الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحياة الآخرة |
إن الخلق لن يطيقوا عذاب الخالق مهما كانت قلته، والواحد من بني آدم لا يطيق حمل جمرة صغيرة من جمر الدنيا فكيف له بنار الآخرة؛ أجارنا الله ووالدينا والمسلمين منها.
والنجاة من عذاب الله تعالى تكون بفعل أوامره واجتناب نواهيه .. تكون بالمحافظة على الفرائض واتباعها بالنوافل، والبعد عن كل عمل جعله الله سببا لدخول النار
الحمد لله؛ خلق الخلق بقدرته، وكلف الجن والإنس بحكمته، أحمده وأشكره، وأستعين به وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ جعل الدنيا دار عمل وابتلاء، وجعل الآخرة دار جزاء وقرار ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [العنكبوت:64].
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل، ففتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه -أدركوا ضعة الدنيا فما شغلوا بها، وعرفوا مقدار الآخرة ففرغوا نفوسهم لها، ومع شدة إيمانهم وكثرة عملهم؛خافوا عذاب الله تعالى، ولم يأمنوا مكره..
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ) [الطور:7] فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه، وكان في وجهه رضى الله عنه خطان أسودان من البكاء.
وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه كان إذا وقف على القبر يبكي حتى تبل لحيته، وقال: لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير- والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- فإنه لا نجاة من عذاب الله عز وجل إلا بتقواه (وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:130-132].
أيها الناس: الحديث عن النار وأوصافها، وما أعد الله تعالى فيها من العذاب والنكال لمن خالف أمره حديث يفزع القلوب الحية، ويحرك النفوس المؤمنة، ويحفز على العمل الصالح، واجتناب السيئات؛ اتقاء لها ولما يقرب منها .. وكل من قرأ القرآن وهو يعي ما يقرأ لا بد أن يضطرب قلبه ويخاف عند ذكر النار وما جاء فيها من أوصاف وأهوال .. والحديث عنها لا تكفي فيه الساعة والساعتان، ولا تفيه حقه الموعظة والموعظتان .. كيف وهو حديث عن دار أعدها الله تعالى للأشقياء من خلقه .. أعداء كتبه ورسله؟!
وحسبنا طرف منه يوقظ القلوب النائمة، وينبه النفوس الغافلة، وهو تذكرة لمن ألقى السمع وهو شهيد، وأما من كان من أهل الشقاوة فلن يتعظ ولو عرضت له أحوال المعذبين أمام ناظريه!! نعوذ بالله من حاله ومآله.
مثله في ذلك فرعون هذه الأمة أبي جهل حين سمع أن عدد خزنة جهنم تسعة عشر لما نزل قول الله تعالى: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) [المدثر:30] قال لقريش: ثكلتكم أمهاتكم أسمع ابن أبي كبشة يخبر أن خزنة جهنم تسعة عشر وأنتم الدّهم -أي الشجعان- أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد من خزنة جهنم؟ قال أبو الأشد أسيد بن كلدة الجمحي: أنا أكفيكم منهم سبعة عشر؛ عشرة على ظهري وسبعة على بطني فاكفوني أنتم اثنين.
وروي أنه قال: أنا أمشي بين أيديكم على الصراط فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر في النار ونمضي فندخل الجنة فأنزل الله عز وجل (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً) [المدثر:31] لا رجالا آدميين؛ فمن ذا يغلب الملائكة (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ ) [المدثر:31] أي: قلتهم (إِلا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا) [المدثر:31] أي: ضلالة لهم حتى قالوا ما قالوا (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) [المدثر:31]؛ لأنه مكتوب في التوراة والإنجيل أنهم تسعة عشر (وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) [المدثر:31] يعني: من آمن من أهل الكتاب يزدادون تصديقا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا وجدوا ما قاله موافقا لما في كتبهم...
والفتنة إنما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغتر الكفار بقلتهم وظنوا أنهم يمكنهم مدافعتهم وممانعتهم ولم يعلموا أن كل واحد من الملائكة لا يمكن البشر كلهم مقاومته.
ولما قال أبو جهل: أما لمحمد أعوان إلا تسعة عشر؟ كان الجواب عليه (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ) [المدثر:31]. وهو جواب لكل كفار أثيم، وساخر عنيد، وما أكثرهم في العصور المتأخرة.
وخزنة جهنم هم الزبانية الذين تحدى جبريل عليه السلام بهم أبا جهل حين فاخر بكثرة أعوانه وقوتهم؛ وذلك عندما مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال: ألم أنهك عن أن تصلي يا محمد؟!، لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم فقال جبريل عليه السلام: (فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ) [العلق:17-18] قال ابن عباس رضي الله عنهما: " والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب " رواه أحمد وصححه الترمذي والحاكم.
والزبانية هم الملائكة الغلاظ الشداد؛ سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار إليها بشدة، قال قتادة رحمه الله تعالى: " هم الشرط في كلام العرب " والعرب تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه، وهم يبطشون بأهل النار أشد البطش.
وقد جاء وصف شدتهم في كتاب الله تعالى (عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم:6].
ومالك عليه السلام هو كبيرهم، وهو خازن النار، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه المشهورة من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه .. وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها "، فلما سأل عنه جبريل في آخر الحديث قال: والذي يوقد النار مالك خازن النار. رواه البخاري
وجاء في بعض روايات حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به فلم يره يضحك فسأل جبريل: " ما لي لم آت على أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي غير رجل واحد سلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك إلي؟ "، قال: ذاك مالك خازن النار لم يضحك منذ خلق ولو ضحك لأحد لضحك إليك.
ومع تعذيبهم لأجساد أهل النار فإنهم ينزلون بهم ألوانا من العذاب المعنوي، فيقرعونهم ويوبخونهم ويذكرونهم سخريتهم بالدين وأهله من المؤمنين .. يفعلون ذلك بهم حينما يسوقونهم إلى النار (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ* قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [الزمر:171-72].
ويفعلونه بهم حين يلقونهم في النار وهم يبكون ويصطرخون ( كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ* وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ* فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ) [الملك:8-11].
ويفعلونه بهم حينما يطلبون من الملائكة الشفاعة لهم عند الله تعالى في أن يخفف عنهم العذاب ولو يوما واحدا (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ* قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ) [غافر:49-50].
ويخصون مالكا عليه السلام بالنداء يطلبون شفاعته عند الله عز وجل؛ ليميتهم ويريحهم مما هم في من العذاب والشقاء والنكال .. إنهم يطلبون الموت ولا يجدونه: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) [الزخرف:77] يالحسرتهم وبؤسهم حين يخبرهم أنهم ماكثون في النار أبدا.
ولم يجبهم مالك فور سؤالهم شفاعته؛ بل مكث ألف سنة ثم قال لهم: (إنكم ماكثون) قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
نعوذ بالله العظيم من النار ومن أهلها؛ ونسأله تعالى أن يجنبنا عمل أهلها وأن يستعملنا في طاعته ( رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً *إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ) [القرقان:65-66] آمين يا رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ*لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ* وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر:27-31] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ..
الخطبة الثانية:
الحمد الله حمدا يليق بجلال ربنا وعظيم سلطانه؛ أحمده حمدا كثيرا، وأشكره شكرا مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله وأطيعوه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6]
أيها الناس: للنار أبواب جاء ذكرها في كتاب الله تعالى (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) [الحجر:43-44] فكل معذب منهم ينال ما يستحق من العذاب.
إذا سيقوا إليها وقذفوا فيها غلقت أبوابها عليهم، فيزداد عذابهم عذابا، ولا يرجون نجاة ولا خلاصا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ *عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ ) [البلد:19-20].
( كَلا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ* نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ* إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ* فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ) [الهمزة:4-9] .
يحيط بأهلها بناء عظيم لا يستطيع أهلها تجاوزه أو تخطيه (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً ) [الكهف:29] .
تكون دركاتهم فيها بحسب كفرهم وعنادهم في الدنيا؛ فالمنافقون في الدرك الأسفل من النار، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشرا كان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا " رواه مسلم.
وبين هذين الدركين دركات ومنازل متفاوتة لأهلها نسأل الله النجاة منها، يكون عذاب بعضهم أشد من بعض؛ فمن كفر وصد عن الإيمان وحارب المؤمنين أشد عذابا ممن كفر ولم يصد الناس عن دين الله تعالى (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ) [النحل:88] .
وفرعون وجنده أشد عذابا من غيرهم من الكفار إلا من كان مثلهم استكبارا وصدا عن الحق وأذية للمؤمنين
( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) [غافر:46] .
والكفار من بني إسرائيل توعدهم الله بأشد العذاب؛ لأنهم عرفوا الحق فكتموه وأنكروه وحاربوه، وآمنوا بما أشتهوا من كتبهم وكفروا ببعضها فقال الله تعالى فيهم وفيمن فعل فعلهم (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:85] .
وعذاب أبي طالب ليس كعذاب أبي لهب؛ لأن أبا لهب كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو طالب كان يحميه ويدفع عنه أذي المشركين قال العباس بن عبد المطلب:?يا رسول الله هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: " نعم هو في ضحضاح من نار لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار " رواه الشيخان.
أيها الإخوة: إن الخلق لن يطيقوا عذاب الخالق مهما كانت قلته، والواحد من بني آدم لا يطيق حمل جمرة صغيرة من جمر الدنيا فكيف له بنار الآخرة؛ أجارنا الله ووالدينا والمسلمين منها.
والنجاة من عذاب الله تعالى تكون بفعل أوامره واجتناب نواهيه .. تكون بالمحافظة على الفرائض واتباعها بالنوافل، والبعد عن كل عمل جعله الله سببا لدخول النار.
فاتقوا الله ربكم واخشوا عذابه؛فإن عذاب ربك لشديد.
وصلو وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم ...
نار الآخرة (3) أشجارها وأوديتها وجبالها