البحث

عبارات مقترحة:

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

من فضائل أبي بكر رضي الله عنه

العربية

المؤلف عبد الرحمن بن صالح الدهش
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. أهمية دراسة ومعرفة سير الصحابة .
  2. بعض فضائل الصحابة .
  3. بعض فضائل أبي بكر الصديق .
  4. سرعة رجوعه للحق .
  5. تواضعه .
  6. ثباته في المواقف الصعبة(قصص) .
  7. بعض أوصافه .
  8. بعض أعماله الجليلة .
  9. صفة مرضه .
  10. وفاته وتغسيله وتكفينه .
  11. فوائد الحديث عن سير الصحابة .
  12. طعن الرافضة في الصحابة وخاصة أبي بكر وعمر .
  13. أهمية تربية الأبناء على سير الصحابة .

اقتباس

إن ذكر الصحابة؛ فإنَّ إمامهم وأفضلهم من كان سبَّاقاً في ميادين الخير، أنفق ماله كلَّه في سبيل الله، ونافح بما استطاعه عن رسوله، فصدَّقه لما كذَّبه الناس، فكان أول من آمن به من الرجال، وزن إيمانُه إيمان الأمة. قال أبو بكر بن عياش -رحمه الله-: "ما سبقهم أبو يكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه". إنه...

الخطبة الأولى:

الحمد لله أتمَّ على عباده نعمة الدِّين، فأرسل إليهم الرسول الأمين، واختار صحابته وفضلهم على العالمين.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-: واعلموا أنَّ الإنسان يدِبُّ إليه الفتور، وينتابه شيء من الضعف، إلا أن يجدد نشاطه، ويدفع عن قلبه رانه.

ومما يشحذ الهمم، ويقوي العزائم، ويعرف من خلاله الإنسان نفسه، ويقف بسببه المقصر على تقصيره، وينتهي لأجله الغافل عن غفلته؛ إنَّه معرفة سير الصالحين، والتذاكر بأحوال الصادقين، وأخص منهم أولئك القوم المكرمين، وأنصار رسولِ ربِّ العالمين، إنهم الصحابة -رضي الله عنهم أجمعين-.

الصحابة الذين هم أفضل الناس بعد النبيين؛ يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "من كان مستناً فليستنَّ بمن قد مات، فإنَّ الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، كانوا والله أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقومها عملاً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".

جاهدوا في الله حق جهاده.

جاهدوا في الله مع نبيهم، وجاهدوا في الله بعد وفاة نبيهم، فنصر الله بهم الدين، ونصر الدين بهم.

وإن ذكر الصحابة؛ فإنَّ إمامهم وأفضلهم من كان سبَّاقاً في ميادين الخير، أنفق ماله كلَّه في سبيل الله، ونافح بما استطاعه عن رسوله، فصدَّقه لما كذَّبه الناس، فكان أول من آمن به من الرجال، وزن إيمانُه إيمان الأمة.

قال أبو بكر بن عياش -رحمه الله-: "ما سبقهم أبو يكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقر في قلبه" [فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/173)].

وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة، وتردد ونظر، إلا أبا بكر ما تأخر حين ذكرته له".

بادر رضي الله عنه فأسلم وأسلم على يديه كثير من السابقين للإسلام، فقد أسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة، فأسلم على يديه: عثمان، وطلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم-.

فما أكبر هِمَّته، وما أعظم بذله للدين الذي اختاره لنفسه.

وهو أوَّل الخلفاء الراشدين، وأول العشرة المبشرين.

فهذه بعض أوصافه، هي أعلام عليه، ومناقبه تشير إليه، إنه عبد الله بنُ عثمان بنِ عامر إنه: "أبو بكر الصديق".

أحبُّ الناسِ إلى رسول -صلى الله عليه وسلم-، قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب الناس: "إنَّ أمنَّ النَّاس عليَّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن تبع منكم اليوم جنازة" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن أطعم منكم مسكيناً" قال أبو بكر: أنا، قال: "فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟" قال أبو بكر: أنا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة" [رواه مسلم].

ومن أبرز صفاته رضي الله عنه: رجوعه للحق، وعفوه عن المسيء، لما تكلم ابن خالته مسطح بن أثاثة مع الذين تكلموا في الإفك غضب أبو بكر، فقطع النفقة عنه، وكان قبل هو الذي ينفق عليه ويعوله، حتى نزل قوله تعالى: (وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النــور: 22].

فما كان من أبي بكر -رضي الله عنه- إلا أن رجع النفقة، وقال: "بلى أحب أن يغفر الله لي".

أيها المسلمون: لقد سطر الصدّيق -رضي الله عنه- مواقف عدة، وأخلاقاً نبيلة، فقد كان قبل الخلافة يحلب أغناماً لنساء في حيه، فلما بويع له بالخلافة قالت النساء من الحي: الآن لا يحلب لنا أغنامنا، فبلغ الخبر أبا بكر، فقال: "لعمري لأحلبنّها لكم، وإني لأرجو ألا يُغيّرني ما دخلت فيه عن خُلُقٍ كنت عليه" فكان يحلب لهنّ.

تواضع عظيم لا يقوى عليه إلا العظماء، فعلى كبر سنه، وعظم جاهه، فهو خليفة المسلمين، وكان حريصًا على أن لا تغير الخلافة شيئًا من معاملته للناس، وبره الواصل لعباد الله.

ولقد كان رضي الله عنه أثبت الناس في مواقف تزل فيها أقدام، وتطيش فيها أحلام: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )[إبراهيم: 27].

ثبَّته الله في صلح الحديبية حيث لم يتحمل الصحابة شروط المشركين إذ ظاهرها الحيف، وعدم العدل، فراجعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، وممن راجعه فيها عمر -رضي الله عنه-، أما أبو بكر فقد رضيها؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضيها، بل لأن الله رضيها حيث أقر وقوعها لحكم غائبة، وعواقب محمودة.

ولما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحق الناس كرب عظيم، بين مصدق ومكذب، حتى قام عمر -رضي الله عنه- وأنكر موته، وقال: "والله ما مات رسول -صلى الله عليه وسلم- وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجالٍ وأرجلَهم من خلاف".

ولمَّا جاء أبو بكر -رضي الله عنه- وكان خارج المدينة، جاء ولم يكلم أحداً فدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكشف عنه، فقبله، وقال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، طبت حيا وميتاً" ثم خرج إلى الناس، فصعد المنبر فخطب الناس بقلب ثابت.

ومما قاله رضي الله عنه: "ألا من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت" وتلا قوله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) [الزمر: 30] وقوله: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران: 144].

فبمثل هذه المواقف يتبين الراسخون، ويتميز حزب الله الموقنون، فالأهواء لا تطغيهم، والعواطف لا تنسيهم

فكلمات قليلة ثبَّت الله بها قلوباً أصبحت فارغة، وأنفساً كانت حائرةً.

فلا يزال موقفه مذكوراً، وسعيه مشكوراً.

وصفه علي -رضي الله عنه- فقال: "كان أبو بكر -رضي الله عنه- لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، متواضعاً في نفسه، عظيماً عند الله، أقرب الناس عنده أطوعهم لله وأتقاهم".

وكان من تمام نعمة الله على عباده أن هداهم الصراط المستقيم، فاجتمعت كلمتهم على تولي أبي بكر خلافة المسلمين، فكان رحمة من الله بهم، ونكالا لأعدائهم، وكانت خلافته أفضل خلافة على مدة وجيزة وسيرة حميدة.

ثم آن للفارس أن يترجل، وسنة الله في الموت في طريقها إليه فجاءت مقدماته.

قالت عائشة -رضي الله عنها-: "أول ما بدأ بأبي بكر مرضه أنه اغتسل في يوم بارد، فمرض على إثر ذلك، وأصابته حمى شديدة، فمنعته حضور الجماعة للصلاة، وبقي على ذلك خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة وكانوا يعودونه، ولما اشتد به المرض قيل له: ألا تدعو لك الطبيب؟ فقال: إن الطبيب قد رآني!".

قيل: وما قال؟ قال: إنه قال: "إني فعّال لما أريد!".

ولم يزل كذلك حتى حانت ساعة الفراق.

فتوفي رضي الله عنه بين العشاءين ليلة الثلاثاء، في الثالث والعشرين من جمادى الثانية سنة ثلاث عشرة من الهجرة بعد سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليالٍ من خلافته، وعمره كعمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاث وستون سنة.

وقد قال لابنته عائشة -رضي الله عنه-: "انظري ثوبي هذا فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين لتكون كفناً لي" فقيل له: "نكفنك في جديد".

فقال: "إن الحيّ أحوج مني إلى الجديد، وإنما يصير الميت إلى التراب والصديد".

وقد أوصى أن تغسله زوجه أسماء بنت عميس، وأن يدفن بجانب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فحقق ما أراد ولحد له، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وهكذا خرج الشيخ الوقور من هذه الدنيا بعد بلاء حسن في رعاية أمة محمد -صلى الله عليه وسلم - نشراً لهذا الدين، وحفظاً لحقوق العباد أجمعين، ضعيفهم وقويهم، على حد سواء.

ومن بركته: أن جعل الخلافة من بعده لعمر -رضي الله عنه-.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فإنَّ الحديث عن الصحابة في هذا الوقت من محنة الأمة، ووصولها إلى موضع الشماتة من أعدائها، الحديث عن الصحابة ليس ضرباً من التسلية، والتخدير للمشاعر، ولكنه نوع من استجماع القوى ليعرف المسلمون سير الصادقين الأولين من الصحابة، ومن سار على دربهم، وأن الأمة أمة جادة لا تخرج إلا الجادين الباحثين عن مصالح أمتهم، الباذلين جهدهم ووقتهم، وإن احتيج لهم في دمائهم بذلوها في سبيل إعلاء كلمة الله.

وليعلم المسلمون أيضاً أنَّ تسلط الأعداء لم يأت إلا بعد أن فسدت القاعدة، ونخر فيها السوس، فأصبح المسلمون تبعاً لكل ناعق، تكالبوا على الدنيا، واستجلبوا أسباب ترفهم، ونقبوا عما يحقق شهوات بطونهم وفروجهم ثم يقولون: أين العزة للإسلام؟

إنَّ العزة للإسلام ولا شك، ولكن العزة لا تكون إلا للمسلمين الصادقين بنظير ما صدق به أول هذه الأمة، ولن يصلح آخر هذا الأمة إلا ما أصلح أولها.

ويأتي الحديث عن الصحابة في زمن من هوان الأمة حينما تكلم أعداؤها من الرافضة في قنواتهم، ومواقعهم في صحابة نبيها، وأطلقوا كلمات السب والتكفير على خيرة هذه الأمة.

فأبو بكر الذي سمعت سبقه في الخير، وكيف دفع الله به أسباب الشر هو لا يعدو أن يكون أحد الصحابة الذين ارتدوا على أعقابهم، وبدلوا نعمة الله كفراً بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشتمه عندهم قربه، ولعنه عباده، فهو أحد صنمي قريش، والآخر هو عمر -رضي الله عنه-.

كلمة كبرت تذيعها قنواتهم، وتسطرها كتاباتهم.

ولولا أن هذا صار من الوضوح بمكان، ويشاهده بعض الناس عبر وسائل الإعلام لما كان يذكر على المنابر.

ولذا يجب الحذر من التساهل في متابعة هذه القنوات، ولا يغتر المتابع أنه على بينة من أمره، فإن مشاهدة هذه القنوات، وإدمان السماع لفحش القول في سب الصحابة، وقذف أم المؤمنين في الزنا علانية، أقل مفاسده أن يهون هذا الفحش على النفوس، وترتاض على سماعه الإذن، ولا تدري لعل شبهة تصل إلى قلب خال فتتمكن منه.

فاحفظ -يا عبد الله- دينك، واحم قلبك، وعظم صحابة نبيك.

وقل: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا) [آل عمران: 8].

أيها المربون: أليس في سير هؤلاء الصحابة ومن سار على دربهم غنية عن سير حثالة الناس وتوافه الأقوام.

ألا ما أعظم جرم من يخدر مشاعر شباب المسلمين، ويشغلهم بأخبار سقطة القوم من اللاعبين الغربيين، أو الشرقيين، أو من هم أسوأ حالا منهم من المغنين والممثلين، حتى فتن بهم ثلة من أبنائنا وبناتنا.

جرم عظيم تتحمل وزره وسائل الإعلام المضللة، وتشارك فيه وسائل التواصل المفسدة.

اللهم أصلح أحوال المسلمين....