البحث

عبارات مقترحة:

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

التوبة وختام رمضان

العربية

المؤلف عبدالله بن عبدالرحمن الرحيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الزكاة - الصيام
عناصر الخطبة
  1. فضائل التوبة .
  2. سعة مغفرة الله للتائبين .
  3. رمضان شهر التوبة .
  4. اغتنام أواخر رمضان .
  5. محاسن زكاة الفطر .
  6. من أحكام العيد. .

اقتباس

تذكروا أن شهرَكُمُ الكريمَ قد عزَم على الرحيل، ولم يبقَ منه إلاَّ الزمنُ القليلُ، فمَنْ كان منكم محسِناً فليحمدِ اللهَ على ذلك ولْيَسْألْه القَبولَ، ومَنْ كان منكم مقصرًا فلْيتبْ إلى اللهِ ولْيَعْتَذِرْ من تقصيرِه فالعذرُ قبْلَ الموتِ مَقْبولٌ. ولَا زلتم تتفيؤون ظلال عشر كريمات، فيها عظيم الخيرات والبركات...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله الواسعِ العظيم، الجوادِ البَرِّ الرَّحِيم، خلقَ كلَّ شَيْء فقدَّره، وأنزلَ الشرعَ فَيَسَّره، وهو الحكيمُ العليم.

أحمدُهُ على ما أوْلى وهدَى، وأشكرهُ على ما وهبَ وأعطَى، وأشهدُ أنه لا إِله إِلاَّ هو الملك العليُّ الأعلى، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى، صلَّى الله عليه وعلى جميعِ آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- أيها المؤمنون، وتوبوا إليه لعلكم ترحمون. توبوا إلى الله، فإن "كُلَّ بني آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"، توبوا إلى ربكم؛ فبذلك قد أمركم: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[النور:31].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)[التحريم: 8]، توبوا إلى الله توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات؛ لتدركوا عالي المنازل ورفيعَ الدرجات.

توبوا إلى الله؛ مقتدين بخير الخلق رسول الله، فقد كان الاستغفار دأبه إلى إن توفاه الله، يقول: "يا أيّها النّاس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإني أتوب في اليومِ مائة مرّةٍ".

يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-: "ما رأيتُ أكثرَ استغفارًا من رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-".

عباد الله: إن ربكم -تعالى- هو التواب، كثيرُ التوبة على التائبين، فمن تاب إليه تاب عليه، ولو تكررت منه المعصية؛ (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[طه:82]

توبوا إلى الله فـ"إنَّ اللهَ -تعالى- يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل حتى تطلعَ الشمسُ مِن مغرِبِها".

عبد الله: ألا تتوب إلى ربك التواب، وقد علمت فرح الله بتوبة عبده إذا هو أقبل وأناب.

قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبده حين يتوبُ إليه من أحدِكم كان على راحِلَته بأرضِ فلاةٍ، فانفلَتَت منه وعليها طعامُهُ وشرابُه، فأيِس منها، فأتى شجرةً فاضطجَعَ في ظلِّها وقد أيِس من راحِلَته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمةٌ عندَه، فأخذ بخِطامها، ثم قال من شدَّةِ الفرح: "اللهم أنت عبدِي وأنا ربُّك"، أخطأ مِن شدَّةِ الفرح".

توبوا إلى الله! فإن باب التوبة مفتوح، ما لم تغرغِر الروح. قال -صلى الله عليه وسلم- : "لو أخطَأتم حتى تبلُغ خطاياكم السّماء ثم تُبتُم لتابَ الله عليكم"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -تعالى-: يا عبادي، إنكم تخطِئون بالليل والنهار وأنا أغفِر الذنوبَ جميعًا فاستغفِروني أغفر لكم".

فأحدِثوا عباد الله لله توبَةً لكلّ الذنوب التي وقعت، وتوبوا من المعاصِي ولو تكرَّرت، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنَّ عبدًا أصابَ ذنبًا فقال: ربِّ، أذنبتُ ذنبًا فاغفِر لي، فقال ربّه: أعلِمَ عبدي أنّ له ربًّا يغفِر الذنبَ ويأخُذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا فقال: ربّ، أذنبتُ آخر فاغفِره، فقال: أعلِم عبدي أنّ له ربًّا يغفِر الذنبَ ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكثَ ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا فقال: ربِّ، أذنبتُ آخرَ فاغفِره لي، فقال: أعلِمَ عبدي أنّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي".

توبوا إلى الله الرحيم الرحمن، وأنتم في شهر الرحمة والغفران. صحَّ عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "رغِم أنفُ امرئٍ أدركه رمضان فلم يُغفَر له"، ولقد صعد نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يومًا المنبر فقال: "آمين"؛ فسأله الصحابة عن سبب تأمينه؛  فقال: "إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ".

تب إلى الله.. فإن الأمر يسير يا عبد الله: أَحْسِنْ فيما بقي، يُغْفَر لك ما قد مضى.

الله أكبر! من أحسن فيما بقي غفر الله له ما مضى! وأناله سعادة الدنيا ونعيم الأخرى

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -تعالى-: يا ابنَ آدم، إنّك ما دعوتني ورجَوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي. يا ابنَ آدم، لو بلغَت ذنوبك عَنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك. يا ابنَ آدم، إنك لو أتيتني بقرابِ الأرض خطايا ثم لقيتَني لا تشرِك بي شيئًا لأتيتُك بقرابها مغفرةً".

عباد الله: تذكروا أن شهرَكُمُ الكريمَ قد عزَم على الرحيل، ولم يبقَ منه إلاَّ الزمنُ القليلُ، فمَنْ كان منكم محسِناً فليحمدِ اللهَ على ذلك ولْيَسْألْه القَبولَ، ومَنْ كان منكم مقصرًا فلْيتبْ إلى اللهِ ولْيَعْتَذِرْ من تقصيرِه فالعذرُ قبْلَ الموتِ مَقْبولٌ.

ولَا زلتم تتفيؤون ظلال عشر كريمات، فيها عظيم الخيرات والبركات. عشرٌ، كان نبيكم -صلى الله عليه وسلم- يجتهدُ بالعملِ فيها أكثرَ مِن غيرها، ويتحرى ليلة القدر يلتمس من بركتها وخيرِها، وأحرى العشر بها أوتارُها، وأحرى أوتارِها ليلة سبع وعشرين، فاجتهدوا فيما بقي من شهركم، وعَظِّموا ربكم، وأكثروا الدعاء والتضرع؛ فإنه حري أن يستجاب لكم.

اللهم أعنا على اغتنام ما بقي من شهر رمضان، واجعلنا ممن تقبلت عملهم ومننت عليهم بالغفران.

اللهم وفقنا للتوبة النصوح، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المسلمون: شرعَ الله لكم في خِتامِ شهرِكم عباداتٍ تزيدُكم من الله قُرْباً، فشرعَ الله لكم زكاةَ الفطرِ قبْلَ صلاةِ العيدِ، وهي فريضةٌ فرضَها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، على الكبيرِ والصغيرِ والذكرِ والأُنثى والحرِّ والعَبْدِ من المسلمينَ.

شرعها ربنا الحكيم العليم لحِكَم جليلة، وغايات نبيلة، فيها إغناء للفقراء في ذلك اليوم الكريم، الذي يتكرر على المسلمين بالخير والسرور والفضل العميم. فيها تزكية للنفوس من الأخلاق الرذيلة، وتحلية لها بالأخلاق الجميلة.

وهي تطهيرٌ للصائمِ مما يحصلُ في صيامِه من نقص وآثام، وفيها إظهارُ شكرِ نعمةِ الله ذي الفضل والإنعام، على إدراك رمضان حتى التمام، وتوفيقِ الله لعبده بتيسير الصيام والقيام. 

عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: "فرضَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفطرِ طُهرةً للصائمِ من اللغوِ والرفثِ وطعمةً للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاةِ فهي زكاةٌ مقبولةٌ، ومن أدَّاها بعدَ الصلاةِ فهي صدقةٌ من الصدقاتِ".

يجبُ على المسلم أن يُخرجها عن نفسِه وعمن تَلْزَمُه مَؤُونَتُه من زوجةٍ أو قريبٍ إذا لم يستطيعوا إخراجَها عن أنفسِهم.

فطهِّروا صيامكم بإخراجها رغبةً في اتّباع النبي الكريم، واغتنامًا لأجرها العظيم؛ ولتكن من أطيب أموالكم التي تجدون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون.

عباد الله: وعند إتمام الشهر، وإكمال عدة رمضان، شرع الله لنا يوم العيد تكبيره وشكرَه، وتعظيمه وذكره. (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة:185]؛ فكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا أَوْلَاكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى مَا إليه هَدَاكُمْ.

ومما سنَّه لكم نبيكم -صلى الله عليه وسلم- في صبيحة هذا اليوم أن تخرجوا إلى صلاة العيد مبكرين مكبِّرين، مغتسلين متطيبين، لأداء صلاة العيد مع المسلمين.

ويُسن للمسلم أن يلبس للعيد أجمل ثوب وأحسنَه، وأن يخرُجُ إلى صلاة العيد ماشياً ما أمكنه.

ويستحبُّ أن يَخرج النساء والأطفال إلى صلاة العيد؛ ليشهدوا الخير ودعوة المسلمين.

ومن السُّنَّة أنْ يأكُلَ قبلَ الخروجِ إلى الصلاة تَمَرَاتٍ وتراً.

وصلوا وسلموا عباد الله على رسول الله.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.

اللهم إنا نعوذُ بك من زوالِ نعمتِك، وفُجاءَة نقمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك.

اللهم انصر دينَك، وكتابَك، وسُنَّةَ نبيِّك وعبادك الصالحين.

اللهم آمنَّا في أوطانِنا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا، اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضَى، اللهم وفِّقه وولي عهده لهُداك، واجعل عملَهما في رِضاك،

اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل تدبيرَه تدميرا عليه.

نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، برحمتِك يا أرحم الراحمين.