إن الغفلة تعترينا في كثير من أمورنا وأحوالنا وأوقاتنا، وذلك من الشيطان الرجيم العدوّ المبين والنفس الأمارة بالسوء وجلساء السوء من شياطين الإنس بعد شياطين الجن، ولكن علينا أن نتذكر ونتفكر دائمًا ونراجع أنفسنا ونحاسبها ونتَّعظ ونتدبَّر ونرجع إلى ربنا ونستغفره ونتوب إليه، فهو خير لنا في عاجل أمرنا وآجله وديننا ودنيانا وآخرتنا.

إن الله – تعالى - مع غناه عنا يأمرنا بدعائه ليستجيب لنا، وسؤاله ليعطينا، واستغفاره ليغفر لنا، ونحن مع فقرنا وعجزنا وضعفنا وحاجتنا إليه نعصيه ونعرض عنه، مع علمنا أن معصيته تسبّب غضبه علينا وعقوبته لنا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) [فاطر: 15-17]، وقال عز وجل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]، وقال سبحانه وبحمده: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنت عاشر عشرة رهطٍ من المهاجرين عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوجهه فقال: "يا معشر المهاجرين: خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهنّ: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابْتُلُوا بالطواعين والأوجاع ـ أي: الأمراض ـ التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قومٌ المكيالَ إلا ابتلوا بالسنين وشدة المَؤُونة وجَوْر السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا المطر القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم".

ففي هذا الحديث الشريف توضيح وبيان لما تؤول إليه أحوال العصاة من العقوبات العاجلة التي تذكّرهم بالله رب العالمين حتى يرجعوا إلى دينهم ويستقيموا على أمر الله، ولا يؤاخذ سبحانه وبحمده العصاة من المسلمين كما أخذ به الأمم من قبلهم بذنوبهم فيهلكهم كما أهلك الضالين من الأمم السابقة، ولكنه التذكير لهم بين حين وآخر، كما قال سبحانه وتعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41]، وكما قال عز وجل: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) [فاطر: 45]، وفي آية أخرى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل: 61]، وقال عز وجل: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [يونس: 11]، وقال تعالى: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) [الكهف: 58].

كل هذا الإمهال والتأجيل في العقوبات وعدم المؤاخذة الفورية بسبب الذنوب من أجل أن يتوب العباد ويرجعوا إلى ربهم ليغفر لهم -سبحانه وبحمده-، وهذا من لطفه وحلمه -عز وجل- ورحمته وعفوه وغفرانه، ولو استقام الناس على الصراط المستقيم لأسقاهم الله وأغاثهم بماء طهور وأنزل عليهم من الخير والبركات ما ينعمون به ومعه في الحياة الدنيا، ويجدون الجزاء الحسن والحياة الكريمة ليس في الدنيا فقط، وإنما في البرزخ وفي الآخرة الحياة الأبدية، قال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) [الجن: 16، 17]، فالاستقامة ولزوم الطاعة لله رب العالمين سبب في نزول البركات من السماء وخروجها من الأرض، والمعاصي والذنوب والآثام والإعراض عن تعاليم الإسلام سبب في منع نزول المطر وبركات السماء والأرض.

وكما كان ذلك في الأمم السابقة عقابًا عاجلاً حتى يرجعوا إلى ربهم فهو أيضًا لهذه الأمة الإسلامية، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 130]، فالمعنى أن الله -عز وجل- عاقب آل فرعون بالسنين التي هي الجُدُوبُ المتتابعة مع نقص الثمرات لعلهم يتذكرون أعمالهم السيئة، فيتوبوا إلى الله منها ويرجعوا إلى طاعته ويستقيموا على أمره، فيرد لهم سبحانه وبحمده ما كان شاردًا ويصلح لهم ما كان فاسدًا، ويعمر قلوبهم بالتقوى، وينزل لهم الغيث من السماء ويخرج لهم البركات من الأرض كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) [المائدة: 66]، وقال عز وجل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].

والإقلاع عن الذنوب والمعاصي والتوبة والإنابة إلى الله مع الاستغفار واللجوء إلى الله رب العالمين بالدعاء في خشوع وتضرع وانكسار واضطرار من أسباب نزول الغيث من السماء والإمداد بالأموال والبنين وجريان الأنهار والبركة في ذلك.

وكما كان في الأمم السابقة فهو أيضًا في هذه الأمة الإسلامية في الاستجابة السريعة من الله الغني الحميد الفعال لما يريد الذي قال في محكم التنزيل: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62]، وكما ورد في القرآن الكريم عن عبد الله ورسوله نوح -عليه الصلاة والسلام-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح10-12]، وجاء أيضًا في القرآن الكريم عن نبي الله هود -عليه الصلاة والسلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود: 52]، فبهذا يتضح أن كثرة الاستغفار والتوبة من الذنوب والمعاصي والإقلاع عنها من أسباب نزول المطر، وينضم إلى ذلك الإلحاح في الدعاء والاستقامة على منهج القرآن الكريم والسنة المطهرة والخروج من المظالم بأنواعها، سواء ظُلْم الإنسان لنفسه في التقصير في الطاعات وارتكاب المحرمات أو ظُلْمه لغيره بأي أسلوب كان، مع الإخلاص لله رب العالمين والصواب على سنة الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى يقبل الله الأعمال، قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف 110]، ومع الالتزام أيضًا بآداب الدعاء وشروطه والابتعاد عن الموانع.

فمن الآداب واللوازم حمدُ الله والثناءُ عليه في أوله، والصلاةُ على الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- في آخره، والاكتفاءُ بسؤال الله الحاجة في أي دعاء، وعدمُ التعدي وتجاوز الحدود، وما أجمله من ربط قرآني في آيات متتالية تشير إلى النهي عن الاعتداء في الدعاء وأن رحمة الله قريب من المحسنين وعباد الله المتقين، ومن رحمته -جل جلاله- هذا المطر والغيث الذي ينزل على العباد، ولنستمع إلى هذه الآيات الكريمة من كلام رب العالمين، قال الله -جل جلاله- وتعالى سلطانه: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ * وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأعراف: 55-57].

فعلينا أن نتدبر هذه الآيات الثلاث كلمة كلمة، والآية التي قبلها أيضًا والتي بعدها لنرتبط بكلام ربنا سبحانه وبحمده ونعيش معه لنجد لذة العبادة والمناجاة وحلاوة الإيمان التي يفقدها كثير من المنتسبين للإسلام.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده سبحانه وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه.

أما بعد: فقد قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم"، وقال مجاهد -رحمه الله-: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر، تقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم".

وفي الحديث السابق ذكره في الخطبة الأولى سببان هامّان من أسباب القحط والجفاف والشدة ومنع نزول المطر وهما: منعُ زكاة الأموال وعدمُ أدائها لمستحقيها، ونقص وبَخْسُ المكاييل والموازين ليس سببًا في الجفاف والقحط فقط، وإنما في تضييق المعيشة وشدتها وجور الحكام أيضًا عليهم وظلمهم لهم: "ولا نقص قوم المكيال إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا" الحديث.

أما منع الزكاة وعدم أدائها لمستحقيها ممن يخرجها فهو أمر مشاهد وملموس وأثره واضح في مجتمعات المسلمين التي تقدر فيها الزكاة بالمليارات أي: آلاف الملايين، وأقول: الزكاة وليست الثروات ورؤوس الأموال، فلو أن الزكاة تُؤَدَّى وتُخرج وتُعطى فعلاً لمستحقيها لما بَقِيَ فقيرٌ في العالم الإسلامي يَتَسَوَّلُ، ولما عاش عشرات الملايين من المسلمين على الكفاف ودون خط الفقر كما يُذاع الآن ويُشاع في الخطط الوهمية لمعالجة الفقر، مئات الملايين في العالم الإسلامي يصارعون الحياة ومتاعبها ومطالبها، فضلاً عن الملايين الذين لا يجدون الأعمال والرزق الحلال ليسدوا جوعهم ويستروا عوراتهم، فضلاً عن أن يحلموا بالزواج الشرعي وبناء المساكن أو يجدوا المراكب التي بها يستطيعون أن يصلوا لأعمالهم إن وجدت أو يقضوا حاجات من يعولون. ففريضة الزكاة لم تُؤْخَذْ فعلاً من الأغنياء وتُرَدّ إلى الفقراء وأصحاب الحاجات من الأصناف الثمانية، بل تُركت لتخمين الأغنياء أو بُخلهم بها أو وضعهم لها في غير موضعها من حيث المداهنة والمجاملة لبعض الناس، حيث يعطونهم إياها وليسوا مستحقين لها، أو دفعهم لها في المشاريع الخيرية وبنائها وتشييدها مثل بناء المساجد والمدارس والطرق وحفر الآبار وإنشاء السدود وإصلاح الأراضي الزراعية وبناء المساكن وغير ذلك مما يقوم به الأغنياء ظنًا منهم أو اعتقادًا بأن ذلك يخرجهم من تبعة أداء الزكاة المفروضة عليهم في أموالهم، مع أن الله -عز وجل- حدّد الأصناف الثمانية والمصارف المشروعة التي تُدفع الزكاة فيها ولها، وقد يدفعها أحد التجار والأغنياء للإعلانات التجارية لبضاعته التي يسوّقها في الوسائل الإعلامية المختلفة، أو يشتري عمارات غير مكتملة أو يقوم بالعمارة ولا يكملها ويضع الملايين فيها تهرّبًا من الزكاة، وهناك أنواع من الحيل يعرفها أصحابها وسوف تمْحَقُ بركةُ أموالهم من أعمارهم وصحتهم هذا في الدنيا، أما في الآخرة فسوف تُطوَّق أعناقُهم ورقابُهم بما كانوا يكسبون، وسوف يجدون العذاب الأليم على تفريطهم.

 ومن التحايل أيضًا: تجد أحدهم يدفع الزكاة في المشاريع التي يطلبها المسؤولون عند قيام أي حملة أو مشروع أو زيارة مسؤول، فهي في ظاهرها المفاخرة بالبذل والعطاء وفي نفس الباذل والمعطي هي زكاة وخروج من الزكاة ومحسوبة ومحسومة منها، وهذا غير صحيح وتحايل واضح على الفريضة العظيمة التي هي مثل الصلاة والصيام والحج واجب على المرء المسلم أداؤها بشروطها وواجباتها، قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60]، وعندما بعث رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- معاذَ بنَ جبل -رضي الله عنه- إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام جاء في وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: "فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم بأن الله قد فرض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم" الحديث. وسوف أتطرق -إن شاء الله- للزكاة وأوضاعها الراهنة من حيث المصارف وكثرة الجمعيات وازدواج الأعمال الخيرية عمومًا, وقلة المردود والبركة وصرف كثير من الأموال في غير مصارفها, وإهدار الأموال والأوقات والجهود وبعثرتها في أمور كان الأجدر باستغلالها في مواضع أخرى، وأتمنى أن تُوَحَّدَ عشراتُ الجمعيات في كل مدينة وبلدة في الداخل حتى تؤدي الغرض منها كما تم توحيد ذلك في الخارج، وإنه لأملٌ لا يَرُوقُ للقائمين على تلك الجمعيات لعدم تفكيرهم فيما يصرف على تلك المباني المستأجرة والموظفين والأثاث والسيارات والخدمات الأخرى. ولأسباب أخرى هم يعلمونها قبل غيرهم من حيث عدم الرغبة في توحيد الجهود.

أما نقص المكاييل وبخس الموازين في أسواق المسلمين والغش والتدليس والحلف بالأيمان الكاذبة فضلاً عن الكذب الواضح فحدّث ولا حرج، فهذا هو الواقع في كثير من المجتمعات الإسلامية، فأينما ذَهَبْتَ أو تعاملتَ في كل ما يتعلق بشراء أو بيع أيًّا كان لا تجد من يَصْدُقُ معك ويصدقك، بل أنت فريسة وقعت بين يديه ينظر ويفكر كيف يأخذ ما في يديك وبأي طريقة يحتال عليك، وعلى كل فرد أن يفكر في هذا الأمر طويلاً في معاملاته في البيع والشراء اليومية وليست الحولية أو العمرية مع أنها أشد وأنكى، وليست المعاملات في المؤسسات والشركات والإدارات الحكومية المبنية على ما يعرفه الجميع ولا يجهلونه، هذه الأسباب المصرّح بها والمرموز لها من الأسباب التي تمنع القطر من السماء، وإذا أضفنا إليها أنواع المعاصي التي تعجُّ بها الأجواء حتى حجبت عنا عَلِيلَ الهواء وأغضبت علينا رب الأرض والسماء, من خلال تلك الوسائل التي تلتقط الخلاعة والخنا والمرذول من الفعال والتصرفات الشنعاء مما يخجل المسلم من ذكره مما يتناقله الناس باللوم والتقريع أو التأييد والتصفيق لأولئك المنتسبين للبشر, الذين يُقْدِمُون على أفعال مُزْرِيَةٍ تترفع عنها بعض البهائم والأنعام حتى أصبح تَلَقِّي ذلك في مجتمعات المسلمين ومشاهدته في التلفاز والحاسب أمرًا عاديًا.

هذه المعاصي والآثام إذا انضم إليها ما يرتكبه بعض المسلمين علنًا أو سرًا، ومنها: الربا والزنا والمعازف والغناء وسفور النساء وتبرجهن واللواط والسِّحَاق وشهادة الزور وكتمان الشهادة والرشوة والاختلاس وسرقة الأموال العامة والخاصة والغش والتدليس والكذب والزور والبهتان والحسد والغيبة والنميمة والظلم الخاص والعام إلى جانب ما ذُكِرَ سابقًا ومما لم يُذْكَرْ، ومعلوم لدى الجميع أنَّ كلَّ ذلك من أسباب عدم نزول المطر والجفاف والقحط الحاصل، إلى جانب ذلك الروتين الرتيب في خروج الناس للاستسقاء وعدم التأدب مع الله -عز وجل- ابتداءً مِنْ أَوَّلِ لَفْظَةٍ يُطْلَبُ فيها الخروجُ للاستسقاء إلى جانب التوقيت في تاريخ معيّن وخروجٍ عامٍّ حتى في أماكن قد تتضرر منه مثل المدن التي على البحر، ومعظم الذين يخرجون مع قلتهم وخروجهم لأمور متعددة ومنها: ظهور صورهم وأسمائهم في وسائل الإعلام، كل هذا من أسباب منع نزول المطر من السماء شئنا أم أبينا، رضينا أم غضبنا، قلنا القول بصراحة أَمْ دَاهَنَّا وجاملنا أو نافقنا، فبعد أن يكون السحاب في السماء مُتَهَيِّئًا لنزول المطر في كثير من الأحيان إذا به ينقشع السحاب ولا ترى إلا زرقة السماء، فأين الاستجابة للمضطرين مع ادِّعَاء صفاء العقيدة؟! إذًا لا بد من معرفة الخلل والمعالجة بدلاً من الإصرار على عدم الإقلاع عن الأسباب والموانع في استجابة الدعاء، ومن كانت أعمارهم في الستين وأكثر يعرفون ذلك تمامًا عندما كان يخرج المسلمون للاستسقاء ولا يرجعون إلا ممطورين بإذن الله -عز وجل-؛ لأنهم يخرجون مضطرين فعلاً.

فعلينا أن نبتعد عن أسباب وموانع نزول الغيث، ونعمل على ما يقربنا إلى الله -عز وجل- ويكون سببًا في استجابة الله لدعائنا، ومن أهم أسباب استجابة الدعاء طيب الكسب من الحلال والبعد عن الحرام كما جاء في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة"، ونطلب من الله أن يغيثنا ونحن مضطرين فعلاً خاشعين مستغفرين تائبين من جميع الذنوب والمعاصي، وكَفَى ما مرّ بنا من العبر والعظات فيما مرّ وفات، قال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62]، وعلينا أن ننتبه ونبتعد عن الغفلة حتى لا نكون ممن قال الله فيهم: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس: 92]، (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) [يوسف: 105]، ولنتأمل في هذا الحديث القدسي الذي حفظتُه من أكثر من ست وثلاثين سنة ولم أستطع الوقوف على درجته لضيق الوقت ولكنَّ الواقع يصدقه، فما أحلم الله وألطفه وأرأفه وأرحمه لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن رب العزة والجلال أنه قال: "إني والأنس والجن لفي نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويُشكر سواي، أتحبّب إليهم بالنِّعم ويتبغَّضون إليّ بالمعاصي، خيري إليهم نازل وشرّهم إليّ صاعد، فبي حلفتُ لأبعثنَّ عليهم فتنة تدع الحليم فيهم حيرانًا".

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى28]، وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم: 48-50]، وقال عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) [الفرقان48: -50]، وقال سبحانه وبحمده: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30]، وقال تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 68-70]، وقال سبحانه: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك: 30] لا يأتي به إلا اللهُ ربُّنا سبحانه لا إله إلا هو الرؤوفُ الرحيمُ الواسعُ العليمُ الحكيمُ ذُو الجلالِ والإكرامِ.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله.