الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عبد الله الواكد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
حفلَتْ آياتُ القرآنِ الكريمِ والسنةُ النبويةُ المطهرةُ بالنصوصِ الكثيرة التِي تُرشِدُنَا إلَى أهميةِ الحوارِ فِي حياةِ الناسِ، وتُعلِّمُنَا حُسْنَ الاستماعِ إلَى الآخرينَ، وما خلقَ اللهُ للإنسانِ فَماً وأذنينِ إلا ليقولَ ويسمعَ، وقَدْ ذكَرَ القرآنُ الكريمُ الحوارَ في مواضعَ كثيرةٍ جداً، نذكرُ منها ما دارَ بينَ اللهِ والملائكةِ مِنْ حوارٍ فِي قصةِ خَلْقِ الإنسانِ، وسؤالَ الملائكةِ لربِّ العالمينَ...
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فيَا عبادَ اللهِ: أُوصيكُمْ ونَفْسِي بتقْوَى اللهِ -عزَّ وجلَّ- القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
أيهَا المسلمونَ: إنَّ حياةَ الناسِ على هذهِ البسيطةِ، واختلاطَهُم، وتبادُلَ المصالحِ بينَهم، والتعايشَ على هذهِ الأرضِ بسلامٍ، يستلزمُ عليهم أولاً معرفةُ ما لَهُم وما عليهم، ما لَهُم مِنْ حقوقٍ، وما عليهم من واجباتٍ، وأنْ يكونَ ذلكَ نابعاً مِن شريعةِ اللهِ التي بينَتْ الحقوقَ والواجباتِ وأعطتْ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، ثم بعدَ ذلكَ إنهاءُ الخلافاتِ الفرديةِ والاجتماعيةِ، ولا يتمُّ ذلكَ بينَ الأفرادِ والجماعاتِ، إلا من خلالِ الحوارِ الهادفِ الهادئِ، لأنَّ الحوارَ -يا عبادَ اللهِ- إذا كانَ حواراً هادفاً، يقرِّبُ وجهاتِ النظرِ، ويقلصُ التشتتَ والتباينَ في الآراءِ والتوجهاتِ، ولذلك -أيها المسلمون-: فلقَدِ حفلَتْ آياتُ القرآنِ الكريمِ والسنةُ النبويةُ المطهرةُ بالنصوصِ الكثيرة التِي تُرشِدُنَا إلَى أهميةِ الحوارِ فِي حياةِ الناسِ، وتُعلِّمُنَا حُسْنَ الاستماعِ إلَى الآخرينَ، وما خلقَ اللهُ للإنسانِ فَماً وأذنينِ إلا ليقولَ ويسمعَ، وقَدْ ذكَرَ القرآنُ الكريمُ الحوارَ في مواضعَ كثيرةٍ جداً، نذكرُ منها ما دارَ بينَ اللهِ والملائكةِ مِنْ حوارٍ فِي قصةِ خَلْقِ الإنسانِ، وسؤالَ الملائكةِ لربِّ العالمينَ، قالَ تعالَى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، عندَ ذلكَ اْستجابَتِ الملائكةُ لأمْرِ اللهِ تعالَى ولمْ يكنْ ذلكَ الحوارُ معَ الملائكةِ فحسب، بلْ حتى معَ شرِّ خلقِ اللهِ إبليس، قالَ اللهُ تعالى: (فَسَجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ).
ولقَدْ حاورَ اللهُ -سبحانَهُ وتعالى- إبليسَ معَ عصيانِ هذا المطرودِ من رحمةِ اللهِ وتمردِهِ على أمرِ اللهِ، فسأَلََهُ اللهُ تعالَى عَنْ سبَبِ عِصيانِهِ بأدبِ الرحمةِ الإلهيةِ فقَالَ سبحانَهُ: (يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ).
درْسٌ عظيمٌ، وتربيةٌ ربانيةٌ، نُدرِكُ مِنْ خلالِها أهميةَ الحوارِ فِي حياتِنَا، ونتعلَّمُ منْ هذهِ الدروسِ الربانيةِ، حُسْنَ الإصغاءِ للآخرينَ ولَوْ كانُوا غيْرَ مُحِقِّينَ، لأنَّ مجردَ الإصغاءِ لهم، يشتملُ على احتواءِ كلِّ ما لديهِمْ من الأسبابِ والحُجَجِ، والأعذارِ والتأولاتِ، للوقوفِ على سببِ الخلافِ وعلاجه، ولكي يعلمَ الطرفُ الآخرُ أنكَ تُشارِكُهُ همومَهُ، ويهمُّكَ أمرَهُ، وأنكَ تسعى للاقترابِ منهُ، وتحبُّ لهُ وتخشى عليهِ.
أيُّهَا المؤمنونَ: اقرؤوا القرآنَ وتأملوه، لقَدْ تَحاوَرَ اللهُ سبحانَهُ -وهوَ الخالقُ- معَ كثيرٍ من الأنبياءِ، وتحاورَ سيدُنَا نوحٌ وهودٌ وإبراهيمُ وشعيبٌ وموسَى -عليهمُ السلامُ- مَعَ أقوامِهِمْ، وقَصَّ علينَا القرآنُ الكريمُ محاوراتِهِمْ، وتحاورَ البشرُ فيما بينَهم، فقد جاءَ فِي القرآنِ الكريمِ حِوارٌ جَرَى بيْنَ رَجُلَيْنِ أَنْعَمَ اللهُ تعالَى علَى أحدِهِمَا بِجَنَّتَيْنِ، فاغْتَرَّ بِمَا عندَهُ، وأنكرَ الإيمانَ والدارَ الآخرةَ، فكانَ صاحبُهُ المؤمنُ يُحاورُهُ بأدَبٍ، وينصَحُهُ بلُطْفٍ، قَالَ -سبحانَهُ وتعالَى-: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لكناَّ هو اللهُ ربي ولا أشركُ بربي أحداً * وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا).
لقد ندِمَ الرجلُ علَى مَا اقترَفَ، وقالَ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً، حينَ لنْ تنفعَ "ليتَ"، ولنْ تنفعَ "ليتَ" في كلِّ زمانٍ ومكانٍ مَنْ يتعامى عنِ الحوارِ والنصحِ الصادقِ.
ليكنْ هدفُنا من الحوارِ، هو توضيحُ الحقِّ، وتبيينُ الصوابِ، وهدايةُ التائهِ، بعيدًا عن حظوظ النفس والثورانِ لها.
عبادَ اللهِ: إنَّ الحوارَ مهمٌّ فِي حياتِنَا، والحوارُ ليسَ باللجاجِ والصخبِ والفوضى، والاستعلاءِ والاستنقاصِ، والاستبدادِ بالرأي، إنما هو مائدةُ حُجَجٍ وبراهينَ، وأخذٍ وعطاءٍ، وقولٍ وإصغاءٍ، وتفاهمٍ وتراحمٍ، فمتى ما علمَ الطرفُ الآخرُ أنكَ تسعى لمصلحتِهِ كما تسعى لمصلَحَتِك، فلنْ يساوِرَهُ شكٌ في صدقِكَ وأمانتِكَ، وبالتالي يَرضى بسماعِ قولِكَ وقبولِهِ، فعلينَا أَنْ نتعلَّمَ ذلكَ، ونُعلِّمَهُ أبناءَنَا وبناتِنَا، ونمارسَهُ بآدابِهِ وأخلاقِهِ فِي العلاقاتِ بينَناَ جميعاً، فليكُنِ الحوارُ الهادفُ بينَ الأزواجِ والزوجاتِ، قال تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، وبينَ الآباءِ والأبناءِ؛ فقد حاورَ إبراهيمُ أباهَ ولقمانُ ابنَهُ، وبينَ المعلمينَ والطلابِ فقدْ تحاورَ الخَضِرُ مع موسى -عليهِما السلامُ-، وبينَ المسؤولينَ والمواطنينَ فقدْ تحاورَ صفوةُ الخلقِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- مع أصحابِه، تأمَّلُوا هذَا الحوارَ التربوِيَّ الذِي ورَدَ فِي سننِ ابنِ ماجه، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهُمَا- أنه قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ بِلَبَنٍ وَعَنْ يَمِينِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ -وكانَ صغيرَ السِّنِّ- وَعَنْ يَسَارِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَسْقِىَ خَالِدًا؟!". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا أُحِبُّ أَنْ أُوثِرَ بِسُؤْرِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِي أَحَدًا. أي بفضلةِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَشَرِبَ، وَشَرِبَ خَالِدٌ.
فمَا أروعَهُ مِنْ حوارٍ جميلٍ، فيهِ احترامٌ لمشاعرِ الصغيرِ، واستماعٌ لرأيِهِ.
أيها الأحبةُ في اللهِ: إنَّ مِنْ أسبابِ نجاحِ الحوارِ الهادفِ الابتعادَ عَنِ الجدالِ بالباطلِ؛ لأنَّهُ يُستخدَمُ لقَلْبِ الحقيقةِ مِنْ غيرِ هُدًى ولاَ دليلٍ ولاَ حجَّةٍ ولاَ بُرهانٍ، قالَ تعالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ).
فالحوارُ الهادفُ ينجَحُ بالحكمةِ، وباستخدامِ أفضَلِ السبُلِ للإقناعِ، قالَ سبحانَهُ: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
والحوارُ بالتِي هيَ أحسنُ يستلزِمُ احترامَ الآخرِ، والصبْرَ عليهِ وعدمَ مقاطعتِهِ أثناءَ حديثِهِ أَوْ بيانِ رأْيِهِ، كمَا يستلزِمُ حُسْنَ الظنِّ بهِ، والحرصَ علَى عدمِ تحويلِ الحوارِ إلَى جَدَلٍ وخصامٍ، ففي الصحيحينِ عنْ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- قالتْ: قَالَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الْخَصِمُ".
ألا وإنَّ أعظمَ ما يُردُّ إليهِ النزاعُ والخلافُ هو قولُ اللهِ وقولُ رسولِهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنِي اللهُ وإياكُمْ بما فيه والسنة من الخير العميم.
وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولكُمْ ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانية:
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ذُو الجَلالِ والإِكرامِ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الأَنَامِ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ:
أيُّهَا المسلمونَ: فاتقُوا اللهَ -عبادَ اللهِ- واعلمُوا أنَّه ما مِنْ أمةٍ حكمت بشرعِ اللهِ وأخذت بمبدأ الحوارِ الهادفِ، إلا وكانتْ منْ أعظمِ الأممِ، استمعوا إلى هذا الموقفِ العظيمِ منَ النبيِّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وهو يحاورُ ذلكَ الشابَ حتى أشركَهُ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- في تمحيصِ الحقِّ وتبيانِ الصوابِ؛ ففي حديثِ أبى أمامةَ -رضيَ اللهُ عنهُ- أنَّ فتىً شاباً أتى النبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فقالَ: يا رسولَ اللهِ: ائذنْ لي في الزنا، فأقبلَ القومُ فزجروهُ، وقالوا: مهْ مهْ، فقالَ له النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "ادْنُهْ"، أي اقتربْ مني، فدنا منهُ قريباً، وتأملْ هنا كيفَ أدناهُ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، ليكونَ الحوارُ والحديثُ بينهما فقط، فيكونُ أبلغ في تحقيقِ النتائجِ، قالَ له النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-: "أتحبُّه لأمِّك؟!". قال: لا والله، جعلني اللهُ فداءَك، قال: "ولا الناسُ يحبونَهُ لأمهاتِهم". قال: "أفتحبه لابنتك؟!"، قال: لا والله يا رسولَ اللهِ، جعلني اللهُ فداءَك. قال: "ولا الناسُ يحبونَهُ لبناتِهم". قال: "أفتحبه لأختك؟!"، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لأخواتهم". قال: "أفتحبه لعمتك؟!"، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لعماتهم". قال: "أفتحبه لخالتك؟!" قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: "ولا الناس يحبونه لخالاتهم". قال راوي الحديث: فوضعَ يدَهُ عليهِ، وقالَ: "اللهم اغفرْ ذنبَهُ وطهرْ قلبَهُ، وحصِّنْ فرجَهُ". فلم يكنْ بعدَ ذلكَ الفتى يلتفتُ إلى شيءٍ.
دررٌ ونفائسُ، القرآنُ والسنةُ -أيها المسلمونَ- مدرستانِ عظيمتانِ، ولكنْ أينَ المستفيدونَ؟! فبالحوارِ الهادئِ يدخلُ الناسُ في دينِ الإسلامِ، فليستِ الدعوةُ بالإكراهِ ولكنْ بالتبيينِ والإيضاحِ باللطفِ واللينِ، وبالحوارِ الهادئ يتركُ الناسُ المعتقداتِ الباطلةِ والمناهجِ العوجاءِ والأفكارِ الضالةِ، وبالحوارِ الهادفِ غيرِ المتعصِّبِ تتقلصُ الفجواتُ في المجتمعِ فيزدادُ تلاحماً، وبالحوارِ الهادفِ الهادئ تزدادُ الأُسرةُ تماسكًا، ويتفاهَمُ الأصدقاءُ معَ بعضِهِمْ، وبالحوارِ نحقِّقُ معانِي القِيَمِ الإنسانيةِ والحضاريةِ الراقيَة، بعيداً عنِ الاستبدادِ والفوضى والأنانيةِ.
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).