البحث

عبارات مقترحة:

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

ضياع هيبة المعلم وإهانته

العربية

المؤلف قاسم أحمد الصامطي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. التعليم أعظم مهنة .
  2. فضل المعلم وأهميته .
  3. ظاهرة الاعتداء على المعلمين .
  4. الواجب نحو المعلمين .
  5. إعادة النظر في التعامل مع المعلمين .
  6. غرس احترام المعلم في نفوس أبنائنا الطلاب .

اقتباس

رسالتي إلى كل معلم ومعلمة: أنتم تقومون بأعقد وأعظم مهمة، إنها صناعة الإنسان، وصياغة فكره، وتهذيب نفسه، وتطهير قلبه، وتقويم فكره، وتهذيب سلوكه. مسألة بها مفتاح التغيير في المجتمعات، وفي سائر جوانب الحياة. إلى المعلمين والمعلمات: حتى يُدْرك من هم؟ وما هي مكانتهم؟ فنقول: أنتم المرفوعون المأجورون، المرفوعون رتبة، المأجورون ثواباً و...

الخطبة الأولى:

الحمد لله شرح الصدور بالإسلام، وطمأن القلوب بالإيمان، وهدى البصائر بالقرآن، أتم علينا النعمة، وأكمل لنا الدين، ورضي لنا الإسلام ديناً، له الحمد سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ويرضى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، هو جل وعلا المحمود على كل حال وفي كل آن، له الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً لا ينقطع ولا يزول، ولا يحده حد ولا يحيط به وصف.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

لقد كثرت الهجمات والاعتداءات على رجال التعليم من طرف التلاميذ، وتلاشت كلمة:

قم للمعلم وفِّه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

كل يوم نسمع حادثة جديدة، حتى وصل الأمر إلى إزهاق الأنفس، إلى قتل المعلمين.

رسالتي إلى كل معلم ومعلمة: أنتم تقومون بأعقد وأعظم مهمة، إنها صناعة الإنسان، وصياغة فكره، وتهذيب نفسه، وتطهير قلبه، وتقويم فكره، وتهذيب سلوكه.

مسألة بها مفتاح التغيير في المجتمعات، وفي سائر جوانب الحياة.

إلى المعلمين والمعلمات: حتى يُدْرك من هم؟ وما هي مكانتهم؟

فنقول: أنتم المرفوعون المأجورون، المرفوعون رتبة، المأجورون ثواباً ومنزلة: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].

ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يعتز؛ لأنه بُعث معلماً، فيقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله -عز وجل- لم يبعثني معنفاً، ولكن بعثني معلماً".

فأنتم من بين معاشر أهل الإيمان مخصوصون بدرجة ومنزلة خاصة بالعلم.

ثم استمعوا إلى حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- من جملة أحاديث وافرة: "من علم علماً فله أجر من عمل به، لا ينقص ذلك من أجر العامل شيئاً".

فكل كلمة ومعرفة وهدي تغرسه في القلوب والعقول والنفوس، فيما ينبني عليه من عمل، وما يؤثر من بعده من توجيه؛ مسجل لك في صحيفة الأعمال، فضلا من الله -سبحانه وتعالى-، ومنة وكرما، وحثا وحضا، وتشجيعا وتحفيزا.

وأنتم كذلك الوارثون المورثون، أنتم أربابها وأصحابها، وأنتم أعظم المنتفعين بها بعد انقطاع الحياة: "العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

هكذا قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

وأما بعد انقطاع الحياة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

ولئن كان هذا الحديث فيه قسم مباشر لأهل العلم، في العلم الذي ينتفع به، فإن أهل العلم قد قالوا: إن لهم في الحقيقة حظاً وافراً من ذلك كله، فإن الصدقة التي يبقى أجرها، إنما مبعثها التعليم على فضلها، والإرشاد إلى أجرها، فمن كان له ذلك العلم والتعليم، فهو شريك فيما ينبني عليه من الصدقات والأوقاف والوصايا، والولد الصالح إنما هو ثمرة في غالب الأحوال لذلك العلم والتربية والتزكية، فإن أهل العلم حينئذ يكونون قد أخذوا بهذه الأمور كلها، فما أعظم ما يخلفون وراءهم مما يعظم أجرهم، ويصل أعمالهم بفضل الله -سبحانه وتعالى-.

أيها المباركون: لقد سمعتم قبل أيام عن معلم يقتل على يد أحد طلابه، وآخر يعتدي على معلمه بالفأس، وآخر.. وآخر.. اعتداءات لا تعد ولا تحصى، لكن من ينصف هذا المعلم؟ إلى متى هذا التهاون في مكانة وحقوق المعلمين؟

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ".

إني لفي حالة أستشعر معها الحزن والكآبة للحال التي آل إليها وضع المعلم.

فالمعلم -يا إخوتي- يُنتهر، والمعلم -يا إخوتي- مُحتَقر، والمعلم -يا إخوتي- مُسلَّطٌ عليه، والمعلم -يا إخوتي- خاضعٌ لاستجواب هذا واستجواب ذاك، والمعلم -يا إخوتي- لا يستطيع أن يأخذ حريته في تعليم الخير الذي يراه، المعلم -يا إخوتي- اليوم أصبح أداة لا أقول رخيصة ولكنها مُسترخصة، المعلم اليوم لم يعد يُقَدّر، المعلم اليوم لم يعد صاحب شرف في نظر الناس، أين مكانة المعلم؟

لم يكن آباؤنا يقدمون على إهانة معلمينا، لا أمامنا، ولا من وراء أظهرنا، اليوم أصبح بعض الآباء يستمتعون بإهانة معلمي أبنائهم على مرأى ومسمع منهم، داخل المدرسة، وربما داخل الفصل، وهو ما لم يكن ممكناً تصديقه من قبل، ولا حتى في عالم الخيال!.

كيف نطلب من التلميذ احترام معلمه، بينما يكون قد رأى أباه، وهو يكيل له شتى أنواع السباب والشتائم أمامه؟

ثمة من يقول: إن وزارة التربية والتعليم هي التي خلقت هذا الجو؛ حينما أخذت تقلد أساليب الثقافة الغربية، داخل منظومتها التعليمية قبل الآن، فلا هي أتقنتها على النحو الغربي، ولا استطاعت العودة إلى أسلوبها الشرقي؛ فتفلتت أزِمَّةُ الأمور من بين يديها ومن خلفها، ومن فوقها ومن تحتها؛ الأمر الذي فقدت معه ثقافتها الأصلية، قرارات تعسفية ضد المعلمين، وهضم لحقوقهم، ولا يستطيع المعلم أن يناقش أو يتكلم أو يطالب بحقه، إلا عندما يطرح أرضا.

ليس هنالك عقوبات رادعة للطلاب الذين يعتدون على معلميهم، وآخرها من العقوبات التي أقرتها فصل الطالب شهرين ثم العودة، هل هذه هي عقوبة الاعتداء على المعلمين؟ هل يعقل أن يهان المعلم الذي يحمل أسمى مهنة، وهي مهنة الأنبياء والرسل وعلى أتفه الأسباب، وأمام الملأ: يا قوم إن من علمني حرفا أخلصت له ودا؟!

إن المعلم يبدأ عمله من الساعة السادسة والنصف صباحا، أي قبل أي موظف آخر، سواء أكان في القطاع العام أو القطاع الخاص، كثير من الناس يرى أن التعليم والتدريس من أسهل المهن، لا –والله- التدريس من أصعب المهن؛ لأن التخاطب مع الناس أو الطلاب والعقول والفروق الفردية من قبل المعلم فيها من الصعوبة والمشقة الشيء الكثير، والذين في الميدان التعليمي يعرفون معنى هذا الكلام، بمعنى لو أعطينا مثالا بسيطا وطلبنا من أحد أولياء الأمور التصرف مع أولاده، وإن كان عددهم 3 فقط فيصعب عليه السيطرة عليهم، فما بالك بالمعلم الذي تحت يديه من 30 إلى 40 طالبا!.

ألا يستحق هذا المعلم الاهتمام بمشاكله، وإرجاع هيبته وكرامته، التي كانت محفوظة له في السابق؟!

طول عمرنا لم نسمع من آبائنا عن معلم يهان، أو حطت من كرامته، في زماننا كنا ومازلنا نٌكن للمعلم كل تقدير واحترام، وكان لنا خير أب وأخ، ولكن في هذا الوقت كل ما يأتي من قرارات وأنظمة تكون دائما ضد المعلم، لماذا؟

أيها المباركون: نحن بحاجة إلى إعادة النظر في تعاملنا مع الآخرين، وبالأخص في تعاملنا مع المعلمين مع المربين الناصحين ممن يضيئون لأولادنا طريق العلم والمعرفة والتربية، ممن يخرجون الأجيال النافعة.

وإن على المسئولين عن التعليم في بلادنا مسئولية كبرى، في إظهار قيمة المعلم في المجتمع، وكذلك وسائل الإعلام بإظهار مكانة المعلم واحترامه.

إن المعلم والطبيب كليهما

لا ينصحان إذا هما لم يكرما

فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه

واصبر لجهلك إن جفوت معلما

فالمعلم جدير بالاحترام، جدير بالإكرام، وإن تعجب فعجب قولهم في مجالس عامة الناس اليوم حين يتكلمون عن المعلم، عن راتبه وكثرته، وعن إجازته وطولها.

ولو حشر هؤلاء يوما واحدا في مدرسة من المدارس لضاق ذرعاً، ولابتغى طريقا للخروج مما هو فيه، مع واقع الطلاب اليوم، وسوء احترامهم.

إذاً نحن الأساس في تجرئة أولادنا على معلميهم، وانتقاصهم وتصويرهم أنهم ماديون نفعيون، فهل نعي ذلك وندرك خطورة الواقع المأساوي الذي تعايشه مدارسنا اليوم من ضعف هيبة المعلم، وقلة احترامه وتقديره من فئة من الطلاب، فإلى الله المشتكى؟!.

يا من إلى الله تدعو

وترتجي منه أجرا

لك المدائح تترى

شعراً وإن شئت نثرا

إنا نعيش بعصر

يموج ظلماً ونكرا

الخير فيه توارى

وأنت بالعصر أدرى

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ".

بارك الله لي ولكم في القرآن...

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه...

ينبغي لنا -أيها المباركون-: أن نغرس في نفوس أبنائنا الطلاب احترام المعلم، فإذا احترم الطالب معلمه استفاد منه، استفاد من علمه، استفاد من أدبه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الحـج: 54].

ولا يمكن لنا من صناعة المستقبل، وزراعة وغرس الأجيال القادمة، إذا لم يقدر ويحترم المعلم.

عباد الله: صلوا وسلموا على خير الخلق...