البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

العفةُ في الإسلام منظومةٌ متكاملة

العربية

المؤلف رشيد بن إبراهيم بو عافية
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. العفة منظومة متكاملة .
  2. صورة من صور العفة في الجاهلية .
  3. معنى العفّةُ في الإسلامِ .
  4. صور العفّةِ في الإسلام .
  5. مجالات العفة .

اقتباس

معشر المؤمنين: حديثُنا اليومَ عن مفردَةٍ من مفرداتِ ثقافتنا الإسلاميّة العظيمة الرائعة، التي عطّلَها المسلمون -للأسف الشديدِ- على مستوى التصوّرات، وعلى مستوى الممارسة -إلاّ من رحم الله-.
مفردَةُ اليوم تتعلّقُ ب "العِفّة " هذه الكلمةُ القليلةُ في ألفاظِها العظيمةُ الشاسِعةُ في مدلولاتِها، وما تدعُوا إليه من الكمالات.العفّةُ -معشر المؤمنين- ثقافةٌ إسلاميّةٌ أصيلة تصبغُ المجتمع، ومنظومةٌ كاملة متكامِلة، تتعلق بـ...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الملِكِ العلاّم، القُدُّوسِ السَّلام، أحمَدُهُ سبحانه حمدًا كثيرًا طيّبًا مبارَكا فيه، أكرمنا بأعظمِ دينٍ، وأكملِ شَرعٍ وأوفاه، فلهُ الحمدُ كُلُّهُ على نِعَمِهِ الجِسام، وله الشُّكرُ كلُّهُ على ما أَولاَهُ من جَزِيلِ الفضلِ والإِنعام.

وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا معبودَ بحقٍّ سواه، وأشهد أنَّ محمّدًا عبد الله ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبِهِ الأخيار، ومن تبعَهُم على الحقّ إلى يوم الدّين وسلَّم.

ثم أما بعد:

معشر المؤمنين: حديثُنا اليومَ عن مفردَةٍ من مفرداتِ ثقافتنا الإسلاميّة العظيمة الرائعة، التي عطّلَها المسلمون -للأسف الشديدِ- على مستوى التصوّرات، وعلى مستوى الممارسة -إلاّ من رحم الله-.

مفردَةُ اليوم تتعلّقُ ب "العِفّة " هذه الكلمةُ القليلةُ في ألفاظِها العظيمةُ الشاسِعةُ في مدلولاتِها، وما تدعُوا إليه من الكمالات.

العفّةُ -معشر المؤمنين- ثقافةٌ إسلاميّةٌ أصيلة تصبغُ المجتمع، ومنظومةٌ كاملة متكامِلة، تتعلق بالقلب واللسان والسمع والبصر والفَرج واليد والتجارة والكسب والطريق والكلمة والصورة، وكلِّ شيء.

منظومةٌ كاملة متكاملة تصنعُهَا العقيدةُ، وتنظّمُها الشريعةُ، وتجمّلُها الأخلاقُ والقيم!.

أيها الإخوةُ في الله: بُعثَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ليُتمّمَ مكارِمَ الأخلاق.

وقد وُجدَ خُلُقُ العِفّةِ في الجاهليّة في بعض الأفرادِ على أجملِ ما تكونُ عليه العِفّة؛ يقول عنترة بن شداد:

وأَغُض طَرْفِي إن بَدَتْ لِي جارتي

حتى يُوَارِيَ جارتي مأواها

إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ِ ما جدٌ

لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها

[ديوان عنترة، ص76)].

ويقول هدبة بن الخشرم، يحكي فضيلةً من أعظم الفضائل في العرب:

وإني لا يخافُ الغدرَ جاري

ولا يخشى غوائِلِيَ الغَرِيبُ

[شعر هدبة بن الخشرم، ص65)].

ويقول آخر:

ما ضر جارا لي أُجاوِرُه

أَلاَّ يكــونَ لِبَيتِهِ سِترُ

أعمى إذا ما جارتي برزت

حتى يواريَ جارَتي الخِدْرُ

[بهجة المجالس(1/290) والآداب الشرعية(2/8)].

ولم أَكُ طَلاَّباً أَحَادِيـثَ سِرِّهَا

وَلاَ عَالِمًا مِنْ أَيِّ جِنْسٍ ثِيابُهَا

[بهجة المجالس(1/290)، والآداب الشرعية(2/8)].

وهذا بشار بن بشر المجاشعي، يقول:

وإني لَعَفٌّ عن زِيـارَة جارتي

وإِني لَمَشْنُوءٌ لَدَيَّ اغتيابُهَا

إذا غاب عنها بَعْلُها لم أكن

لها زَؤُورًا ولم تأْنَسْ إِلَيَّ كِلابُها

[بهجة المجالس(1/291)].            

هذه صورةٌ من صور العِفّة عند الفردِ العربيّ قبل الإسلام، ولكنَّ الإسلامَ تجاوزَ هذا المستوى فجعلهُ منبعثًا من العقيدة الراسخة في القلب، وجعلهُ منظومةً متكاملة لا تقتصر على جانبٍ دون آخر!.

أيها الإخوةُ في الله: العفّةُ في الإسلامِ معناها صيانةُ النفسِ والروحِ عن الدّنايَا، حتّى ولو كان للبدَنِ في ذلك لذَّةٌ وشهوة!.

وهذا مركزُ القُوّة في منظومة العِفّةِ في الإسلام! فالإنسانُ روحٌ وجسَد: الرُّوحُ شفّافةٌ عُلْويَّةٌ، هي حقيقةُ الإنسان، وامتدادُهُ الصحيحُ الدّائم، وهي التي تملكُ الإرادةَ والفعل.

وأمّا الجسدُ، فهو طينٌ فانٍ دائمُ الارتباطِ بالمعاني الطينيّة الشّهَويّة، وهو جُثّةٌ هامِدَةٌ خاوية حين تغادِرُهُ الروح وتخرُج، ولذلك كان كمالُ العبدِ بارتقاءِ الرُّوح لاَ بتحقيقِ معاني الجسد والطين.

من هنا -معشر المؤمنين- تظهرُ العفّة، وأوَّلُ وأجلى صور العفّةِ في الإسلام: عِفّةُ الروحِ عن اتّخاذِ شريكٍ مع الله في هذا الوجود، عِفّةٌ حقيقيّةٌ تترفّعُ فيها الروحُ ويتبعُها الجسد عن أن تجعلَ للهِ ندًّا، وهو خلقَها!.

هذا التوحيدُ -معشر المؤمنين- هو أسمّى صورِ العفّةِ في الإسلامِ على الإطلاق! مدارُ الإسلامِ عليه، وعلى هذا النوعِ يتحدّدُ مصيرُ الروحِ في الدّنيا والآخرة!.

وانظُروا إلى سُمُوّ هذا النوعِ وارتباطِهِ بتعريفِ العفّة، قولَ زيدِ بن عمرو بن نفيل وكان من الحنفاءِ في الجاهليّة :

أربا واحدا أم ألـــف رب

أدين إذا تقسمت الأمــور

عزلت اللات والعزى جميعـا

كـذلك يفعل الجلد الصبور

فلا العزى أدين ولا ابنتيهــا

ولا صنمي عمـــرو أزور

ولا هبلا أدين وكـان ربــا لنا

في الدهر إذ حـلمي يسير

وكان هذا العفيفُ إذا طاف بالكعبة نادى: "لبيك لا شريك لك ولا ندَّ لك، لبيك حقا حقًّا، تعبُّدًا ورِقًّا".

عذت بما عاذ به إبراهيم مستقبل الكعبة وهو قائم: "لا أعبدُ حجرًا ولا أُصلِّي له ولا آكل ما ذُبِحَ له ولا أستقسم بالأزلام، وإنما أصلي لهذا البيت حتى أموت"!.

هذه أجلى صور العِفّةِ في الإسلامِ، فأين مثلُ هذا في غير الإسلامِ من المناهجِ والأديان؟!

نسأل الله السلامة والعافية.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة في الله: وفي إطار توضيحِ الثقافةِ الإسلاميّة الأصيلة في موضوع العِفّة تأتي بقيّةٌ أنواع العفّة ومجالاتُها منبثقةً في الحقيقةِ من النوع الأوّل، وهذا هو السّرُّ في نجاحَ وتميُّزِ منظومة العفّةِ في الإسلام:

عفّةُ اللّسان عن قول الحرام، والنطق بالآثام، ناتجةٌ من العقيدة والإيمان.

عفّةُ الآذانِ عن سماعِ الحرامِ والآثام؛ ناتجةٌ من العقيدة والإيمان.

عِفّةُ البصر عن مشاهدةُ الحرام واختلاسِ الصورِ والآثام؛ ناتجةٌ من العقيدة والإيمان.

عفّةُ اليدِ عن كسب الحرامِ والظلمِ والعدوان؛ ناتجةٌ من العقيدة والإيمان.

عِفّةُ الرّجلِ عن السيرِ إلى الحرامِ ونقل الخطوات إلى الآثام؛ ناتجةٌ من العقيدة والإيمان.

عِفّةُ البطن عن إدخال الحرام؛ ناتجةٌ من العقيدة والإيمان.

عِفّةُ الفرجِ عن الفاحشة والزّنا والآثام؛ ناتجةٌ من العقيدة والإيمان.

وهكذا بقيّةُ مجالات العفّة الشامِلَةِ المتكامِلة كلُّها -في المنظومة التربويّة الإسلاميّة- ناتجةٌ من العقيدة والإيمان لا تعملُ إلاّ إذا وُجدَ التوحيدُ الصحيحُ، والإيمانُ الحي!.

في الحقيقة، عندنا أعظمُ ثقافةٍ في العِفّة، وغيرِها، ولكنّها للأسف الشديد معطّلة!.

اللهم حبب إلينا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

وصل الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.