المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الرحمن الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
المؤمن حقا من يعتقد بقلبه بأن الله هو ربه وخالقه ومالك ضره ونفعه، وهو الذي أحياه ثم يميته ثم يبعثه للحساب، فيقوم بعبادة الله وحده لا شريك له، ويؤدي فرائض الله، ويوقن بأن الأرزاق والآجال، والأمر والنهي والدنيا والآخرة تحت تصرف الله وقهره، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وأن ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله –عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
عباد الله: نعمة ومنة وهبها الله -عز وجل- لمن شاء واصطفى، هي رأس النعم وأجلها وأفضلها وأعظمها، حاجة الإنسان إليها أشد من حاجة العين إلى نورها، والأجساد إلى غذائها، والشجر إلى مائها، نعمة بها تستقيم أمور الناس، وتصلح أحوالهم، نعمة الضرورة إليها فوق كل ضرورة، والحاجة إليها أعظم من كل حاجة، من خسرها وحرم منها فهو المحروم حقا، تلكم هي نعمة "الإيمان".
قال الله -جل ذكره-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة: 3].
الإيمان منة وكرامة: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات: 17].
الإيمان الذي يشمل: قول اللسان، واعتقاد القلب، وعمل الجوارح.
الإيمان الذي أجاب به النبي -صلى الله عليه وسلم- جبريل -عليه الصلاة والسلام- لما سأله عن الإيمان، فقال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره".
وجاء في مصنف عبد الرزاق: أن أبا ذر قال: "يا رسول الله ما الإيمان؟" فتلا عليه: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ والسائلين وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة: 177].
الإيمان -يا عباد الله- ليس كلمة تقال باللسان فحسب بلا مضمون؛ يقول الحسن البصري -رحمه الله- "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل".
إن حياة المؤمنين هي حياة الأنس، هي حياة السعادة، هي حياة طيب الحياة؛ يقول الله -سبحانه-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
إن الإسلام والإيمان يتكفلان بالسعادة الدنيوية والسعادة الأخروية، ويتعهدان بالعزة والرفعة في الدنيا والآخرة.
والمؤمن حقا من يعتقد بقلبه بأن الله هو ربه وخالقه ومالك ضره ونفعه، وهو الذي أحياه ثم يميته ثم يبعثه للحساب، فيقوم بعبادة الله وحده لا شريك له، ويؤدي فرائض الله، ويوقن بأن الأرزاق والآجال، والأمر والنهي والدنيا والآخرة تحت تصرف الله وقهره، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطئه لم يكن ليصيبه.
الإيمان إذا باشر القلب والى صاحبه الله ورسوله، وتميز عن غيره، وظهرت عليه آثار الإيمان، وتسلح بالإيمان من مغيرات الحياة، وقواطع الطريق، فبدون الإيمان الحق الصادق يبطل كل سلاح وإعداد.
أيها المسلمون: الإيمان رغم ما له من الأهمية وما يتبوء من مكانة، معرض للزيادة والنقصان، فإذا عمل العبد الصالحات، وصدق فيها زاد إيمانه؛ كما قال سبحانه: (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ)[الفتح: 4].
وقال عز وجل: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)[مريم: 76].
كما أنه إذا عمل السيئات، واستخف بالمحرمات، وتهاون بأداء الفرائض والواجبات، خف إيمانه وضعف، ولهذا قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ)[الحجرات: 2].
والمؤمنون الصادقون يخافون على أنفسهم من الزيغ، ويخافون من سوء الخاتمة، ولذا فهم يدعون ربهم قائلين: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بقوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
معاشر المؤمنين: اغتبطوا بدينكم، واسألوا ربكم الثبات عليه، وتذكروا بأن من دخل في جملة المؤمنين، وصار منهم فاز بدفاع الله عنه: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحـج: 38].
من دخل مع المؤمنين ظفر بولاية الله، ولا يزل من والاه الله: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ)[البقرة: 257].
من دخل مع المؤمنين، وصار من أفرادهم، حصل على الأجور العظيمة، قال جل وعز: (وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 146].
من كان من أهل الإيمان دخل الجنة، وتمتع بنعيمها، قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)[الكهف: 107-108].
وقال سبحانه: (وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 25].
من كان من أهل الإيمان استنفرت له حملة العرش مع إخوانه من المؤمنين؛ كما قال ربنا -جل جلاله-: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)[غافر: 7].
المؤمنون لهم العزة بإعزاز الله لهم: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: 8].
هذا الإيمان -يا أهل الإسلام- له حلاوة وطعم يذوقها من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا، من أحب الله ورسوله، ومن أحب في الله ولله، ومن كره الكفر، ورغب عنه، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا".
إننا بأمس الحاجة إلى تعاهد إيماننا من أن يتطرق إليه الضعف أو الزوال -عياذا بالله- من ذلك، فعندما يصر العبد على معصية، أو يجاهر بها، أو يخل بعبادة مفروضة، أو يتكاسل عن طاعة، أو يغفل عن ذكر الله، ولا يتأثر بكتابه، أو يتعلق بالدنيا تعلقا يصرفه عن طاعة الله وفرائضه، فإنه هنا يقع في ضعف الإيمان، فعليه أن يبحث عن أسباب ذلك ليقوم بعلاج نفسه: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)[القيامة: 14].
وأسباب ضعف الإيمان متعددة؛ منها: بعد الإنسان عن مجالس الخير، وحلق العلم، وهجر المساجد، قال سبحانه: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)[الحديد: 16].
فالمؤمن بحاجة إلى من يذكره بربه -عز وجل-، وهو قليل بنفسه كثير بإخوانه الصالحين، قال الحسن البصري: "إن إخواننا أغلى عندنا من أهلينا فأهلينا يذكروننا بالدنيا وإخواننا يذكروننا بالآخرة".
ومن أسباب ضعف الإيمان: وجود الإنسان في مكان يعج بالمعاصي، فهذا يتباهى بمعصية فعلها، وآخر يترنم بأغنية سمعها، إلى أنواع من الملهيات والمنكرات، أما الآخرة فما عندهم منها خبر.
ومن أسباب ضعف الإيمان: إغراق الإنسان وانشغاله بالدنيا، حتى تصير أكبر همه، فيصير عبدا لها، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم".
فيقع الجشع والطمع المادي، كما هو واضح حين فرغ بعض الناس نفوسهم للسعي وراء الملهيات، وأنواع الترف، والركض خلف التجارات والصناعات، فإذا دعي البعض إلى خير وبر وعمل صالح لم يفرغ نفسه للخير، ولم يتفرغ لفريضة مكتوبة أوجبها الله عليه.
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله –عز وجل- قال: "إنا أنزلنا المال لإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له اثنان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون له ثالث، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب" [رواه الإمام أحمد].
يضاف إلى ما سبق ما استشرى في هذا الزمن: الإفراط في الأكل والنوم والكلام والنظر، فهذه تسبب للقلب قسوة، وللإيمان ضعفا -نسأل الله الكريم أن يرزقنا وإياكم الإيمان الصادق-.
اللهم إنا نسألك إيمان لا يرتد، ونعيم لا ينفذ، ومرافقة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- في أعلى جنان الخلد.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد علمنا مكانة الإيمان، وأنه معرض للزيادة والنقصان أو الزوال عن الإنسان، وعلمنا أسباب ضعفه، وهو الداء الذي ينبغي علاجه، وأن يتحمل العبد مرارة العلاج.
جاء في مستدرك الحاكم ومعجم الطبراني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الإِيمَانَ لَيخلق فِي جَوْفِ أَحَدكُمْ كَمَا يَخلقُ الثَّوْبُ، فَاسْأَلُوا الله أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ".
فلابد من التضرع، ومناجاة الله -عز وجل-، ولاسيما في أوقات الأسحار، طلبا لزيادة الإيمان، والثبات عليه، وكلما كان العبد أكثر ذلة وخضوعا لله كان أقرب إلى ربه، قال عليه الصلاة والسلام: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء".
ومما يقوى الإيمان في قلب العبد: أن يكثر من تلاوة القرآن، ولاسيما بالتدبر والتفهم لمعانيه، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك، بل ربما كان يردد الآية أحيانا، ولربما بكى؛ روى ابن حبان عن عطاء قال: "دخلنا على عائشة -رضي الله عنها وعن أبيها- فقلنا: حدثينا يا أم المؤمنين بأعجب شيء رأيته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "فبكت، ثم قال: قام النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة من الليالي -تعني يصلي- ثم قال: "يا عائشة ذريني أتعبد لربي -عز وجل-" قالت: قلت والله إني لأحب القرب منك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يأذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد أنزلت علي الليلة آيات ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران: 190-191]".
ومما يقوي إيمان العبد: استشعاره لعظمة الله -عز وجل- ومعرفته بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وتدبره لها، قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الزمر: 67].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض".
ومما يقوي إيمان العبد: طلب العلم الشرعي الذي يزيده خشية، وتعظيما لله، ولزوم العبد لحلق الذكر، ومجالس القرآن، فهذه المواطن تغشاها الرحمة، وتنزل عليها السكينة، وتحفها الملائكة، ويذكر الله أصحابها في الملأ الأعلى، ويباهي بهم الملائكة، ويغفر ذنوبهم؛ كما جاء في عدد من الأحاديث الصحيحة.
ومما يعالج العبد به ضعف إيمانه: استكثاره من الأعمال الصالحات، وملأ وقته بها، ومسارعته إليها، واستمراره عليها، واجتهاده فيها؛ كنوافل الصلاة، والإكثار من الذكر والتلاوة، والحرص على الصدقة، ونوافل الصيام، ولاسيما شهر الله المحرم؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم".
وأفضله يوم العاشر؛ كما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عاشوراء، فقال: "يكفر السنة الماضية".
وفي رواية: "وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
فعلى الإنسان أن يحتسب لصوم يوم العاشر من شهر المحرم، وأن يحث أهله على ذلك؛ فعن جابر بن سمرة قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عليه" [رواه مسلم].
وعن ابن عباس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
وفي رواية: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع".
وجاء عن ابن عباس بسند صحيح قال: "صوموا التاسع والعاشر خالفوا اليهود".
ومن رغب أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، فلا بأس بذلك، وقد صح عن ابن عباس: أنه كان يفعل ذلك، ومن أفرد العاشر وحده فلا بأس.
ومما يقوي إيمان الإنسان: أن يخاف على نفسه من سوء الخاتمة، حيث أن من أسباب ضعف الإيمان الانهماك في المعاصي، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الجنة أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، والنار مثل ذلك.
ومما يقوي الإيمان: الإكثار من ذكر هاذم اللذات، وتقصير العبد للأمل، فإن من قصر الأمل أحسن العمل، و"من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، والنشاط في العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء "التسويف بالتوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة".
ولذكر الله واستغفاره أثره الواضح في زيادة الإيمان.
نسأل الله الكريم أن يملأ قلوبنا إيمانا وتقوى، وأن يثبتنا على الإيمان والسنة.