الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
إنها شعارات ليست بريئة، بل ممعنة في السوء، تصاحبها صور تنادي بالتحرر الديني والخُلقي.. حملة كوني حرة التي تبنتها تلك القناة الرائدة في إفساد أخلاقيات الناس أصبحت حديث كثير من الناس في الأيام الماضية، وأعاد الحديث للأذهان تحذير أهل العلم والغيرة بخطر تلك القنوات ودورها التغريبي وضررها.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
توالت العبارات في حساب تويتر الرسمي لتلك القناة في حملتها المسماة "كوني حرة".
كوني حرة!! لما تراه هي، أي تلك القناة تحريرًا للمرأة في بلادنا، عبارات مثل "كوني حرة بلا حدود" تمردي، حلقي، أنتِ لم تُخلقي لتكوني تابعًا أو ظلاً، هكذا كتبوا.
طيري برقتك خارج سجون الظلام والعبودية، عبارات تستنهض المغرر بهن من المراهقات نحو التمرد على قيم المجتمع وتشد أزر السافرات نحو المزيد.
أيها الإخوة: حتى لو اعتذرت تلك القناة مما فعلته، فالمكر لا يخفى، انشروا المنكر وانشره، فإذا وجد الممانعة اعتذر ثم اسكن ثم بعد فترة عد من جديد بشكل آخر، وهكذا.
حتى لو حصل اعتذار فإنني لا أرى لهذه الحملة المريبة لمشروع إفسادي صريح وكبير يراد للمرأة في بلادنا.
إنها شعارات ليست بريئة، بل ممعنة في السوء تصاحبها صور تنادي بالتحرر الديني والخلقي، لو كانت تلك الكلمات قد صدرت من قنوات يهود أو نصارى لَحُقَّ لنا أن نتوجس ونحذر ونحمي أعراضنا، ولكن أن يتولى تلك الحملات من يتكلمون بألسنتنا، إنه لا يمكن أن تقوم حملة كتلك الحملة إلا بعد تخطيط ومكر دفين.
حملة كوني حرة التي تبنتها تلك القناة الرائدة في إفساد أخلاقيات الناس أصبحت حديث كثير من الناس في الأيام الماضية، وأعاد الحديث للأذهان تحذير أهل العلم والغيرة بخطر تلك القنوات ودورها التغريبي وضررها.
والحمد لله أننا رأينا صورًا جميلة لهبة مجتمعية بدت في وسائل التواصل لم يكن المتكلمون فيها هم الدعاة والمصلحين لا بل كان الجل مستاءً مستنكرًا وغيورًا على دينه وعرضه وبلده وأخلاق الناس فيه.
فأعلنها المجتمع بصوت عالٍ أمام أقلية قليلة؛ إنكم نشاز، وإنكم لا تمثلون هذا المجتمع الطيب المعروف بمحافظة أهله.
ولعل هذه واحدة من المكاسب التي أفرزتها جهود المبطلين من أرباب الانفلات الأخلاقي؛ فإن هذا الاستفزاز قد أحيى جدوة الدين والغيرة والأخلاق في نفوس المؤمنين.
معاشر الإخوة: لم تكن هذه الحملة الآثمة هي الأولى، ولن تكون هي الأخيرة فمنذ بدأ الاستعمار للبلاد المسلمة بدأ معه الإعلام الذي يسعى لتحسين صورة أعداء الدين وإفساد المجتمع وحين تطورت وسائل الإعلام وجاءت القنوات الفضائية كانت تلك فرصة ذهبية لهم كي يدخلوا من خلالها لعقول المسلمين وأخلاقهم بلا سلاح ولا دبابة، والتقت رغبة الكفار المتمثلة بالغرب الذي يملك المال والتقنية والعداء والحسن مع دعاة التغريب من بني جلدتنا الذين لا همَّ لهم إلا الشهوات وكسب المال وهز ثوابت الدين.
وصدق عليهم وصف المولى سبحانه: (يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء:27].
افتتحت عدة قنوات ومن ملاك من أبناء المسلمين، صبغتها الكاملة وسياستها وأفكارها تتوافق مع أفكار المستعمر.
نعم إن ما يسمى بلعبة الإعلام الفضائي ليس بالضرورة مشروعًا تجاريًا بحتًا كما يروَّج له دائمًا، لا بل إن كثيرًا من الفضائيات قامت على أساس تشكيل الوعي العام، تشكيل الأخلاق وفقًا لرغبات أساطين الإعلام؛ عبر المشهد والأغنية، وما يسمى بالدراما، والبرامج الثقافية والاجتماعية، وإلى آخره.
أيها الإخوة: هل تذكرون حين نادى بعض أهل الغيرة والاختصاص قبل سنوات عديدة بأن البث المباشر بكل ما يحمله من تغريب قادم، وأنه لا بد من التهيؤ له بمشاريع مضادة بنَّاءة، مشاريع إعلامية إسلامية تحافظ على الأخلاق الكريمة وتبني القيم وتحافظ على الأجيال.
ألم يكونوا يتكلمون بلسان الحكمة والعقل، ها قد اتضح سبب التحذير حيًّا أمامنا.
لقد أقدم أحد الأكاديميين السعوديين قبل عشر سنين بدراسة إحدى القنوات ومدى تطبيعها للمنكر، وبعد رصد وتوثيق خرجت الدراسة بنتائج مخيفة ففي مجال الفساد العقدي العقيدة انتشر في قنوات تلك المجموعة أن تقديس الصليب واللجوء إليه في الأوقات الصعبة هو الذي يفعله الجندي فينجو من موت محقق.
وتبين أنها تكثر من إظهار الكنائس والمقارّ التي تنتشر فيها الصلبان والصلوات النصرانية.
وفي بعض الأفلام التي عرضتها إنكار للخالق وتعظيم للأصنام ونشر للسحر والشعوذة.
وأما في مجال نشر الفاحشة والشهوات فحدِّث ولا حرج، فكم في الأفلام من حثّ على العلاقة المحرمة، وإظهار الشباب وهم يتسابقون في هذه العلاقات.
أما أمن المجتمع فقد أكدت الدراسة على وجود مشاهد كثيرة في مواجهة الشباب لرجال الشرطة وتهوين جرائم القتل والخطف والسرقة والاعتداء على الآخرين وجعل أولئك أبطالاً.
هذه الدراسة أعدت ونشرت قبل عشر سنوات، فما الشأن والشر قد زاد والله المستعان.
قد جاء فيها أن تلك المجموعة ترعى المسلسلات واللقاءات الحوارية التي تسخر بالمتدينين والدعاة، وتشوههم وتطعن فيهم.
وهذا باب بات يدركه الصغير قبل الكبير، ولكن مهما ساءت الأمور فإنني على يقين -ولله الحمد- بأن المجتمع -بإذن الله- قادر على إيقاف عجلة الفساد والتغريب بتكاتف رجاله ونسائه وأهل الغيرة فيه على التعاون على البر والتقوى، وقد قال سبحانه (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1- 3].
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:
فإن من المشاهد المحزنة تغير أخلاقيات وآداب كانت لعشرات السنين راسخة في المجتمع، فالحجاب عند جمع من النساء لم يعد هو الحجاب، أصبح إما موضة تتزين بها أو مجرد ملاءة خفيفة على الرأس تقع أحيانًا من على الرأس وتبقى أحيانًا وأحيانًا لا ملاءة مطلقًا.
وأسوأ منه أن تتلاشى الغيرة عند بعض الآباء والأزواج فلا نصح ولا إرشاد، بل برود وإهمال سببه ضعف الإيمان أو الانهزام أمام ضغط الواقع.
فالتيارات جارفة، وعلى الأمناء في المجتمع حمل كبير تجاه التحذير من هذه المظاهر الشاذة في المعارض والأسواق.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
وغدًا حين يُودَع المرء في قبره ولا يكون أنيسه إلا عمله لن يسعده تركه لقنوات الفساد تصدح في بيته في محاربة الله ورسوله، لن يسعده ذلك في قبره، ففي الصحيح "ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".
معاشر الكرام: لقد أثبتت الأيام الماضية أن في المجتمع خيرًا كثيرًا، وأن الوعي لا يزال حيًّا فتعركل حملة "كوني حرة" تحت ضغط الرفض الشعبي دليل على ذلك.
فلله الحمد أولاً وآخرًا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.