الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | محمد بن سعيد بافيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - السيرة النبوية |
أيها الإخوة: دعوة الأنبياء الكرام -عليهم السلام- والتهم الزائفة، وجيش أعداء الرسل كل الإمكانات الإعلامية المتاحة، في أوقاتهم لتلويث صنعة الصفوة الكرام، وتشويه صورة اتباعهم، والطعن في نياتهم، والطعن في أهدافهم، وضخ الطغاة كل ما يملكون من طاقات بشرية، وألآت إعلامية، وقدرات مادية، للنيل من دعوات الأنبياء والرسل، وتنفير عامة الناس من ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وقدس عن الأشباه والأشكال، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد جل عن الأنداد الأمثال، وتنزه عن العجز والغفلة والضلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أيده ربه بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الأخلاق والخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى الصحب الكرام، وسائر الأتباع والأهل والآل.
وبعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فهي الأمان من الفتن، والعصمة والنجاة عند البلايا والمحن: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)[النور:52].
أيها المسلمون: لقد شاء الله -تعالى- بحكمته وعدله أن يجعل لأنبياءه ورسوله وأتباعه من المؤمنين؛ أعداء من الطغاة والمجرمين، فقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) [الفرقان: 31].
وأبان -تعالى- عن حقيقة هؤلاء الطغاة بقوله: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام: 112].
سنة من سنن الله -تعالى- في الأمم والدول والمجتمعات، يتحالف فيها شياطين من الإنس والجن، يتآمرون في خفاء ودهاء للقضاء على رسالة الأنبياء: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[الأنعام: 123].
وتتجلى رحمة الله ولطفه وحكمته وعلمه بعباده، فيملي لهؤلاء المجرمين ويمهلهم، وينذرهم إلى أجل؛ كما جاء في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".
أيها الإخوة: دعوة الأنبياء الكرام -عليهم السلام- والتهم الزائفة، وجيش أعداء الرسل كل الإمكانات الإعلامية المتاحة، في أوقاتهم لتلويث صنعة الصفوة الكرام، وتشويه صورة اتباعهم، والطعن في نياتهم، والطعن في أهدافهم، وضخ الطغاة كل ما يملكون من طاقات بشرية، وألآت إعلامية، وقدرات مادية، للنيل من دعوات الأنبياء والرسل، وتنفير عامة الناس من اتباعهم، والإيمان بدعواتهم: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ)[الذاريات: 52- 53].
ولما وقف كليم الله موسى -عليه السلام- أمام فرعون الطاغية يدعوه بلطف وحكمة ورحمة إلى عبودية الله وحده، والخضوع لسلطانه وشرعته، جعل فرعون بإعلامه يقلب الناس على تاريخ موسى -عليه السلام- بقتله لرجل من قومه، ويمتن عليه برعايته له، وتربيته في قصره: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ)[الشعراء: 18-19].
وقيد إمكاناته وقوته للسلب والنقيصة في كليم الله ونبيه، وتسويغ بطشه بالناس، واستعباده لهم: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ)[الزخرف: 51-52].
أيها المباركون: ومنذ أن جهر النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوته، وبين لقومه انحرافهم عن منهج عبودية الله وتوحيده، وبعدما رأت قريش متابعة الناس على الإسلام، وسيادتهم لدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ انفجرت مكة بمشاعر الحقد الغضب، وظلت قريش بعد ذلك تعتبر المسلمين عصاة متمردين على دين الآباء والأجداد، وتحالفوا وتعاونوا على مواجهة هذه الدعوة المباركة، ومحاربة الإسلام، وإيذاء أتباعه، والاجتهاد في الحد من انتشاره، حفاظا على زعامتهم الدنيوية، وتعصبا لتقاليدهم الجاهلية، فسخروا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، واستهزؤوا برسالته ودعوته، واتهموه بالسحر والجنون والكذب: (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ)[الحجر: 6- 4].
ونسبوا إليه الشعر والكهانة، ورموه بكل نقيصة ومذمة، وأغروا به سفهائهم، ومجانينهم، وحاصروهم وأتباعه، وسجنوهم وعذبوهم، ونكلوا بهم، وأذواهم في أنفسهم وأهليهم، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، واجتمعت قريش ذات يوم بزعامة الوليد بن المغيرة، وكان أسن القوم، وذا رأي ومشورة فيهم.
وقد حضر موسم الحج، فقال لهم: "يا معشر قريش إنه قد حضر الموسم، وإن وفود العرب ستقدم عليكم، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، أجمعوا فيه رأياً واحداً، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضاً، ويرد قولكم بعضه بعضاً".
قالوا: فأنت فقل، قال: "بل أنتم فقولوا أسمع" قالوا: نقول كاهن، قال: "لا واللَّه ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه" قالوا: فنقول: مجنون، قال: "ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، ما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته".
قالوا: فنقول شاعر، قال: "ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشعر كله، رجزه وهجزه، وقريضه، ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر" قالوا: فنقول ساحر، قال: "ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم".
قالوا: فما نقول؟ قال: "واللَّه إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق، وإن فرعه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر"، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وعشيرته، فتفرقوا عنه بذلك.
وانطلقوا أفواجا واتجاهات عدة ليملوا هذه الفرية على الوفود القادمة لمنصب الحج، ومنذ ذلك اللقاء التأمري، والاجتماع السري، بدأت الحملة الإعلامية المنظمة لتشويه صورة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسالته ودعوته، وبدأ تصوير الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه على أنهم طلاب زعامة، مخربون مفسدون في المجتمع، يفرقون بين طوائفه، يفرقون بين الرجل وزوجه، وبين الأب وابنه، وبين المرء وأخيه.
إنهم لوثة اجتماعية لابد من استئصالها، لابد أن يتكاتف المجتمع على التخلص من شرورها، والقضاء على مكائدها ومخططاتها، وانطلق رجالات مكة وسفهائها في المجالس والأندية والطرقات، بحملة دعائية كاذبة، وجهود إعلامية، يرسمون صورة شيطانية لهذه الفئة المؤمنة الصادقة، حتى بلغ الحال بسيد قومه الطفيل بن عمرو الدوسي -رضي الله عنه- بلغ به الحال أن يتأثر بهذه الحملة الإعلامية، فيضع القطن في أذنيه، حذرا من سماع مقالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكلامه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الفرقان: 4-5].
ولما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة نهج المنافقون الوسيلة نفسها في التضييق على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأتباعه، وجعلوا مع حلفائهم اليهود يشنون حربا لا هوادة فيها لتنفير الناس من رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإثارة النعرات الجاهلية بين المؤمنين، وبث روح الفرقة والخلاف بين الصحابة الكرام، حتى اختلقوا حادثة الإفك الأثيمة، يطعنون فيها في عرض النبي -صلى الله عليه وسلم- وشرفه وأهل بيته.
ومكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون شهرا كاملا في هم وغم وكرب، وأظلمت الدنيا في المجتمع الطاهر النقي من جراء كذبة إعلامية، وفرية نفاقية، هلك فيها، هلك فيها عدد من الصحابة الأجلاء، وأشغلت سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-، ومن معه عن عظائم الأمور، والمشروعات الكبرى للقيادة بمؤامرة جرثومة خبيثة، وبإشاعة عابرة، وغفلة فئة متساهلة، وقعت المصيبة الكبرى، وحلت النكبة العظمى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[النور: 11-14].
أيها الإخوة في الله: إن الحرب اليوم حرب إعلامية هي أشد الحروب وأخطرها، وأعظمها فتكا بالأمم، وترويجا للأكاذيب، وتزيف للحقائق، وتغييرا للمسلمات، وتهوينا للعظائم، وتسويقا للأباطيل، أنها سنن متكررة، ومناهج مستنسخة، يوحي بها شياطين الإنس والجن لبعضهم كل زمان وحين، ليصدوا الخلق عن الحق، ويلبسوا الحق بالباطل، ويصرفوا الناس عن دين الله، ويشوهوه سمعة أولياء الله وأنصاره، ويفتنوا الخلق عن منهج الله، فإن باءت دعاياتهم بالفشل والبوار، لجئوا إلى البطش والعدوان، والقتل والطغيان: (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ)[الأعراف: 127].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيُّها العالمُ ما هذا السكوتُ | أو ما يؤذيك هذا الجبروتُ؟ |
أو ما تُبصر في الشام ظلماً | أو ما تُبصر أطفالاً تموتُ؟ |
أو ما يُوقظ فيك الحسَّ شعبٌ | جمعُه من شدَّة الهول شَتِتُ؟ |
أرضه تُصلى بنيران رصاصٍ | وشظايا هُدمت منها البيوتُ |
أو ما تُبصر آلاف الضحايا | ما لها اليوم مقيلٌ أو مبيتُ؟ |
شرَّدتها الحربُ في ليلٍ بهيمٍ | ما لها في زحمة الأحداث قُوتُ |
تأكل الأخضر واليابس حربٌ | كل ما فيها من الأمر مقيتُ |
أين منها مجلس الأمن وماذا | صنع الحلفُ وأين الكهنُوتُ؟ |
دمرت العراق، واغتصبت خيرات السودان، وحرق الأطفال والنساء والشيوخ في أركان، واستعمرت اليمن، وخربت وانتهكت وأبيد المسلمون في بلاد الشام، في أفظع مجازر العصر وجرائمه، ومورست فيه إبادة جماعية، وسحق لكل القوانين والأنظمة الإنسانية، والغرب الصليبي لا يتحرك ولا يستيقظ إلا لما يؤمن الصهاينة، ويضمن لهم الاستقرار والسلامة، وبكل وضوح وجرأة ووقاحة يتحدى قائد الجيش الأمريكي مشاعر كل مسلم، ويستخف بكل الضمائر الحية، ويقول: "لن تتدخل أمريكا في سوريا؛ لأن الثوار لا يخدمون مصالحها".
وتقول خارجية بلاده في مذبحة الغوطة: "نحن غير قادرين على القطع باستخدام أسلحة كيماوية".
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، يا مسبب الأسباب، يا مجيب الدعوات، يا كاشف الملمات، اللهم انتقم من الصهاينة، اللهم انتقم من الصليبيين، اللهم انتقم من المجوس، اللهم انتقم من المنافقين، ومن سائر أعدائنا المتعدين على حرمات المسلمين، اللهم دمرهم وأهلكهم.