الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | زيد بن عبد الكريم الزيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
يا عبد الله: من فوائد التخلق بالسمت الصالح: أن الإنسان يسير على طريقة الأنبياء، فهو من أخلاق الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، ومن أخلاق العلماء. ومن فوائد السمت الصالح: أنه دليل على كمال الإيمان، وعلى رجاحة عقل من اتصف بهذه السمة الطيبة. ومن فوائد السمت الصالح: أن المتخلق به...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا عباد الله: حُسن المظهر الخارجي للإنسان، من طريقة حديثه وسكوته، وحركته وسكونه، ودخوله وخروجه بحيث يستطيع مَنْ يراه أو يسمعه ينسبه إلى أهل الخير والفلاح والصلاح.
هذا التعريف هو تعريفٌ للسمت الصالح.
فالواجب على المسلم أن يكون ذا سمت صالح، ما هو السمت الصالح؟
أن يكون حسن المظهر الخارجي من طريقة حديثه وصمته، ودخوله وخروجه، وسكونه وحركته بحيث يستطيع من يراه ويسمعه أن ينسبه إلى أهل الخير والفلاح والصلاح؛ ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُشمَّت العاطس، ما معنى: تشميت العاطس؟
تشميت العاطس: أنك إذا حمدت الله شمتك أخوك المسلم، فقال: "يرحمك الله" بمعنى أنه يدعو لك ألا يُشمت بك الأعداء، وضُبط "بتسميت العاطس"، فالعاطس يسمت كما هو يشمت، ما معنى ذلك؟
معناه: أن الإنسان إذا عطس تحركت أعضاؤه وتحرك ما في بدنه دعا له أخوه المسلم بأن يعيد الله -عز وجل- له سكونه وسمته.
والسمت الصالح -عباد الله- من أخلاق الأنبياء، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند أبي داود وفي مسند الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد جزءٌ من خمسة وعشرين جزءً من النبوة" فدل.
على أن السمت الصالح والتخلق به من أخلاق الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-.
ومن نماذج السمت الصالح: أن يكون المسلم ذا لباسٍ حسن، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند أبي داود من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم".
ويتجلى السمت الصالح في اللباس: أن يكون هذا اللباس على وفق الشريعة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كما عند أبي داود من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: "أزرة المؤمن إلى نصف ساقه، ولا حرج فيما بينه وبين الكعبين، وما أسفل الكعبين ففي النار".
ولذا لما أتى عوف بن مالك -رضي الله عنه-؛ كما عند أحمد وأبي داود والنسائي قال: "أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثياب دون" يعني أقل مما ينبغي أن يلبس، فقال صلى الله عليه وسلم: "ألك مالٌ يا عوف؟" فقال: يا رسول الله لي من الإبل والغنم والخيل والرقيق، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاك الله مالاً فلير أثرُ نعمة الله عليك وكرامته".
ولما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً كما عند أبي داود والنسائي: "رأى رجلاً أشعثا قد تفرق شعر رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره" يعني أما وجد ماءً أو دهنا حتى يسرح، ويرجل شعره فيسكن عن تفرقه؟! ثم رأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما كان هذا يجد ماء فيغسل به ثوبه؟!" وقال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود: "مَنْ كان له شعر فليكرمه".
وأعظم ما يتجلى من الأوقات للسمت الصالح في مثل هذا اليوم، في يوم الجمعة، ولذا قال صلى الله عليه وسلم؛ كما في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنهما-: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" يعني لو أنكم اغتسلتم ليوم الجمعة.
بل أمر وحث صلوات ربي وسلامه عليه في يوم الجمعة أن يخصص له ثياب، قال صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود: "ما على أحدكم أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته" بمعنى أنه ينبغي للمسلم أن يخصص ثيابا جميلة جديدة لهذا اليوم.
وقد طبَّق صلى الله عليه وسلم هذا الأمر أحسن تطبيق؛ يقول جابر بن سمرة -رضي الله عنه-؛ كما عند الترمذي: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ليلة أضحيان -يعني في ليلة مقمرة- وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وأنظر إلى القمر فرأيته صلى الله عليه وسلم أحسن من القمر".
بل جاء في الصحيحين: "أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكره أن توجد منه الرائحة المنتنة".
بل جاء عند ابن سعد وصححه الألباني -رحمه الله- في الجامع الصحيح، وفي السلسلة الصحيحة: "أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يُعرف بريح العود إذا أقبل" بمعنى لو أن شخصاً من الصحابة يمر من طريق يعلم أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قد مر مع هذا الطريق.
وأحسن ما يكون فيه السمت الصالح إذا تغيرت أحوال الناس، ولا سيما في آخر الزمان؛ لأن الناس أول ما ينظرون إليك ينظرون إلى ملبسك، وإلى هيئتك ثم يحكمون عليك، هذه نظرة الإنسان في آخر الزمن، ولذلك يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "اعملوا أن السمت الصالح في آخر الزمان خيرٌ من بعض العمل".
لأن السمت الصالح من العمل الصالح؛ لأنه يقرب الناس إليك قربا عظيماً، ولذلك كما قلت: "الناس يحكمون على الإنسان من حين ما ينظرون إلى هيئته وإلى ملبسه".
ومن نماذج السمت الصالح: كما قال ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون، وأن يعرف بنهاره إذا الناس يفطرون وأن يعرف بحزنه إذا الناس يفرحون، وأن يعرف ببكائه إذا الناس يضحكون، وأن يعرف بسكوته إذا الناس يخلطون، وأن يعرف بخشوعه إذا الناس يختالون".
ثم قال رضي الله عنه: "وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً حكيماً عليماً سِكِّيناً، وينبغي لحامل القرآن ألا يكون جافياً ولا غافلاً، ولا سخاباً ولا صياحاً".
ويقول النخعي -رحمه الله-؛ كما في الآداب الشرعية لابن مفلح: "كانوا إذا أتوا إلى الرجل يطلبون عنده العلم نظروا إلى سمته وهديه ثم يأخذون منه".
ويقول الأوزاعي -رحمه الله-: "كنا نضحك ونمزح فلما رأينا أن الناس قد اقتدوا بنا حسبنا ألا يسعنا التبسم".
ولذا يقول أحد أصحابه وهو عبيدة بن عثمان يقول: "من نظر إلى الأوزاعي وما عليه من أثر العبادة اكتفي بالنظر إليه دون أن يطلب منه العلم".
كما قال صلى الله عليه وسلم عند الديلمي، وصححه الألباني -رحمه الله-، وحسنه ابن حجر -رحمه الله-: "أولياء الله الذين إذا رؤوا ذُكر الله".
بعض الناس من سمته إذا رأيته ذكرت الله -سبحانه وتعالى- من دون أن يتحدث، وأعظم طريق لتحصيل السمت الصالح هو العلم الشرعي، فالعلم الشرعي من أعظم الوسائل لتحصيل السمت الصالح؛ يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث حتى يُرى ذلك في تخشعه، وفي سمعه، وفي بصره وفي يده".
بل إن البيئة لها أثر عظيم، الأب في بيته والإنسان، فيمن حوله له أثر عظيم على من حوله إذا كان حسن السمت، على أولاده، على زوجته، على أصدقائه، ولذلك ليقس كلٌ منا نفسه في بيته إذا أراد أن يوجه أبناءه، إذا كان هذا التوجيه بصوت مرتفع وبغلظة وبشدة، فإن هذا الأمر يسري عليهم، فإذا كبروا قلدوا آباءهم ومشوا على سيرتهم، بينما لو أن الشاب أو الطفل تلقى الطفل من أبيه أو من ولي أمره بهدوء وسكينة فإنه ينشأ على ذلك؛ يقول ابن حجر -رحمه الله- كما في الفتح ناقلاً خبراً عن الإمام مالك -رحمه الله-، قال الإمام مالك -رحمه الله-: "إن أشبه الناس بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وأشبه الناس بعمر بن الخطاب في سمته -انظروا إلى التسلسل في البيئة- ابنه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، وأشبه الناس بعبد الله بن عمر هدياً وسمتاً ابنه سالم بن عبد الله بن عمر -رحمه الله-".
وقد ذكر ابن مفلح -رحمه الله- في الآداب الشرعية عن الميموني عن الإمام أحمد -رحمة الله على الجميع- وحسبك بالإمام أحمد يقول الميموني -رحمه الله-: "ما رأيت أحدا أنظف ثوباً، ولا أشد تعاهداً لنفسه، وشعر شاربه، وشعر بدنه، ولا أنقى ثوباً، وأشد بياناً من الإمام أحمد -رحمه الله- ".
بل قال محمد بن مسلم -رحمه الله-: "كنا نهاب أن نرد على الإمام أحمد في شيء، أو أن نحاجه في شيء، لجلالة قدره، ولهيبته في الإسلام الذي رزقه".
ويقول ابن مفلح -رحمه الله-: " كان الإمام أحمد -رحمه الله- يحضر مجلسه من العلم أكثر من خمسة آلاف طالب، فخمسمائة يكتبون والبقية يتعلمون من حسن أدبه وسمته".
وقد صدق الشاعر إذ قال:
أنطق مصيبا لا تكن هذرا | عيابة ناطقاً بالفحش والريب |
وكن رزينا طويل الصمت ذا فِكَرٍ | فإن نطقت فلا تكثر من الخطب |
ولا تجب سائلاً من غير تروية | وبالذي لم تسأل فلا تُجب |
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا عبد الله: من فوائد التخلق بالسمت الصالح: أن الإنسان يسير على طريقة الأنبياء، فهو من أخلاق الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، ومن أخلاق العلماء.
ومن فوائد السمت الصالح: أنه دليل على كمال الإيمان، وعلى رجاحة عقل من اتصف بهذه السمة الطيبة.
ومن فوائد السمت الصالح: أن المتخلق به يكتسب احترام الآخرين.
ومن فوائد السمت الصالح: أنه يكسب الهيبة والوقار.
ومن فوائد السمت الصالح: أنه يدل في كثير من الأحيان على صفاء القلب ونقاء السريرة.
وهناك فوائد كثيرة، أكتفي بما ذكرت، وبما ذكرت من أحاديث، ومن آثار عن سلفنا الصالح -رحمهم الله-.
أسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يجنبنا كل شر..