الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
ويوم الحساب لا يغني أحد عن أحد، فالحساب والجزاء يومها فرديّ، فكل إنسان محاسب على عمله وحده، وكل نفس لها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، وكلٌّ سوف يحمل حِـمْلَـه وحده، والأمر كله صائر إلى الله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي عمت رحمته كل شيء ووسعت، وتمت نعمته على العباد وعظمت، ملك ذلت لعزته الرقاب وخضعت، وهابت لسطوته الصعاب وخشعت، وارتاعت من خشيته أرواح الخائفين وجزعت، كريم تعلقت برحمته قلوب الراجين فطمعت، بصير بعباده يعلم ما كنت الصدور وأودعت، عظيم عجزت العقول عن إدراك ذاته فتحيرت.
نحمده على نعم توالت علينا واتسعت، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجي قائلها من النار يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي جاهد في الله حق جهاده حتى علت كلمة التوحيد وارتفعت، اللهم فصلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فأُوصيكمْ -أيها الإخوة- ونَفْسِي بتقوَى اللهِ العظيمِ، ومُحَاسَبةِ النَّفْسِ قبْلَ يومِ الحسابِ، فَمَنْ فَعَلَ هُدِيَ إلى الخَيْرِ وَأَنَابَ، ومَنْ تَوَلَّى عَنْ ذَلِكَ خَسِرَ ونَدِمَ وَخَابَ، قالَ اللهُ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
عباد الله: لا شك أن الإيمان باليوم الآخر يدفع المؤمنين إلى تقوى الله وخشيته وتلمس مراضيه والبعد عن مساخطه، فالمؤمنون الذين يخشون يوم الحساب يستقيم سلوكهم؛ طمعاً في ثواب الله تعالى وخوفاً من عقابه، ولذلك نراهم قد أقاموا على أنفسهم من أنفسهم رقيباً في السر والعلن، لأنهم يؤمنون حقاً وصدقاً أن الله تعالى معهم في السر والعلن (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد: 4]، وأن كل إنسان موكل به ملائكة يحصون أعماله صغيرها وكبيرها خيرها وشرها (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18].
فالإيمان باليوم الآخر يجعل المؤمن -دائماً- وقافاً عند أمر ربه ، يرعى حق الله وحقوق العباد فلا يتمادى في غي أو ينساق وراء أطماعه وشهواته، وهؤلاء هم المتقون الذين عناهم الله تعالى بقوله (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء: 49].
أيها المسلمون: والإيمان بالحساب والجزاء في الآخرة يحول بين الإنسان وارتكاب المخالفات، ولذلك فإن الإيمان باليوم الآخر هو ميزان الاعتدال الذي يصلح به أمر الفرد، وتصلح عليه حياة الجماعة.
وإن من تمام حكمة الله أن جعل يوماً للحساب الأعظم، يحاسب فيه خلقه على ما فعلوه في دار الابتلاء، وقد بيّن -سبحانه- في كتابه أهوال يوم الحساب وشدائده، وأوضح كيف سيكون ذلك الحساب، وعلام يحاسب المرء؟ فعلى العبد أن يستعد لذلك اليوم، وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب، وأن يقتدي بسلفه الصالح الذين كانوا يحاسبون أنفسهم محاسبة الشريك الشحيح لشريكه.
أيها المسلمون: كثيرة هي آيات القرآن التي ذكَّرت الناس بيوم القيامة وبالحساب فيه، قال تعالى: (وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]، وقال -جل وعلا- في آية خاف منها صحابة نبينا الكرام: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: 284]، وقال الله تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) [الغاشية: 25-26].
فمن مجموع هذه الآيات نتيقن أن الله -تبارك وتعالى- سيحاسب الخلائق في الآخرة، ويجازيهم على ما عملوا من خير أو شر في الدنيا، قال سبحانه: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [الأنعام: 160]، فيا ويل من يعدّ الله عليه ذنوبه، وأعماله، وأنفاسه، ويتتبعها، ليحاسَبَ الحساب العسير عليها.
إن الذي يشعر أن رئيسه في الأرض يتتبع أعماله وأخطاءه يفزع ويخاف، ويعيش في قلق وحسبان، فكيف بالله المنتقم الجبار؟ (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 105].
عباد الله: ويوم الحساب لا يغني أحد عن أحد، فالحساب والجزاء يومها فرديّ، فكل إنسان محاسب على عمله وحده، وكل نفس لها ما كسبت، وعليها ما اكتسبت، وكلٌّ سوف يحمل حِـمْلَـه وحده، والأمر كله صائر إلى الله: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) [فاطر: 18].
إن شعور كل فرد بأنه مجزي بعمله، لا يؤاخَذ بكسب غيره، ولا يتخلص هو من كسبه، دافع قوي في يقظته لمحاسبة نفسه قبل أن تُحاسَب، مع التخلي عن كل أمل خادع في أن ينفعه أحد بشيء، أو أن يحمل أحد عنه شيئاً، كما أنه عامل مطمئن، فلا يقلق الفرد خيفة أن يؤخذ بجريرة غيره، ما دام قد أدى واجبه في النصح للجماعة، كذلك لن ينفعه صلاح الجماعة إذا كان هو بذاته غير صالح، وكل يحمل أثقاله ويمضي في طريقه حتى يقف أمام الميزان: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].
فحساب العباد كلهم سيقع على ما اختاروا في الدنيا من الحق أو الباطل كلهم: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) [الغاشية: 25-26]، فإلى الله وحده المصير، فهو المحاسب والمجازي، فلا يذهب عمل صالح، ولا يفلت عمل سيئ، ولا يوكل الحكم إلى غير الله ممن يميلون أو ينسون أو يهملون.
أيها الإخوة: والله -سبحانه- هو الحسيب العادل الذي لا يظلم الناس شيئًا، قال –سبحانه- في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي: إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ" [صحيح مسلم 2577].
والله -جل جلاله- القوي القادر، القهار الجبار، الكبير المتعال، يَفْرَغ يوم القيامة لحساب هذين الخلقين الضعيفين: الجن والإنس، وفي وعيد وانتقام كما قال -سبحانه-: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ) [الرحمن: 31]، يا لَلْهول المرعب المزلزل، الذي لا يثبت له إنس ولا جان، ولا تقف له الجبال الرواسي، والله -سبحانه- ليس مشغولاً فيفرغ، ولا يشغله شأن عن شأن في خلقه وتدبيره، فهذا الوجود كله أنشأه الله بكلمة واحدة (كن) فيكون على ما أراد، وتدميره أو سحقه لا يحتاج إلا واحدة كلمح بالبصر.
فكيف تكون حال الثقلين، والله يفرغ لهما وحدهما، ليتولاهما بالحساب والانتقام من كل مجرم، والإكرام لكل مؤمن (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 48-49].
نسأل الله أن يشملنا برحمته الواسعة وأن يغفر لنا ذنوبنا، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه في السر والعلن في كل زمان ومكان ففي ذلك عصمة لكم من كل سيئة ووقاية من كل معصية، ودافع إلى فعل الخير وعمل الصالحات ومحاسبة النفس قبل يوم الحساب، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.
واعلموا -أيها الإخوة- أن حساب الله تعالى تام شامل، للكبير والصغير، قال تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49]، يندبون حظهم إذ لم يغادر كتاب أعمالهم أي شيء لم يسجله، بل فيه الكبير والصغير، والحقير والعظيم، الكل فيه مسطور، وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به" [أخرجه الترمذي 2416 وصححه الألباني].
أيها الأخ الكريم: ومما يعين على الحساب في الآخرة: محاسبة النفس هنا في الدنيا، حتى يخفف عنا حساب الآخرة: يقول الحسن: "المؤمن قوام على نفسه يحاسبها، وإنما خف الحساب على أقوام لأنهم كانوا يحاسبون أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب على أقوام لأنهم لم يأخذوا هذا الأمر بالجد ولم يكونوا يحاسبون أنفسهم" وعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ قَالَتْ قُلْتُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) قَالَ ذَلِكِ الْعَرْضُ" [صحيح البخاري 6536]، فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن المقصود بالحساب اليسير، هو أن تعرض على العبد أعماله وذنوبه ولا يناقش فيها، وإلاَّ لو نوقش الحساب عُذِّب.
أيها المسلمون: ومما يعين العبد على الاستعداد ليوم الحساب: معرفته بجلال الله وعظمته، وأنه لا يستطيع أحد أن يفر من الله، فكل الكون ملكه، وكل أحد في قبضته، وكل عبد ناصيته بيده، وكل أحد سيقف للحساب، وينال جزاء عمله. وأنى للإنس والجــن أن يَنْفُذُوا، أو يهربوا من ملك الله: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) [الرحمن: 33]؟! وهذا تهديد يحث على الخوف من الله واستحضار جلاله وعظمته، فكل من كان بالله أعرف فهو له أخشى.
وكذا مما يعين على تقوى الله -سبحانه- وتجنب مساخطه: الخوف من الله العظيم، وهذا ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يربّي عليه أصحابه، فعن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "والذي نفس محمد بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً" قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: "رأيت الجنة والنار" [مسلم (426)].
وحث أصحابه على استحضار الخوف من الله تعالى، مبينًا لهم شيء من عظمة الله وجلاله، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، لَوْ عَلِمْتُمْ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا، وَلَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشَاتِ، وَلَخَرَجْتُمْ عَلَى أَوْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ" [الترمذي (2312) وحسنه الألباني].
فليتق الله المسلمون ويحاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب يوم تنشر الصحف وتوزن الأعمال ويلزم كل إنسان بعمله ويؤتى كتابه إما باليمين أو الشمال أو من وراء الظهر ويرى سبيله إما إلى الجنة أو إلى النار، على كل مسلم أن يستعد ليوم المعاد الذي سوف يسأل فيه وينبأ بما قدم وأخّر، ولن تنفعه المعاذير واللف والدوران والكذب والبهتان الذي كان يفعله مع الخلق في الحياة الدنيا، كل ما عمله سوف يجده يوم القيامة في كتاب يلقاه منشوراً. قال تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء: 13، 14]، وقال -جل وعلا-: (يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) [القيامة: 13-15].
عباد الله: لن ينجو عبد من حساب الله إلا بالحسنات التي هي سبب لدخوله الجنات وإنقاذه من النيران بفضل الله ورحمته، فالأعمال الصالحة هي ثروة الإنسان ورأس ماله، فإذا كانت عليه مظالم للعباد، فإنهم يأخذون من حسناته بقدر المظالم والغيبة والنميمة والبهتان وغيرها، وإن لم يكن له حسنات أو فنيت حسناته، فإنه يؤخذ من سيئاتهم وتطرح عليه مع سيئاته ويطرح في النار نعوذ بالله من ذلك.
فعلى المسلم أن يستغل حياته ويتحلل من مظالم العباد في أيِّ شيء كان في الحياة الدنيا في زمن المهلة قبل أن يأتيه الموت ويصبح مرتهناً بعمله إلى يوم القيامة حيث لا يوجد إلا الحسنات والسيئات.
أسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال، وأن يحسن لنا الختام، وألا يتوفانا إلا وهو راضٍ عنا، الله ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيمًا.