الوارث
كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...
العربية
المؤلف | محمد بن أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
فأمَّا شريعتُها التي تتبعُها في معرفةِ ربِّها ودينِها ونبيها فلها شريعةٌ واحدةٌ هي كلُّ ما شرعَهُ اللهُ وأوحاه إلى نبيهِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-مِنَ العقائدِ, والأفعال, والأقوالِ, والأعمال؛ قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً) [الجاثية:18–19]؛
الخطبةُ الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذي عَلَمَ بِالقَلَمِ عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الحَمْدُ للهِ الذي خَلَقَ الإنْسَانَ، عَلَمَهُ البَيَانَ.
والصلاةُ والسلامُ على الذي لا يَنْطِقُ عَنِ الهوى، إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوْحَى.
أَمَا بَعْدُ: فيا أيها المؤمنون، لقد أخبرَ النبي-صلى الله عليه وسلم- بافتراقِ المسلمينَ أَمَّةِ الإجابةِ المحمديةِ إلى ثلاثٍ وسبعينَ ملةً، ثنتانِ وسبعونَ في النَّارِ وواحدةٌ في الجنَّةِ؛ فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ "رواه أبو داود، حديث حسن لغيره.
ويشهدُ للحديثِ قولُ اللهِ تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران:103]،
وقولُهُ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [الأنعام159].
ولكلِّ واحدةٍ مِنَ الثلاثِ والسبعينَ دعاةٌ يدعونَ المسلمَ إليها، حتى إنَّهُ ليحتارُ: مَنْ يتبعُ؟ قَالَ تَعَالَى: (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:71].
فكانَ المسلمُ بحاجةٍ إلى معرفةِ الواحدةِ التي في الجنةِ ومعرفةِ شريعتِها وعلاماتِها ومصادرِها ودعاتِها؛ ليؤمنَ بمثلِ ما آمنتْ بِهِ. قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:137]، ومعرفةِ الثنتينِ والسبعين التي في النَّارِ ومعرفةِ شرائعهِم وعلاماتِهِم ومصادرِهِم ودعاتِهِم ليجتنبَ ما همْ عليِهِ. قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام:55].
ويقولُ لِمَنْ دعاهُ مِنْ تلكَ الفرقِ ما أمره اللهُ بِهِ. قَالَ تَعَالَى: (لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:71]. وقَالَ تَعَالَى: (قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [الأنعام:56]
وسنَتَعَرَّفُ اليومَ على الواحدةِ التي في الجنَّةِ، وعلى شريعتِهِا، ومصادِرِها، ودعاتِها، وعلاماتِها؛ لِنُؤْمِنَ بمثلِ ما آمنتْ بِه. قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ) [البقرة:137].
فأمَّا شريعتُها التي تتبعُها في معرفةِ ربِّها ودينِها ونبيها فلها شريعةٌ واحدةٌ هي كلُّ ما شرعَهُ اللهُ وأوحاه إلى نبيهِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-مِنَ العقائدِ, والأفعال, والأقوالِ, والأعمال؛ قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً) [الجاثية:18–19]؛ وقَالَ تَعَالَى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر:7]، وقَالَ تَعَالَى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [النور:63].
وأَمَّا الطريقُ الذي تسلكُهُ لمعرفةِ ربِّها ودينِها ونبيِها فلها طريقٌ واحدٌ هو الوحي بواسطةِ محمدِ بنِ عبدِ الله -صلى الله عليه وسلم- عَنْ جبريلَ عَنِ الله. قَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].
وعَنْ عبد اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا"، قَالَ: ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: "هَذِهِ السُّبُلُ وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلَّا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ"، ثُمَّ قَرَأَ: "(وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)" رواه أحمدُ، حديثٌ صحيحٌ لغيرِه.
وأَمَّا مصادرُهَا التي تتبعُها لمعرفةِ ربِّها ودينِها ونبيِها فلها مصدران: المصدرُ الأولُ: الكتاب. قَالَ تَعَالَى: (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام:155]، المصدرُ الثاني: السنةُ. قَالَ تَعَالَى: (فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158].
وميزةُ المصدرينِ أنَّهُما معصومانِ، بخلافِ غيرِهِما مِنَ المصادِر؛ فقد عصمَ اللهُ القرآنَ في لفظِهِ ومعناه؛ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41–42].
وعصمَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-في جميعِ أقوالِهِ بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماءِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:3 – 4]
وعصمَهُ في جميعِ أفعالِهِ بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماءِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [الأعراف: 158]
وعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" رواه البخاري.
و عَنِ جَابِرٍ-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: " لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّى لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ" رواه مسلم.
وعَصَمَهُ في جميعِ تقريراتِهِ فلا يقرُّ خطأً ولا يسكتُ على منكر بخلافِ غيرِهِ مِنَ العلماء؛ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) [المائدة:67].
وضمنَ صحةَ وسلامةً عقائدِ وأعمالِ كلّ مَنِ اتبعَ الكتابَ والسنَّةَ؛ قَالَ تَعَالَى: (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 38]، وقَالَ تَعَالَى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه:123].
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللَّهِ" رواه مسلم.
وَعَنْ أَبِي هريرةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ" أخرجه مالك مرسلا والحاكم مسندا وصححه وحسنه الألباني.
وأما دعاة ُالواحدةِ التي في الجنَّةِ فلها داعيتان.
أولاً:الربانيون؛ قَالَ تَعَالَى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ) [آل عمران: 79]
وللربانيينَ علامتانِ يُعْرَفُونَ بِها للدراسةِ عليهم وسؤالهِم عَنِ اللهِ ودينِهِ ونبيِه: العلامةُ الأولى: تعليمُ الكتابِ والسنَّةِ. قَالَ تَعَالَى: (بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ)، العلامة الثانية: تَعَلُّمُ الكتابِ والسنَّةِ. قَالَ تَعَالَى: (وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ).
ثانياً: أهلُ الذِّكْرِ؛ قَالَ تَعَالَى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل:43].
وقد بينَ اللهُ الذِّكْرَ وأهلَهُ ولمْ يَدَعْ بيانَ ذلكَ لأذواقِ النَّاسِ وآرائهِم، فبينَ الذِّكْرَ بأنَّهُ القرآن. قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:41–42].
وبينَ أهلَ الذِّكْرِ بأنهمُ الذينَ يَعْمَلُونَ بالقرآن: عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا" رواه مسلم.
وبيّن علاماتِ أهلِ الذِّكْرِ لمعرفتِهِمْ والدراسةِ عليهم وسؤالِهِمْ عَنِ اللهِ و دينِهِ ونبيِهِ.
العلامةُ الأولى: معرفةُ الذِّكْرِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سبأ:6]، وقَالَ تَعَالَى: (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) [الرعد:19].
بخلافِ دعاةِ الثنتين والسبعين، إذ لا يعرفونَ الذِّكْرِ؛ قَالَ تَعَالَى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ) [الأنبياء:24].
العلامةُ الثانيةُ: الإيمانُ بالذِّكْرِ كلِّهِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ) [آل عمران:119]، بخلافِ دعاةِ الثنتين ِوالسبعينَ، إذْ لا يؤمنونَ إلا ببعضِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:85].
العلامةُ الثالثةُ: اتباعُ الذِّكْرِ في عقائدِهِم وأقوالِهِم وأفعالِهِم وأعمالِهِم وفَتَوَاهُم وتعليمِهِم؛ قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس:11]
بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين، إذْ يتبعونَ غيرَ الذِّكْر، قَالَ تَعَالَى: (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) [الروم:29]، وقَالَ تَعَالَى: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ) [البقرة:102]، وقَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [الحج: 3 – 4].
العلامةُ الرابعةُ: الانتفاعُ بالذِّكْرِ؛ قَالَ تَعَالَى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ) [ق:45]، وقَالَ تَعَالَى: (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأنعام:51]، بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين؛ إذْ لا ينتفعونَ بالذِّكْر. قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [لقمان:7].
العلامةُ الخامسةُ: حفظُ الذِّكْرِ وفهمِهِ. قَالَ تَعَالَى: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت:49]، وقَالَ تَعَالَى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت:43]، بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين؛ إذ يتلونَهُ ولا يفهمونَهُ، قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) [البقرة:78].
العلامةُ السادسةُ: العملُ بالذِّكْرِ؛ قَالَ تَعَالَى: (قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) [الإسراء:107–109].
وَ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "يُؤْتَى بِالْقُرْآنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْلِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا" رواه مسلم.
بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين؛ إذْ لا يعملونَ بالذِّكْرِ، قَالَ تَعَالَى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الأعراف: 175]، وقَالَ تَعَالَى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ) [الجمعة:5].
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِى جُحْرِ ضَبٍّ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آلْيَهُود وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ" رواه البخاري ومسلم.
العلامةُ السابعةُ: لا يَتَعَلَّمُونَ ولا يُعَلِّمُونَ -لمعرفةِ ربِّهِم ودينِهِم ونبيِهِم- إلا الذِّكْر؛ قَالَ تَعَالَى: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) [الإسراء:106]، وقَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) [آل عمران: 164].
العلامةُ التاسعةُ: لا يبينون للنَّاسِ لمعرفةِ الربِّ والدِّينِ والنَّبي إلا الذِّكْر؛ قَالَ تَعَالَى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44]، بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين؛ إذْ يبينون للنَّاسِ الأهواءَ لا الكتابَ والسنَّةَ، قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) [الأنعام:119].
العلامةُ العاشرة: لا يفتونَ النَّاسَ إلا بالذِّكْر؛ قَالَ تَعَالَى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [الأنبياء7].
وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ الْخَصْمُ الآخَرُ -وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ-: نَعَمْ، فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَائْذَنْ لِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-"قُلْ". قَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا [أجيراً] عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا؛ فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا". قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرُجِمَتْ. رواه البخاري ومسلم.
بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين، إذْ يفتونَ النَّاسَ بالجهلِ لا بالكتابِ والسُنَّة؛ قَالَ تَعَالَى: (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام:111].
وعَنْ عبد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" رواه البخاري ومسلم.
ويفتونَ النَّاسَ بالرأي لا بالكتابِ والسُنَّة؛ قَالَ تَعَالَى: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم:23].
وَعَنْ عبد اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْزِعُ الْعِلْمَ بَعْدَ أَنْ أَعْطَاكُمُوهُ انْتِزَاعًا، وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ" رواه البخاري.
العلامةُ الحادية عشرة: لا يحكمونَ بينَ النَّاسِ إلا بالذِّكْر؛ قَالَ تَعَالَى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ) [المائدة:49]، بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين؛ إذْ يحكمونَ بغيرِ الذِّكْر. قَالَ تَعَالَى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:49].
العلامة الثانية عشرة: لا يتحاكمونَ عندَ التنازعِ إلا إلى الذِّكْر؛ قَالَ تَعَالَى: (فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء:59]، بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين؛ إذْ يتحاكمونَ إلى القوانينِ الوضعيةِ والأحكامِ العرفية. قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً) [النساء:60].
العلامة الثالثة عشرة: لا يدعونَ النَّاسَ إلا إلى الذِّكْر؛ قَالَ تَعَالَى: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ) [الحج:67]، بخلافِ دعاةِ الثنتينِ والسبعين؛ إذْ يدعونَ النَّاسَ إلى أنفسِهِم لا إلى الذِّكْر. قَالَ تَعَالَى: (وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:29].
و يدعونَ النَّاسَ إلى حزبِهِم وطائفتِهِم لا إلى الذِّكْر؛ قَالَ تَعَالَى: (لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:71].
ويدعونَ النَّاسَ إلى جماعتِهِم لا إلى الذِّكْر؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ قاتلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ, أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ , أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فدعاة ُالثنتين والسبعين يدعونَ النَّاسَ إلى النَّارِ لا إلى الله؛ قَالَ تَعَالَى: (أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [البقرة:221].
أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروه؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، والْصَّلاَةُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ.
أَمَا بَعْدُ: فللواحدةِ التي في الجَنِّةِ خمسُ علاماتٍ نَعْرِفُهَا بِهِا لنكونَ على مثلِ ما كانتْ عليه.
العلامةُ الأولى: هيَ اتباعُ وحي الكتابِ والسُنَّةِ وحدَهُ في معرفةِ ربِّها ودينِهِا ونبيِهِا؛ قَالَ تَعَالَى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:3]، وقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].
العلامةُ الثانيةُ: أنَّها على مثلِ ما كانَ عليِهِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُهُ؛ قَالَ تَعَالَى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:43-44].
وعَنْ عبد اللهِ بْنِ عَمْرِو -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَفَتَرقُ أَمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِيْنَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلا مِلَةً وَاحَدَةً"، قَالُوا: وَمَنْ هِيَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟ قَالَ: "مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصَحَابِي" رواه الترمذي، حديث حسن لغيره.
فلا بُدَّ لنا مِنْ معرفِةِ ما كان َعليهِ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في معرفةِ اللهِ ودينِهِ حتى نكونَ عليهِ؛ النَّبي-صلى الله عليه وسلم-لم يكنْ على شيءٍ سوى الوحي الذي أوحاهُ اللهُ إليهِ؛ قَالَ تَعَالَى: ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأعراف:203]، وقَالَ تَعَالَى: (تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) [الحاقة:43 – 47].
ولا بُدَ لنا مِنْ معرفةِ ما كانَ عليهِ أصحابُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ حتى نكونَ عليهِ؛ أصحابُ النبي-صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا على شيءٍ سوى الوحي الذي كانَ عليهِ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-؛ قَالَ تَعَالَى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:3]، وقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]، وقَالَ تَعَالَى: (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام:155].
العلامةُ الثالثةُ: اتباعُ سُنَّةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-والخلفاءِ الراشدينَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيِه-صلى الله عليه وسلم-؛ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ" رواه أحمد، وهو حديث صحيح.
فلا بُدَّ لنا مِنْ معرفةِ سُنَّةِ النَّبيِّ في التعرفِ على اللهِ ودينِهِ لاتباعِهِا، وسُنَّتُه -صلى الله عليه وسلم- هي اتباعُ الوحي لا غير؛ قَالَ تَعَالَى: ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) [الأعراف:203]، وَقَالَ تَعَالَى: (تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة:43–46].
ولا بُدَّ لنا مِنْ معرفةِ سنةِ الخلفاءِ الراشدينَ في التعرفِ على اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ لاتباعِهِا، سُنَّتُهُم هي اتباعُ الوحي الذي كانَ عليهِ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ تَعَالَى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:3]، وقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]، وقَالَ تَعَالَى: (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام:155].
العلامةُ الرابعةُ: اتباعُ ما كانَ عليهِ عترةُ النبي-صلى الله عليه وسلم- أهلُ بيتِهِ؛ فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّتِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ القَصْوَاءِ يَخْطُبُ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي" رواه الترمذي حديث صحيح لغيره.
فلا بُدَ لنا مِنْ معرفةِ ما كانَ عليهِ عترةُ النبي-صلى الله عليه وسلم-أهلُ بيتِهِ في التعرفِ على اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ لنكونَ عليهِ.
لم تكنْ عترةُ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهلُ بيتِهِ على شيءٍ سوى الوحي الذي كانَ عليهِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه والخلفاءُ الراشدون؛ قَالَ تَعَالَى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:3]، وقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]، وقَالَ تَعَالَى: (وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام:155].
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي، أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللَّهِ، حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا" رواه الترمذي، حديث ضعيف وله شاهدٌ عندَ مسلم.
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا، بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ"، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي" رواه مسلم.
العلامة الخامسة: اتباعُ سبيلِ المؤمنينَ في معرفةِ اللهِ ودينِهِ ونبيه الذي حَذَّرَ اللهُ مِنَ اتباعِ غيرِه؛ قَالَ تَعَالَى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً) [النساء:115]، فلا بُدَّ لنا مِنْ معرفةِ سبيلِ المؤمنين في التعرفِ على اللهِ ودينِهِ ونبيِهِ لاتباعِهِ.
سَبِيلُهُم هو اتباعُ الوحي الذي كانَ عليهِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- والصحابةُ والخلفاءُ الراشدون وأهلُ بيتِ النبيِّ-صلى الله عليه وسلم-، قَالَ تَعَالَى: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف:3]، وقَالَ تَعَالَى: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]، وقَالَ تَعَالَى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44].
فالواحدةُ التي في الجنَّةِ لا تؤمنُ إلا بالوحي الذي آمنَ بِهِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- والصحابةُ والخلفاءُ الراشدون وأهلُ بيتِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- والمؤمنونَ، بخلافِ الثنتينِ والسبعينَ التي في النَّارِ؛ قَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:137].
ألا وصلوا على مَنْ أَمَرَكم اللهُ بالصلاةِ عليهِ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.