الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | سلطان بن حمد العويد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
الكسل حرمان، كثيرون من الذين صاروا فقراء كان بإمكانهم ولا يزالون ألا يكونوا فقراء، لكنهم استمرؤوا الحال التي هم عليها، فصار الناس يعطونهم من الزكوات والصدقات وبقوا على حالهم، ولو أرادوا -خاصة الشباب القادرين- لو أرادوا والله لاستطاعوا أن يكونوا أغنياء، لكن هذا المرض يخيم على رؤوسهم.
الخطبة الأولى:
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها وصية الله للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ)، فنسأل الله -عز وجل- أن يرزقنا وإياكم التقوى، وأن يميتنا عليها، إنه سميع قريب.
أيها الإخوة المؤمنون: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بدعاء مرة في الصباح ومرة في المساء، وهذا الدعاء من أذكار الصباح والمساء، ومشروع لنا جميعًا أن نقوله في اليوم والليلة مرتين.
هذا الدعاء هو الاستعاذة بالله -عز وجل- من العجز والكسل، وهو داخل في الحديث الذي ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا أصبح وإذا أمسى قال: "أصبحنا وأصبح الملك لله..." إلى آخره، وفي المساء يقول: "أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله ولا إله إلا الله..." إلى آخر الحديث، وفيه: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل".
العجز والكسل، هذان المرضان إذا أصيب بهما الشباب خاصة كبِّر عليهم أربعًا لوفاتهم، الشاب إذا أصيب بمثل هذه الأمراض فإنه ينتهي، الحياة لا تقوم إلا بنشاط، لا تقوم إلا بجد، لا تقوم إلا بعزيمة، إذا أصيب الإنسان بهذه الأمراض -العجز والكسل- انتهى.
الكسل -أيها الإخوة- مرض، واستعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم- وضده النشاط. والعجز -أيها الإخوة- يحتاج إلى مقاومة بالعزيمة والإرادة والاستعانة -قبلُ وبعدُ- بالله -تبارك وتعالى-.
الكسل -أيها الإخوة الكرام- له علامات، وأعظم مصيبة أن يصاب الإنسان بهذا المرض وهو لا يدري، كثير من الناس مصابون بهذا المرض وهم لا يعلمون.
الكسل -أيها الإخوة- أخطر أنواعه هو الكسل الروحي، وهذا يصيب طائفة كبيرة جدًا من المسلمين شبابًا ورجالاً وشيبًا وأطفالاً.
التكاسل -أيها الإخوة- عن الأمور الشرعية، التكاسل عن العبادات لاسيما العبادة اليومية الصلاة، الصلاة لها خصوصيات، فالحج في السنة مرة، الصوم الواجب هو صوم رمضان، الزكاة إذا حال الحول وبلغت الأموال النصاب، أما الصلاة فكل يوم خمسين مرة خففها الله –عز وجل- إلى خمس، فلا مجال -أيها الإخوة- لمقارنة الصلاة بغيرها، إذا أردت أن تقيِّم أحدًا فابدأ بالصلاة، تقدم إنسان ليتزوج، أول ما تسأل: هل يصلي أم لا يصلي؟! وإذا كان يصلي هل يصلي في المسجد أم لا؟! سؤال كل الناس يسألونه، حتى إن بعض الآباء لا يصلون في المسجد، لكن إذا تقدم لابنته رجل يصلي في المسجد اطمأن قلبه أكثر، وهو بنفسه لا يصلي في المسجد لأنه يعلم في قرارة نفسه أن الاتصال بالله -عز وجل- ضمانة.
إذاً -أيها الإخوة- من أخطر الأنواع أن تتكاسل هذه الروح ويتبعها الجسد عن القيام بالعبادات الشرعية، من الناس من إذا قام إلى الصلاة يقوم بتكاسل، بعض الشباب يقوم مجاملة لوالديه، بعض الناس مجاملةً لزملائه في العمل، بعض الناس يكون معه أحد فقوم ليصلي!!
هذا التثاقل وهذا التأخر في الأداء دليل على وجود هذا المرض الخطير، يا أخي: بادر بعلاج هذا المرض، والله إن لقيت الله به ربما لا تنجو، ولكنك إذا كنت حريصًا على العلاج فإن الله -عز وجل- سيعينك.
بعض الناس الآن يقتصر في الصلاة مثلاً على ما يدفع به عن نفسه المؤاخذة والعقاب، فيفرط في أداء السنن والنوافل، ودائمًا متأخر يدرك ركعة، ومرة تفوته الصلاة، وواضح -أيها الإخوة- أن هذه النوعية وإن كان فيها خير وتذهب إلى الصلاة لكن عندها كسل، والكسل درجات، كسل يقعد صاحبه بالكلية، وكسل يضعف صاحبه، وكسل يقصره عن بلوغ المنزلة العالية التي تنبغي لمثل هذا الإنسان.
تأمل -يا أخي المسلم- لوصف الله -عز وجل- للمنافقين، يقول الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:142]، يهمهم الناس، ما تفكروا في رؤية الله -عز وجل- لهم.
يا أخي المسلم: إذا أردت أن تختبر نفسك فانظر لحالك إذا جاء وقت الصلاة وأنت مشغول، مشغول ببيع وشراء، عقد صفقة، شراء أسهم، بيع أسهم، وربما هذا الأمر يضرك في دينك ودنياك وأنت لا تدري، يصرفه الله عنك لو كنت تصلي ولكنك جاهل: (اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ).
على سبيل المثال متابعة البرامج الفضائية أو متابعة المباريات الرياضية، كم من الآلاف المؤلفة من الشباب المسلم من يضيعون الصلاة من أجل متابعة المباريات، ثم إذا انتهت المباراة يسأل نفسه: ماذا استفاد؟! إلى درجة أن بعضهم قيل لهم: أخف الضررين أن تسجل لك المباراة حتى لا تفسد صلاتك وعبادتك، قال: لا، أريد أن أراها على الهواء مباشرة!!
ما الذي تستفيد منها؟! لاسيما -أيها الإخوة- أن كثيرًا من هذه المباريات مباريات بين كفرة، الدوري الهولندي، البريطاني، الفرنسي، الأسباني!!
والآن تفصَّل القمصان وتُشترى متابعةً لهؤلاء من قِبَل شبابنا! فهذا تعلُّق أعْجَزَهُم عما ينفعهم، وصار الشيطان يوجههم توجيهًا يمينًا وشمالاً إلى حيث شاء.
ونحن -أيها الإخوة- لا ننتبه لمثل هذا المرض، علينا أن نقاومه، علينا أن نقول لشبابنا: أنتم مرضى بهذا المرض فعالجوه، ونكلمهم بالتي هي أحسن.
إننا نرى طائفة من شبابنا أسرى لمثل هذه المباريات، يضيعون بها ما ينفعهم، ويشترون مع الأسف غضب الله ومقته بمثل هذه الأشياء التافهة.
إذا عرضت نفسك -أيها المسلم- على مثل هذه المواقف ستعرف هل أنت مصاب بمثل هذا المرض الروحي أو لست مصابًا؟!
من أنواع الكسل: الكسل الفكري، وهو أن تجد إنسانًا مؤهلاً لأن يتعلم، مؤهلاً لأن يعرف ويطَّلع، فيه ذكاء، فيه سرعة بديهة، يتمتع بمواهب لا حصر لها، وطاقات هائلة، لكنه يقبرها ولا يستفيد منها، يميل إلى الراحة وقلة الحركة، طاقات مدفونة، مواهب منسية، والسبب هو الكسل وضعف الهمة.
وكم من الشباب من إذا رأيته تلمس فيه حدة الذكاء، وتلمس فيه مواهب، ثم إذا رأيت حاله رثيت لحاله، تجده مع الأسف في طريق يسلكه لا ينجح فيه، والسبب هو ضعف الهمة والكسل.
من أنواع الكسل -أيها الإخوة-: الكسل الجسدي، وهو مرض يهدد العالم بأسره، لاسيما مع المدنية المعاصرة وآفاتها، فكم فات بعض الناس من المصالح الدنيوية والخيرات المتعددة بسبب الكسل!! بعض الناس والله ربما يموت من الجوع بسبب الكسل.
الكسل -أيها الإخوة- حرمان، كثيرون من الذين صاروا فقراء كان بإمكانهم ولا يزالون ألا يكونوا فقراء، لكنهم استمرؤوا الحال التي هم عليها، فصار الناس يعطونهم من الزكوات والصدقات وبقوا على حالهم، ولو أرادوا -خاصة الشباب القادرين- لو أرادوا والله لاستطاعوا أن يكونوا أغنياء، لكن هذا المرض يخيم على رؤوسهم.
الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَلِ | فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأملِ |
إن الكسل حرمان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، حرمان من الأجر، حرمان من الثواب، حرمان من رضا الله -عز وجل-، حرمان من بر الوالدين.
بعض الناس يعرف بر والديه، ووالداه موجودان ولا يبرهما إلا بشيء يسير، السبب الكسل، ضعف الهمة، يطلب منه والده ووالدته أشياء هو قادر عليها لكن يقعده الشيطان بالكسل، فيحرم نفسه هذا الحرمان العظيم.
الكسل حرمان من العلم، العلم والله له لذة لاسيما علم الكتاب والسنة، حرمان من المعرفة، حرمان من الثقافة، حرمان من المال، حرمان من السعادة، بل أعظم من ذلك أن يحرم الكسول من الراحة التي تعقب العمل.
الراحة -أيها الإخوة- لا طعم لها إذا كان الإنسان لا يعمل، إنه كسول فمم يرتاح؟! مثل الذي يستيقظ من النوم ويقول: أريد أن أرتاح من النوم بعد النوم قليلاً!! أنت نائم، فهل ترتاح بعد النوم؟!
الراحة لا طعم لها إلا إذا ذاق الإنسان طعم الجد وطعم النشاط وطعم النصر وطعم التعب، ثم تأتي الراحة فيكون لها طعم خاص ومذاق فريد.
الشقاء -أيها الإخوة- لابد منه للكسول ولو نفسيًا، الكسول يظن أنه يفر من الشقاء ووالله إنه واقع فيه، من كانت حياته كلها خمولاً وكسلاً تساوت عنده الأيام، لن يشعر بطعم الانتصار ولا السعادة ولا الفوز ولا النجاح.
عباد الله: إن الكسل تجميد للطاقات الإنسانية، إفساد للحياة الاجتماعية، شلل للحركة الاقتصادية، ونهايته على مستوى الأفراد ومستوى الأمم للأسف الشديد فقر وفشل عام في الحياة، ولو بحثت -يا أخي المسلم- عن أسباب الكسل في المسلمين خاصة ستجد أنه البعد عن شرع الله، لماذا؟! لأن حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها نشاط، لا وجود للكسل فيها إطلاقًا.
انظر إلى حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، كانت أعجوبة مليئة بالحيوية والنشاط في كل المجالات: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21].
رحم الله الإمام الشافعي حينما قال:
رأيت وقوف الماء يفسده | إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب |
الماء الراكد تتغير رائحته، وبعض الفقهاء إذا تغيرت رائحته يرون أنه لا يجوز الاستنجاء ولا الوضوء به، تصوروا -أيها الإخوة- الماء لا يكون طيبًا إلا إذا جرى، ولا شك -أيها الإخوة- أن من أسباب الكسل طبيعة بعض الناس وتربية بعض الناس، والترف الزائد من أسباب الكسل مع الأسف، ولكن لو نظرنا في الواقع نجد أن بعض الذين يملكون الأموال الطائلة والله لا يعرفون الكسل.
المال في كثير من الأحيان يؤدي إلى الترف والكسل، لكن إذا كان الإنسان عنده قابلية لهذا المرض، نعود مرة أخرى ونستعيذ كما استعاذ نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
كيف نقضي على هذا المرض، هذه الظاهرة، "الكسل"؟!
أولاً: عليك أن تتذكر دائمًا أن الكسل مرض لابد من علاجه، ولهذا أكثر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاستعاذة منه.
لابد -أيها الإخوة- ألا نأخذ ما جاءنا عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- بدون تفكر وتدبر، يعني لما يكون أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، فهذا يعطيك رسالة بأن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء، فلا تغتر بصلاتك، ولا تغتر بدينك، ولا تغتر بصدقتك ولا بإحسانك، اسأل الله التثبيت لأنك لا تدري كيف يختم لك، وهذه الرسالة تصلك من مثل هذا الحديث: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر ما يدعو: "اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة"، العفو والعافية، إذا عفا الله عنك وأعطاك العافية في الدنيا ماذا بعد ذلك؟! بعض الناس لا يستشعر قيمة النعم، الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرسل لنا رسائل، ومن ذلك أنه يستعيذ من الآفات -عليه الصلاة والصلاة- ليعطينا رسالة أن نتفقد أنفسنا: هل نحن مصابون بهذه الأمراض أم لا!!
أيها الإخوة الكرام: الذي يصاب بهذا المرض لابد أن يعلم أن هذا المرض سيحول بينه وبين تحقيق الهدف الذي من أجله خلقه الله -جل جلاله-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56] كيف يعبدونه وهم كسالى؟! لا يمكن، فالعبادة بها مشقة: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) [المزمل:5]، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حفت الجنة بالمكاره".
الجنة من أراد أن يدخلها لابد أن يأخذ بيده وبقوة إلى الجنة، "يدخل الجنة أقوام يقادون إليها بالسلاسل" كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الجنة لا يدخلها النائمون والكسالى وأصحاب الترف وأصحاب التفاهات، لا يدخلها إلا أصحاب الجد والعزيمة الذين قتل أكثرهم في سبيل الله، أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
المرء -أيها الإخوة- دون عمل لا يساوي شيئًا، مقامك عند الله على قدر عملك (يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل:32]، (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة:105].
ثانياً: يا أخي المسلم: لا ترهق نفسك بالتكاليف الشاقة التي لا تطاق؛ لأنه في بعض الأحيان قد يحمّل الإنسان نفسه ما لا يطيق، فتحصل عنده ردة فعل عنيفة، فيسأم من العمل ويتركه ويتجه إلى بساط الكسل.
ولذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا". وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
ثالثًا: يا أخي المسلم: تعرّف على طاقاتك، اعرف مواهبك، استفد مما أودعه الله -عز وجل- فيك، كثير من الناس لا يعرفون مواهبهم، ولا يعرفون طاقاتهم، فقد دفنوها وقتلوها بالكسل والخمول وعدم العمل.
رابعًا وأخيرًا: اطلعوا -أيها الإخوة- على سير العظماء وأصحاب الهمم العالية لتروا ماذا أحدثوا في هذا الكون، ماذا أحدثوا في هذا العالم، وعلى رأسهم سيدنا وحبيبنا محمد -عليه الصلاة والسلام-.
ماذا فعل -عليه الصلاة والسلام-؟! غيّر العالم كله -صلى الله عليه وسلم- في سنين بتأييد من الله، لكن صدق: (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، اختاره ربنا -عز وجل- من الخلق كلهم، فكان الاختيار على هذا الإنسان العظيم الذي صار مضرب مثل لكثير حتى من الكفار المنصفين.
العالم -أيها الإخوة- مليء بالقدوات حتى في أمور الدنيا، يوجد من غير المسلمين، من الكفار أنفسهم، من أحدثوا أشياء عجيبة في هذه الحياة الدنيا، غيّروا أشياء وحصّلوا مكاسب، نعم هي دنيوية لكن بالجد والعزيمة قاوموا الكسل، وهناك شعوب -أيها الإخوة- من قرأ سيرتها وعرف ما قامت به يدرك هذه الحقيقة، كيف أن كثيرًا من الناس عندهم هذه العزيمة التي يحققون بها ما يصبون إليه، ونحن أول ما نريد أن نحققه هو الجنة.
الجنة -أيها الإخوة-، من عرف الجنة وطمع فيها والله لا يعرف الكسل، كيف يكسل مسلم وهو يسمع قول الله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)، تأمل في كلمة (فروا)، ليس مشيًا، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)، هذا في عمل الآخرة.
أما عمل الدنيا فتأمل في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15].
نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعًا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين...