القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
أيها الإخوة: إن من صور التأسي به صلى الله عليه وسلم: أن نكون في ذواتنا قدوات إلى الخير على حد استطاعتنا؛ كما كان هو قدوة إلى الخير صلى الله عليه وسلم. لكن مفهوما دارجا بين الناس يزعم أن القدوة لا تكون إلا في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد كتب الله -جل وعلا- على أمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- أن تكون قدوة للناس، قدوة لسائر الأمم، أسوة حسنة: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [آل عمران: 110].
أمة محمد قدوة في دينها الحق، في أخلاقها وسلوكها وقيمها، ولئن يكون الإنسان مسلما يتدين بتلك الآية، فقد حاز على منقبة عالية؛ لأن الخيرية في الآية السابقة مربوطة بكون الأمة قدوة للناس في الإيمان بالله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالمسلم إما أن يكون متابعا للآية، أو معارضا لها، وهما طريقان -المتابعة والمعارضة لتلك الآية- يجتمع للمسلم في أحدهما الخير كله، وفي الآخر الشر كله، قال صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" [رواه أحمد ومسلم في صحيحه].
وعند ابن ماجة بسند صحيح: قال صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة عُمل بها بعده كان له أجره، ومثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن سنة سيئة فعمل بها بعده كان عليه وزرها، ومثل أوزارهم من غير أن ينقص من أوزارهم شيء".
والله -تعالى- قال في قدوات الخير: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة: 24].
الأنبياء كلهم قدوة: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام: 90].
ونحن مأمورون أن نتأسى بهدي الأنبياء، وعلى رأسهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال سبحانه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].
يقول ابن كثير -رحمه الله- في هذه الآية: "وهذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله".
أيها الإخوة: إن من صور التأسي به صلى الله عليه وسلم: أن نكون في ذواتنا قدوات إلى الخير على حد استطاعتنا؛ كما كان هو قدوة إلى الخير صلى الله عليه وسلم.
لكن مفهوما دارجا بين الناس يزعم أن القدوة لا تكون إلا في العلماء والمشايخ، وهو في الحقيقة مفهوم خطأ، وقد يكون الإنسان قدوة في خلقه وسلوكه، وهو لا يحيط بالعلم الشرعي، إلا ما يقيم به دينه.
وقد يكون الإنسان حافظا للعلم الشرعي لكنه غير مطبق له في خلقه، وبالتالي ليس قدوة فيه، فالمسألة مسألة همة ورغبة في الخير، مهما كان حال الإنسان.
يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "من استطاع منكم أن يكون إماما لأهله -إماما لحيه- إماما لمن وراء ذلك، فإنه ليس شيء يؤخذ عنك إلا كان لك منه نصيب".
ولقد كان من دعاء الصالحين: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
نعم يطمع السعيد منا بأن يكون بسلوكه وأخلاقه مفتاحا دالا عليه، مغلاقا للشر منفرا منه، يطمع في أن يكون مؤثرا في بعض الناس حوله، ممن يحبهم لشوقهم إلى خير ما، إما إلى المنهج السليم، منهج النبي والصحابة والتابعين، أو خلق أو سلوك قويم، أو إلى ترك شيء سيئ يفعلونه، ولربما حاول بالكلام والنصح والإقناع فلم يستطع.
ولو كان ذا شخصية مقبولة محبوبة محترمة لدى من يطمع في إرشادهم لسهل الأمر، لو كان قدوة لكان سلوكه وخلقه أقوى أثرا من كلامه.
فكيف يصبح المرء قدوة صالحة؟ ما هي الصفات التي تمكنه من ذلك أبا كان أو أما أو أخا أو معلما أو صديقا صاحبا؟
معاشر الإخوة: قبل ذكر الصفات ينبغي أن نذكر بأنه لا كمال لبشر، وأن أكمل البشر هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما الكمال المطلق فهو لله وحده، فليس بالضرورة أن يتصف المرء بجميع ما سنذكر من صفات، أن يتصف ببعض ما سنذكره ويكفيه ذلك في أن يكون مؤثرا نافعا لذاته وللناس حوله، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فلا ينتاب أحد منا إحباط، فيقول: أين لي بهذه الصفات؟ لا، فما لا يدرك جله لا يترك كله، ولكل مجتهد نصيب.
أيها الإخوة: إن من أهم الصفات: انسجام القول مع السلوك والعمل، أو كما يعبر به اقتران القول بالعمل، القدوة الصالحة، يقول خيرا، ويعمل خيرا، ولا تجد تناقض بين منطقه وسلوكه.
يقول شعيب لقومه: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ)[هود: 88].
لذلك كان الأنبياء وتابعيهم من الأئمة المصلحين كانوا قدوة صالحة، ذلك أنك ترى انسجاما واضحا بين ما يقولون وبين ما يجسدون من تلك الأقوال.
أما التناقض وتنافر القول للسلوك ومضاداته للعمل، فهي صفة قبيحة حذر القرآن منه، وبين أنها من أشد ما يمقته رب العالمين -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2-3].
ويحسم هنا في موضوع التناقض أن ننبه إلى مفهوم حساس جدا.
أيها الإخوة: ينبغي التفريق بين الرغبة في الاتصاف بالقدوة وتكامل الشخصية، وبين فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ينبغي أن لا نخلط بين هذا وذاك، فالأمر بالمعروف لازم على كل مستطيع، بصرف النظر عن حاله، حتى لو كان ممارسا للمنكر ذاته الذي ينهى عنه.
قال جمهور أهل العلم: "ليس من شروط الناهي أن يكون سليما من المعصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعض".
وقال الإمام ابن كثير -رحمه الله- كلاما نفيسا في ذلك، حيث قال في تفسير قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)[البقرة: 44]. قال: "والغرض أن الله -تعالى- ذمهم على هذا الصنيع، ونبههم إلى خطئهم في حق أنفسهم، حيث أنهم كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من أمرهم به".
يقول سعيد بن جبير -رحمه الله-: "لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر".
ويقول مالك -رحمه الله-: "ومن هذا الذي ليس فيه شيء".
قال القرطبي: قال بعض الأصوليين: "فرض على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعض، واستدلوا بآية: (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ) [المائدة: 79].
وقال: "يقتضي اشتراكهم بالفعل، وذمهم على ترك التناهي".
يعني اشتراكهم في الفعل وذمهم في النفس على ترك التناهي.
قال الحسن البصري لمطرف بن عبدالله: "يا مطرف عظ أصحابك؟ قال مطرف: إني أخاف أن أقول ما لا أفعل، فقال الحسن: يرحمك الله وأينا يفعل ما يقول، ود الشيطان أنه ظفر بهذه منكم فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر".
ولذلك كان الحسن يقول: "أيها الناس: إني أعظكم ولست بخيركم، ولا أصلحكم، وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لها، ولو كان المؤمن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه لعدم الواعظون، وقل المذكرون".
الشاهد بعد هذه الأدلة: أن الاعتذار عن المناصحة بحجة ارتكاب ذات المخالفة اعتذار مرفوض شرعا، ولا مبرر له.
الكل يعلم أن من أهم أسباب نجاح النصيحة: مطابقة القول للفعل، لكن هذا شيء، والتنصل عن النصيحة من أجل ذلك شيء آخر.
فيجب على الأب مثلا أن ينهى أبناءه عن التدخين، حتى لو كان مبتلى به، ولكن لا يمكن أن يكون قدوة صالحة لهم في ذلك.
ويجب على الأم وجوبا أن تنهى بناتها عن التبرج والسفور، بل تأثم إن لم تنههن ذلك، ولو كانت هي بذاتها سافرة، ولكن بالطبع لن تكون قدوة في هذا الأمر، وقس على ذلك.
ومن صفات القدوة: الإخلاص، وهو سر عظيم من أسرار نجاح الأئمة المتبوعين، قال تعالى: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزمر: 3].
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله -تعالى- لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه" [رواه أبو داود بسند جيد].
فإذا خالط العمل رياء أو سمعة، أو طلب لدنيا، فسد العمل، ونزعت منه البركة، وإذا نزعت من العمل البركة لن يكون للعمل تأثير نافع مقبول، جاء في الصحيح: "إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم يوضع له القبول في الأرض...".
فبدون محبة الله لن يكون للعبد قبول، ومن ثم لن يكون له تأثير نافع على الناس، والإخلاص لازم من لوازم محبة الله، فكان بالتالي سر من أسرار القدوة.
ومن الصفات المهمة كذلك: حسن الخلق، ولعلها تجتمع في هذه الأربعة: الصدق، الصبر، الرحمة، التواضع، واللين، والرفق.
لن يكون قدوة من تعمد الكذب، ولا من لا يتحمل الصدود والإعراض بادئ الأمر، ولا الشديد القاسي، ولا العنيد شرس التعامل، ولا الشامخ بأنفه المتكبر الذي يحتكر الناس، ويرفض الحق ولو تبين له، ولا يعترف بالخطأ مطلقا، ولا حاد الطبع، خشن العبارة، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159].
لقد رفق النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأعرابي الذي بال في المسجد، وتركه حتى فرغ من بوله، وأمر أصحابه بالكف عنه، وأن لا يقطع عليه بوله، فلما فرغ دعاه صلى الله عليه وسلم وأخبره أن المساجد لم تبن لهذا، وإنما هي لذكر الله والصلاة.
وأعرابي آخر جذب برداء النبي -صلى الله عليه وآله سلم- جذبة شديدة، وكان عليه برد نجراني، غليظ الحاشية، فأثر في صفحة عنق النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد هذا كله، قال الأعرابي: يا محمد: مر لي من مال الله الذي عندك؟ فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وضحك، ثم أمر له بعطاء.
بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ما ضجر، ولا نهر، ولا تبرم.
ألا يبطل العجب إذاً حين يقدم إليه بأحد المؤلفة قلوبهم ممن هو متردد في دخول الإسلام، ونبي الله أبغض الناس إليه، فما هو إلا أن يكلمه صلى الله عليه وسلم بكلمات، ويجد الرجل منه تعاملا عجيبا، لا مثيل له، فلا ينصرف من عنده إلا وهو أحب الناس إليه.
خلق عجيب صلى الله عليه وسلم، وصدق الله إذ يقول: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب: 21].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه بر رؤوف رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد:
فمن صفات القدوة: العلم، العلم بكل ما يحمله اللفظ من معنى، وليس العلم الشرعي فحسب، بل جميع العلوم النافعة، وبالأخص العلم بالشيء الذي يدعو إليه.
فالناس يتطلعون إلى أصحاب المعرفة، ويسمعون منهم، أما أخو الجهل فلا يعطي شيئا.
أخو العلم حي خالد بعد موته | وأوصاله تحت التراب رميم |
حي ولو كان تحت الترب!.
وذو الجهل ميت وهو ماشٍ على الثرى | يظن من الأحياء وهو عديمُ |
ومن الصفات كذلك: الثبات على المبادئ، فالقدوة الصالحة ليس قدوة موسمية تؤثر لبعض الوقت، أو في أماكن محددة، لا، إنما هي ذات تأثير وجاذبية أينما حلت، وحيث ما ارتحلت؛ كما جاء في القرآن من قول عيسى -عليه السلام-: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ) [مريم: 31].
فالثبات يعطي انطباع عن الصدق والصبر، والتحدي، والإيمان العميق بالمبادئ التي يحملها القدوة، بخلاف التضجر، أو التردد، أو التراجع، أو التنازل عن المبادئ، خوفا على دنيا، أو حرصا على جاه.
إن الإنسان الشاب، أو الفتاة، قد ينهار تحت الضغوط لكنه إذا تذكر الثابتين الصامدين بحق، وفي سبيل الحق، خجل من نفسه، واتكأ على جراحه، وواصل المسير.
ومن صفات القدوة: اجتناب أماكن الشبهة والذم وموارد الظنون، جاءت أم المؤمنين صفية زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لتزوره في معتكفه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فمكثت عنده وتحدثت ساعة، ثم قامت راجعة إلى بيتها، فقام معها النبي -صلى الله عليه وسلم- مصاحبا لها، حتى يبلغها بيتها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة مر رجلان من الأنصار، فسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال لهما النبي: "على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي" فقالوا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكم شيئا" [رواه مسلم].
معاشر الإخوة: إن من أفضل الأعمال ما تتضاعف به الحسنات، وتصلح به النفوس، وتستقيم به الأخلاق، ولا أجد مثالا لذلك خيرا ممن اقتدى به الناس في صنيعه، فأسهم في صلاح قلوبهم وسلوكهم، فعل فعلا طيبا، فرآه الناس ففعلوا مثله.
وإن من أخف الأعمال ما تتضاعف به السيئات، وتفسد به النفوس، وتنحرف به الأخلاق، ولا أجد مثالا لذلك أوضح ممن اقتدى بفعله الناس، فيما يضر دينهم، ويفسد أخلاقهم.
فأسأل الله -تعالى- أن يجعلنا قدوات للخير، دالين عليه...