الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
أنتُم في أيامٍ أعقبَت الحجَّ، فمن وفَّقَه الله وأعانَه على فَريضَة الحجِّ فليحمَد اللهَ -عز وجل- على أداء هذه الفريضَة، وليختِم حياتَه بالصالِحات؛ فمن سلِمَ له حجُّه فقد سلِمَ له عُمرُه وفازَ بالجنات، ومن كتبَ الله له حجَّ النافِلَة بعد الفريضَة؛ فقد زادَه الله خيرًا كثيرًا، وأعطاه الله خيرًا عظيمًا، فليُحافِظ على أجرِه الذي أعدَّه الله، ولا يُبطِله بالسيِّئات، وفي الحديث: "الإسلامُ يهدِمُ ما قبلَه، والحجُّ يهدِمُ ما قبلَه". أي: يُكفِّرُ الذنوبَ.
الخطبة الأولى:
الحمد لله المُنعِم بالخيرات، مُنزِّل الآيات البيِّنات، يقبَلُ التوبةَ عن عبادِه ويعفُو عن السيِّئات، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكلمات التامَّات، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبِه الفائِزين بأعلى الدرجات.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى في السرِّ والعلانية؛ فأعمالُ العباد لا يخفَى على الله منها خافِيَة، فصلاحُ الدنيا بالتقوى، والفوزُ بالجنة في الأُخرى.
أيها المسلمون: ليأخُذ كلُّ امرئٍ نفسَه بأفضلِ الأحوال، وبأفضَل الأمور؛ مُستعينًا بالله، مُتوكِّلاً عليه، راغِبًا فيما عند الله من الثوابِ، خائِفًا مما أعدَّ الله من العقاب.
عباد الله: ألا تعلَمون أن أحسنَ أحوال العبد دوام الاستِقامة، وأقومَ أمورِه الثباتُ على الطاعات، وهجرُ المُحرَّمات؛ فعُنوانُ السعادة للمُكلَّف: فعلُ الحسَنَات بعد الحسنات، والمُعافاةُ من السيِّئات.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد: 17]، وقال تعالى: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا) [مريم: 76].
أيها المسلمون: أنتُم في أيامٍ أعقبَت الحجَّ، فمن وفَّقَه الله وأعانَه على فَريضَة الحجِّ فليحمَد اللهَ -عز وجل- على أداء هذه الفريضَة، وليختِم حياتَه بالصالِحات؛ فمن سلِمَ له حجُّه فقد سلِمَ له عُمرُه وفازَ بالجنات، ومن كتبَ الله له حجَّ النافِلَة بعد الفريضَة؛ فقد زادَه الله خيرًا كثيرًا، وأعطاه الله خيرًا عظيمًا، فليُحافِظ على أجرِه الذي أعدَّه الله، ولا يُبطِله بالسيِّئات، وفي الحديث: "الإسلامُ يهدِمُ ما قبلَه، والحجُّ يهدِمُ ما قبلَه". أي: يُكفِّرُ الذنوبَ.
ومن لم يُقدَّر له الحجُّ فقد اكتسَبَ من الطاعات في عشر ذي الحجَّة ويوم عرفة ما يرفعُه الله به درجات، فليدُم على الاستِقامة، وليثبُت على الصراط المُستقيم، ولا يتحوَّل إلى ما يكرهُ الله؛ فمن تحوَّل إلى ما يكرهُ الله -عز وجل- تحوَّل الله له إلى ما يكرَه، كما أن من تحوَّل إلى ما يحبُّه الله ويرضَاه تحوَّل الله له إلى ما يحبُّ، والجزاءُ من جنسِ العمل.
وأعظمُ الكرامَةِ هي: الاستِقامةُ على طاعة الله، عن سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله: قُل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا غيرَك. قال: "قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم". رواه مسلم.
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13].
والاستِقامةُ هي: الاستِقامةُ على توحيد الله بتحقيقِه لربِّ العالمين، وفعلِ الفرائِض والواجِبات، وترك المُحرَّمات ابتِغاءَ ما عند الله -عز وجل-.
ولا يُغيِّرنَّ أحدٌ ما كان عليه من السَّدادِ والطاعَةِ إلى اتِّباع الهوى والشيطان، ومُقارَفَة المُنكرات؛ فيُغيِّر الله عليه أحوالَه، وتنتكِس عليه أمورُه، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11]، وقال تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف: 5].
ثم إن دون منزلة المُداوَمة على الحسنات واجتِناب المُحرَّمات منزلةً أقلَّ منها بدرجة، وهي: إتباعُ السيِّئات الحسنات، قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].
وعن مُعاذ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقِ الله حيثُما كنتَ، وأتبِع السيِّئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسن". رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
لأن الحسنات تُكفِّر السيئات، وتحفظُ المُكلَّف من طاعة الشيطان.
وأسوأُ أحوال الإنسان: أن يُتبِع السيئاتِ السيِّئات، أو يُتبِع الحسنات السيِّئات التي تُبطِلُها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد: 33]، لأن السيِّئات والمعاصِي بعد الحسنات والطاعات قد تُبطِلُ العمل، وقد تُحبِطُ بعضَ العمل، وقد تُنقِصُ ثوابَ الصالحات، قال الله تعالى: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة: 65، 66]. ففي هذه الآية أبطلَت سيِّئةٌ واحدةٌ ما قبلَها من الحسنات، والعياذُ بالله.
أيها المسلم: إذا فتحَ الله لك بابًا من الخير والعمل الصالحِ فالزَمْه وحافِظ عليه، وزِد عليه أبوابًا أخرى، ولا تزهدَنَّ في قليلٍ من الخير ولا كثير؛ فالحسنةُ تجُرُّ إلى الحسنة، والسيئةُ تجُرُّ إلى السيئة، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبدَ الله: لا تكُن مثلَ فلانٍ، كان يقومُ الليل فتركَ قيامَ الليل". رواه البخاري ومسلم.
قال الله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود: 112].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله غفَّار الذنوب، يكشِفُ الكُروب، ويستُر العيوب، لا يخفَى عليه شيءٌ من الغُيوب، أحمدُ ربِّي وأشكُرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُقلِّبُ القلوب، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه.
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتُوبوا إليه واستغفِرُوه.
عباد الله: أيامُ العُمر زمانٌ لصالِح الأعمال، ووقتٌ للتوبةِ من سُوء الفِعالِ، والدَّهرُ عِبَرٌ للمُعتبِرين، والليلُ والنهارُ يُسلِمانِكم إلى مصيرِكم مع الميِّتين، فتنتقِلُون إلى دارٍ لم تعرِفُوها، ومضاجِعَ لم تألَفُوها. فطُوبَى لمن كانت دارُه دارَ كرامة، لما كان عليه من الطاعة والاستِقامة، وويلٌ لمن كانت دارُه دارَ خزيٍ وندامَة، لما ضيَّعَ أيَّامَه، ونسِيَ يومَ القيامة؛ قال الله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الزمر: 55- 58].
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أكثِرُوا ذكر هادِم اللذَّات". يعني: الموت. رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ".
لأن ذِكر الموت دائمًا يحُثُّ على الأعمال الصالِحات، ويزجُرُ ويمنعُ عن القبائِح والمُوبِقات، ولأنه إذا ذكَرَه المُسلم أحسنَ العملَ وأخلَصَه لله -تبارك وتعالى-.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".
فصلُّوا وسلِّموا على سيِّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك يا قوي يا عزيز، يا رب العالمين.
اللهم فقِّهنا والمسلمين في الدين، اللهم فقِّهنا والمسلمين في الدين يا رب العالمين، إنك أنت العليمُ الحكيم.
اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم اغفر لموتانا وموتى المسلمين.
اللهم تقبَّل من الحُجَّاج حجَّهم، ورُدَّهم إلى ديارِهم سالِمين غانِمين يا رب العالمين، إنك على كل شيءٍ قدير.