البحث

عبارات مقترحة:

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

أبناؤنا وزمن الفتن

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أهمية مراجعة عملية التربية في زمن الفتن ومتغيراتها .
  2. أهمية التربية الجماعية .
  3. مسؤولية الراعي على الرعية في زمن الفتن تكون أكبر .
  4. تأثر الإنسان بالفجور والتقوى التي ألهمه الله إياها والله لا يظلم الناس شيئا .
  5. طرفان متغايران بعيدان عن منهج الحق .
  6. أهمية مراقبة الأولاد ومحاورة من تلوثت أفكارهم .

اقتباس

التربية في أي مجتمع -أيها الأخوة- جماعية يشترك فيها الجميع ويسأل عنها الجميع، التربية مسئولية جماعية شئنا أم أبينا.. مصادر التأثير في المجتمع عديدة البيت المدرسة المعلم الصحبة الأقارب وسائل التواصل الاجتماعي، الإعلام، الظروف السياسية، والتقاليد الانترنت، كل هذه وغيرها هي مصادر التأثير في الإنسان.. والإنسان ذاته يتأثر سلبا أو إيجابا بحسب ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]

 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

مع الانفتاح الكبير في وسائل الاتصال، وتراكم الفتن فتنة بعد أخرى، وضياع كثير من الشباب في دوامة من المتغيرات، وما في ذلك من المخاطر التي تهدد حياتنا وحياتهم وديننا ودينهم؛ هذا كله يلزمنا أن نراجع عملية التربية التي تنشأ الجيل وتبني شخصيته نراجعها ونتأمل فيها في نواقصها ومحاسنها ومسالبها ومعطياتها.

التربية في أي مجتمع -أيها الأخوة- جماعية يشترك فيها الجميع ويسأل عنها الجميع، التربية مسئولية جماعية شئنا أم أبينا.. مصادر التأثير في المجتمع عديدة البيت المدرسة المعلم الصحبة الأقارب وسائل التواصل الاجتماعي، الإعلام، الظروف السياسية، والتقاليد الانترنت، كل هذه وغيرها هي مصادر التأثير في الإنسان.

والإنسان ذاته يتأثر سلبا أو إيجابا بحسب نوازع الخير أو نوازع الشر فيه؛ ففطرة الإنسان لها حضورها أيضا في بناء شخصيته، وقد نشأ هابيل وقابيل تحت ظروف واحدة وفي بيت واحد ومن نفس الأبوين ومع ذلك مال قابيل للشر ومال هابيل للخير كما قال -تعالى-: (عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [المائدة:28].

لكن الله -تعالى- لا يظلم الناس شيئا بل جعل لكل إنسان كامل الحرية في اختيار طريقه إما إلى خير أو إلى شر (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان:2-3] وقال -سبحانه-: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر:37] وقال -جل وعلا-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) [فصلت:46]

وجعل للإنسان قابلية مطلقة ليكون طيبا أو شريرا فقال -سبحانه-: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس:7-8]

الإلهام هو إيقاع الشيء في الروع بدون اختيارها بحيث يحدث علم في النفس بدون تعليم ولا تجربة ولا تفكير، الله -تعالى- ألهم الإنسان اكتساب الفجور أو اكتساب التقوى؛ فمن سلك طريق الفجور فهو ميسر له، ومن سلك طريق التقوى فهو متاح له.

وعدا عن كون الإنسان مسئولا عن نفسه فالمجتمع أيضا مسئولا عنه كلٌ بحسب قدرته وإمكانيته وقربه وبعده.

معاشر الأخوة : الزمان الذي نعيشه اليوم زمان فتن، فتن يتعجب منها الإنسان بل ويخاف منها ومن آثارها، وفي مثل هذه الأجواء تتأكد المسؤولية.

في صحيح البخاري من حديث ابن عمر قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور "أَلا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ؛ أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".

المسئولية هي أهلية الإنسان؛ لتحمل أفعاله ونتائجه، وتحمل المهام الموكل بها وشعوره بهذا الثقل؛ ثقل هذه المسئولية.

والإنسان مكلف إذا بلغ وكان له عقل، والتكليف -عموما- أمانة ومسئولية ولذلك قال -تعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب:72]

ولذا عظمت المسئولية جدا، حتى جاء القسم الإلهي ليبين ذلك في قوله -تعالى-: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر:92-93]

فلو استشعر كل إنسان مسئوليته تجاه نفسه ومن حوله، واتقى الله في ذلك كله لصلحت الأحوال ولبارك الله -تعالى- في الأعمار والأفعال والأقوال.

أيها الأخوة: في حديث عجيب للنبي -صلى الله عليه وسلم- يحكي واقعا مريرا تعيشه الأمة اليوم شوه الإسلام في هذا الواقع الذي نعيشه؛ إما فكر عقلاني منحرف لم يرفع رأسا بكتب العلماء؛ الإسلام التي رضيتها الأمة والذين حفظوا لنا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كالبخاري ومسلم وغيرهم من العلماء، ولم يرفعوا رأسا بفقهاء الإسلام المعتبرين؛ كالأئمة الأربعة ومن وافق منهجهم بل استفردوا بآرائهم وفلسفاتهم الموافقة لأهوائهم، فميعوا الدين وحاولوا ولا يزالون يحاولون كسر شوكة الدين وطمس عبادة الخوف من حياة الناس؛ فلا خوف بل رجاء بلا قيد افعل ولا حرج الله غفور رحيم ! هذا منهج.

وفي الطرف المغاير هناك منهج ثان مخيف وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- جانب من مظاهره وهو منهج التكفير والذبح وسفك الدماء باسم الإسلام والذي ظهر -أيضا- بروز هذه الظاهرة قتل ذوي القربى غيلة وغدر؛ فما تمر أيام إلا ونسمع بحادثة مجنونة يحار العقل أمام طريقتها وفصولها؛ فمن شاب يقتل خاله إلى آخر يقتل ابن عمه إلى ثالث يقتل ابن خالته، وآخرين يحرضون على القتل والبدء بالأقارب وذوي القربى.

في مسند الإمام بسند صحيح إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ الْهَرْجَ". قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ". قَالُوا: أَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ، إِنَّا لَنَقْتُلُ كُلَّ عَامٍ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا"، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "إِنَّهُ لَتُنْزَعُ عُقُولُ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيُخَلَّفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ، يَحْسِبُ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ" حديث عجيب يتنبأ به النبي -صلى الله عليه وسلم- لحال من أحوال الأمة في زمن قادم وها نحن نرى من نبوئيته -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحال ما يأسى له كل قلب مؤمن.

لكن مجرد الأسى لا يغير في الواقع شيء، ومن هنا لزم العمل وتأكدت مسئولية الجميع عن حماية الجيل من هذا الفكر الوحشي المنحرف.

مسئولية في البيت، موطن التربية الأول ينبغي أن ننشر في البيت المحبة لا الكراهية، والرحمة قبل الشدة، وينبغي أن نصاحب أبناءنا لا أن نتسلط عليهم، أما المراهقون فيجب متابعتهم دون إشعارهم بالريبة؛ فنناقشهم فيما يتابعونه من مواقع، وفيمن يصاحبون، ونحاورهم في شتى المواضيع، ونحاول التعرف على بعض أفكارهم بهدوء، وبدون قمع وبلا إهانة ولا استهزاء بآرائهم، ولا تحقير لأسلوبهم بل باحترام وحجة تجللها الخبرة.

ونؤدي دورنا في التربية ونستشعر المسئولية فإذا رأينا من أحدهم يوما ما علامات تدل على انطوائية غير مبررة، أو آراء غريبة، أو غياب عن البيت متكرر ومجهول، أو صحبة مجهولة فيلزم حينها أن تنتفض المسئولية وتستيقظ من سباتها وتؤدي واجبها فلا لوم بعد ذلك يوم القيامة ولا تأنيب ضمير في الدنيا لو حصل المحذور –نسأل الله العفو والعافية- ولا ندم حين لا ينفع الندم.

يقول -صلى الله عليه وسلم- "والرجل راع عن أهل بيته وهو مسئول عنهم" أي أنه سيسأل يوم القيامة عنهم وعن واجبه في حفظهم هل قام به في الدنيا أم لم يقم.

اختر وقتا مناسبا، واجلس معه على انفراد، وتحاور معه، وابتعد عن أسلوب التحقيق، وازرع الثقة، وابتسم وطمئن وتفهم، وإذا كنت لا تعرف أسلوبا مناسبا للحوار معه وكانت أمه أقرب إليه منك فلتحاوره هي، وإذا كنتما لا تعرفان فاسأل أهل الاختصاص من الاجتماعيين والتربويين.

المهم أن تستدرك الوضع، تعرف على صحبته ليس بالضرورة أن تلتقي بهم لكن على الأقل اعرف من هم.

أيها الأخوة: الأحداث اليوم تعلمنا أن كل شيء ممكن وحتى ما ليس في الحسبان ممكن أن يقع فيقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]

وقاية الأهل تأتي بعد وقاية النفس مباشرة، الصغار في العموم يتأثرون بسرعة يحبون بسرعة وبقوة ويكرهون بسرعة وبقوة وعندهم عناد المراهقة.

لذلك وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الخوارج كما سمعه منه علي رضي الله عنه كما صح في البخاري بأنهم صغار سفهاء قال "سيخرج قوم في أخر الزمان أحداث أسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم.." إلى آخر الحديث

وسائل التأثير اليوم متعددة يتأثرون بهذه الوسائل وبما تجره عليهم فالانترنت له دور كبير في إيصال الغلو وفكر التكفير.

ولذلك ينبغي المتابعة ومعرفة المواقع التي يرتادها الصغير وما هي الحسابات التي يتابعها في تويتر أو فيس بوك مثلا، وكذلك الألعاب الالكترونية خاصة القتالية منها قد يشارك ابنك فيها دعاة الغلو والتكفير؛ فلنحذر ولنتابع (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ).

اللهم أحفظنا واحفظ شبابنا وصغارنا واحفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.