البحث

عبارات مقترحة:

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

تأملات إيمانية في اسم الخالق والخلاق والبارئ والمصور

العربية

المؤلف فهد بن سعد أبا حسين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد
عناصر الخطبة
  1. إثبات اسم الله \"الخالق ومعناه .
  2. الفرق بين الخالق والخلاق والبارئ .
  3. إثبات اسم الله \"المصور\" ومعناه ومستلزماته .
  4. مقتضيات إثبات أن الله هو الخالق ومستلزماته .

اقتباس

إخوة الإيمان: تأملوا في هذا الخلق العظيم المحيط بنا من كل ناحية، فالإنسان يعجز في كثير من الأحيان عن معرفة جوانب كثيرة من الأرض التي يعيش عليها، مع أنها صغيرة جدا إذا ما قيست بالنسبة لبقية الكون الفسيح المليء بملايين النجوم المضيئة والشموس والأقمار، والتي يعجز عن حصرها، أو عدها، وهذا كله في السماء الدنيا، التي فوقها ست سماوات طباق، بعضها فوق بعض، و...

الخطبة الأولى:

الحمد لله...

أما بعد:

من أسماء الله -جل وعلا-: الخالق، ومن أسماءه: "الخلاق".

والخلق هو: الإنشاء على مثال لم يُسبق إليه، أحدثه بعد إذ لم يكن.

خلق الشمس والقمر، والسماء والأرض، خلق الجبال والوديان، والسهول والبحار.

خلق الأحجار باختلاف أحجامها وأنواعها، وخلق الأشجار باختلاف ثمارها وألوانها.

خلق الإنسان وحفظه في بطن أمه تسعة أشهر، حتى يخرج إلى الدنيا، خلق الملائكة والجن والحيوانات والحشرات: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ)[فاطر: 3].

صنف المبدَعات، وجعل لكل صنف منها قدرا، فأوجد فيها الصغير والكبير، والطويل والقصير، والإنسان والبهيم، والدابة والطائر، وغير ذلك من المخلوقات الصغيرة والكبيرة، ما علمنا منها وما لم نعلم: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)[لقمان: 11].

أرأيت -رعاك الله- كل هذه المخلوقات؛ كلها كائنة بعد أن لم تكن، والله -جل وعلا- خلقها: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) [الإنسان: 1].

(قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [الرعد: 16].

(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)[غافر: 62].

ومن أسماءه -جل وعلا-: "الخلاق"، يعني الخالق خلقا بعد خلق: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ) [الحجر : 86].

ومن أسماءه -جل وعلا- البارئ والمصور: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ)[الحشر: 24].

فإن سألت عن الفروق بين هذه الأسماء الثلاثة العظيمة، فقد قال بعض العلماء: الخالق هو المقدر قبل الإيجاد، وأما البارئ: فهو الموجد من العدم على مقتضى الخلق والتقدير، وليس كل من قدر شيئا أوجده إلا الله [أضواء البيان (8/123)].

وقال بعض العلماء: الخالق هو المنشئ على مثال أبدعه لم يسبق إليه، أحدثه بعد إذ لم يكن [النهج الأسمى، للشيخ محمد الحمود النجدي (1/159)].

وأما البارئ: فهو أخص من اسم الخالق، فالبَرْء خلق على صفة، ولذلك فإن إيجاد العود شيء، وبري العود شيء آخر، إيجاد القلم شيء، وبري القلم شيء آخر، فالخلق شيء، وبرؤهم شيء آخر، ففرق بين البَرء والخلق [انظر: ما نقله النهج الأسمى في ذلك (1/164)].

 والبرء يطلق على مثل الإنسان والحيوان والنسمة.

 فتقول: الإنسان خلقه الله وبرأه، والحيوان خلقه الله وبرأه.

أما في مثل السماء، ففي الغالب لا يقال: برأها الله، وإنما يقال: خلقها الله [انظر: ما نقله في النهج الأسمى (1/164)].

فكل مبروء مخلوق، وليس كل مخلوق مبروءا.

فتأمل -يا رعاك الله- خلق الله -جل وعلا-، ثم تأمل كيف برأ الإنسان والحيوان.

فإذا تأملت في برء الله -جل وعلا- للمخلوقات اندهش عقلك، وزادت عظمت ربك في قلبك، فالبارئ سبحانه فصل بعض الخلق عن بعض، وميز بعضه عن بعض[انظر: للفائدة النهج الأسمى (1/166)].

ثم تأمل -رعاك الله- في خلق الله مرة أخرى؛ لترى كيف صور الله -جل وعلا- هذا الخلق، فمن أسمائه: "المصور".

قال ابن الجوزي -رحمه الله- و"المصور" الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها، ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل" [زاد المسير (8/228)].

قال الشنقيطي -رحمه الله-: "المصور المشكل لكل موجود على الصورة التي أوجده عليها، ولم يفرد كل فرد من موجوداته على صورة تختص به، إلا الله -سبحانه وتعالى-؛ كما هو موجود في خلق الله للإنسان والحيوان والنبات كل في صورة تخصه" [أضواء البيان (8/123)].

قال الخطابي -رحمه الله-: التصوّر التخطيط والتشكيل، ثم قال: وخلق الله -جل وعلا- الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خِلَق: جعله علقة، ثم مضغة، ثم جعلها صورة وهو التشكيل الذي به يكون ذا صورة وهيئة يعرف بها، ويتميز بها عن غيره بسماتها: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14] [انظر: النهج الأسمى (1/168)].

فالله -جل وعلا- هو المصور الذي إذا خلق؛ خلق على الشكل الذي يريد: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء)[آل عمران: 6].

(وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)[التغابن: 3].

قال ابن كثير -رحمه الله-: المصور الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها.

ولما قال الله -جل وعلا-: (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ) [الانفطار: 8].

يعني صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء، إما إلى صورة حسنة، أو إلى صورة بعض قرابات الإنسان، أو إلى غير ذلك[انظر: النهج الأسمى (1/168)].

والله -جل وعلا- أمال خلقه وعدَلَهم إلى الأشكال والهيئات التي توافق تقديره، وعلمه وحكمته، وأنشأ خلقه سبحانه على صور مختلفة، وهيئات متباينة من الطول والقصر، والذكورة والأنوثة، كل واحد بصورته الخاصة.

ملايين البشر كل واحد منهم له صورة تختلف عن الآخر؛ في الملامح والسمات، والألوان والهيئات.

هذا في الإنسان، فكيف لو رأيت الحيوان، وكيف لو رأيت الملائكة والجان، كيف لو رأيت النبات بأنواعه وأشكاله، فتأمل: كيف توضع الحبة، وتسقى بالماء، والتربة واحدة، والماء واحد؛ فمن الذي يصور شكل النبات، هذه عشبة صغيرة في الأرض، وذاك نبت على ساق، وهذا كرم على عريش، وذاك نخل باسقات.

فإذا طلعت الثمرة في أول طورها، فمن الذي يصورها في شكلها، من استدارتها، أو استطالتها، ومن الذي صورها في لونها، فصارت صفراء، أو حمراء، أو سوداء، إنه الله -سبحانه- المصور[انظر: أضواء البيان (8/125)].

فتأمل -يا عبد الله- في مخلوقات الله -سبحانه-، ثم تأمل في أمر أخص وأدق، وهو البرء والتصوير.

"ثم تأمل بعد ذلك أن الله وحده هو المتفرد بالخلق والإيجاد... والإبداع والتصوير"[انظر: أضواء البيان (8/112)].

تأمل سطور الكائنات فإنها

من الملك الأعلى إليك رسائل

وقد خط فيها لو تأملت خطها

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

تشير بإثبات الصفات لربها

فصامتها يهدي ومن هو قائل

[انظر: كتاب جهود ابن القيم في تقرير توحيد الأسماء والصفات (1338)].

قال ابن القيم -رحمه الله-: "البارئ والمصور" تفصيل لمعنى اسم الخالق"[انظر: كتاب جهود ابن القيم في تقرير توحيد الأسماء والصفات (1344)].

قال القرطبي -رحمه الله-: "المصور" مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة، فالتصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما" إلى أن قال: "وقد جعل بعض الناس الخلق، بمعنى التصوير، وليس كذلك، وإنما التصوير آخرا، والتقدير أولا والبراية بينهما"[انظر: الجامع لأحكام القرآن (18/32)].

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله...

أما بعد:

إذا علمت بأن الله -سبحانه- هو الخالق، فإنك تحبه -سبحانه-، وتذل له غاية الذل.

وإذا علمت بأن الله -سبحانه- هو الخالق، فإن ذلك يستلزم الإيمان بوحدانيته سبحانه، وألوهيته، وإفراده وحده بالعبادة.

وهذا ما احتج الله -عز وجل- به على المشركين الذين يقرون بأنه هو الخالق الرازق وحده، ثم هم يعبدون غيره ممن لا يخلق ولا يرزق؛ فقال سبحانه: (أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [الأعراف: 191].

وإذا علمت بأن الله -سبحانه- هو الخالق، فاعلم أن خلق الله عظيم محكم، فلا يستطيع مخلوق أن يخلق مثله، فضلا عن أن يخلق أفضل منه: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)[لقمان: 11].

وقد أثبت الله عجزهم عن خلق؛ خلق ضعيف حقير؛ كالذباب ولو اجتمعوا على ذلك: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ) [الحـج: 73].

وإذا علمت بأن من أسماء الله "الخالق"، فإنك تعلم أن الله -سبحانه- ما خلق الخلق عبثا، وإنما خلقه لغاية عظيمة: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون: 115-116].

وقال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص: 27].

إخوة الإيمان: تأملوا في هذا الخلق العظيم المحيط بنا من كل ناحية، فالإنسان يعجز في كثير من الأحيان عن معرفة جوانب كثيرة من الأرض التي يعيش عليها، مع أنها صغيرة جدا إذا ما قيست بالنسبة لبقية الكون الفسيح المليء بملايين النجوم المضيئة والشموس والأقمار، والتي يعجز عن حصرها، أو عدها، وهذا كله في السماء الدنيا، التي فوقها ست سماوات طباق، بعضها فوق بعض، وفوقهن جميعا الكرسي، ومن عظمة خلق هذا الكرسي واتساعه أنه يستوعب السماوات السبع والأرض جميعا، قال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ)[البقرة: 254]. والعرش أعظم من ذلك، والخالق سبحانه فوق العرش، وهو جلت عظمته أكبر من كل شيء وأعظم [انظر كتاب النهج الأسمى (1/173)].

فاتقوا الله -يا عباد الله-، وعظموا ربكم، وقوموا بالعبادة له على الوجه المطلوب.