العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
كبائر الذنوب سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا والآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره وزاد خطره، وإن من كبائر الذنوب والمعاصي "الغيبة والنميمة"، وقد حرمهما الله في كتابه وعلى لسان رسوله لأنها تفسد القلوب وتزرع الشرور وتورث الفتن وتجر إلى عظيم من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندم في وقت لا ينفعه الندم، وتوسع شقة الخلاف، وتنبت الحقد والحسد وتجلب العداوات بين البيوت والجيران والأقرباء وتنقص الحسنات وتزيد بها السيئات وهي من الكبائر.
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ حكم بالفناء على أهل هذه الدار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها النجاة من عذاب الله، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله إمام المهاجرين ورسول الإسلام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، اللهم يا رافع السماء بلا عمد، ويا باسط الأرض للخلق، يا واحد يا أحد، يا فرد يا صمد، يا رب العالمين، اللهم إن كانت ذنوبي كبيرة بجانب نهيك فإنها صغيرة بجانب عفوك، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، وأفرغ علينا صبرًا إننا مسلمون يا أرحم الراحمين.
يـا مـن ألـوذ به فيما أؤمله | ومـن أعـوذ به مما أحـاذره |
لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره | ولا يهيضون عظمًا أنت جابره |
عباد الله: إن حاجتنا عظيمة وكبيرة للأخلاق، ونحتاج إلى تمثلها في كثير من أحوال حياتنا وتعاملاتنا فيما بيننا، بل إن أزماتنا في كثير من مشكلاتنا اليوم أزمة ضعف في الأخلاق وفي إقامة تعاملاتها في مجتمعنا الذي فقد أو كاد في كثير من التعاملات بين الناس.
اليوم سأتحدث في خلقين ذميمين ولابد من الحديث عنهما بالتفصيل؛ وذلك لانتشارهما، وتحذيرًا منهما لخطورتهما وتساهل كثير من الناس بهما.
أيها المسلمون: داء من أفسد الأدواء وأفتكها بالأفراد والمجتمعات، يجلب الشر ويدعو إلى الفرقة ويوغر الصدر ويثير الأحقاد، ويحط بصاحبه لأسفل الدركات، وينشر بين الناس الكراهية والأحقاد، ولذلك حذّر الله ورسوله منه، ولكنه مع الأسف شاع بيننا وأصبح فاكهة نزين بها مجالسنا، وقليل منا مَن يسلم من الوقوع به، بل يمارس ولا تجد من ينكر عليه، وقد تجد عابدًا متصدقًا محسنًا وصاحب سنن وحضور جنائز وصدقة لكنه يقع بالغيبة والنميمة والبهتان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الأحبة: كبائر الذنوب سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا والآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره وزاد خطره، وإن من كبائر الذنوب والمعاصي "الغيبة والنميمة"، وقد حرمهما الله في كتابه وعلى لسان رسوله لأنها تفسد القلوب وتزرع الشرور وتورث الفتن وتجر إلى عظيم من الموبقات والمهلكات، وتوقع بصاحبها الندم في وقت لا ينفعه الندم، وتوسع شقة الخلاف، وتنبت الحقد والحسد وتجلب العداوات بين البيوت والجيران والأقرباء وتنقص الحسنات وتزيد بها السيئات وهي من الكبائر.
فالغيبة والنميمة صاحبها منقوض وعلى غير الجميل يموت، تنفر منه القلوب وتكثر فيه العيوب؛ فقد نهى الله عنها وشبه فاعلها بصورة مكروهة للإنسان وينفر منها طبعه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات:12].
هذا النهي في غاية التنفير من الغيبة، حين يشبّه الله المغتاب للمسلم بمن يأكل لحمه ميتًا، فإن كان المغتاب يكره أكل لحم أخيه وهو ميت وينفر من تلك الصورة فلا يأكل لحمه وهو حي بالغيبة والنميمة، فإن الغيبة كأكل لحمه ميتًا، ولو تفكر المسلم في هذا التشبيه فقط لكان زاجرًا عن الغيبة كافيًا في البعد عنها.
معنى الغيبة: ذكرك المسلم بما يكره حال غيبته، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أتدرون ما الغيبة؟!"، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أرأيت إن كان في أخي ما يقول؟! قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته"، أي إن كان متصفًا بهذه الصفة التي ذكرتها وهو لا يحب ذكرها، "إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته". رواه مسلم.
أي إن كان فيه ما تقول فقد وقعت في الغيبة المنهي عنها، وإن كان بريئًا فقد افتريت عليه واعتديت على عرضه وشخصه، وما أكثر البهتان اليوم بالوشاية واتهام الناس بما ليس فيهم والسعي للإفساد عليهم، ولا نستثني من ذلك أحدًا إلا من رحم الله.
عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟! اللهم فاشهد". متفق عليه.
فاحفظوا -أيها المسلمون- ألسنتكم من هذه الغيبة الشنيعة ومن هذه المعصية الوضيعة، فقد فاز من حفظ لسانه من الزلات، وألزم جوارحه بالطاعات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه ضمنت له الجنة". متفق عليه.
عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أي المسلمين أفضل؟! قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". رواه مسلم.
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: "ما النجاة؟!"، قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك". رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
واحذروا عثرات اللسان، فلا تطلقوا له العنان؛ فإن اللسان يوقع في الموبقات والدركات، ويورث الحسرات والآفات، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا أصبح ابنُ آدمَ فإنَّ الأعضاءَ كلَّها تُكفِّرُ الِّلسانَ فتقول: اتَّقِ اللهَ فينا، فإنما نحن بك، فإن استقَمتَ استقَمْنا، و إن اعوَجَجْتَ اعْوجَجْنا". أخرجه الترمذي.
وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار". سؤال مختصر. انظر ماذا أجاب عليه -صلى الله عليه وسلم-، قال: "لقد سألتَ عن عظيمٍ، وإنَّهُ ليسيرٌ علَى من يسَّرَه اللهُ عليه، تعبدُ اللهَ ولا تشرِكُ بِه شيئًا، وتقيمُ الصَّلاةَ، وتؤتي الزَّكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحجُّ البيتَ إن استطعت إليه سبيلا". ثمَّ قالَ: "ألا أدلُّكَ علَى أبوابِ الخيرِ؟! الصَّومُ جُنَّةٌ، والصَّدَقةُ تطفئُ الخطيئةَ، كَما يطفئُ الماءُ النَّارَ، وصلاةُ الرَّجلِ في جوفِ اللَّيلِ". ثمَّ تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)".
ثمَّ قال: "ألا أُخبِرُك بِرأسِ الأمرِ، وعمودِه، وذِروَةِ سَنامِه؟!". قلت: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال: "رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصَّلاةُ، وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ في سبيل الله".
ثمَّ قال له -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبرُك بمِلاكِ ذلِك كلِّه؟!"، أي كل ما ذكرت، قلتُ: بلَى -يا نبيَّ اللهِ-، فأخذَ بلسانِهِ وقال: "كُفَّ عليكَ هذا"، فقُلتُ: يا نبيَّ اللهِ: إِنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكلَّمُ بِه؟! قال: "ثَكلتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهل يَكبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وجوهِهِم، أو علَى مناخرِهم، إلَّا حصائدُ ألسنتِهم". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس -عياذًا بالله- يخمشون وجوههم وصدروهم، فقلت: "من هؤلاء يا جبريل؟!" قال: "هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم". رواه أبو داود.
فلا تستسهل -أيها المسلم- إثم الغيبة، ولا تستصغر شأنها، ولا تحتقرها ولا تغرنك لذة الحديث المحرم بها، فذنبها عظيم، وخطرها جسيم، ولا يستطيع الإنسان التحلل منها لأنها من حقوق العباد إلا بالرجوع إلى من تكلمت فيه وطلب مسامحته دائمًا على ما قلت فيه: (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "حسبك من صفية كذا وكذا"، تعني قصيرة، فقال لها: "يا عائشة: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته". أي غيرت طعمه.
فانظر إلى صغر هذه الكلمة عندنا: هذا قصير، هذا بدين، هذا كذا وهذا كذا... وما أعظم أثره عند الله!!
أبو بكر -رضي الله عنه- يأخذ بلسانه ويقول: "هذا الذي أوقعني وأوردني في المهالك"، لتواضعه وشدة محاسبته -رضي الله عنه-، ولذلك علم السلف حرمة الغيبة أدركوا خطرها فأمسكوا ألسنتهم عن التكلم في عرض أحد أو شتمه وشغلوها بذكر الله وطاعاته، وإذا جاءهم فاسق بنبأ لاموه على نقله للحديث وحذروه من مغبة فعله وما قبلوا منه.
فالغيبة فشا ضررها وكثر خطرها وصارت مائدة لمجالسنا وفاكهة لمسامراتنا وتنفيس الغير وتنفيس الغضب والحقد والحسد، وقد يظن المغتاب أنه يستر بالغيبة عيوبه، وأنه يضر من اغتابه، وما علم أن أضرار الغيبة عليه، فالمغتاب ظالم والمتكلم فيه مظلوم.
أما النميمة فهي أشد ضررًا لنشرها الشرور والكذب والوقيعة بين الناس، سواء كان الكلام المنقول صدقًا أم كذبة أم حتى مزاحًا يؤثر في القلب، ويوم القيامة يوقف النمام والمغتاب بين يدي الله الحكم العدل، ويناشد المظلوم ربه مظلمته، فيعطي الله المظلوم من هذا المغتاب والنمام الظالم حسنات، أو يضع من سيئات المظلوم فيطرحها عليهم بقدر مظلمة الغيبة والنميمة في يوم لا يعطي والد ولده حسنة، ولا صديق حميم يعطي صديقه حسنة، كلٌّ يقول: نفسي نفسي، ومن أراد الأجر فليدفع عن أخيه الغيبة والنميمة.
قال -صلى الله عليه وسلم- "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة". رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
فمن سمع غيبة عن أخيه فليرد على قائلها ويؤنبه على قولها ويذكره بحرمتها، فانهوا المغتابين والنمامين عن أعراض المسلمين، وذكروهم بالله -تبارك وتعالى- أن يتمادوا بمعصيتهم؛ فإن لكل قول حسابًا عند الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [الأحزاب:70]، ما النتيجة؟! (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71].
فالغيبة والنميمة كبيرة من الكبائر، زيّنها الشيطان للإنسان فوقع في شراكه ومكره، وظلم الإنسان بها نفسه، وكم من ظن سيئ ظننت به أخاك المسلم من كلام سمعته أو غيبة حضرتها له ثم نقلتها ولم تتثبت مما قيل فيه، فشاركت هؤلاء بالإثم.
والنميمة من أخطر أنواع الغيبة، فهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم أو حتى بدون قصد سيئ، ولكنها تؤدي إلى الإفساد: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ) [القلم:10]، (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) [القلم:11]، (مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [القلم:12]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة نمام". متفق عليه.
فالنميمة أشد خطرًا من الغيبة؛ لأنها تورث الفتنة والضغينة وتفرق بين المتآلفين وتباعد بين الإخوة والأقارب وتفرق بين الأصحاب والزوجين، ولو نظرت في أكثر الخلافات بين الناس اليوم لوجدت أن الحطب الذي يضرم نارها هي النميمة التي ينقلها الناس فيما بينهم، وهي تؤدي إلى الفساد والإفساد، وما علم هؤلاء أن من نمّ لك نمّ عليك، ومن نقل لك خبر سوء سينقل عنك مثله.
ومن أجمل ما رأيت عند بعض الناس أنه إذا فعل شيئًا من هذه المنكرات والكبائر من غيبة أو نميمة إضافة إلى استغفاره لله وتحلله إن استطاع ودعائه لمن فعل به ذلك أنه يعاقب نفسه إما بالصدقة أو الصوم فيقول: إني أدبت نفسي بذلك.
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وصونوا ألسنتكم عن الحرام.
لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ | فَكُلُّكَ عَـوراتٌ وللنّـاسِ ألسُنُ |
وعَينـاكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً | فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ |
أيها المسلمون: إن أهل العلم بيّنوا أنه يجوز للمظلوم أن يذكر مظلوميته لولي الأمر من أمير وقاض ونحوهما، ويجوز لمن رأى منكرًا أن يرفعه لمن له ولاية وقدرة على التغيير وزجر للعاصي الذي جاهر بمنكره، ويجوز للمستفتي أن يذكر ما وقع عليه من ظلم للمفتي ليبين له وجه الحق، ويجوز لمن شاورك في أحد لزواج أو أمر مهم أن تذكر له بعض حاله ولا يجوز أن تخفي عنه ما يوقعه في الضرر والخديعة.
فهذه الأنواع ذكر أهل العلم أنها ليست من الغيبة بشرط أن تكون حقًا وبلا هوى للنفس ولأجل الضرورة، ولما أباحه الشرع والدليل، وما سوى ذلك من الأمور التي فيها غيبة بالتشهي وفيها ظلم وعدوان فمحرم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات:6].
نسأل الله تعالى أن يطهّر قلوبنا من النفاق وألسنتنا من الغيبة والنميمة والكذب والخيانة، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وإخوانه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه وأطيعوه ولا تعصوه.
أيها الأحبة: الصوم في شهر الله المحرم عبادة جليلة وقربة وفضيلة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم". أخرجه مسلم.
فيتأكد سنة صيام يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صومه على سائر الأيام، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم، يوم عاشوراء، وهذا الشهر". يعني شهر رمضان. أخرجه البخاري.
وسئل -عليه الصلاة والسلام- عن صيام يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية". أخرجه مسلم.
ويستحب أن يصوم التاسع مع العاشر مخالفة لليهود لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع". أخرجه مسلم.
وأجر صيام عاشوراء متحقق بيوم واحد، وأجر المخالفة بصيام يوم التاسع معه، ومن أراد صيام ثلاثة أيام من كل شهر فيمكن أن يجمع معهم يومًا ثالثًا.
وفقني الله وإياكم لصالح العمل ووقانا جميعًا من الإثم والزلل، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.