البحث

عبارات مقترحة:

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

الفتاح

كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...

النخلة مثل للمؤمن

العربية

المؤلف عبد الرحمن بن صالح الدهش
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. حديث تشبيه المؤمن بالنخلة ورواياته .
  2. بعض الفوائد المستفادة من حديث تشبيه المؤمن بالنخلة .
  3. أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة .
  4. طرق شكر الله على نعمة النخل .

اقتباس

إليكم حديثاً من أحاديث الود والمؤانسة، في مجلس عدد من فيه عشرة رجال، عرفنا ثلاثة منهم، ولم تبين الروايات البقية الباقية، أما الثلاثة، فهم: صديق هذه الأمة أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-. أمَّا سيد المجلس وتاجه، وقرة عين الجالسين فهو...

 

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله...

أما بعد:

فإليكم حديثاً من أحاديث الود والمؤانسة، في مجلس عدد من فيه عشرة رجال، عرفنا ثلاثة منهم، ولم تبين الروايات البقية الباقية، أما الثلاثة، فهم: صديق هذه الأمة أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-.

أمَّا سيد المجلس وتاجه، وقرة عين الجالسين فهو من أرسله الله رحمة للمؤمنين؛ إنه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

فاستمع؛ عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: بينا نحن عند النبي -صلى الله عليه وسلم- جلوس؛ إذ أتي النبي -صلى الله عليه وسلم - بجمار نخل.

أتعرف الجمار؟

إنه قلب النخلة.

فجعل عليه الصلاة والسلام يأكل من هذا الجمار.

ثم دار حديث المجلس بهذا السؤال من النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء لا يسقط ورقها، ولا يتحات صيفاً ولا شتاء".

وفي رواية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ من الشجر شجرة كالرجل المؤمن".

وفي رواية أخرى: "إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم".

وفي رواية رابعة: "أخبروني عن شجرة مَثلُها مثل المسلم تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ولا تحت ورقها؟".

هكذا جاء السؤال من النبي -صلى الله عليه وسلم- يختبر الحاضرين، لغز منه لأصحابه.

فلله در الحاضرين، ما أشد فطنتهم، وقرب بديهتهم؛ كيف، وهم يرون دليل المراد في يد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك ضاع الجواب منهم، وعمي المراد عليهم؟!

فقال القوم: هي شجرة كذا، هي شجرة كذا.

فجعلوا يذكرون شجر البوادي، شجرة شجرة!.

قال ابن عمر وهو أصغر الحاضرين: فوقع في نفسي أنها النخلة، فكرهت أن أتكلم، وثمَّ أبو بكر وعمر، فلما لم يتكلما، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هي النخلة".

قال ابن عمر: "فلما خرجت مع أبي، قلت: يا أبتاه وقع في نفسي أنها النخلة".

قال: ما منعك أن تقولها؟ لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا.

قال: ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما، فكرهت أن أتكلم وأنا غلام شاب فاستحييت!.

هذه صورة من صور مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم- مباسطة، وشحذ همة.

فذكر الناس بما يكرهون لا مجال له، وهي الغيبة التي هي من كبائر الذنوب.

وملاحقة القنوات، والتصفح في المواقع في غثه وسمينه، كل هذا سلموا منه.

والقيل والقال بما يقسي القلب، ويقضي على الوقت، ليس من طبع تلك المجالس، فأحاديثهم بقدر اهتماماتهم، واهتماماتهم بقدر هممهم.

ولذا لا نمر هذا التشبيه من غير وقفات نعتبرها.

أيها الإخوة: شبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤمن بالنخلة فما وجه الشبة؟

إن من أوضح أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة: الثبات الذي جعله في الاثنين، فشجرة النخل ثابتة في أصلها، لا تزيدها السنوات إلا ثباتاً في أرضها، ليست كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.

وفي هذا يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء)[إبراهيم: 24].

وكذا من أراد الله ثباته من عباده المؤمنين فهو ثابت رغم البلاء الذي يعصف، والفتن التي تقصف وهي تحاول زعزعته، فالعالم من حوله يلهث خلف شهوات الدنيا، وتعج بهم شبهاتها، وهم لا يزالون مستمسكين بدينهم صبروا أنفسهم، وصابروا لربهم، ورابطوا؛ علموا أنَّ وعد الله حق، فلم تغرهم الحياة الدنيا، ولم يغرهم بالله الغرور.

فإن رأوا كثرة الكافرين تذكروا أنَّ هؤلاء حصب جهنم، وفيهم قول الله -تعالى-: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)[الأنبياء: 98].

وإن رأوا كيدهم ومكرهم وتسلطهم على المسلمين لم يزدهم ذلك إلا يقينا بفرج الله للمستضعفين: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا)[آل عمران: 120].

أما نظرتهم للعاصين فهم يرون أولا منة الله عليهم أن لم يكونوا مثلهم، وهم يرون أن عصيان العاصي إنما يضر به نفسه: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضروا فتضروني".

هذه النظرة الصائبة أعطتهم ثباتاً على دبنهم، وثقة بمنهجهم: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)[إبراهيم: 27].

ثم من وجه الشبه بقاؤها على هيئتها؛ كما قال في الحديث: "لا يحت ورقها صيفاً ولا شتاءا" فهي بكامل لباسها وزينتها.

وكذلك المؤمن ليس له وجهان: وجه في الرخاء يطغى فيه ويغفل، ووجه في الشدة والضراء يقبل فيه ويتذكر.

بل المؤمن الصادق يعبد ربه في الرخاء والشدة، في المنشط والمكره، في عسره ويسره، إذا وافقت العبادة رغبته أو خالفت.

فهو متزين بلباس التقوى، يعبد ربه حتى يأتيه اليقين.

فأوقاته معمورة بما يناسبها، لكل لحظة من عمره وظيفتها.

إن سافر فسفره لا ينسيه مراقبته لله.

أيام إجازته وغيرها على حد سواء، لا يضيع فيها وقاره، ولا يفرط فيها بواجباته، ولا يتخلى عن رعاية أولاده، وملاحظة بيته.

ومن أوجه الشبه وأعجبه: أنَّ قلب النخلة أبيض حلو، وكذلك قلب المؤمن أبيض لم يدنسه بالمعاصي والتعلقات الآثمة، وإن حصل شيء منها بادره بالتوبة التي تغسل ما علق به، فيعود أبيضا ناصعاً.

وهو حلو تجاه إخوانه المسلمين، قد سلم من الغل والحقد على كل مسلم: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا)[الحشر: 10].

فيا عبد الله: كيف قلبك على إخوانك المسلمين؟ كيف هو على جيرانك وأقاربك وخاصة أصحابك؟

البدار البدار قبل أن يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ)[الطارق: 9- 10].

أما عظيم نفع النخلة، فهي شجرة مباركة لا يذهب منها شيء بلا نفع، فثمرها التمر، قوت كامل، وطعام تام: "وكان الأسودان -التمر والماء- طعام النبي -صلى الله عليه وسلم-، يمضي على ذلك الشهر والشهران والثلاثة لا يوقد في بيته نار" قالته عائشة -رضي الله عنها-.

وفي صحيح مسلم: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة بيت لا تمر فيه، جياع أهله، أو جاع أهله" قالها مرتين أو ثلاثاً.

بل ثمر النخل التمر يدخل في بعض تراكيب العلاجات، والأدوية الشعبية والكيماوية.

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام عن أمر وقائي، والوقاية خير من العلاج؛ فعن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر".

ومعنى: "تصبح" أكل صباحا قبل أن يأكل شيئا: "لم يضره" لم يؤثر عليه.

وقد جاء الحديث مقيدا بالعجوة، وجاء مطلقاً، فيعم كل تمر [قال الشيخ ابن باز: "الصواب أن ذلك ليس خاصاً بالعجوة، بل يعم كل جميع تمر المدينة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم: "مما بين لا بتيها" ينظر: كتاب فتح الحق المبين، ص 173].

ثم جذوعها وليفها، وسعفها وخوصها، وكل جزء من أجزائها له فائدة، قد لا تجدها في غيره، ومع تقدم الصناعات، وتتنوع المواد، إلا أن ما صنع من مادة النخل له ميزته الخاصة به.

وهذه المنافع المتعددة هي كذلك في المؤمن، فالمؤمن كثير المنافع، فهو مبارك على نفسه وغيره، فالمؤمن مبارك في بدنه، فهو المعين لإخوانه الساعي على مصالحهم: "وتعين الرجل في دابته فتجمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة".

وهو مبارك في جاهه ووساطته، وهو مبارك في ماله؛ يتصدق على هذا، ويقرض هذا، ويعطي هذا، ويعفو عن ماله الذي عجز عن رده هذا.

وخيره المالي ليس فقط في حياته، بل يستمر إلى ما بعد وفاته، فهو يوصي ويوقف من ماله ما يرجى أجره وذخره.

وأعظم بركة في المؤمن: أنه يعلم الجاهل، وينصح العاصي، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فكم من خير تسبب فيه؟ وكم من شر سعى في دفعه ومنعه؟

فهو المصلح لذات البين، الذي إصلاح الناس هم في نفسه، وهاجس في خاطره، فما أعظم أثره على الناس.

وهو لا يقف في ذلك على مرحلة من عمره، بل كلما طال عمره، وتقدمت به سنه؛ ازداد خيره، وحسن عمله؛ فعن عبد الله بن بُسر: أنَّ أعرابياً قال: يا رسول الله من خير الناس؟ قال: "من طال عمرُه، وحَسُن عملُه" [رواه الترمذي، وصححه الألباني].

الخطبة الثانية:

إن للنخلة موقعاً، خاصة في نفس المؤمن بعد أن جعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً للمؤمن.

كيف وقد ذكرها الله في القرآن في مواطن كثيرة ممتناً بها على عبادة: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ)[الرحمن: 10-11].

(وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) [ق: 10].

ومما يؤكد أن بيننا وبين النخلة علاقة حنو وعطف؛ ما حدَّث به جابر -رضي الله عنه-: أنه لما صنع المنبر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصار يخطب عليه، صاحت النخلة التي كان يخطب عندها قبل ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- صاحت على فراق ما كانت تسمع من الخير، حتى كادت تنشق حتى نزل النبي -صلى الله عليه وسلم- من على منبره، فأخذها، فضمها إليه، فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت. [متفق عليه].

عباد الله: لقد أنعم الله علينا فصارت بلادنا بلاد نخل، والناس في هذه الأيام يبتهجون بنضج التمر، وطيب الرطب، فهم يأكلون، ويتهادون، ويبيعون؛ فاشكروا الله على هذه النعم.

ومن شكر الله على نعمته: أن يراعي الإنسان حد الشارع في بيع ثمار نخله، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ.

وفي رواية: "حَتَّى تَحْمَرَّ"؛ لأنها قبل بدو صلاحها تكون عرضةً للتغير والفساد.

والصلاح في العنب أن تظهر فيه الحلاوة، ويطيب أكله؛ فمن باع شيئًا من ثمار النخيل والأعناب على شجره قبل بدو صلاحه، فقد عصى نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، والبيع باطل، والثمرة للبائع لا يحل للمشتري أن يتصرف فيها بشيء، والثمن للمشتري لا يحل للبائع أن يتصرف فيه بشيء.

ويكفي في صلاح التمر: أن يبدو الصلاح ولو في تمرة واحدة من كل نوع، سواء باع البستان جميعاً، أو فرده نخلات.

ومن شكرها: امتثال أمر الله فيها؛ يقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[البقرة: 267].

فمن بلغت ثمرة نخلة نصاباً، وهو ستمائة كيلو واثنا عشر كيلو؛ وجَبَ عليه أن يخرج نصفَ عشرها، مادامَ أن السَّقْيَ بمؤونَةٍ.

سواء كانت هذه الثمرة في نخيل مزرعته، أو استراحته، أو بيته.

وإن باع ثمرةَ نَخْلِةِ أخْرَجَ نِصْفَ عُشْرِ قيمتها.

بحيث تقسم القيمة التي حصلتها على عشرين، وليس على أربعين؛ كما يغلط بعض المزارعين.

فلو باع ثمرة مزرعته بمائة ألف، فإنه يقسم المائة على عشرين، والناتج خمسة آلاف هو الزكاة.

والذي أكله، أو أهداه عليه أن يقومه ليحسبه في الزكاة أيضا.

ومن شكر الله على نعمه: أن يحسن التصرف في التمر الذي بقي عنده من العام الماضي، فيدفعه إن استغنى عنه إلى من يستفيد منه في داخل البلاد، أو خارجها، عن طريق المستودع الخيري، أو غيره.

وكذا ما يتساقط أثناء الخراف والجذاذ؛ احتسب واجمعه لمن يستفيد منه، ولو علفاً للبهائم.

فاتقوا النار ولو بشقِّ تمرة.

فاللهم لك الحمد على نعمك الظاهرة والباطنة.

اللهم اجعلنا لك شاكرين، ولنعمك من القابلين، وأتمها علينا؛ برحمتك يا أرحم الراحمين.