الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له.
وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد:
فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.
عباد الله: إن الإسلام رفع من شأن المرأة، وكرمها أيما تكريم، وصانها مما كانت تعانيه من الظلم والهوان، وجحد الحقوق، والنظرة الدونية؛ كما كان عليه أهل الجاهلية، فلقد كانوا على شر تعاون مع المرأة، يعتبرونها كسائر المتاع، كالحيوان والأموال، يستمتعون بها فقط، دون أن يكون لها قدرا أو قيمة، إنهم يحرمونها الميراث، ويقول قائلهم: "لا يعطى الميراث إلا من حمل السيف، وحمى البيضة".
فلا يعطونها حقها، ولا يورثونها.
ولما جاء الإسلام خالفهم في هذا.
وأيضا كانت لا نفقة لها على زوجها، ولا قدرا للعدة، ولا قدرا لعدد الطلاق، ولا لتعدد الزوجات، بل ينكح الرجل ما شاء: اثنتين، أو أربعا، أو أكثر، فجاء الإسلام فحدد ذلك.
إن الرجل منهم يرث امرأة أبيه، إذا كان للرجل امرأة، ولها أبناء من غير تلك المرأة، فإن أكبر أولادها أحق بها من غيره.
فإذا توفي الرجل قام أحد أبنائه، فألقى على زوجة أبيه رداءً ليدل على أنه أحق بها، وأنه السابق لغيرها، رضيت بذلك أم لم ترض، فجاء الإسلام فخالفهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا) [النساء: 19].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كان الرجل في الجاهلية أحق بامرأة أبيه ممن سواه، إن شاء أمسكها وإن شاء حبسها، حتى تفتدي منه، أو تموت، فيرثها".
ومن سوء تعاملهم معها: أن المرأة في الجاهلية كانت تقضي عدة الوفاة حولا كاملا، تسكن أخس البيوت، وتمتنع عن كل وسائل التنظيف، فلا تقلم ظفرا، ولا تظفر شعرا، ولا يمس جلدها ماءا، حتى ينتهي ذلك الحول، فتخرج وترمي ببعرة، إشارة إلى انتهاء عدتها.
تحكي زينب بنت أم سلمة عن أخلاقهم في الجاهلية؛ فتقول: "كانت المرأة في الجاهلية إذا مات زوجها، جلست في حوش -أي بيت صغير- وجردت ملابسها، وبقيت سنة لا تقرب طيبا، ولا ماءا، حتى تخرج بعد الحول، وهي ممتنة الرائحة، قبيحة المنظر، فترمي بعد انتهاء عدتها".
وأتت امرأة إلى لنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: "يا رسول الله إن ابنتي توفي زوجها، وهي تشتكي أأكحلها؟" قال: "لا، إنما هي أربعة أشهر وعشرة أيام، ولقد كانت المرأة منكم في الجاهلية تقعد حولا كاملا".
ومن أخلاقهم في الجاهلية: أن عندهم عادات قبيحة؛ تذكر عائشة -رضي الله عنها- شيئا من ذلك، فتقول: "كانوا في الجاهلية ربما أتى المرأة عدد من الرجال، فإذا حملت دعتهم، فألصقت الابن المولود بأي واحد منهم، ولا يخالفون ذلك، وتقول: كان الرجل يصيب امرأته إلا من يعرف بأنه شجاع، أو كريم، أو ذو منزلة يصيبها، لعلها أن تحمل بولد منه! يكتسب من أخلاق ذلك الإنسان.
كل هذا من ضلالات الجاهلية.
وكانوا في جاهليتهم إذا بشروا بالأنثى؛ كرهوا ذلك: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الزخرف: 17 -18].
وكانوا يئدون البنات خوفا من العار والفقر: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ)[التكوير: 8].
ونهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن وئد البنات.
وكانوا في جاهليتهم أيضا كاليهود مثلا لا يرون للحائض أي قدر، ينبذونها كأنها قذرة وحشرة، حتى جاء الإسلام، وقال: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيء إِلاَّ النِّكَاحَ".
أيها المسلم: إن الإسلام خالف الجاهلية، فكرم المرأة حق التكريم، ومن ذلك:
أولا: أن حكمة الله اقتضت أن ابن آدم من الرجال والنساء: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) [الحجرات: 13].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء) [النساء: 1].
وأنها قسيمة الرجل في الواجبات الشرعية: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[البقرة: 228].
وأنها شريكة الرجل في أصول الواجبات، وجزاء الأعمال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) [آل عمران: 195].
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35].
فما أعظم هذا التشريف! وهذه المنزلة العظيمة للنساء والرجال جميعا!.
أيضا -يا أخي المسلم-: إن من تكريم الإسلام للمرأة: أن جعلها أماً يجب برها، والإحسان إليها، وتقديم الخدمات لها.
وجعلها زوجة تعاشر بالمعروف: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].
وجعلها بنتاً، وجعل لها حقوقا خاصة؛ فحث على تربية البنات، والصبر عليهن، والرضا بهن، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ، وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ، وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ؛ كُنَّ حِجَابًا له مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وتقول عائشة -رضي الله عنهما- في حديثها، قالت: أتتني امرأة ومعها ابنتان لها، فأعطيتها تمرة واحدة، فشقتها نصفين بين ابنتيها، ولم تأكل شيئا منها، فأعجبني أمرها، فخرجت ودخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته، فقال: "مَنِ ابْتُلِىَ بِشَيء مِنَ الْبَنَاتِ كُنَّ سِتْرًا مِنَ النَّارِ".
وتقول أيضا: "أتت امرأة ومعها ابنتان، فسألتني فلم أجد إلا ثلاث تمرات، فأعطيتها إياها، فأعطت كل تمرة للبنات، والتمرة الأخرى إلى فِيها، فاستطعمتها بنتيها، فأخرجتها من فِيها، وشقتها نصفين بين ابنتيها، فأعجبني شأنها، فأخبرت النبي بذلك، فقال: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ".
وقال أنس -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عالج جاريتين، حتى تبلغا كنت أنا وإياه في الجنة كهاتين" وأشار بأصبعيه.
ومن حق البنات أيضا على الأب: أن يزوجها بالكفؤ إذا تقدم إليها، في دينه وأخلاقه، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ، فَزَوِّجُوهُ إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير".
ومن حقها على أبيها: أن يأخذ رأيها عند خطبتها، يقول صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلاَ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ" أي يؤخذ أذنها صريحا، وسكوت البكر يدل على رضاها.
ومن حقها أيضا: أن الصداق حق لها، قال الله -جل وعلا-: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) [النساء: 4].
فجعل الصداق لها، والتنازع من أجله خاصة: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) [البقرة: 237].
ومن حقها أيضا: أنه أباح لها التملك والبيع والشراء.
ومن حقها: أن أباها ينفق عليها، وبعد أبيها تكون النفقة على زوجها.
ومن حقها: أن تعطى حقها من الميراث كاملا، سواء كان نقودا أو عقارا، وأن من يتحايل على حرمانها من الميراث، أو يضع العراقيل دونها، أو اعتقاد أن ليس لها حق في العقار، وغيره، وإنما حقها في المال فقط، فهذا ظلم وعدوان، وخلاف لحدود الله؛ فإن الله يقول: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) [النساء: 11].
فمن حاول حرمانها من الميراث، ومنعها من الميراث، فإن ذلك دليل على ظلمه وعدوانه.
ومن حقها أيضا -أيها المسلم-: أن يؤخذ رأيها في الزواج، ولا يجوز للأب أن يحول بينها وبين زواجها لمصلحة مادية يرجوها، أو لخدمة يؤملها.
بل الواجب إذا تقدم الكفؤ، ذو الدين والأخلاق أن يقبله، ويحمد الله على هذه النعمة، ويعين على زواجها، ويسهل المهمة، ولا يشدد على الزوج، بل يحمد الله أن تقدم لبنته من يرضى دينه وخلقه، لكي يرعاها حق الرعاية، ولكي ينجب منها أولادا صالحين، يكونوا خيرا للإسلام وأهله.
فحرام على الأب: أن يحرمها الزواج، أو يحول بينها وبين الزواج؛ من أجل مصالح مادية، أو غير ذلك؛ بل يجب أن يقبل ذو الكفؤ؛ بعدما يعرض عليها، ويبين لها ذلك، فإن هذا حق من حقوقها.
أيها المسلم: إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْمَرْأَةِ وَالْيَتِيمِ".
فالمرأة ضعيفة، وولي أمرها من أبيها، أو إخوانها، يجب أن يكرموها، ويحترموها، وأن لا يحولوا بينها وبين الزواج.
وإذا طلقت، فلا يجوز أن تعاب، أو تسب، أو تلمز، بأنها مطلقة؛ بل يصبر عليها، ويخدمها، ويبر بها، إلى أن يهيأ الله لها رزقا طيبا، وزوجا طيبا، والله على كل شيء قدير.
كانوا في الجاهلية يعضلون البنات عن الزواج، لا سيما المطلقة منهن، يروي الصحابي الجليل معقل بن يسار: أنه زوج أخته رجلا من المسلمين على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة لم يراجعها، حتى انقضت العدة، فهويها وهويته ثم خطبها مع الخطاب، فقال لها: يا لكع أكرمتك بها وزوجتك فطلقتها، والله لا ترجع إليك أبدا آخر ما عليك، قال: فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 232] فلما سمعها معقل، قال: "سمعا لربي وطاعة" ثم دعاه، فقال: "أزوجك وأكرمك".
فأعادها إلى زوجها الأول بعقد جديد.
كل هذا حرصا على حفظ حقوق المرأة، ورعايتها، وعدم الظلم والعدوان عليها، فإن بعض الآباء، أو بعض الإخوان، عندما تكون المرأة عندهم يحرمونها من الميراث، وإن لم يحرمونها كليا وضعوا العراقيل أمامها، فلم يعطوها حقها كاملة، واستخفوا بها، وبشأنها.
كل هذا من الأمور المحرمة شرعا، إذ الواجب القيام بالحق.
هذه شريعة الله التي بعث بها محمدا -صلى الله عليه وسلم-، اعتدالا ووسطية، ونظاما جيدا، وإعطاء كل ذي حق حقه، ورحمة وإحسانا، لا ظلم الجاهلية الأولى، ولا الجاهلية الأخيرة، التي ظلمت النساء، وأساءت إليهن أيما إساءة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقولٌ قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أما بعدُ:
فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.
أيها المسلم: سمعنا موقف الجاهلية من المرأة، وسمعنا موقف الإسلام من المرأة، وسمعنا تكريم الإسلام للمرأة، وما خص المرأة من التكريم والاحترام والإجلال، وحفظ حقوقها، إذا فماذا يريد منا المستغربون؟ ماذا يريدون منا؟
يريدون منا: أن نميل كل الميل عن الشرع: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].
يريدوا منا: أن يخرجوا المرأة عن سترها، وعن حياءها، وعن أخلاقها، وعن قيمها!.
يريدون منا: أن تكون سلعة يتاجر بصورها وبشرفها في المحافل!.
يريدون: جعلها امرأة لا قيمة لها، ولا قدر لها، إنما هي سلعة تهان، وتبتاع وتشترى وتذل.
يريدون: جعلها كما يقولون في المواسم أجمل النساء، وأحسن النساء، عبثا وظلما وعدوانا.
يريدون بالمرأة: أن لا قدر ولا قيمة؛ لأنه لا يرغب في الأولاد والإنجاب إلا القليل، فالمرأة إذا هي المتعة فقط، ليس لها وزن ولا قيمة ولا قدر ولا مكانة؛ لأن هؤلاء ليسوا على دين، ولا على أخلاق.
إذا -فيا أيها الأمة-: ماذا يريد المستغربون منا؟
يريدون منا: أن نخرجها من حياءها، ونخرجها عن سترها وعفافها.
يريدون منا: أن نجعلها امرأة متعة فقط، يريدونها سلعة مهينة مبتذلة، لا قدر لها ولا قيمة.
إن الإسلام يأبى ذلك، إنه الدين الذي جاء بالحق والعدل والوسطية والإحسان لمن تدبر وتعقل.
إن أعداءنا ما تمكنوا منا إلا لما أفسدوا نساءنا، فالمستعمرون كان همهم الوحيد إفساد المرأة، وإذلال المرأة، وخروج المرأة عن فطرتها وعقيدتها، وقيمها، إلى الآراء الغربية، والآراء المنحرفة، فلما انحرف النساء، وفسدت النساء؛ عم الفساد الجميع، فصلاح المرأة والمحافظة على عرضها وقيمها، من أسباب صلاح المجتمع؛ لأن المحافظة على كرامتها، وعلى عرضها وشرفها، يجعل المجتمع مجتمعا طيبا نزيها، مجتمعا نظيفا مترفعا عن الدنايا، وسوء الأخلاق.
أما إذا حرمت المرأة الحقوق الشرعية، وأصبحت تتشبه بـأعداء الله، بأخلاقها وقيمها، عم الشر والفساد.
بل قد انتبه أعداء الإسلام، فحاولوا عزل الجنسين، وفصل النساء عن الرجال في التعليم، وغيره، لما رأوا أن الاختلاط ضر، وأثر، وأفسد، وأعاق كل خير، وأن المرأة أصبحت لا قدر لها، ولا قيمة لها، وضعف أداؤها وإنتاجها، حاولوا أن يفصلوها عن الرجال رجاء أن يكون استقلاليتها، خوفا على أن تذهب هباء منثورا.
إذا -إخواني-: ماذا يريد المستغربون منا؟
يريدون منا: أن نجعل المرأة سلعة مبتذلة! يريدون منا أن نخرجها عن قيمها وفضائلها! يريدون منا إفساد أخلاقها، فالفاسد يفسد المجتمع، ويشوه المجتمع، ويجعل الجيل، لا فائدة منه، وهذه مصائب وبلايا.
فلنتق الله في أنفسنا، ولنراجع أقوالنا وأحاديثنا، قبل أن نقول: كم من كتاب كتبوا، وقالوا ما قالوا، وكأن الإسلام جعلها في حل وستر.
الإسلام رفع شأنها، وأعلى مكانتها.
هذه المرأة في بلادنا: معلمة، طبيبة، موظفة، تؤدي واجبها على الوجه المطلوب.
ماذا يريد المستغربون منا؟
لا يريدون ذلك!.
يريدون منا: أن تنخلع من حجابها وحياءها، وأن تخلع قيمها، وأن تبتعد عن دينها، وعن فطرتها، لتكون امرأة سيئة الأخلاق، سيئة المعتقد، سيئة السلوك.
هذا ما يريده المستغربون منا!.
وإلا ففي بلادنا للمرأة: حقوقها، وكرامتها، واحترامها، وميراثها، ووظيفتها، وأعمالها المتناسبة مع فطرتها وكيانها.
نسأل الله الثبات على الحق، والاستقامة على الهدى، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله-: أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصَلُّوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد؛ كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين؛ أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.
اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، ووفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.
اللَّهمّ أصلح قادة المسلمين، ووفقهم لكل خير، واجمع بينهم وبين شعوبهم على الخير والهدى، إنك على كل شيء قدير.
اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وامنحه الصحة والسلامة والعافية، واجعله بركة على المجتمع المسلم.
اللَّهمّ شد عضده بولي عهده سلمان بن عبد العزيز، ووفق النائب الثاني، واجعلهم جميعا هداة خير، إنك على كل شيء قدير.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
اللَّهمَّ أنت اللهُ لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانتين.
اللَّهمَّ أغثنا غيثا هنيئا مرئيا، سحا غدقا، طبقا مجللا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل.
اللّهمَّ سقيا رحمة لا سقيا بلاء ولا هدم ولا غرق.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عبادَ الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].