المؤمن
كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد البصري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
.. يَتَّضِحُ ذلك في التَّصرُّفَاتِ التي تَعُجُّ بها الإِجازاتُ، أَو تَظهَرُ في أَمَاكِنِ السِّيَاحَةِ وَالمُتَنَزَّهَاتِ؛ مِن سَهَرٍ في اللَّيلِ على غَيرِ طَاعَةٍ، وَنَومٍ عَنِ الصَّلَوَاتِ بِلا استِنكارٍ، وَسَفَرٍ لِبَلادِ الكُفرِ أَو بِلادِ الإِبَاحِيَّةِ، وَإِعطَاءِ النَّفسِ ما تَشتَهي وَتَرغَبُ مِنَ الكبائِرِ وَالموبِقَاتِ، وفَتحِ المجالِ لها لِتَعُبَّ مِنَ الشَّهَوَاتِ عَبًّا ذَرِيعًا، وَكَأَنَّ مَفهُومَ الإِجازَةِ قَدِ اتَّسَعَ لِيَشمَلَ إِعطَاءَ النَّفسِ الرَّاحَةِ حتى مِن عِبَادَةِ خَالِقِها، وَإِفلاتَهَا مِن طَاعَةِ مَولاها
أما بعدُ:
فَإِنَّ مِن تَوفِيقِ اللهِ لِلعَبدِ أن يَبعَثَهُ إلى طاعتِهِ في كُلِّ وَقتٍ وَآنٍ، وَيُيَسِّرَ له عِبادَتَهُ في كُلِّ حِينٍ وَزَمَانٍ، وَيجعَلَهُ رَبَّانِيًّا مُبَارَكًا أَينَمَا حَلَّ وَكَانَ، واللهُ إِذْ خَلَقَ الخَلقَ وَأَوجَدَهُم في هذا الكَونِ، فَقَد بَيَّنَ لهم الهَدَفَ مِن خَلقِهِم وَالغَايَةَ مِن إِيجادِهِم؛ لِيَقصِدُوا إِلَيهِ -تعالى- ولا يَلتَفِتُوا عَنهُ، وَلِئَلاَّ تَشغَلَهُم عنه الشَّوَاغِلُ أَو تَصرِفَهُمُ الصَّوَارِفُ؛ قال -سبحانَه-: ( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعبُدُونِ ) [الذاريات:56].
وقال -صلى اللهُ عليه وسلم- لمعاذٍ: " يَا مُعاذُ بنَ جَبَلٍ، هل تَدرِي مَا حَقُّ اللهِ على عِبادِهِ وما حَقُّ العِبادِ على اللهِ؟ فَإِنَّ حَقَّ اللهِ على العِبادِ أن يَعبُدُوهُ ولا يُشرِكُوا بِهِ شَيئًا، وَحَقَّ العِبادِ على اللهِ أَلاَّ يُعذِّبَ مَن لا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا ".
وَحِينَ تُذكَرُ العِبادةُ أو يُشارُ إليها، فَإِنَّ كَثيرًا مِنَ الناسِ يَنصَرِفُ ذِهنُهُ إلى جَانِبٍ مِن جَوَانِبِ تِلكَ المُهِمَّةِ الوَاسِعَةِ وذلك المَقصدِ الكَبيرِ، فيَحصُرُها في أَركَانِ الإِسلامِ المَفرُوضَةِ وما يَلحَقُ بها مِنَ النَّوَافِلِ مِن جِنسِها، في حِينِ أَنَّ العِبادَةَ اسمٌ جامعٌ لِكُلِّ ما يحبُّهُ اللهُ ويَرضَاهُ مِنَ الأقوَالِ وَالأَعمَالِ الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ؛ فَكُلُّ عَمَلٍ اقتَرَنَ بِنِيَّةٍ صالحةٍ وَكَانَ على مَنهَجِ الحَبِيبِ -صلى اللهُ عليه وسلم- فهو عِبادَةٌ، بل حتى العَادَاتُ وبَعضُ مُشتَهَيَاتِ النَّفسِ وَرَغَائِبِها وما تَصبُو إليه وتحبُّهُ - تُعَدُّ إِذَا اقتَرَنَت بِالنِّيَّةِ الصَّالحةِ وَابتُغِيَ بها وَجهُ اللهِ عِبَادَاتٍ يُؤجَرُ عَلَيهَا فَاعِلُها وَيُثابُ؛ ففي الحديثِ أَنَّ نَاسًا مِن أَصحَابِ النَّبيِّ -صلى اللهُ عليه وسلم- قالوا له: يَا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَموَالِهِم. قال: " أَوَلَيسَ قَد جَعَلَ اللهُ لكم مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلُّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تحمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تهلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمرٌ بَالمعرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنهيٌ عَن مُنكرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضعِ أَحَدِكُم صَدَقَةٌ " قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنا شَهوَتَهُ وَيَكونَ لَهُ فِيهَا أَجرٌ؟ قال: " أَرَأيتُم لَو وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيهِ فِيها وِزرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحلالِ كَانَ لَهُ أَجرًا ".
وقال -صلى اللهُ عليه وسلم- لِسَعدٍ: " وَإِنَّكَ لَن تُنفِقَ نَفَقَةً تَبتَغِي بها وَجهَ اللهِ إِلاَّ أُجِرتَ بها حتى مَا تجعَلُ في في امرَأَتِكَ ".
أيها المسلمون: ونحن مُقبِلُونَ على الإِجازةِ الصَّيفِيَّةِ، التي يَفرُغُ فيها أَبناؤُنا بَعدَ شُغلٍ وَيَرتَاحُونَ بَعدَ عَنَاءٍ، ثم تَضِيعُ على كَثيرٍ مِنهُم في سَهَرٍ طَوِيلٍ وَنَومٍ وَبِيلٍ، وَإِضَاعَةٍ لِلصَّلَوَاتِ وَاتِّبَاعٍ لِلشَّهَوَاتِ - فَإِنَّ هذِهِ دَعوَةٌ لإِحيَاءِ مَفهُومِ العِبادةِ الشَّامِلِ في حَيَاتِنا وَحَيَاةِ أَبنَائِنا، وَتَذكِيرٌ بِلُزُومِ تَبيِيتِ النِّيَّةِ الصَّالحةِ مِن أَوَّلِها على أَلاَّ تمضِيَ إِلاَّ وَقَدِ استَفَادُوا وَاستَفَدنا، وَأُجِرُوا وَأُجِرْنَا؛ فَإِنَّهُ لَمِنَ الخَسَارَةِ الوَاضِحَةِ وَالغَبنِ البَيِّنِ أَن تَرَى بُيُوتًا كثيرةً وَأُسَرًا مُتَعَدِّدَةً، تَضِيعُ عَلَيهَا تِلكَ الأَوقَاتُ الثَّمِينَةُ وَالسَّاعَاتُ الغَالِيَةُ، وقد تَكُونَ أَرهَقَت أَنفُسَهَا وَأَبنَاءَهَا وَأَنفَقَت وَبَذَلَت، لَكِنْ في غَيرِ طَاعَةٍ وَعَمَلٍ صَالحٍ، وعلى غَيرِ أَجرٍ وَثَوَابٍ، بل قَد تَكُونُ على وِزرٍ وَعِقَابٍ.
إِنَّ مَا انتَشَرَ لَدَى النَّاسِ في مُتَأَخِّرِ السَّنَوَاتِ مِن غَفَلَةٍ عَنِ الهَدَفِ الذي أُوجِدُوا في هذِهِ الحَيَاةِ مِن أَجلِهِ، ثم ذلك الانفصِامَ الذي بُلِيَ بِهِ فِئَامٌ مِنهُم في شَخصِيَّاتِهِم، وَالفَهمَ السَّقِيمَ لِلتَّروِيحِ عَنِ النَّفسِ وَإجمامِها - أَوجَدَ مِنهُم مَن يجعَلُ مَوَاسِمَ إِجَازَاتِهِ وَأَوقَاتَ فَرَاغِهِ مِن شُغلِهِ فُرَصًا لِلتَّحَرُّرِ مِن عِبَادَةِ مَولاهُ، وَالانفِكاكِ مِن رِقِّ العُبُودِيَّةِ الذي شَرُفَ بِهِ، وَمِن ثَمَّ الوُقُوعُ في حَبَائِلِ الشَّيطَانِ وَشِرَاكِهِ، وَإِذلالُ النَّفسِ التي كَرَّمَهَا اللهُ بِعِبادَتِهِ، وَالسَّمَاحُ لها بِعِبَادَةِ الشَّيطَانِ وَالسَّيرِ في خُطُواتِهِ..
يَتَّضِحُ ذلك في التَّصرُّفَاتِ التي تَعُجُّ بها الإِجازاتُ، أَو تَظهَرُ في أَمَاكِنِ السِّيَاحَةِ وَالمُتَنَزَّهَاتِ؛ مِن سَهَرٍ في اللَّيلِ على غَيرِ طَاعَةٍ، وَنَومٍ عَنِ الصَّلَوَاتِ بِلا استِنكارٍ، وَسَفَرٍ لِبَلادِ الكُفرِ أَو بِلادِ الإِبَاحِيَّةِ، وَإِعطَاءِ النَّفسِ ما تَشتَهي وَتَرغَبُ مِنَ الكبائِرِ وَالموبِقَاتِ، وفَتحِ المجالِ لها لِتَعُبَّ مِنَ الشَّهَوَاتِ عَبًّا ذَرِيعًا، وَكَأَنَّ مَفهُومَ الإِجازَةِ قَدِ اتَّسَعَ لِيَشمَلَ إِعطَاءَ النَّفسِ الرَّاحَةِ حتى مِن عِبَادَةِ خَالِقِها، وَإِفلاتَهَا مِن طَاعَةِ مَولاها.
وهذا الواقِعُ المُرُّ -أيها المسلمون- يُحَتِّمُ عَلَينا مُرَاجَعَةَ أَنفُسِنَا وَإِعَادَةَ النَّظَرِ في مَفَاهِيمِنا، وَالسَّعيَ لِلتَّصحِيحِ وَالعَودَةِ إلى جَادَّةِ الصَّوَابِ؛ لِنَجعَلَ أَنفُسَنَا وَأُسَرَنَا وَمجتمعاتِنا رَبَّانِيِّينَ كَمَا أَرَادَ اللهُ لَنَا حِينَ خَلَقَنَا.
أيها المسلمون: إنها نِيَّةٌ صالحةٌ مِنَ الأَبِ وَالأُمِّ، يَتبَعُها تَعلِيمٌ للأَبناءِ وَتَذكِيرٌ، ثم تَطبِيقٌ عَمَلِيٌّ لِبَعضِ الأَعمَالِ الصالحةِ، في مُتَابَعَةٍ جادَّةٍ وتَشجِيعٍ وَتحفِيزٍ، وَمِن ثَمَّ فَوزٌ بِالأَجرِ وَجمعٌ لِلحَسَنَاتِ، وَابتِعَادٌ عَنِ الوِزرِ وَتَكفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ.
وَلا أَظُنُّ مُسلِمًا تخفَى عَلَيهِ الأَعمَالُ الصالحةُ التي يمكِنُ أَن يُرَتِّبَهَا لِنَفسِهِ وَأَبنَائِهِ في هذِهِ الإِجازةِ، فَكُلٌّ أَدرَى بِظُرُوفِهِ وَأَعلَمُ بِوَاقِعِ حَيَاتِهِ، وَلَكِنْ مِن بابِ الذِّكرى -والذِّكرى تَنفَعُ المُؤمنِينَ- فَإِني سَأَذكُرُ بَعضًا مِن هذِهِ الأَعمَالِ، وَلِكُلٍّ أَن يختَارَ منها ما شاء حَسْبَ قُدرتِهِ وَاستِطَاعَتِهِ وما تَسمَحُ بِهِ ظُرُوفُهُ، وَمَن وُفِّقَ فَجَمَعَهَا فَنُورٌ على نُورٍ؛ فَمِن تِلكَ الأَعمَالِ التي لا تُكَلِّفُ المَرءَ شَيئًا غَيرَ النِّيَّةِ الصالحةِ: زَيَارَةُ أَحَبِّ البَقَاعِ إِلى اللهِ وَأَفضَلَهَا، بَيتَ اللهِ ومَسجِدَ رَسُولِهِ، لِلعُمرَةِ وَالصَّلاةِ والدُّعَاءِ؛ قال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: " لا تُشَدُّ الرِّحالُ إِلاَّ إلى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسجِدِ الحَرَامِ ومَسجِدِي هذا والمَسجِدِ الأَقصى ".
وقال: " العُمرةُ إلى العُمرةِ كَفَّارَةٌ لما بَينَهُمَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا ".
وقال: " صَلاةٌ في مَسجِدِي أَفضَلُ مِن أَلفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلا المَسجِدَ الحرامَ، وصَلاةٌ في المسجِدِ الحرامِ أَفضَلُ مِن مِئةِ أَلفِ صلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ ".
وممَّا يَنبغِي أَن يُعلَمَ أَنَّ مِمَّا يُسَنُّ لِزَائِرِ المدينةِ النَّبَوِيَّةِ: أَن يَقصِدَ مَسجِدَ قُبَاءٍ فَيُصَلِّيَ فِيهِ؛ فقد كان النبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلم- يأتي مَسجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، فَيُصَلِّي فِيهِ رَكعتَينِ.
وقال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: " مَن خَرَجَ حتى يَأتيَ هذَا المَسجِدَ مَسجِدَ قُبَاءٍ فَيُصَلِّيَ فِيهِ، كان له عَدلُ عُمرَةٍ ".
وَمِنَ الأَعمَالِ الصالحةِ التي يُنَاسِبُ فِعلُها في الإِجازَاتِ وَأَوقَاتِ الفَرَاغِ، زِيارَةُ الأَقَارِبِ وَصِلَةُ الأَرحَامِ، فَإِنَّنَا في زَمَنٍ قَلَّ فِيهِ الوَاصِلُ وَكثُرَ القَاطِعُ، وَتَبَاعَدَت القُلُوبُ بما حَلَّ فِيها مِنَ الشُّحِّ، وَقَوِيَ التَّنَافُرُ بَينَهَا بما أُشرِبَت مِن حُبِّ الدُّنيا والتَّنَافُسِ عليها، وَصَارَ أَحسَنُ النَّاسِ في صِلَةِ أَرحَامِهِ المُكَافِئَ، وَحِينَمَا تَأتي الإِجازِةُ، فَإِنَّ المُؤمِنَ يَغتَنِمُها؛ لِيَصِلَ مَن قَطَعَهُ وَيَزورَ مَن هَجَرَهُ؛ طَلَبًا لِجَزِيلِ الأَجرِ واحتِسَابًا لِعَظِيمِ الثَّوَابِ، وَتَخَلُّصًا مِن كبيرِ الإِثمِ وَشَدِيدِ العِقَابِ؛ قال -سبحانَه-: ( فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم ) [محمد:22-23].
وقال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: " مَن أَحَبَّ أَن يُبسَطَ له في رِزقِهِ وَأَن يُنسَأَ لَهُ في أَثرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ".
وقال: " إِنما الدُّنيا لأَربَعَةِ نَفَرٍ: عَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وعِلمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعلَمُ للهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلمًا وَلم يَرزُقْهُ مَالاً، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَو أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجرُهُما سَوَاءٌ، وَعَبدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً ولم يَرزُقْهُ عِلمًا، فَهُوَ يَخبِطُ في مَالِهِ بِغَيرِ عِلمٍ لا يَتَّقِى فِيهِ رَبَّهُ وَلا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلا يَعلَمُ للهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبدٍ لم يَرزُقْهُ اللهُ مالاً ولا عِلمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَو أَنَّ لي مَالاً لَعَمِلتْ فِيهِ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزرُهُما سَوَاءٌ ".
وقال -عليه السلامُ-: " لَيسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِئِ، وَلَكِنَّ الوَاصِلَ الذي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا ".
وفي حدِيثِ عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللهُ عنه- قال: قُلتُ: يَا رَسولَ اللهِ، أَخبرني بِفَوَاضِلِ الأَعمَالِ. فَقَالَ: " يَا عُقبَةُ، صِلْ مَن قَطَعَكَ، وَأَعطِ مَن حَرَمَكَ، وَأَعرِضْ عَمَّن ظَلَمَكَ ".
وَمِنَ الأَعمَالِ الصالحةِ المُنَاسِبِ فِعلُها في الإِجازَةِ: زِيَارَةُ الإِخوَةِ في اللهِ وَعِيَادَةُ المَرضَى؛ قال -عليه السلامُ-: " مَن عَادَ مَرِيضًا أَو زَارَ أَخًا لَهُ في اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَن طِبتَ وَطَابَ ممشَاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلاً ".
وقال -عليه السلامُ-: " مَن أَتى أَخَاهُ المُسلِمَ عَائِدًا مَشَى في خِرَافَةِ الجَنَّةِ حتى يجلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتهُ الرَّحمَةُ، فَإِنْ كَانَ غُدوَةً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلَفَ مَلَكٍ حتى يُمسِيَ، وَإِنْ كان مَسَاءً صَلَّى عَلَيهِ سَبعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حتى يُصبِحَ ".
وَمِنَ الأَعمَالِ الصالحةِ بل هُو مِن أَفضلِها لمن استطاع: الدَّعوةُ إلى اللهِ على عِلمٍ وَبَصِيرَةٍ، بِالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَتَعلِيمُ النَّاسِ العِلمَ وَتَفقِيهُهُم في الدِّينِ؛ قال -سبحانَه-: ( وَمَن أَحسَنُ قَولاً ممن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسلِمِينَ ) [فصلت:33].
إنها سَبِيلُ محمدِ بنِ عبدِاللهِ وَطَرِيقُهُ وَوَظِيفَتُهُ ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )
[يوسف:108] ، وقال -عليه السلامُ-: " مَن دَعَا إِلى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ لا يَنقُصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِم شَيئًا ".
وَلا يَظُنَّنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ صَعبٌ أَو عَسِيرٌ، أَو أَنَّهُ خَاصٌّ بِالمَشَايِخِ وَطَلَبَةِ العِلمِ، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ الحِملُ الأَكبرُ عَلَيهِم، إِلاَّ أَنَّ كُلَّ مَن عَلِمَ شَيئًا وَتَيَقَّنَ مِنهُ، فَقَد وَجَبَ عَلَيهِ تَبلِيغُهُ وَنَشرُه، قال -عليه السلامُ-: " بَلِّغُوا عني وَلَو آيَةً ".
ومِن هُنا فَإِنَّهُ لا يُكلِّفُ المَرءَ شَيئًا وَقَد أَعَدَّ لِرِحلَةِ تمشِيَتِهِ عُدَّتَهَا وَأَخَذَ لها أُهبَتَهَا، أَن يجعَلَ في ثَنَايَاهَا مَا يقدِرُ على حملِهِ مِن مصاحِفَ وكُتَيِّبَاتٍ وَأَشرِطَةٍ مَفسُوحٍ لها وَمَطوِيَّاتٍ، ثم يُوَزِّعَهَا وهو في رِحلَتِهِ وَيُهدِيَهَا لإِخوانِهِ، فَلَعَلَّهُ أَن يَهتَدِيَ بِسَبَبِهِ ضَالٌّ أَو يَتَذَكَّرَ نَاسٍ أَو يَتَعَلَّمَ جَاهِلٌ، فَيَكونَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مَا جَاءَ في قَولِهِ -عليه السلام-: " فَوَاللهِ لأَنْ يَهدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيرٌ لَكَ مِن أَن يَكونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ "، وَمَا جَاءَ في قَولِهِ -عليه السلامُ-: " إِنَّ ممَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ عِلمًا نَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالحًا تَرَكَهُ، وَمِصحَفًا وَرَّثَهُ " الحديثَ.
وممَّا يُؤجَرُ عَلَيهِ المَرءُ في الإِجازَةِ -َلكنَّهُ يَضِيعُ على كثيرٍ مِنَ الناسِ- تِلكَ التَمشِيَاتُ التي اعتَادُوها كُلَّ عَامٍ، دُونَ أَن يَكونَ لهم فِيها نِيَّةٌ صَالحةٌ، بَلِ اقتَصَرُوا على نِيَّةِ إِجمَامِ أَنفُسِهِم وَإِرَاحَتِها وَإِزَاحَةِ الهَمِّ عَنهَا، وَهَذَا وَإِنْ كان هَدَفًا نَبِيلاً في ذَاتِهِ ولا غُبَارَ عَلَيهِ في الجُملَةِ، إِلاَّ أَنَّ المُؤمِنَ الوَاسِعَ الإِدرَاكِ، يجعَلُ مِن هذا العَمَلِ المحبَّبِ لِلنَّفسِ عِبَادَةً يُؤجَرُ عَلَيها، وذلك بِالنِّيَّةِ الصالحةِ، حَيثُ يَقصِدُ إِدخَالَ السُّرورِ على أَهلِهِ وَأَولادِهِ، وَحِفظَ أَوقَاتِ أَبنَائِهِ وَحمَايَتَهُم مِن أَصحَابِ السُّوءِ، وَالذَّهَابَ بهم لِلبِقَاعِ المُقَدَّسَةِ، وَتَقوِيَةَ الصِّلَةَ بَينَهُ وَبَينَهُم؛ قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: " وَأَحَبُّ الأَعمَالِ إلى اللهِ -تعالى- سُرُورٌ تُدخِلُهُ على مُسلِمٍ ".
ولا شكَّ أن الأهلَ والأبناءَ مِن أَولى مَن يجِبُ إِدخَالُ السُّرُورِ عَلَيهِم.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ. وَجَاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمينَ مِن قَبلُ وَفي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَولاكُم فَنِعمَ المَولى وَنِعمَ النَّصِيرُ ) [الحج:77-78].
الخطبة الثانية:
أما بَعدُ: فاتقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ تَقوَاهُ، وَدَاوِمُوا على طَاعتِهِ وَأَدِيمُوا مُرَاقَبَتَهُ، وَاعلَمُوا أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ المَرءُ في إِجَازَةٍ مِن عَمَلِ الدُّنيا وَفَرَاغٍ مِن أَشغَالِها، أَو خَرَجَ مِن بَلَدِهِ وَابتَعَدَ عَن أَهلِهِ - فَإِنَّهُ لا يجُوزُ له بِحَالٍ تَركُ عَمَلِ الآخِرَةِ وَلا التَّقصِيرُ في جَنبِ اللهِ، ولا يَسقُطُ عَنهُ التَّكلِيفُ إِلاَّ بِخُرُوجِ رُوحِهِ مِن جَسَدِهِ، واللهُ -سبحانَه- مُطَّلِعٌ عَلَيهِ وَيَرَاهُ، يَعلَمُ خَائِنَةَ الأَعيُنِ وَمَا تخفِي الصُّدُورُ؛ قال -تعالى-: ( وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ ) [الحجر:99] وقال -تعالى-: ( إِن تُبدُوا شَيئًا أَو تُخفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا ) [الأحزاب:54] وقال -سبحانَه-: ( وَمَا تَكُونُ في شَأنٍ وَمَا تَتلُو مِنهُ مِن قُرآنٍ وَلاَ تَعمَلُونَ مِن عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيكُم شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعزُبُ عَن رَبِّكَ مِن مِثقَالِ ذَرَّةٍ في الأَرضِ وَلاَ في السَّمَاء وَلاَ أَصغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكبَرَ إِلاَّ في كِتَابٍ مُّبِينٍ ) [يونس:61].
أيها المسلمون: وَمِنَ الأَعمَالِ الصالحةِ في الإِجازاتِ، مُلازَمَةُ المَسَاجِدِ لِعِبَادَةِ اللهِ، ومِن أَفضلِها تَعَلُّمُ العِلمِ وَتَعلِيمُهُ، وَخَيرُ ذَلِكَ العِلمِ حِفظُ القُرآنِ وَتحفِيظُهُ؛ قال -عليه السلامُ-: " مَن أَتى المَسجِدَ لِشَيءٍ فَهُوَ حَظُّهُ "، وقال -عليه الصلاةُ والسلامُ-: " خَيرُكُم مَن تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ ".
وقال: " أَيُّكُم يُحِبُّ أَن يَغدُوَ كُلَّ يَومٍ إلى بُطحَانَ أَو إلى العَقِيقِ فَيَأتيَ مِنهُ بِنَاقَتَينِ كَومَاوَينِ في غَيرِ إِثمٍ وَلا قَطعِ رَحِمٍ؟ " فَقُلنا: يَا رَسُولَ اللهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ. قال: " أَفلا يَغدُو أَحَدُكُم إلى المَسجِدِ فَيَعلَمَ أَو يَقرَأَ آيتَينِ مِن كِتَابِ اللهِ -عز وجل- خَيرٌ له مِن نَاقَتَينِ، وَثَلاثٌ خَيرٌ لَهُ مِن ثَلاثٍ، وَأَربَعٌ خَيرٌ لَهُ مِن أَربَعٍ وَمِن أَعدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ؟ ".
وَإِنَّ مِنَ النِّعَمِ التي هَيَّأَهَا اللهُ لِعِبَادِهِ مُنذُ سَنَوَاتٍ قَلِيلَةٍ، مَا انتَشَرَ في كَثيرٍ مِنَ المُدُنِ وَالقُرَى، مِن تِلكُمُ الدَّورَاتِ الصَّيفِيَّةِ المُكثَّفَةِ، والتي يُهدَفُ مِنها إلى تَعَلُّمِ القُرآنِ وَتَعلِيمِهِ، وَيُعكَفُ فِيهَا على حِفظِهِ وَتحفِيظِهِ، وهي فِكرَةٌ مُبَارَكَةٌ هَدَى اللهُ إِلَيهَا مَن هَدَى، وَوَفَّقَ لِدَعمِها مَن وَفَّقَ، فَجَزَى اللهُ القَائِمِينَ عَلَيهَا دَعمًا وَمُشَارَكَةً خَيرَ مَا جَزَى أُمَّةً عَن كِتَابِها، وَجَعَلَ لِمَن سَنَّهَا مِنَ الأَجرِ أَجزَلَهُ، فَقَد تخرَّجَ فِيهَا -وَالحمدُ للهِ- أُنَاسٌ كثيرونَ، وَحَفِظَ كِتابَ اللهِ في أَروِقَتِها قَومٌ كان حِفظُ القُرآنِ أُمنِيَّةً لهم وَحُلُمًا يُرَاوِدُهُم مُنذُ سَنَوَاتٍ، فَمَا كانوا يَستَطِيعُونَ؛ لِعَدَمِ الجَوِّ المُنَاسِبِ، فَمَا أَن تهيَّأَت لهم تِلكَ الدَّورَاتُ، حتى سَارَعُوا إِلَيهَا وَسَابَقُوا، فَحَمِدُوا مَغَبَّةَ الصَّبرِ وَجَنَوا ثِمَارَ المجاهَدَةِ، حَيثُ حَفِظُوا خَيرَ كِتابٍ، وَوَعَت صُدُورُهُم أَفضَلَ كَلامٍ؛ فَهَنِيئًا لِمَن حَازُوا هَذَا الشَّرَفَ العَظِيمَ، وَنَسأَلُ اللهَ أَن يُوَفِّقَنَا وَأَبنَاءَنَا وَإِخَوَانَنَا لِحِفظِ كِتَابِهِ الكَرِيمِ، فَإِنها فُرصَةٌ عَظِيمَةٌ عَظِيمَةٌ، لا يُفَرِّطُ فِيها ممَّن يَقدِرُ عَلَيها إِلاَّ جَاهِلٌ أَو مَغبُونٌ.
إِنَّهُ رُبما فَاتَ بَعضَنَا المُشَارَكَةُ في تِلكِ الدَّورَاتِ لانشِغَالِهِ؛ فَلِمَاذَا يُفَوِّتُ على أَبنَائِهِ ذَلِكَ الخَيرَ، ولماذا لا يحثُّهُم على الالتِحَاقِ بِتِلكَ الحَلَقَاتِ وَيُشَجِّعُهُم على الانضِمَامِ إِلَيهَا؛ لِيَنَالَ عَظِيمَ الأَجرِ وَالإِحسَانَ مِنَ الكَرِيمِ المَنَّانِ؛ قال -صلى اللهُ عليه وسلم-: " مَن قَرَأَ القُرآنَ وَتَعَلَّمَهُ وَعَمِلَ بِهِ، أُلبِسَ وَالِدَاهُ يَومَ القِيَامَةِ تَاجًا مِن نُورٍ، ضَوؤُهُ مِثلُ ضَوءِ الشَّمسِ، وَيُكسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَينِ لا يَقُومُ لهما الدُّنيا، فَيَقولانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخذِ وَلدِكُمَا القُرآنَ ".
اللهُ أَكبرُ -يَا عِبادَ اللهِ- يَا لَهُ مِن أَجرٍ مَا أَعظَمَهُ! وَيَا لها مِن كَرَامَةٍ مَا أَجَلَّهَا! وَأَيُّ جَائِزَةٍ هي أَكبرُ وَأَغلَى مِنها؟! تَاجٌ مِن نُورٍ وَحُلَّتَانِ خَيرٌ مِنَ الدُّنيا، وَالسَّبَبُ تَعلِيمُ الوَلدِ لِلقُرآنِ؛ فَأَيُّ أَبٍ يُفَرِّطُ في هَذَا أَو يُعرِضُ عَنهُ؟! وَأَيُّ وَالِدٍ لا يَتَمَنَّى هَذَا الجَزَاءَ وَلا يَطلُبُهُ؟!
فَأَللهَ أَللهَ وَهَيَّا إِلى بُيُوتِ اللهِ، وَحَيَّ هَلا عَلَى كِتَابِ اللهِ؛ مَن لِكِتَابِنَا إِنْ نَسِينَاهُ؟ مَن يَعْلَمُهُ إِنْ جَهِلنَاهُ؟ مَن يُعَلِّمُهُ إِذَا تَرَكنَاهُ وَأَهمَلنَاهُ؟
وَأَنتُم أَيُّها الأَثرِيَاءُ وَالمُوسِرُونَ، يَا مَن أَنعَمَ اللهُ عَلَيكُم بِالمَالِ وَمَنَّ عَلَيكُم بِالغِنى: أَينَ أَنتُم عَن دَعمِ هَذِهِ الدَّورَاتِ؟! مَاذَا تَنتَظِرُونَ؟ وَلأَيِّ شَيءٍ تجمَعُونَ؟! وَحَتَّامَ تَدَّخِرُونَ وَتُمسِكُونَ؟! مَن لِتِلكَ الدَّورَاتِ إِن لم تَدعَمُوها؟! مَن يحتَسِبُ الأَجرَ إِن لم تحتَسِبُوا؟! مَن يُنفِقُ لِوَجهِ اللهِ إِن لم تُنفِقُوا؟! لَيسَ وَرَاءَكُم -وَاللهِ- إِلاَّ المَوتُ وَالقَبرُ، فَيُقسَمُ المَالُ وَتُوَزَّعُ التَّرِكَةُ، وَتُنسَونَ كَمَا نُسِيَ غَيرُكُم، وَتُطوَى حَيَاتُكُم وَتَنقَطِعُ أَعمَالُكُم، فَلا يَبقَى مِنهَا إِلاَّ مَا قَدَّمتُمُوهُ، وَلَدٌ صالحٌ يَدعُو، أَو عِلمٌ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ، وَأَيُّ عِلمٍ أو صَدَقَةٍ هما أَفضَلُ مِن تَعلِيمِ كِتَابِ اللهِ؟
فَالبِدَارَ البِدَارَ وَاغتَنِمُوا الأَعمَارَ، وَأَنقِذُوا أَنفُسَكُم بِصَدَقَاتِكُم مِنَ النَّارِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقنَاكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ لا بَيعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [البقرة:254].
قال -عليه السلامُ-: " إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطفِئُ عَن أَهلِها حَرَّ القُبُورِ، وَإِنما يَستَظِلُّ المُؤمِنُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّ صَدَقَتِهِ ".
أَينَ الذين يُِريدُونَ الجَنَّةَ وَعُقبى الدَّارِ؟ أَينَ الذين يُرِيدُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ؟ أين الذين يُرِيدُونَ الأَجرَ الكَبِيرَ؟ أَينَ الذين يُرِيدُونَ أَن يَكُونُوا مِنَ المُفلِحِينَ؟ أَينَ الذين يُرِيدُونَ الأُجُورَ المُضَاعَفَةَ؟ أَينَ كُلُّ هؤلاءِ فَلْيَقرَؤُوا قَولَهُ -سبحانَه-: ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابتِغَاء وَجهِ رَبِّهِم وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدرَؤُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُم عُقبَى الدَّارِ ) [الرعد:22].
وقولَه: ( إِنَّ الَّذِينَ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقنَاهُم سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم مِن فَضلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) [فاطر:29-30].
وقولَه: ( آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّستَخلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَأَنفَقُوا لَهُم أَجرٌ كَبِيرٌ ) [الحديد:7].
وقولَه: ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا استَطَعتُم وَاسمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيرًا لأَنفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ ) [التغابن:16].
وقولَه: ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَموَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَت سَبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة:261].