الحكم
كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
فحذار عباد الله من الغفلة في الدنيا، والاغترار بها؛ فإنما أردى أهل النار في النار غفلتُهم وغرورهم، وتزودوا من الأعمال الصالحة ما يكون سببا في النجاة يوم القيامة، واستجيروا بالله تعالى من النار، واستعيذوا به سبحانه من عذابها، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه عز وجل الوقاية منها، ويكثر من ذلك
الحمد لله؛ خلق الخلق بقدرته، وكلف الجن والإنس بحكمته، وقضى فيهم برحمته وعدله، أحمده على ما أعطى، وأشكره على ما أولى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ دلت دلائله في خلقه على عظمته وقدرته، وبرهنت آياته على ربوبيته وأولوهيته؛ فلا معبود بحق سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون..وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ ما عرف الله تعالى بشر كمعرفته، ولا خشيه كخشيته، كان يقوم في جوف الليل يناجي ربه؛ محبة له، وشوقا إليه، ورجاء لرحمته، وخوفا من عذابه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله تعالى، فاتقوه حق التقوى؛ فإن ثوابه جزيل، وإن عذابه شديد، ثوابه جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وعذابه نار تلظى، (لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) [الليل:15-16].
أيها الناس: واجب على كل من أنعم الله تعالى عليه بالعقل والتفكير أن ينظر في خلقه ووجوده في الدنيا، والحكمة التي أرادها الله تعالى من ذلك، ثم يتفكر في مآله ومصيره، ويأخذ العبرة مما يجري أمامه، فهو يرى فيما يرى أن الناس يغادرون الدنيا إلى دار أخرى، وأن الإنسان مهما علا قدره، وعظمت منزلته لا بد أن يموت، ولو كان أحد من البشر مخلدا في الدنيا لكانت الرسل أولى الناس بالخلود فيها (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ* كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [الأنبياء:34-35].
والموت وإن كان مخوفا عند البشر فإنه هين إذا كان ما بعده هينا، وعسير إن كان ما بعده عسيرا.
إن الذي بعد الموت حساب وجزاء على ما كان في الدنيا من أعمال؛ فمن عمل صالحا فله، ومن عمل سيئا فعليه.
إن بعد الموت نعيما أو عذابا، سعادة أو شقاء، جنة أو نارا، وإذا أحس الناس حرارة الشمس في الدنيا فواجب عليهم أن يتذكروا حرارة النار في الآخرة. تلك النار التي جعلها الله تعالى جزاء للكافرين على كفرهم، وللمشركين على شركهم، وللمنافقين على نفاقهم، يعذبون فيها أبدا؛ فلا راحة ولا تخفيف ولا موت ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ* لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ*وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ* وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ* لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف:74-78].
وفي الآية الأخرى (يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) [المائدة:37] .
وذكر النار نغص على المؤمنين عيشهم؛ خوفا منها ومما فيها، وفرقا من أن يكونوا من أهلها، أعاذنا الله ووالدينا والمسلمين منها.
والحديث عنها يطول؛ فهي دار أكثر المكلفين، وفيها من العذاب والنكال ما لا يحيطه الوصف، ولا يطيقه الحصر.
فيها أشجار من نار، وأودية من نار، وجبال من نار..
أما أشجارها فأشجار من نار، وثمارها نار، وظلها نار، أشهرها ذكرا شجرة الزقوم التي جاء ذكرها في القرآن، وهي الشجرة الملعونة في القرآن، وقد كان ذكرها فتنة لأبي جهل ومن وافقه من أئمة الكفر والضلال؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما أسري به، ورأى الجنة والنار؛ حدث الناس بما رأى، وأخبرهم عن شجرة الزقوم فقال أبو جهل مستهزئا: يخوفنا محمد بشجرة الزقوم هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا رواه أحمد بسند صحيح.
وفي القرآن ذكر الله عز وجل ما أعد لعباده المؤمنين من النعيم المقيم، ثم قارن ذلك بما أعد للكافرين من العذاب المهين؛ ليتعظ قراء القرآن بذلك، ويقارنوا بين الفريقين، ويعرفوا البون الكبير بين الحالين: حال أهل الجنة وحال أهل النار، فقال سبحانه في ذكر ذلك: (أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) [الصافنات:62-65] .
لقد ذكر الله تعالى أن ذكر هذه الشجرة كان فتنة للظالمين، وموطن تكذيب وإنكار؛ ذلك أن النار في الدنيا تأكل الشجر، فكذبوا أن يكون في نار جهنم شجر قال قتادة رحمه الله تعالى: " ذكرت شجرة الزقوم فافتتن بها أهل الضلالة وقالوا: صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر فأنزل الله تعالى (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) أي: غذيت من النار ومنها خلقت.
وفي سورة أخرى أخبر الله تعالى أن ثمرها يغلي في بطونهم، ولكنهم لا يجدون طعاما غيرها (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الأَثِيمِ *كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ) [الدخان:43-45].
يأكلون من هذه الشجرة الخبيثة التي تغلي نارا حتى تمتلئ بطونهم بها، فيكون لهم مع عذابهم لظاهر أبدانهم عذاب آخر في أجوافهم وبطونهم؛ نعوذ بالله من حالهم، ونسأله النجاة من مآلهم (فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ *ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ ) [الصافات:66-67] وفي سور الواقعة ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ* فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ*فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ* هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [الواقعة:51-56] .
وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه " وفي رواية: " والذي نفسي بيده لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الأرض لفسدت " صححه الترمذي والحاكم والذهبي.
وفي النار أودية من نار يعذبون فيها؛ من أشهرها ذكرا في القرآن وادي ويل، وقد توعد الله تعالى به المكذبين والساهين عن صلاتهم، وكل أفاك أثيم، وكل همزة لمزة، وقد جاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم أن ويلا واد في جهنم.
ومن أوديتها المذكورة في القرآن: وادي الغي الذي توعد الله تعالى به المضيعين للصلاة، المتبعين الشهوات ( فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ) [مريم:59] .
وقد جاء عن عدد من الصحابة أن الغي واد في جهنم بعيد القعر منتن الريح، وهي أودية سحيقة يقذف فيها أهل النار قذفا.
وفي النار جبال من نار جاء لها ذكر في كتاب الله تعالى، وقد توعد عز وجل ببعضها الوليد بن المغيرة لما كذب النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى أن القرآن من قول البشر، وأنه سحر يؤثر، فقال سبحانه متوعدا إياه: (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر:17] جاء عن ابن عباس وأبي سعيد رضي الله عنهم أنه جبل في النار من نار يكلف أهلها بصعوده؛ نعوذ بالله منه ومنهم.
ونار جهنم نار سحيقة عميقة، يدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة فقال: " تدرون ما هذا؟ " قال: قلنا الله ورسوله أعلم قال: " هذا حجر رمى به في النار منذ سبعين خريفا فهو يهوى في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها " رواه مسلم.
وهي تتسع لخلق كثير لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى، ويكفي دليلا على ذلك: أن الشمس والقمر مع ضخامة حجمهما يلقيان يوم القيامة فيها فلا يملأنها؛ كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الشمس والقمر مكوران يوم القيامة " رواه البخاري، وفي رواية للبزار " مكوران في النار ".
وأكثر المكلفين في النار، فواحد من ألف في الجنة، وبقيتهم في النار؛ بسبب كفرهم بالله تعالى، وتكذيبهم لرسله؛ كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم يقول: لبيك ربنا وسعديك، فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف أراه، قال: تسعمائة وتسعة وتسعين فحينئذ تضع الحامل حملها ويشيب الوليد (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) [الحج:2] " فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعين ومنكم واحد ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض أو كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة " فكبرنا ثم قال: " ثلث أهل الجنة " فكبرنا ثم قال: " شطر أهل الجنة فكبرنا " رواه الشيخان.
ولا تمتلئ النار مهما ألقي فيها؛ كما في قول الله تعالى: ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ) [ق:3] . وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال جهنم تقول (هل من مزيد) " قال: " فيدلي فيها رب العالمين قدمه " قال: " فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط بعزتك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنه في فضول الجنة " رواه أحمد بسند صحيح.
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تحاجت الجنة والنار فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها؛ فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول: قط قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا "
أسأل الله تعلى أن يجعلنا من أهل طاعته، وأن يجنبنا ما يسخطه، وأن يعيذنا من النار برحمته، إنه سميع مجيب.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما أمر، أحمده وأشكره فقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحده وكفر، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير البشر، الشافع المشفع في المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان واقتفى الأثر.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [آل عمران:131-132] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6] .
أيها المسلمون: واجب على كل عاقل يحس حر الدنيا، ويبصر نارها، ويرى آثارها، ويعلم أنه لا يطيق شيئا يسيرا من حرها أو جمرها .. واجب عليه أن لا ينسى نار الآخرة، وأن يفر منها أشد من فراره من نار الدنيا؛ فما نار الدنيا إلا جزءا يسيرا من نار الآخرة؛ كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من حر جهنم "، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال: " فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها " رواه مسلم.
ومن خسر في الآخرة فلا أمل في ربحه أبدا، بل هو في خسران أبدي، وعذاب دائم، فويل له، ويل له.
يصيح في النار مع الصائحين ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ) [المؤمنون:107] فيجابون: ( اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) [المؤمنون:108].
قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: " إن أهل جهنم يدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما ثم يرد عليهم إنكم ماكثون قال: هانت دعوتهم -والله- على مالك ورب مالك ثم يدعون ربهم فيقولون: (ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فانا ظالمون) قال: فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين، ثم يرد عليهم (اخسئوا فيها ولا تكلمون) قال: فوالله ما نبس القوم بعدها بكلمة واحدة وما هو إلا الزفير والشهيق في نار جهنم قال: فشبهت أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق ".
وتكون طامتهم الكبرى حين يعلمون أن العذاب لا يخفف عنهم ولا هم ينظرون، ولا نجاة لهم منه ولو بالموت الذي كانوا يكرهونه في الدنيا!.
روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت، قال: ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) وأشار بيده إلى الدنيا " رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
فحذار عباد الله من الغفلة في الدنيا، والاغترار بها؛ فإنما أردى أهل النار في النار غفلتُهم وغرورهم، وتزودوا من الأعمال الصالحة ما يكون سببا في النجاة يوم القيامة، واستجيروا بالله تعالى من النار، واستعيذوا به سبحانه من عذابها، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه عز وجل الوقاية منها، ويكثر من ذلك؛ كما روى أنس رضي الله عنه فقال كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " رواه الشيخان.
وفي رواية لمسلم: عن قتادة رحمه الله تعالى أنه سأل أنسا رضي الله عنه فقال: أي دعوة كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: " اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "، قال قتادة: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه.
ألا وصلوا وسلموا