البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

الأم : حديث من القلب

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. عِظَمُ حق الوالدين ووجوب بِرِّهما .
  2. تقديمُ الأم على الأب في البر والحقوق .
  3. شذرات من أقوال السلف وأفعالهم في بر الأم .
  4. اللحاق في البر لمن مات والديه .
  5. نزهة في رياض الأمومة .

اقتباس

الأمُّ صاحبةُ النفسِ الكبيرة التي وسِعَتْ ما لم تسعه آلاف النفوس، خُلِق قلبُها يوم خُلِق فرُكّبت فيه الرحمة فخالطت ذراته، وسرت في جسدها سريان الدم في أدق شعيراته، يحِبّ قلبُها وإن لم يُحَبّ، ويحنو وإن أُغلِظ عليه، لا تُجَازي بالسيئةِ السيئة، بل يَغْشَى المسيءُ منها برّاً وإحسانًا، لكأنما حيزَت معاني الحبِّ في قلبها حتى ..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شرع الدين لعباده، وقسم الحقوق بينهم، فأعطى كل ذي حق حقه؛ (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [النساء:176].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ زَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى من حَوْلَهُ فقال: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لها فلم يُؤْذَنْ لي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لي، فَزُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ" (رواه مسلم).

وما فعل ذلك إلا قياما بحقها، وبرًّا بها، وحسن صحبة لها، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة: لا حق على الإنسان أعظم وأكبر بعد حق الله -تعالى- وحق رسوله  من حقوق الوالدين، تظاهرت بذلك نصوص الكتاب والسنة، وأخذ الله -تعالى- ميثاق من كانوا قبلنا عليه: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...) [البقرة:83].

وأوجبه -سبحانه- في شرعنا بأقوى صيغة، وأبلغ عبارة، وقرنه بتوحيده والنهي عن الشرك به: (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء:36]، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء:23].

فعبر عنه بصيغة القضاء التي هي من أقوى صيغ الأمر والإلزام؛ فإن قضاء القاضي نافذ، والله -تعالى- أحكم الحاكمين، وأعدلهم، وأقواهم.

والأم مقدمة على الأب في البر، ولها من الحقوق على الابن أكثر من حقوق أبيه عليه؛ لأن الشرع المطهر جاء بذلك، ولأنها أضعف الوالدين، ولأنها الحامل والوالدة والمرضع: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) [لقمان:14]، وفي آية أخرى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) [الأحقاف:15].

أيها الإخوة: من أراد عظيم الأجر والثواب فليعلم أن الأم باب من أبواب الجنة عريض، لا يفرط فيه إلا من حرم نفسه، وبخس من الخير حظه.

فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِىِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ: "وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "ارْجِعْ فَبَرَّهَا". ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الآخَرِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ: "وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟"، قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا". ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الآخِرَةَ. قَالَ: "وَيْحَكَ! أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟"، قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "وَيْحَكَ! الْزَمْ رِجْلَهَا؛ فَثَمَّ الْجَنَّةُ" رواه ابن ماجه وهو صحيح.

وفي رواية بسند حسن عند أحمد قال: "الْزَمْهَا؛ فإن الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا".

وأخذ منه بعض الصالحين تقبيل رجل الأم، فكان يقبل قدم أمه كل يوم، فأبطأ على إخوانه يوماً، فسألوه فقال: "كنت أتمرغ في رياض الجنة، فقد بلغنا أن الجنة تحت أقدام الأمهات".

ولما ماتت أم القاضي إياس بكى فقيل: ما يبكيك يا أبا واثلة؟ قال: "كان لي بابان مفتوحان من الجنة فأغلق أحدهما".

وكان مذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- أن بر الأم أفضل الأعمال، وقال: "إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله -عز وجل- من بر الوالدة". وهو مذهب جماعة من السلف.

وقال محمد بن المنكدر رحمه الله -تعالى-: "بات أخي عمر يصلي، وبت أغمز رجل أمي، وما أحب أن ليلتي بليلته".

وقال هشام بن حسان: "قلت للحسن: إني أتعلم القرآن، وإن أمي تنتظرني بالعشاء، قال الحسن: تعَشَّ العشاء مع أمك تقر به عينها، أحب إلي من حجةٍ تحجها تطوعاً".

وقال بشر بن الحارث رحمه الله -تعالى-: "الولد بالقرب من أمه حيث تسمع أفضل من الذي يضرب بسيفه في سبيل الله -عز وجل-، والنظر إليها أفضل من كل شيء".

فأين نحن في بر أمهاتنا، والعناية بهن، والقيام على خدمتهن من هذه الأحاديث والآثار العظيمة في حق الأم، وفضيلة برها؟!

فمن الناس مَن يستثقل خدمة أمه، والقيام عليها، وتلبية رغباتها، والأنس بها، والجلوس معها؛ ويملون حديثها، ويقدمون ترفيه أزواجهم وأولادهم على بر أمهاتهم.

ترى الواحد منهم يأنس بصحبه، ويضاحكهم، ويطيل المكث معهم؛ وإذا كان في مجلس أمه انقبض، وثقل كلامه، واشتغل في مجلسها بغير حديثها؛ كهاتف أو صحيفة أو غير ذلك، وهذا مما يحزنها ويكسر قلبها أن لا يأبه ولدها بها، ولا ينصت لحديثها، ولا يوقر مجلسها.

أحبتي: لِنُفَتِّشْ في أحوالنا مع أمهاتنا، فربما وجدنا عقوقا لا نفطن إليه، وتصرفات لا نلقي لها بالاً وهي من العقوق.

لنحذر من ذلك أشد الحذر! فحقوق أمهاتنا علينا كثيرة، ومنها وصية الله -تعالى- للمسيح -عليه السلام- التي نطق بها وهو في المهد: (‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) [مريم:31-32].

أما من فاته برها وهي حية فلا يفوتنه برها بعد موتها؛ فعن مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِىَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: "نَعَم: الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا" رواه أبو داود، قال الشيخ عبد المحسن العباد: وله شواهد تدل عليه، وهو حسن لشواهده.

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إن أبرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْمَرْءِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ" رواه أبو داود وصححه الألباني.

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا كَبِيرًا، فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَكَ وَالِدَانِ؟"، قَالَ: لَا، قَالَ: "فَلَكَ خَالَةٌ؟"، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذًا؛ فَبِرَّهَا" رواه أحمد وهو صحيح.

وصلى الله وسلم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد: يقول الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:131-132].

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كُنَّا مع رسولِ -صلى الله عليه وسلم- في سَفَرٍ، فانطلقَ لحَاجَتِه، فَرَأينا حُمَّرَةً معها فَرخَانِ،  فَأَخَذْنَا فَرخَيها، فَجَاءت الحُمَّرَةُ، فجَعَلتْ تَفْرِشُ، فَلمَا جاءَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ فَجَعَ هذه بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا ولدَهَا إِليها" رواه أبو داود وهو صحيح.

والحُمَّرَةُ: طائرٌ صغيرٌ كالعصفورِ أحمر اللون. تَفْرِشُ: ترفرف بجناحيها وتقترب من الأرض.

والمعنى: بدأت تحوم حولهم، كما هو العادة أن الطائر إذا أُخذ أولاده جعل يعرض ويحوم ويصيح لفقد أولاده؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- جعل في قلوب البهائم رحمة لأولادها، حتى إن البهيمة لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه. فسبحان من وضع هذه الرحمة فيها!.

أحبتي: ذاك ما وضعه الباري في قلب تلك الأم الحُمَّرَة، وهي طائر ضعيف، ففعلت ما فعلت شفقة على أفراخها! فما بالكم بأم العقلاء من البشر؟.

نعم؛ أم العقلاء، الأم ذات القلب الرحيم والصدر الحنون، التي جُبلت كما أمهات المخلوقات على الشفقة.

الأمُّ صاحبةُ النفسِ الكبيرة التي وسِعَتْ ما لم تسعه آلاف النفوس، خُلِق قلبُها يوم خُلِق فرُكّبت فيه الرحمة فخالطت ذراته، وسرت في جسدها سريان الدم في أدق شعيراته، يحِبّ قلبُها وإن لم يُحَبّ، ويحنو وإن أُغلِظ عليه، لا تُجَازي بالسيئةِ السيئة، بل يَغْشَى المسيءُ منها برّاً وإحسانًا، لكأنما حيزَت معاني الحبِّ في قلبها حتى استأثَر بها عمّن سواه، وجُمعت خصال الرقة والشفقة فظفِر بها عن سائر الخلق.

الأم؛ ذلكم المخلوق الذي قدّم وضحّى ولم يزل، كم حزن لتفرح، وجاع لتشبع، وبكى لتضحك، وسهر لتنام، وتحمّل الصعاب في سبيل راحتك! إذا فرحت فرح، وإن حزنتَ حزن؛ إذا دَاهمك الهمّ فحياته في غمّ، أمله أن تحيى سعيدًا رضيًّا راضيا مرضيًا، مُناه أن يرفرف السرور في سماء حياتك، ويسكن الحبور ربوعَ قلبك.

نعم؛ إنها الأم التي تعطي ولا تطلب أجرًا، وتبذل ولا تأمل شكرًا.

أيها الحبيب: تأمّل -يا رعاك ربيّ- بداية نشأتك، تذكّر ضعف طفولتك، فقد حملتك أمك في بطنها تسعةَ أشهر وهنًا على وهن، حملتك كرهًا ووضعتك كرهًا، تزيدها بنموّك ضعفًا، وتُحَمِّلُها فوق طاقتها عناءً، وهي ضعيفة الجسم واهنة القوى.

وعند الوضع رأت الموتَ بعينها، زفراتٌ وأنين، غُصص وآلام، ولكنها تصبّرت؛ وعندما أبصرتك بجانبها وضمتك إلى صدرها واستنشقت ريحك وتحسست أنفاسك تتردّد وقد خلقك الله بأحسن صورة نسيت آلامها، وهانت عليها أوجاعها، وعلّقت فيك بعد الله آمالها، ورأت فيك بهجةَ الحياة وزينتَها.

ثم انصرفت إلى خدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها، وتنميك بِهُزَالها، وتقوّيك بضعفها، فطعامك درّها، وبيتك حجرها، ومركبك يداها تحيطك وترعاك.

كم أماطت تلك اليدان الأذى عنك بكل أريحية، وأزالت عنك القذى بنفس رضية، ولم تمنعها المناظر المقززة ولا الروائح الكريهة من ذلك! فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة.

إن غابت عنك دعوتَها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثتَ بها، تحسب الخير كلَّه عندها، وتظنّ الشرّ لا يصل إليك إذا ضمّتك إلى صدرها أو لاحظتك بعينها، تخاف عليك رقّة النسيم، وطنين الذباب، وتؤثرك على نفسها بالغذاء والراحَة.

فلما تم فصالك في عامين وبدأت بالمشي، أخذت تحيطك بعنايتها، وتتبعك نظراتها، وتسعى وراءك خوفًا عليك.

ولما كبرت وأخذت منك السنون، أخذ منها الشوق والحنين، صورتك أبهى عندها من البدر إذا استتمّ، صوتك أجمل في مسمعها من تغريد البلابل وغناء الأطيار، ريحك أروع عندها من الأطياب والأزهار، سعادتك أغلى من الدنيا لو سيقت إليها بحذافيرها، تؤثر الموت لتعيش أنت سالمًا معافى.

وقد صور الشاعر إبراهيم المنذر ذلك القلب الحاني بقوله:

ناده قلبُ الأمِّ:

أغرى امرؤٌ يوماً غلاماً جاهلاً

بِنُقُودِهِ كيْ ما ينال به الوطرْ

قال ائتني بفؤادِ أمِّك يا فتى

ولك الدراهمُ والجواهرُ والدُّرَر

فمضى وأغْرَزَ خنْجَراً في صدرها

والقلبَ أخرجه وعاد على الأثَر

لكنَّهُ مِن فرْطِ سُرعته هوى

فتدحرج القلبُ المقطَّع إذ عثر

ناداه قلب الأم وهو معفرٌ

ولدي حبيبي، هل أصابك من ضرر؟!

فكأن هذا الصوت رغم حُنُوِّهِ

غضَبُ السماء على الغلام قد انهمر

فارتدَّ نحو القلبِ يغسلُهُ بما

فاضَتْ به عيناهُ مِن دمع العبَر

حزناً وأدركَ سوء فعْلَتِهِ الَّتي

لم يأتها أحدٌ سواه من البشر

واستل خنجره ليطعن نفسَهُ

طعناً فيبقى عبرةً لِمَن اعتبر

ويقول يا قلبُ انتقِمْ مِنِّي ولا

تغْفِرْ فإنَّ جريمتي لا تُغْتَفَر
كُفَّ يداً ولا تذْبَحْ فؤادي مَرَّتَيْنِ على الأثر

وصلوا وسلموا...