البحث

عبارات مقترحة:

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

براهين النبوة أمام أعين المشركين

العربية

المؤلف فهد بن سعد أبا حسين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أعلام الدعاة - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. شهادة كفار قريش بأمانة وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  2. سماع زعماء قريش للقرآن .
  3. مساومة كفار قريش للنبي -صلى الله عليه وسلم- .
  4. جحود الكفار لنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- .
  5. تحكيم قريش للنبي -صلى الله عليه وسلم- في الحجر الأسود .
  6. عناد كفار قريش للنبي -صلى الله عليه وسلم- .

اقتباس

لما بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الناس يعرفون صدقه صلى الله عليه وسلم، وكانوا ثلاث طوائف: كفار قريش في مكة، واليهود في المدينة، والنصارى في الشام، وفي غيرها. وكل هذه الطوائف كانت تعرف صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو ذكرنا مواقفهم جميعا لطال بنا المقام، فلعلنا نقتصر على مواقف المشركين التي تدل على معرفتهم صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وقومه المعادين له غاية العداوة ما زالوا معترفين بصدقه صلى الله عليه وسلم، ولم ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله...

أما بعد:

لما بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- كان الناس يعرفون صدقه صلى الله عليه وسلم، وكانوا ثلاث طوائف.

كفار قريش في مكة، واليهود في المدينة، والنصارى في الشام، وفي غيرها.

وكل هذه الطوائف كانت تعرف صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو ذكرنا مواقفهم جميعا لطال بنا المقام، فلعلنا نقتصر على مواقف المشركين التي تدل على معرفتهم صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وقومه المعادين له غاية العداوة ما زالوا معترفين بصدقه صلى الله عليه وسلم، ولم يجربوا عليه كذبا، وكانوا في أول الأمر يرسلون إلى البلاد التي فيها علماء أهل الكتاب يسألونهم عنه" أ. هـ باختصار [الجواب الصحيح 5/358].

في صحيح الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: أن سعد بن معاذ -رضي الله عنه- كان إذا مر بمكة نزل عند أمية بن خلف، وكان أمية إذا مر بالمدينة نزل على سعد، فلما كان سعد بن معاذ بمكة يطوف، ومعه أمية بن خلف حصل شجار بين سعد بن معاذ وأبي جهل، فقال أمية بن خلف لسعد بن معاذ: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم سيد هذا الوادي -يعني أبا جهل-.

فقال سعد: دعنا منك يا أمية، فو الله لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنهم قاتلوك، فقال أمية: بمكة؟ قال: لا أدري، ففزع لذلك أمية فزعا شديدا، فلما رجع أمية إلى أهله، قال: يا أم صفوان، ألم تَرى ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدا أخبرهم أنهم قاتلي، فقلت له: بمكة؟ قال: لا أدري، فقال أمية: والله لا أخرج من مكة.

فلما كان يوم بدر استنفر أبو جهل الناس، قال: أدركوا عيركم، فكره أمية أن يخرج، فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى ما يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك، فلم يزل به أبو جهل حتى قال: أمّا إذ غلبتني فو الله لأشترين أجود بعير بمكة، ثم قال أمية: يا أم صفوان جهزيني؟ فقالت له: يا أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي؟ قال: لا، ما أريد أن أجوزَ معهم إلا قريبا، فلما خرج أمية أخذ لا يترك منزلا إلا عقل بعيره، فلم يزل بذلك حتى قتله الله -عز وجل- ببدر.[رواه البخاري في صحيحه برقم 3950].

وفي صحيح الإمام مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن ضمادا قدم مكة، وكان من أزدِ شنوءة، وكان يرقي من هذه الريح، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون، فقال: لو أني رأيت هذا الرجل لعل الله يشفيه على يدي، قال فلقيه، فقال: يا محمد! إني أرقي من هذه الريح، وإن الله يشفي على يدي من شاء، فهل لك -يعني رغبة في رقيتي-؟

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: قال فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرات، قال فقال: لقد سمعت قول الكهنة وقول السحرة وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغنَ ناعوس البحر -يعني قعره الأقصى-، قال فقال: هات يدك أبايعك على الإسلام، قال فبايعه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وعلى قومك" قال: وعلى قومي، قال فبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية فمروا بقومه، فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئا؟ فقال رجل من القوم: أصبت منهم مِطهرة، فقال: "ردوها فإن هؤلاء قوم ضماد"[رواه مسلم برقم 868].

وأما الوليد بن المغيرة: فإنه دخل على أبي بكر -رضي الله عنه- فسمع منه القرآن، فخرج على قريش، فقال: يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة -يعني محمداً -صلى الله عليه وسلم-، فو الله ما هو بشعر ولا بسحر، وإن قوله لمن كلام الله، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلوا وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته.

فانطلق أبو جهل بن هشام إلى الوليد بن المغيرة، فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا، قال: لم؟ قال: يعطونكه، فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يعلم قومك أنك منكر لما قال، وأنك كاره له.

فقال الوليد: دعني أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، فنزل قوله تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا) [المدثر: 11- 16] إلى قوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر: 30] [انظر: تفسير ابن كثير 8/267) والجواب الصحيح 5/374].

وفي صحيح الإمام البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لما بلغ أبا ذر مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي، فاعلمْ لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر"[رواه البخاري في الصحيح 3861].

كانوا يرون النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى العدل، وإلى مكارم الأخلاق.

كانوا يرون أنه لا يريد الدنيا، لا يريد مالا ولا متاعا، مع أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيش في فقر.

عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم أن يصير ملكا عليهم، وأن يعطوه حتى يكون من أغناهم، وأن يزوجوه ما شاء من نسائهم، فيقول: "لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أدع هذا الأمر لم أستطع أن أدعه".

وهذه الثلاث هي مطلوب النفوس في الدنيا: "السلطان -المال- النساء" فأعرض عن قبول الدنيا التي هي غاية أماني طالبها، وبين أنه لا يقدر على أن يدع ما أمر به من تبليغ الرسالة [الجواب الصحيح 5/335].

وكانوا يتعجبون من استجابة الناس له، مع أنه لم يكن عنده مال يعطيهم، ولا جهات يوليهم إياها، ولا كان له سيف بل كان السيف والمال والجاه مع أعدائه[انظر للفائدة: الجواب الصحيح 5/438].

ومن المواقف التي حصلت من قريش ما روي عن الزهري أنه قال: حُدثت أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي بالليل في بيته، وأخذ كل رجل منهم مجلسا ليستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر، تفرقوا فجمعتهم الطريق، فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا، ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا، فلما كانت الليلة الثالثة فعلوا كذلك، ثم جمعتهم الطريق فتعاهدوا ألا يعودوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك في ما سمعت من محمد، فقال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، فقال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، اطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، ثم إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به ولا نصدقه أبدا[انظر: الجواب الصحيح 5/380].

لقد كانوا يطلبون من النبي -صلى الله عليه وسلم- المعجزات، وما زالوا كذلك يطلبون حتى رأوا القمر شقين: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1].

ومع ذلك كله لم يؤمنوا، وازداد بهم الأمر، حتى بلغ بهم أن صاروا يطلبون الآيات والمعجزات على وجه العناد، لا على وجه الهدى والرشاد، قال الله -تعالى-: (وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)[الأنعام: 109-111].

ومن قامت عليه الحجة بآية تلو آية، ثم لم يؤمن، فإنما ذلك لفساد في قلبه، وهوى في نفسه، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهداية، ومن الحور بعد الكور.

بارك الله لي ولكم...

الخطبة الثانية:

الحمد لله...

أما بعد:

روى الإمام أحمد في المسند: أن قريشا عندما اختلفت في وضع الحجر الأسود في مكانه، قالوا: اجعلوا بينكم حكما، فقالوا: أول رجل يطلع من الفجِّ، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: أتاكم الأمين، فقالوا له: فوضعه في ثوب، ثم دعا بُطونهم فأخذوا بنواحيه معه، فوضعه هو صلى الله عليه وسلم[مسند الإمام أحمد برقم 15502].

ومن المواقف العظيمة التي حصلت في هذا الباب: ما جاء في تفسير قوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة: 89].

فقد كان بين اليهود وبين الأوس والخزرج في المدينة حروب: (وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ) يعني كان اليهود يقولون: سيبعث النبي الذي في آخر الزمان: (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ) [البقرة: 89] فلما بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- كفروا به ولم يتبعوه.[انظر: تفسير ابن كثير 1/326].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "كان اليهود يستفتحون على العرب بمحمد -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يبعث، يعني يستنصرون به، وكانوا هم والعرب يقتتلون فيغلبهم العرب، فيقول اليهود: سوف يبعث النبي الأمي من ولد اسماعيل فنتبعه ونقتلكم معه شر قتله، وكانوا ينعتونه بنعوته -يعني يصفونه بوصفه صلى الله عليه وسلم" أ. هـ [انظر: الجواب الصحيح 1/397].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وكان ذلك من أعظم ما دعا الأنصار إلى الإيمان به صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى الإسلام، ولهذا قيل إن المدينة فتحت بالقرآن لم تفتح بالسيف كما فتح غيرها" [انظر: الجواب الصحيح 5/160].

إخوة الإيمان: هذا شيء بسيط من الأدلة في معرفة كفار العرب صدق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرها كثير، وأما معرفة اليهود والنصارى لنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرها من دلائل النبوة، فهذه كثيرة جدا لا نستطيع استقصاءها في مثل هذه الخطبة.