الوتر
كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وَأَخْطَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إذا كَانَ البَيتُ مَصْدَرَاً لِلمُنْكَراتِ، وَمَأْوَىً لِلمَعَاصِي والمُهْلِكَاتِ! فَمَا ظَنُّكُمْ بِبَيتٍ يَصْحُوا أَهْلُهُ وَيَنَامُوا، وَهُمْ عن الصَّلاةِ سَاهُونَ؟ وَلَهَا مُضَيِّعُونَ؟ وَبِهَا مُفَرِّطُونَ؟ مَا ظَنُّكُمْ بِبَيتٍ أصْواتُ الأغَانِي تَرْدَحُ فِي كُلِّ جَنَبَاتِهِ؟ وَأفْلامُ المُجُونِ والرَّقْصِ تُعْرَضُ بِشَاشَاتِهِ؟ مَا ظَنُّكُمْ بِبَيتٍ يَتَسَاهُلُ أَهْلُهُ بِالاخْتِلاطِ مَعَ الخَدَمِ والسَّائِقِينَ؟ بَعْضُ البُيُوتِ قَلَّ فِيها الحَيَاءُ، وَتَسَاهَلَتْ بِالحِجَابِ النِّسَاءُ! أليسَ هذا بَيْتَاً خَرِبَاً؟
الخطبة الأولى:
الحَمدُ لِلهِ خَلَقَ الإنْسَانَ وَصَوَّرَهُ، ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ، نَشهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُه، البَشِيرُ النَّذيرُ وَالسِّرَاجُ المُنِيرُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَهْلِ الجِدِّ وَالعَزْمِ وَالتَّشمِيرِ.
أَمَّا بعدُ: فَيا عِبَادَ اللهِ أُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عبادَ اللهِ: البَيتُ نِعْمَةٌ كَبِيرَةٌ أَيَّاً كَانَ نَوعُهُ صَغِيراً أو كبيرًا، مِلكًا أو إيجارًا، أهَمُّ شيءٍ أنَّكَ تَمْلِكُ مِفْتَاحَ بَيتٍ تَأْوِي إليهِ، تَرتَاحُ فِيه، تَسْتَتِرُ أنْتَ وَمَنْ مَعَكَ فِيهِ، تُؤَدِّي فَرَائِضَكَ فِيهِ، فَأَنْتَ واللهِ بِخَيرٍ وَعَافِيَةٍ وَسِتْرٍ، فَتَذَكَّرْ قَولَ اللهِ تَعَالى: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) [سورة النحل: 80].
قَالَ ابنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "يُذَكِّرُ اللهُ عِبَادَهُ بِتَمَامِ نِعْمَتِهِ عَليهم بِمَا جَعَلَ لَهُم مِن البُيُوتِ فَهِيَ سَكَنٌ، يَأَوونَ إليها، وَيَسْتَتِرُونَ بِها، وَيَنْتَفِعُون بِها مِن سَائِرِ الوُجوهِ.
أيُّها المُسْلِمُونَ: كُلٌّ مِنَّا يَتَمَنَّى أنْ يَكُونَ فِي بَيتِهِ مُرْتَاحَاً قَرِيرَ العَينِ، بَعِيدَاً عن المَشَاكِلِ والمُنَغِّصَاتِ. كُلٌّ مِنَّا يَطْمَحُ أنْ يَتَرَبَّى أَوْلادُهُ على الحَيَاءِ والفَضِيلَةِ، والآدَابِ العَالِيَةِ الرَّفِيعَةِ. وَهذا يَتَأَتَّى بِإذْنِ اللهِ لِمَنْ هُدِيَ لِسُلُوكِ هَدْيِ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ عليهِ أفْضَلُ صَّلاةٍ وَأزْكى تَّسليمٍ.
فَتَعَالوا بِنا يا رَعَاكُمُ اللهُ لِنُلْقِيَ الضَّوءَ عَلى الجَانِبِ التَّعَبُّدِيِّ وَالأُسَرِيِّ وَالتَّرْبَويِّ دَاخِلَ بَيْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، مِنْ دُخُولِهِ إلى خُرُوجِهِ مِنْهُ. فإنَّ في البُيُوتِ عِبَادَاتٍ بَعِيدَةً عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، تَكُونُ بَينَ الأَبْنَاءِ والأهْلِ وَالبَنَاتِ، لَهَا مِنْ الأسْرَارِ والحِكَمِ مَا اللهُ بِهِ عَليمٌ!
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْي نَبِيَّنَا –صلى الله عليه وسلم- أنَّه إذا دَخَلَ بَيتَهُ ابتدأَ أَهْلَهُ بالسَّلامِ، لِيَشْعِرهُمْ بِالأَمْنِ وَالسَّعَادَةِ وَالرِّضَى! وَقالَ: «إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلَّمَ، يَكُونْ بَرَكَةً عَلَيْكَ، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ». وَفِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ، إِنْ عَاشَ رُزِقَ وَكُفِيَ، وَإِنْ مَاتَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ، مَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَسَلَّمَ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ". أي مَضْمُونٌ لَهُ العِيشَةُ الرَّضِيَّةُ، وَحُسْنُ الرِّعَايَةِ مِن اللهِ تَعَالى.
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَال َالشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ" (رَواهُ مُسْلِمٌ).
عِبَادَ اللهِ: تَأمَّلوا قَولَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ». (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
لِنَتَدَارَسَ وَنَتَفَكَّرَ في هذا الحَدِيثِ العَظِيمِ! وِلِنُطِبِّقَهُ على مَا نَحْنُ عَليهِ! وَمَا أثَرُ هَذا الحَدِيثِ وَأمْثَالِهِ على وَاقِعِنا؟ فَبُيُوتُنَا أَقْسَامٌ: قِسْمٌ حَيٌّ بِذِكْرِ اللهِ وَطَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ، فَلا تَسْمَعُ فيهِ إلَّا خَيراً، ولا تُبْصِرُ فِيهِ إلَّا خَيراً، إنْ جَلَسَ الأبُ مَعَ أَبْنَائِهِ فلا لَغْوَ ولا غِيبَةَ، ولا سَبَّ وَلا شَتِيمَةَ. فَهَلْ تَظُنُّ أيُّها المُبَارَكُ أنْ يَصْدُرَ مِنْ هذا البَيتِ الحَيِّ مَشَاكِلُ وَمُنَغِّصاتٌ؟ !صَدَقَ اللهُ: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].
وَقِسْمٌ آخَرُ: مَيِّتٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالى! فَهَلْ تَظُنُّونَ أنْ يَخْرُجَ مِنْهُ خَيْرَاً وَبِرَّاً؟ وَأَخْطَرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ إذا كَانَ البَيتُ مَصْدَرَاً لِلمُنْكَراتِ، وَمَأْوَىً لِلمَعَاصِي والمُهْلِكَاتِ! فَمَا ظَنُّكُمْ بِبَيتٍ يَصْحُوا أَهْلُهُ وَيَنَامُوا، وَهُمْ عن الصَّلاةِ سَاهُونَ؟ وَلَهَا مُضَيِّعُونَ؟ وَبِهَا مُفَرِّطُونَ؟ مَا ظَنُّكُمْ بِبَيتٍ أصْواتُ الأغَانِي تَرْدَحُ فِي كُلِّ جَنَبَاتِهِ؟ وَأفْلامُ المُجُونِ والرَّقْصِ تُعْرَضُ بِشَاشَاتِهِ؟ مَا ظَنُّكُمْ بِبَيتٍ يَتَسَاهُلُ أَهْلُهُ بِالاخْتِلاطِ مَعَ الخَدَمِ والسَّائِقِينَ؟ بَعْضُ البُيُوتِ قَلَّ فِيها الحَيَاءُ، وَتَسَاهَلَتْ بِالحِجَابِ النِّسَاءُ! أليسَ هذا بَيْتَاً خَرِبَاً؟ واللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُخَاطِبُنَا وَيَقُولُ: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]. قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- مَا مَفَادُ: إنَّ على الرِّجَال أنْ يُلزِمُوا النِّسَاءَ بِحُقُوقِ اللهِ تَعَالَى، مِن المُحَافَظَةِ عَلى فَرَائِضِهِ وَكَفِّهِنَّ عَن المَفَاسِدِ.
فَهُمْ أَهْلُ الْوِلايَةِ، لِمَا قَدْ خَصَّهُمُ اللهُ بِه مِنْ العَقْلِ وَالرَّزَانَةِ. فَالرَّجُلُ وَظِيفَتُهُ أَنْ يَقُومَ بِمَا اسْتَرْعَاهُ اللهُ بِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ». وَلْنَتَذَكَّرْ دَومَاً وَأَبَدَاً قَولَ اللهِ تَعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: 6].
فَالَّلهُمَّ ارْزُقْنَا الاسْتِقَامَةَ على دِينِكَ وَصِرَاطَكَ المُسْتَقِيمِ، الَّلهُمَّ اهْدِنا واهْدِ بِناَ يا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ، الَّلهُمَّ أصْلِحْ لَنا نِيَّاتِنَا وَذُرِّيَّاتِنا يا ربَّ العَالَمِينَ. أقُولُ مَا سَمِعْتُمْ واسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُم وَلِلمُسْلِمينَ فاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبةُ الثَّانية:
الحَمْدُ لِلهِ أسدَى علينا النِّعَمْ، وَدَفَعَ عنَّا المَكَارِهَ والنِّقَمْ، مَذْكُورٌ بِكُلِّ لِسَانٍ، مَشْكُورٌ عَلى كُلِّ إِحْسَانٍ، نَشهدُ ألَّا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ، وَالخَيرِ العَمِيمِ، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّدا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الكَرِيمُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ وَإيمَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ واشكُروا اللهَ لَيلاً وَنَهَارَاً على مَا أَوْلَى مِنْ النِّعَمِ وَدَفَعَ مِن النِّقَمِ. عِبَادَ اللهِ حِينَ مَثَّلَ رَسُولُنَاصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ البَيتَ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ، بِأَنَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ، طَبَّقَ ذلِكَ قَولِيَّا وَعَمَلِيَّا حتى تَنَاقَلتْ أَخْبَارَهُ وَأحْوَالَهُ أُمَّهَاتُ المُؤمِنينَ!فَلنَقِفْ يَا مُؤمِنُونَ مَعَ عِبَادَاتٍ عَزَّتْ وَقَلَّتْ فِي بَعْضِ بُيُوتِنا مَعَ الأسَفِ!
يَا مُؤمِنُونَ: لَقَدْ خَافَ رَسُولُنا أنْ يَهْجُرَ أُنَاسٌ هَذِهِ العِبَادَاتِ فَكَرَّرَها فِي عَدَدٍ مِنْ المُنَاسَباتِ !
حَقَّاً لَقَدْ أصْبَحَتْ بَعْضُ البُيُوتِ قُبُورَاً لا صَلاةَ فِيهَا، ولا قِرَاءَةً لِلقُرآنِ!بَينَما رَسُولُنا –صلى الله عليه وسلم- كَثِيرَاً مَا يُكَرِّرُ وَيَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالصَّلاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ». وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنَ صَلاتِكُمْ وَلا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا». وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاتِهِ خَيْرًا».
اللهُ أكْبَرُ يا مُؤمِنُونَ مَا هذا الحَثُّ وَمَا ذَلِكَ الحِرْصُ مِن رَسُولِنا على أدَاءِ النَّوافِلِ في البُيُوتِ؟ مُؤَكَّدٌ أنَّ فِي ذلِكَ سِرَّاً وَتَرْبِيَةً وَمَصْلَحَةً! أتَظُنُّونَ أنَّ بَيتَاً يُتَعَبَّدُ للهِ فيهِ كَثِيراً، أنْ تَقَعَ مِنْ أَهْلِهِ مَعَاصٍ عِظَامٍ، وَكَبَائِرَ وآثَامٍ؟ !قَالَ أَهْلُ العِلْمِ: شُرِعَتْ النَّوافِلُ فِي البُيُوتِ لِتَكُونَ أبْعَدَ عَن الرِّيَاءِ، وَأَخْلَصَ للهِ تَعَالى!وَلِتَعودَ البَرَكَةُ عَلى البَيتِ وَأَهْلِهِ، النَّوافِلُ فِي البُيُوتِ عِمَارَةٌ لَهَا بِذِكرِ اللهِ وَطَاعَتِهِ، وَبِسَبَبِهَا تَحْضُرُ المَلائِكَةُ الكِرَامُ!
صَلاةُ النَّوافِلِ بَينَ أَفْرَادِ أُسْرتِكَ، تُرَبِّيهمْ عَلى حُسْنِ الاقْتِدَاءِ، والتَّعَوُّدِ على الطَّاعَاتِ التي هِيَ صَمَّامُ الأمَانِ مِنْ كُلِّ مُنْكَرٍ وَشَرٍّ!فكُنْأيُّها المُبَارَكُ مِنَ الأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ الذينَ يَغْرِسُونَ هَذا الخَيرَ في أَبْنَائِهِمْ. أَرأيتُمْ يَا كِرامُ إلى عَظَمَةِ هَذا الدِّينِ وَكَمَالِ الشَّرِيعَةِ؟!
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا | عَلى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ |
عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ كَانَ هَدْيُ نِبِيِّنَا –صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ يُصَلِّي قِيَامَ الَّليلِ فِي بَيتِهِ، وَرَكْعَتي الفَجْرِ، وَسُنَّة َالضُّحى، والسُّنَنَ الرَّوَاتِبِ القَبْلِيَّةِ والبَعْدِيَّةِ فِي بَيتِهِ، اللهُ أكْبَرُ إنَّهُ عِمَارةٌ لِلبَيتِ بَذكْرِ اللهِ وَطَاعَتِهِ!
أيُّها المُؤمِنُونَ: هَل تُرَونَ أنَّ سُنَنَ وَعِبَادَاتِ البُيُوتِ انْتَهَتْ؟ كلاَّ وَرَبِّي فَقَدْ كَانَ نَبِيُّنا –صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ ". يا لَهُ مِنْ تَعَلُّقٍ بِاللهِ دَائِمٍ وَمُتَّصِلٍ، وَتَقْدِيرٍ لِنِعْمَةِ المَسْكَنِ والمَأْوَى، فَهُنَاكَ أُنَاسٌ مُشَرَّدونَ، وَمُهَجَّرُونَ! وَنَحْنُ فِي أَسْرَابِنا آمِنُونَ وَمُطْمَئِنُّونَ وآكِلُونَ! فَلِلَّهِ الحَمْدُ رَبِّ العَالَمِينَ.
لَقَدْ كَانَ رَسُولُنا –صلى الله عليه وسلم- يَخْتِمُ آدَابَ المَنْزِلِ أنَّهُ إذا خَرَجَ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا" (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
أتُرَون َيَا رَعَاكُمُ اللهُ: أنَّ بَيت يُعْمَرُ بِمِثْلِ هذهِ الطَّاعَاتِ، أنْ يَدْخُلَ الشَّيطَانُ فِيهِ بالمُنْكَراتِ؟ قَالَ اللهُ تَعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
اللهمَّ صلِّ وَسَلَّمْ على نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آله وصحبِهِ أَجمعينَ. الَّلهمَّ لا تُؤمِّنَّا مَكْرَكَ، وَلا تُوَلِّ أمْرَنا غَيرَكَ، وَلا تَنْزِعْ عَنَّا سِتْرَكَ، ولا تُنْسِنَا ذِكْرَكَ، وَلا تَجْعَلْنَا مِن الغَافِلِينَ. الَّلهُمَّ ثبِّتْ قُلُوبَنَا عَلى دِينِكَ، وَصِرَاطَكَ المُستَقِيمَ.
الَّلهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. الَّلهُمَّ أَبْرِم لِهَذهِ الأُمَّةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ربَّ العالمين. الَّلهُمَّ أَدِمْ عَلَينَا نِعمَةَ الأَمْنِ وَالإيمَانِ وَفِّقْنَا وَوُلاةَ أُمورِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يا رَحْمَانُ. الَّلهُمَّ كُنْ لإخْوَانِنَا المُستَضْعَفِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
الَّلهُمَّ انصُرْ جُنُودَنَا واحفَظْ حُدُودَنا يا ربَّ العالمينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عباد الله أذكروا الله العظيمَ يذكُركم واشكروه على عمومِ نعمه يَزِدْكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعونَ.