البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

كذبة أبريل

العربية

المؤلف سعد بن ناصر الغنام
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. كذبة أبريل ومصدرها الأول .
  2. اتصاف الغرب بالكذب .
  3. ذم الكذب وخطره .
  4. صور الكذب ومظاهره .
  5. ما يباح فيه الكذب وضوابطه. .

اقتباس

الكذب من أعظم الرذائل في كل الأديان والفرق والنحل والأفكار إلا عند الرافضة عليهم لعنة الله، فالكذب عندهم ديانة، ومن تأثر بهم من أهل الإسلام الدخلاء على المسلمين، ممن يكذبون حتى على صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقصون معاوية ويقربون عليا، وكلاهما من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحديث عن معاوية يحتاج إلى خطبة، حتى أنني..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 70-71]، أما بعد:

كذبة إبريل تسربت من عند الغرب، وهذان مؤلفان غربيان مفكران مشهوران "جيمس باترسون" و"بيتر كيم" بترجمة الدكتور: محمد سعيد البشر يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة، أثبت الباحثان بأن الأمريكان من أشد الناس كذبا، حتى أن أحد الكتاب الأمريكان المشهورين الصحفيين، قال لما قرأ الكتاب: الحقيقة أن كل واحد منا يكذب، ومع ذلك بعض المبهورين بالغرب يأتون ويسجلون إعجابا بما عند الغرب، من صدق ومن موضوعية وإن كان عند الغرب إيجابيات لا ننكرها، ولكن يهمنا موضوع الصدق والكذب، هم من أكذب الناس، ولكن الصدق الذي يقولونه صدق مدفوع الثمن مسبقا، هم يعلمون أن الكذب يؤدي إلى كوارث اقتصادية وإلى فضائح وإلى ... إلخ؛ لذلك يحاكمون من يكذب ويصدرون أحكاما شديدة جدا، فهم يصدقون لمصالح، أما إذا أتيحت لهم فرصة للكذب فلا تسأل، وشهد شاهد من أهلها.

إخوة الإسلام: الكذب من أعظم الرذائل في كل الأديان والفرق والنحل والأفكار إلا عند الرافضة عليهم لعنة الله، فالكذب عندهم ديانة، ومن تأثر بهم من أهل الإسلام الدخلاء على المسلمين، ممن يكذبون حتى على صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقصون معاوية ويقربون عليا، وكلاهما من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحديث عن معاوية يحتاج إلى خطبة، حتى أنني كنت قد أعددت مادة ولكن لم تكتمل فأجلتها إلى وقت آخر وآثرت أن أتكلم عن الكذب اليوم، والله -سبحانه وتعالى- أمرنا بحفظ الألسن في كل آفة من آفات اللسان (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، وقول جاءت نكرة، وعندما كان معاذ يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أصول الإسلام ومبانيه العظام وكان يتلهف لكي ترسو عنده المعلومات التي ينطلق منها ثم لما رأى النبي تشوفه للمزيد قال: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟" قَالَ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: "فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: "اكْفُفْ عَلَيْكَ هَذَا"، كل الأمر يرجع للسان، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ" أَوْ قَالَ: "عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟".

دعونا نتكلم عن أخطر الآفات: الكذب، قال -عز وجل-: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النَّحْلِ: 105]، لا يفتري الكذب إلا من خف إيمانه وضعفت مشاعره، أما من كان يعتقد بأن الله يرى ويسمع قوله فسيحجم عن الكذب لأن الله سائله عن هذه الرذيلة بل عن هذه الكبيرة، بل من أشد الكبائر جرما.

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الْجَاثِيَةِ: 7]، (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الْأَنْعَامِ: 144]؛ لذلك أسوأُ أنواعِ الكذبِ الكذبُ على الله، قال سبحانه وتعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) [النَّحْلِ: 116]، وما أكثر المفترين الآن في الإعلام، الإعلام الجديد أو الإعلام التقليدي أو المجالس يسأل أحدهم أمس يقول: هل ثبت أن أبا بكر وعمر قد انخرطا تحت جيش عمرو بن العاص؛ فعلمت أن السؤال ملغوم بمفاهيم، قلت: ما الداعي للسؤال؟ قال: لا شيء، نريد نسمع، الآن يتكلم الناس عن الصحابة وعن عمرو بن العاص ويتكلم عن معاوية من أقلام مأجورة ألسن خائنة، حاقدون، يطعنون في الجبال، وهل يضر الجبل نباح الكلب، يفترون على الله، يزعمون بأن معاوية فعل هذا وهذا ويكفيه أن الله استأمنه عن طريق رسوله على كتابة وحيه، ولا أريد أن أحرق أوراقي عن معاوية رضي الله -تعالى- عنه.

هذا الكذب على الله من أسوأ أنواع الكذب، هذا حلال وهذا حرام، مشاركة المرأة في الاختلاط وفي الأولمبيات حلال أم حرام؟ خذ من ترهات الليبراليين والناعقين الجهلاء الذين يعيشون خارج سياق الوعي، يحتاجون إلى جرعات من الوعي حتى يدركوا أبعاد المؤامرة.

والكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يقول -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" حديث متواتر، يرويه سبعون صحابيا، وهو من أصح الأحاديث، من عيون السنة، "مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ –على رسول الله- مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" حتى تدرك هذه الأحاديث وهذه الآثار التي ترسل عن طريق "الواتس آب"، وسائر وسائل الإعلام، خذ أحاديث وفضائل وموضوعات ومكذوبات على سيد البريات -عليه الصلاة والسلام-، يسأل عن دقائق من العبادات وهو محق، ونقل السنن لا يسأل، يكذب على رسول الله ولا يسأل، (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [الْأَنْبِيَاءِ: 7].

الكذب على العلماء: لأن العلماء ورثة الأنبياء، الأنبياء ماتوا وتركوا ميراثا، الصيارفة ينقلونه ويفهمونه ويبلغونه، يبلغون رسالات الله، قال العالم الفلاني: كذا حلال، وقال الشيخ الفلاني: لا بأس، وخذ وتنتشر ويحصل بسبب ذلك بلاء عظيم.

ومن الكذب: الكذب في الرؤى والأحلام: وكثيرا ما يسأل العلماء: أنا أخبرت زوجي أنني رأيته في رؤيا مفزعة. لماذا؟ حتى يهتدي، وحتى يرتدع، اكتشافات مذهلة، وطرائق لم يتفطن لها النبي -صلى الله عليه وسلم- بل حذر منها، قال صلى الله عليه وسلم: والحديث (رواه البخاري)؛ "من كذب في حلمه –أي: في رؤياه- كلف أن يعقد بين شعيرتين" تعقد حبة الشعير والأخرى، يكلف بأمور مستحيلة حتى يدرك خطورة الأمر الذي تورط به، ديننا واضح، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) [النَّحْلِ: 125]، (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) [يُوسُفَ: 108]، بآية وحديث وفهم من السلف، وغير ذلك كثير من الطرائق الشرعية.

إخواني: يكفي لبيان فضيلة الصدق والتحذير من الكذب حديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين وهو حديث عظيم، لو لم نستفد من الخطبة إلا :هذا الحديث لكفى، قال عليه الصلاة والسلام: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا" اللهم اجعلنا وإياكم مكتوبين في ديوان الصديقين، وإياكم واحذروا الكذب، لأن الكاذب يكتب في ديوان الذين كذبوا على الله فتراهم مسودة وجوههم، (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزُّمَرِ: 60]، يكتب في ديوان الكذابين.

ابن القيم ذكر فائدة من العيار الثقيل، أرجو أن تتسع هذه العقول النيرة لاستيعابها، ونقلها، "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، البر: ليس فقط بر الوالدين، إنما هو اسم جامع لكل خير، كيف يدل الصدق على البر؟ لأن الصادق لا يعرف الكذب، فإذا فعل فعلا قبيحا أو طيبا سيتكلم به، خاصة إذا سئل عنه، لا يعرف الكذب، على طريقة بعض المفتونين، يقول كل شيء، لا يتورع عن الكذب، يكذب ويدخلك من جيب ويخرجك من جيب، هذه ثقافة موجودة في بعض المجالس المعزولة عن مجالس العلم والتقى والصلاح؛ لأن الصادق لا يكذب. إِذَنْ: ما الحل؟ سيفضح نفسه، لن يفضح نفسه، لأنه يتكلم عن واقع، إذن: صدق لسانه سيقوده للصدق في حياته كلها؛ حتى يتكلم عن واقع صحيح، فصار الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال يصدق ويتحرى الصدق في كل موطن حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، نفس المعنى، الصورة العكسية، مفهوم المخالفة عند الأصوليين يهدي إلى الفجور، وليس المقصود الفجور فيما يتعلق بالفروج، الفجور هو كل مخالفة، عنوان لكل شر، الكذب بوابة لكل شر، كيف؟ إذا أراد أن يفعل شرا، ماذا سيقول الناس؟ لكي يتخلص من ذلك: اكذب، اكذب، اكذب، انتهى الأمر، صارت لديه ثقافة، لا تصدق، اكذب، أنا أتيت لهذا المكان من أجل كذا، وهو كاذب، يقول: أنا جئت لهذا المكان لأجل أن أشهد شهادة حق، وهو قد أتى ليشهد شهادة زور، أنا جئت أسعى في سبيل الله، وهو قد جاء في سبيل الشيطان، اكذب حتى ينقي صورته، بينما سيرته قذرة مثل قذارة تصرفه، وما الحل؟ الحل يصدق، فالكذب يهدي للفجور.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

هناك أمور يعدها الناس ليست كذبا، مثلما يقولون: كذبة إبريل، كذبة بيضاء، أقصد المزاح فلا تضيقوا بما أقول، وخذ من هذه الحجج الشيطانية، الكذب على الصغير يزدريه البعض ويعتبره ليس في عداد الكذب، وهو يربيه على الكذب، صح في الحديث عن عبد الله بن عامر، الذي صححه الألباني في السلسلة، يقول: "دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُمِّي وَأَنَا غُلامٌ فَأَدْبَرْتُ خَارِجًا فَنَادَتْنِي أُمِّي يَا عَبْدَ اللَّهِ تَعَالَ هَاكَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَاذَا تُعْطِيهِ؟" قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا. قَالَ: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كَذِبَةٌ".

هذا طفل يذهب للعب في سن اللعب والمرح، ويلقي محاضرات عن أولاده عن الكذب والصدق وهو كذاب، يسمع الكذبات تتلى عليه، بالهاتف يشاهد أباه وهو يكذب: أنا بالأمس كنت ضيفا على جماعة، وقد كان موجودا في البيت، وخذ كذبات، يتربى على الكذب من نعومة أظفاره، يا أبي أعطني لعبة.. إن شاء الله، إن شاء الله، غدا إن شاء الله، ويمضي شهر وشهران، متى نتنزه؟ إن شاء الله، أبشر يا ولدي، وكله كذب، وينشأ كذابا، ونراهم في المدراس يكذبون كذبات بشكل مفظع مع حلف عليها، حتى أن مديري قدرا في نهاية الدوام يوم الأربعاء قال: نريد كلمة السبت عن الكذب، مدير جديد عندنا يقول: "عندكم كذابون في المدرسة" يقول: كذب مع حلف، تربوا في محاضن الكذب منذ نعومة أظفارهم، قل له: أبي ليس موجودا، يا الله.

من أنواع الكذب: الذي "ينكت"؛ أي: يمزح، ويقول: لا أقصد الكذب، ليس الكذب مقصودا لذاته، إنما المقصود إضحاك الناس، النبي -صلى الله عليه وسلم- رد على هذه الشبهة، قال عليه الصلاة والسلام، والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع: "وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ النَّاسَ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَهُمْ، وَيْلٌ لَهُ، ثُمَّ وَيْلٌ لَهُ"،  هذا استيضاح حكم فقط، ويل له، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحك ويضحك ولا يكذب -عليه الصلاة والسلام-؛ تأتي امرأة عجوز: ادع الله أن أكون في الجنة، قال: "إن الجنة لا يدخلها عجوز" وتنصرف بائسة ثم يطلبها ويخبرها بأنها ترجع شابة في عنفوان شبابها، ويقول لعلي: "يا أبا تراب" لأنه كان متوسدا التراب، ويا ذا الأذنين، لم يكذب -عليه الصلاة والسلام-.

هناك مساحة من الممكن أن نتحرك فيها في المباح، لكن الشيطان يغريهم، امزح امزح امزح... لكي تصير مقبولا واجتماعيا، وأنت تضحك، وكذبة وراء كذبة حتى يكتب عند الله كذابا.

من أنواع الكذب الذي يتساهل فيه الناس ويعدونه ليس كذبا: ينقل ما قال الناس، والله الناس يقولون كذا وكذا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" (صححه الألباني في صحيح الجامع).

ومن الطبيعي أن نتكلم عن حالات يجوز فيها الكذب:

أولا: إذا اضطررت للكذب واحتجته حاجة ماسة؛ فعندك مساحة في المعاريض، كما صح في الحديث: "في المعاريض مندوحة عن الكذب" أتى شخص للإمام أحمد -رحمه الله- يسأل عن المروزي وكان يريد به شيئا غير طيب، وكان المروزي عند أحمد وقال أحمد مشيرا إلى كفه: "المروزي ليس هنا" يقصد أنه ليس في كفه وهو صادق، وفهم أن المروزي ليس موجودا، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، وهذا من جنس كذبات إبراهيم -عليه السلام- لما قال: (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصَّافَّاتِ: 89].

ولما قال عن سارة: أختي، قصد أخوة الإسلام وفهموا أخوة النسب، عندما يحتاج لذلك، أما التوسع فهذا ذريعة الخذلان والكتابة في ديوان الكذابين، ومع ذلك في حديث أم كلثوم في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاز الكذب الصراح في ثلاث مواطن: "الإصلاح بين الناس" عدوات مستحكمة وقلوب حاقدة مدفونة في الحقد والعداوة ولا يرفع لا أعمال وتفتح أبواب الجنة ولا مغفرة لهم، ما الحل مع هؤلاء، نتجشم الكذب لتحصيل مصلحة بناء جسور  المحبة والأخوة، يأتي لفلان، فلان والله نادم على فعله معك، ويشعر بحسرة ويريد الصلح، وهو لا يريد ذلك حقيقة، لكن يكذب عليه، ويأتي للثاني ويعامله بنفس الطريقة، فيبني جسورا من التشوف للصلح ويحصل الصلح الذي قال فيه: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النِّسَاءِ: 128]، وقال: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النِّسَاءِ: 114].

الكذبة الثالثة: الكذب في الحرب: خدعة الأعداء، عدو الله كذب علينا حتى يتمكن منهم، الكذب بين الزوجين، حديث المرأة لزوجها والزوج لامرأته، هناك طرق معينة فيما يتعلق بالعواطف، وأنا أحبك يا أم فلان، أما التوسع فيه، وفي كل قضية يكذب، هذا ليس بجيد، هذا يهدم الأسرة وهي أساس المجتمع، فإذا صار ما بينهم شك انتهت الأسرة، وتمر عليه مشاكلهم وتصل حتى الطلاق، ويصل البيت تقول: كذاب، يكذب فكيف أعيش معه، يكذب كذبات، من كذبة لكذبة.

إذن إخوة الإسلام: قد قاس عليها بعد العلماء مثل النووي -رحمه الله- والغزالي: الكذب من أجل حسن السمعة، مثلا إنسان تورط وضعف أمام النساء وزنا وإذا سئل لا ينبغي له أن يقول: زنيت بدعوى الصدق، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالإعراض عن هذا الأمر، "لعلك قبلت، لعلك كذا" و:"إذا بليتم فاستتروا" فهناك قضايا يا إخوة يجوز فيها الكذب، قضايا يمكن أن تثير فضيحة أو تثير مشكلة، إذا استخدم المعاريض فلا بأس وإذا اضطر للكذب يجوز في أطر ضيقة، من أجل قضايا العظام والكبار.

إخوة الإسلام: والحديث ذو شجون، ولكن الوقت لا يتسع، أسأله -سبحانه وتعالى- أن يعيذنا وإياكم من الكذب، النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الغيبة ذكر أسوأ منها؛ البهتان، المغتاب جريمة وكبيرة، ولكن ينقل واقعا، ويتكلم عن واقع، ولكن أسوأ منه قال: "إن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" غيبة مع بهتان، جريمة، لم يكتف بنقل الواقع بل زاد على الواقع، فهذا أسوأ من الغيبة المنفر منها بنص القرآن.

اللهم نَقِّ ألسنتَنا من الكذب، اللهم ارزقنا الصدق في مواقفنا وفي قلوبنا وفي أعمالنا وفي ألسنتنا، اللهم اجعلنا وإياكم من الصادقين، ولا تجعلنا اللهم من الكاذبين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك الموحدين المجاهدين.

هذا وصلوا وسلموا على محمد بن عبد الله كما أمرتم بالصلاة والسلام عليه، حيث قال -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56].