الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | رشيد بن إبراهيم بو عافية |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
أعظمُ حدَثٍ تشهدُهُ الأرض في هذا اليومِ إظهارُ توحيدِ الله وإفْرَادُهُ بالعبوديَّة والقصدِ والإذعان، وما عبادتا الحجِّ والأضحيَّةِ إلاَّ تعبيرٌ واضحٌ عن ذلك. الناسُ اليومَ -حُجَّاجًا وغير حُجَّاج- يتوجهون لله وِجهةً واحدةً في وقتٍ واحد بمختلف أنواعِ العبادات والتي منها الذبحُ لله تعالى، مستجيبين مُذْعِنِين، ومقتدين بسيّد الخلق أجمعين، يعلِنُونَ بذلكَ للناس كُلِّهِم أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
الخطبة الأولى:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.. لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزَّ جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
نحمدُهُ سبحانَهُ على التوفيقِ لصالِحِ الأقوالِ والأعمالِ والأحوال، فلولاه سبحانه ما اهتدينا، ولا صُمْنَا ولا صلَّيْنا، نشكُرُهُ سبحانَهُ على نِعَمٍ أتمَّهَا، وعافِيَةٍ أسبَغَهَا، رضِينَا بِهِ ربًّا ملِكًا خالِقًا مُدبِّرًا، ذَلَّت لهُ رِقَابُنَا، وتعفَّرَت لهُ جِبَاهُنَا، وتعلَّقَت بهِ قُلُوبُنا؛ فالله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أيها الإخوةُ في الله: أعظمُ حدَثٍ تشهدُهُ الأرض في هذا اليومِ إظهارُ توحيدِ الله وإفْرَادُهُ بالعبوديَّة والقصدِ والإذعان، وما عبادتا الحجِّ والأضحيَّةِ إلاَّ تعبيرٌ واضحٌ عن ذلك.
الناسُ اليومَ -حُجَّاجًا وغير حُجَّاج- يتوجهون لله وِجهةً واحدةً في وقتٍ واحد بمختلف أنواعِ العبادات والتي منها الذبحُ لله تعالى، مستجيبين مُذْعِنِين، ومقتدين بسيّد الخلق أجمعين، يعلِنُونَ بذلكَ للناس كُلِّهِم أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
كلمةٌ هي أصلُ هذا الدّين وأساسُه، ورأس أمره وساقُ شجرته وعمودُ فسطاطه، بها قامت الأرض والسماوات، وخلقت من أجلها جميع المخلوقات، و بها أنزل الله كتبه، وأرسل رسله، وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسمت الخليقة من أجلها إلى مؤمنين وكفار، وعنها وعن حقوقها يكون السؤال والجواب، وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة، وأسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، هي المنشور الذي لا يدخل أحد الجنة إلا به، والحبل الذي لا يصل إلى الله إلا من تعلق بسببه، وبها انقسم الناس إلى شقي وسعيد، ومقبول وطريد، وبها انفصلت دار الكفر عن دار الإسلام، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان، وهي العمود الحامل للفرض والسنة، و"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
كلمةٌ واحدةٌ عليها مدارُ النجاةِ والفلاحِ والسعادَة: "لا إله إلا الله"، قضيَّةٌ مِحورِيَّةٌ اشتركَت فيها كلُّ دعواتِ الرّسل -عليهم السلام-، نابَذُوا بها المشركينَ الذينَ زعمُوا أنَّ مع اللهِ آلِهَةً أخرى، من صُخُورٍ وأحجار، وقُبُورٍ وأشجار، وكواكِبَ وأقمار، ومُلُوكٍ وَرُهبان، وصُلبانٍ ونِيران، وأبطلَ اللهُ بهم كُلَّ تلكَ الأوهامِ بنورِ التوحِيدِ السَّاطِع، فاللهُ وحده المستحِقُّ للعبادةِ والخضوع، لا ربَّ سواهُ ولا إله غيرُه.
قال الله تعالى: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [التوبة : 3].
حينما اشتكت قريشُ محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- لأبي طالب، قال أبو طالب: يا ابن أخي: هؤلاء أشرافُ قومك اجتمعوا لك ليُعطُوكَ ويأخُذُوا منك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعم، كلمةً واحدة، تُعطونيها تملكونَ بها العرب، وتدينُ لكم بها العَجَم". فقال أبو جهل: "نعم وأبيك، وعشرُ كلمات". قال أبو جهلٍ ذلكَ، وكان ينتظرُ كلماتٍ من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مثلَ: أنا سيدكم وابن سيدكم، أو : نصفُ مدخول الكعبة لي، أو : لن تقطعوا أمرًا في العرب دوني... أو ما شابه ذلك من الكلمات.
قال محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم-: "قولوا: لا إله إلاَّ الله تُفلحوا، تملكونَ بها العرب، وتدينُ لكم بها العَجَم". فحينها قالت قُريشُ: "لو أردتَ عشرَ كلمات أعطيناك، أما كلمة الإله الواحد هذه فلا".
أتدرون -معشر المؤمنين- لمَ أجابُوهُ بهذا الكلام؟! لأنَّهم فهِمُوا أنَّها كلمةٌ قليلةُ الحروف ولكنَّها عظيمةُ التكاليف! علِموا أنَّها كلمةٌ تُغيّرُ العقول والنفوس والأوضاع، ترتقي بمنهجِ حياةِ قائلِها وتعيدُ ترتيبَهُ من الألف إلى الياء.
ويا لَلأسف؛ علمت قُريش حقيقةَ هذه الكلمة، ومات كثيرٌ منهم ولم ينطق بها، ونحنُ نطقَ كثيرٌ منَّا بهذه الكلمة وعاشَ ولم يفهم حقيقَتَهَا، فما أعجبَ حالنا وحالَهم!
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
"لا إله إلا الله"، أي لا معبود بحقٍّ إلا الله سبحانه؛ العبادةُ الخالصةُ لله -هذه القضيَّةُ العظيمةُ الجسيمة- التي بَنَى عليها الإسلامُ أَسَاسَاتِه، وأقامَ عليها كُلَّ أحكامِهِ وتوجيهاته، ولا يقبلُ فيها التنازُل والمساومة في كلّ زمانٍ ومكانٍ وحال.
هذه القضيَّةُ العظيمةُ الجسيمة التي اختلفَ فيها الإنسُ والجنُّ وتخاصَمُوا وتبايَنُوا مِلَلاً وطرائِق. هذه القضيَّةُ العظيمةُ الجسيمة التي شكَّلت مِحْوَرَ الاختلافِ بينَ الأنبياءِ والرُّسُلِ عليهم السلام وبينَ الأقوامِ الذينَ أرسِلُوا فيهم منذِرِين، فمنهم من عبدَ الصَّخْرَ والحَجَر، ومنهم من عبدَ الشمسَ والقمر، ومنهم من عبدَ الشيطان، ومنهم من عبدَ المُلكَ والسُّلطان، ومنهم من عبدَ النَّار، ومنهم من عبدَ الدّرهمَ والدّينار، ومنهم من عبدَ نفسَهُ وأمرَ الناسَ بعبادته، يأمُرُ وينهى، ويَخِبُّ ما يشاءُ ويَضَع، ومنهم من ألغى قضيَّةَ العبادةِ أصلاً من قاموس الحياة، فقال كما ذكر عنه ربنا سبحانه: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْر) [الجاثية:24].
في كل تلكَ العصور والأزمنة؛ كانت هناكَ كلمةٌ واحدةٌ ورسالةٌ واحدة؛ اشتركَت فيها كلُّ دعواتِ المرسلين -عليهم السلام-، "لا إله إلا الله"، أي: لا معبودَ بحق إلا الله -جل وعلا-، فهو وحده المستحق للعبادة والخضوع لا ربَّ سواهُ ولا إله غيرُه.. قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء:36]. قال الله تعالى: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف:39].. نعوذُ بالله من دقيقِ الشركِ وجَليلِه، فقد قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّور) [الرعد:16]. نعوذُ بالله من الظُّلماتِ والعمى.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أيها الإخوةُ في الله: تتقاضانا العادةُ في الأعيادِ أن نفرح ونبتهج، ونتبادل التهاني، وأن نطَّرحَ الهمومَ والأحزان، وتتقاضانا الأمة أن نحزن لمحنتها ونغتم، ونُعْنَى بقضِيَّتِهَا ونَهْتَم، ويتقاضانا إخوانُنا المضطهدونَ في مصر وبلادِ الشامِ أن لا ننعم حتى ينعموا، وأن لا نطعم حتى يطعموا.. فليت شعري أيَّ الحقوق سنقدّم في العيد؟!
مأساةُ إخواننا في مصر الكنانة: حربٌ لا هوادَة فيها على الإسلامِ الحيّ النابِض، وصراعٌ مكشوفٌ بين منهجين متقابِلين في الحياة: منهج مستعلٍ بالتوحيدِ والإيمانِ والإسلامِ العظيمِ، لا يقبل أن ترسُفَ العقول والنفوس والأوضاع في قيودِ الزورِ وأغلالِ الباطل أبدًا، ولا أن تنحنِيَ الجِباهُ إلاّ في الصلاةِ لله، فلذلك هو يسترخصُ في سبيل غايتِهِ كلّ بذل وألمٍ وصبرٍ وجهاد.
ومنهجٍ منتفِشٍ مستعلٍ بالقوّةِ والإرهابِ والتسلّط والعذاب، لا يتكلّمُ إلاّ بلسانِ فرعون الذي قال كما ذكر إله الحق: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38]، و(أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات : 24].
ومأساةُ إخواننا في سوريا الجريحة: مأساةٌ وصلت أوُج خطورتها، وبلغت حدًّا من الأسَى لا صبر عليه، لا تزال المحرقةُ النُّصَيْرِيةُ العلَوِيّةُ تَعِيثُ في الأرض الفساد، لا تزال مناظرُ الأشلاء وشلالاتُ الدماء تنزفُ في أرض الشام، مشاهدُ فاقت المعقول، وأدهشت العقول، فآهٍ ثم آه، من مراراتٍ في القلوب، ولوعاتٍ في الضمير لا نملك معها إلا الحوقلةَ، واستقطارَ الدموع، والاستعاذةَ بالله تعالى من ولاية من لا يرقب في مؤمن إلا ولا ذمة.
عمِلَ فيهم الطاغيةُ المُجرم أعمالاً فظيعةً عظيمة، أزهق النفوس، وبقر البطون، وزرع الأشلاء، وانتهك الأعراض، وهدّم الدّيار، وخرّب المساجد، وعبث بالمُقدّرات، وصادر الحريّات، وفعل ما لم يفعله التتار الغُزاةُ في بلادِ الشام. لا لشيءٍ إلاَّ لأنَّهم قالوا: ربُّنا اللهُ لا حافظ ولا بشّار، لا لشيءٍ إلاَّ لأنَّهم قالوا: لن نَدْعُوَ بشَّارًا ونذرَ اللهَ أحسن الخالقين، اللهُ ربُّنا وربُّ آبائنا الأوّلين.
ولسائلٍ أن يتساءل: أين العالمُ من هذه المأساة وتلكَ الصّرخات؟! بل أين المسلمون من الانتصارِ لإخوانِهم وصونِ دمائهم وأعراضِهم؟!
إخوانُنا في سوريا لا بواكيَ لهم! حسبنا اللهُ ونعم الوكيل! ألاَ شاهت الوجوهُ الجبانَةُ الخوّانة، كيف لا تتحرّكُ لإنقاذِ البقيّةِ الباقيةِ من إخوانِهم من تصفيةٍ منهجيّةٍ مدبّرة؟! أم هي لغةُ المصالحِ الآثِمَةِ التي لا يفهمها البُسطاء؟!
إخواننا في مصر والشامِ: واللهِ إنَّ لكم بين الجنبين ألمٌ يتنزَّى، وفي الجوانح عليكم نارٌ تتلظَّى، في القلب عليكم توجُّعٌ وتفجُّع، في الفؤاد آهاتٌ وزفرات، لكم في كل جزءٍ منَّا جراحاتٌ بالدَّم تثْعَب، ولكن ماذا عسانا نفعل؟!
لكمُ اللهُ تعالى العزيز الذي لا يُرَام، والجبَّارُ الذي لا يُضَام، والقيُّومُ الذي لا يَنَام.
ووالله إن مع العُسرِ يُسرًا، إنَّ مع العُسر يُسرًا، فالبغيُ مهما زمجَرَ فإلى تتبيرٍ وزَوالٍ، كيف لا وربنا سبحانه يقول: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47]، ويقول سبحانه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِين) [يوسف 110].
يا ربِّ حِمص مُزِّقَت أوصالُها | والسِّترُ يُهتَكُ في رُبوعِ الشَّامِ |
فاجعَل عيونَ المؤمنين قريـرةً | بدمشق تـرفعُ رايةَ الإسلامِ |
قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيد) [إبراهيم : 13-14].
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الخطبة الثانية:
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
أيها الإخوةُ في الله: جعل الله هذا اليومَ السعيدَ عيدًا للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وسمَّى هذا اليومَ في القرآن الكريم بيوم "الحج الأكبر"؛ لأنَّ الحجاجَ يؤدون فيه مُعظم مناسك الحج: يرمون الجمرة الكبرى، ويذبحون الهدايا لله تعالى، ويحلقون رؤوسهم ويقصرون، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة.. فهذا اليومُ لهُ منزلته عند الله وقدرُه؛ فأكثروا فيه من ذكر الله وشكره والثناء عليه، كبروا الله -جل جلاله- في هذا اليوم تكبيرًا ظاهرًا مسموعًا وفي الأيام المعدودات التي بعده وخصوصًا في أوقات الصلوات.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
معشر المؤمنين: إذا رجعتم إلى البيوت فاذبحوا هداياكم باسم الله تعالى بنيَّة خالصة صادقة، وليكن همُّكم البدءَ بالجيران والفقراء الذين لم يضحُّوا، فهذا الصحابيُّ الجليل عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- كان إذا ذبحَ الشاة يقول لغلامه: "يا غلام: إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي". فكيف بالجار المسلم، وكيف بالجار المسلم القريبْ؟!
واعلموا -رحمكم الله- أن أجر الأضحيَّة متعلقٌ بما في القلب من النيَّة والتعظيم لشعائر الله تعالى، فرُبَّ أمر صغير تُعظّمُهُ النيَّة، وربَّ أمر كبير تُحقّرُهُ النيَّةُ والعياذ بالله.
واعلموا أنَّ من صدقت نيَّتُهُ مع الله تعالى مع عجزه عن الأضحية فلن يضُرَّهُ فَقدُ اللحم شيئًا، فكلُّ ما فوق التُّراب تُرابُ، قال الله تعالى: (لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤُها ولكن ينالُه التقوى منكم) [الحج:37]. فيا من علمَ اللهُ ضعفكَ وفقرَكَ: إذا جئتَ العيدَ صادقًا مُخلصًا لله ربّ العالمين فأبشر باندراجكَ في أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهي الأضحية الصحيحةُ المتقبَّلة، وقد ضحَّى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عنه وعمَّن لم يُضَحّ من أُمَّته، فلا تحزن!
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
ثم من أعظم الصالحاتِ التي تقومون بها في هذا اليومِ العظيم وما بعده مواساةُ الفقيرِ والأرملة واليتيم، بالصَّدقة والعطفِ والإحسان والتفقُّد، كونوا لهم الرُّحماءَ والآباءَ -يرحمكم اللهُ تعالى-، فإنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". صِلُوا أرحامكم، وأحسنوا إلى جيرانِكم، وتفقَّدُوا حالَ إخوانِكم، وكونوا ممن يألفُ النَّاسَ ويألفونَهم، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحاسنهم أخلاقًا، الموطؤون أكنافًا، الذين يَألفون ويُؤلفون، ولا خير فيمن لا يَألف ولا يُؤلف".
ومع جمال أخلاق الفرد المسلم؛ فقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بتعميم كُلِّ خُلُقٍ جميلٍ في الأمَّة: فقال -صلى الله عليه وسلم-: "نظفوا أَفْنِيَتَكُمْ ولا تشبهوا باليهود"، يعني نظّفوا أحياءَكم السَّكَنية وصونُوا شوارعكم من الأوساخِ والنَّجَس، وهو مطلبٌ شرعيٌّ حضاريٌّ مطلوبٌ شرعًا من المسلمين، وخاصَّةً في الأعياد، فاحرصوا في هذا العيد على النظافة والتحضُّر قدر المستطاع، اذبحوا في بيوتكم، وإياكم وإيذاءَ الجيران بالذبح العشوائي في الشوارع والأحياء، أو برمي الفضلات في الساحات وأمام بيوت الناس، استعملوا الأكياسَ في التخلص من الفضلات، قوموا بحقّ هذا الموضوع إيمانًا واحتسابًا، فإنَّ أمَّةَ الإسلام أمَّةٌ نظيفة، وإنَّ إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان الذي يحبه الله ويرضاه.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
نسأل اللهَ العظيم التوفيق للخيراتْ، والسَّلامةَ من المُنكراتْ، والتَّحقُّقَ بالصِّفاتِ الصَّالحاتْ.. اللهم أعد علينا هذا العيد بالبر والإيمان، ووفقنا لمتابعة الإحسان، ويسر لنا طريق الهداية والإيمان. اللهم تقبل منا صلاتنا ونسكنا، اللهم اغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين.
معشر المؤمنين: تقبل الله مني ومنكم، وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.