الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | محمد حسين يعقوب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
في زمن الفتن، في الظلمة الحالكة، للمآسي والظُلم يعيش الربانيون في نور، اللهم نَوِّر أبصارنا وبصائرنا، اللهم نَوِّر قلوبنا وطريقنا إليك، نعم يعيش الربانيون على بصيرة في نور، نور العلم ونور الهداية ونور الصبر، "الصبر ضياء" كما قال سيد البشر محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، الربانيون يعيشون بهذه الأنوار، ولذا أول ما يأتينا من صفات الربانيين أنهم قومٌ لا تتعلق قلوبهم ببشر ولو كانوا رسلاً، بل تُعلَّق قلوبهم بالله وحده...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وإن خير الهدى هدى محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-، وإن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فإخوتي في الله: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني أحبكم في الله، وأسأل الله -جل جلاله- أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، اللهم اجعل عملنا كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل فيه لأحدٍ غيرك شيئًا.
أحبتي في الله: عن عبد الله بن بُسر -رضي الله عنه وهو من صغار الصحابة- قال: سمعت حديثاً منذ زمان: "إذا كنت في قومٍ -عشرين رجلاً أو أكثر أو أقل- فتصفحت وجوههم فلم تجد فيهم رجلاً يُهاب لله، فاعلم أن الأمر قد رقّ". والحديث في المسند وإسناده صحيح.
وتساءلت: هل رق الأمر؟! هل رق الأمر؟! تكون في مجلس -عشرين أو ثلاثين أو خمسين- في عملك، في جيرانك، في أتوبيس، في ميكروباص، في شارع، تتصفح عشرين أو خمسين تجد من كل عشرين رجلاً يُهاب لله! وتذكرت قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حين قالت له أم المؤمنين: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: "نعم إذا كثُر الخبث". اللهم زد الصالحين في أمة محمد.
أيها الأحبة في الله: إن النسبة المطلوبة لإنقاذ الأمة على الأقل خمسه بالمائة، رجل من كل عشرين، ولكن هؤلاء الخمسة ربانيون كما وصفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من إذا رُئِّيَ ذُكِرَ الله". اللهم ذكرنا بك فلا ننساك.
نعم -أخي في الله- إذا كنت في وسط النهار فأحسست قسوة في قلبك فهل تجد حولك رجلاً إذا نظرت في وجهه زادك ذلك خشوعاً؟! هل تجد؟!
كان جعفر الصادق يقول: "إذا وجدت من قلبي قساوة أتيت محمداً بن واسع فنظرت إلى وجهه فزادني ذلك خشوعاً أسبوعاً".
وكان ابن القيم -عليه رحمة الله- يقول: "كنا إذا ساءت بنا الظنون وغلبتنا الهموم أتينا شيخ الإسلام ابن تيمية، فما أن نجلس إليه وننظر في وجهه حتى يعود إلى قلوبنا البِشر وإلى صدورنا الانشراح".
إننا بحاجة لهذا النموذج من الرجال، كان يوسف بن يعقوب الماجِشون يقول: "إن رؤية محمد بن المنكدر تنفعني في ديني" تنفعني في ديني.
هؤلاء الرجال الذين رؤيتهم تنفع في الدين ومشاهدتهم تفيد في إصلاح القلوب: أنت منهم؟!
إن كلاً منا حين ذكرت هذا الحديث وهذا الأثر وهذه الأقوال طال رأسه إلى فلان أو فلان أو الشيخ فلان أو الأخ فلان، أنا أسألك أنت: أنت منهم؟! أنت منهم؟! أنت منهم؟! المطلوب أن تكون أنت منهم.
أيها الإخوة: إن أشر ما في الأمر أن كلاً منّا يُلقى بالتبعة عن كاهله، ويدفعها عن عاتقه، ويُلزم بها غيره فينظر إلى أحوال الدعاة أو المشايخ أو الخطباء أو الإخوة. ولم لا تكون أنت؟!
إنها قضية أن نفهم أن مسؤولية الإسلام لازمة علينا جميعاً، لذا -أيها الإخوة- أردت أن أحدثكم اليوم في صفة من صفات المؤمنين، وعنصر من عناصر صناعة الشخصية المسلمة: الربّانية، اللهم اجعلنا من الربانيين.
صفة الربّانية، يقول ربنا -سبحانه وتعالى- في وصف هؤلاء: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، هؤلاء هم الربانيون، يقول ربنا -سبحانه وتعالى- (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، وقال تعالى: (لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ)، وقال الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً).
أيها الأحبة في الله: هذه الآيات كلها صفات الربانيين، وبهم أردت أن أختصر على سرد صفات، وفى سرد الصفات ذكر كيف تكون منهم. اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا من الربانيين يا رب.
في زمن الفتن، في الظلمة الحالكة، للمآسي والظُلم يعيش الربانيون في نور، اللهم نَوِّر أبصارنا وبصائرنا، اللهم نَوِّر قلوبنا وطريقنا إليك، نعم يعيش الربانيون على بصيرة في نور، نور العلم ونور الهداية ونور الصبر، "الصبر ضياء" كما قال سيد البشر محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، الربانيون يعيشون بهذه الأنوار، ولذا أول ما يأتينا من صفات الربانيين أنهم قومٌ لا تتعلق قلوبهم ببشر ولو كانوا رسلاً، بل تُعلَّق قلوبهم بالله وحده، وتلك قضية تحتاج إلى الطرح في هذه الأيام، فإن أكثر الناس إمعات؛ إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساء الناس أساؤوا، إنني -ومع شديد الأسف وبمزيدٍ من الأسى- أقول: إن الأمة اليوم وهي تعانى الأمرين في المشارق والمغارب، فدماء المسلمين تنزف، وأعراضهم تُنتهك وأراضيهم تنتقص، والأمة مشغولة بكرة القدم للأسف الشديد، الأمة تقوم من أمام التلفاز لتتابع الجرائد لا لتتابع الجرائم، وإنما لتتابع الكرة، أمة قد تعلقت قلوبها بكرةٍ بين أقدام لاعبين، أهذه أمة تُنصر؟! أهذه أمة تُمكّن؟! وقد سبق أن خطبت منذ أربع سنين في قضية كأس العالم خطبة قلت فيها: أيها أنفع للإسلام؟! أن تفوز البرازيل بكأس العالم أم فرنسا؟! أيهما أفيد للإسلام أكثر؟! أيهما أنفع للمسلمين؟! أن تفوز بكأس العالم إيطاليا أم السعودية؟! ماذا يفيدنا؟! ماذا ينفعنا؟! ماذا يعود علينا؟!
يا فقراء المسلمين: تلهثون خلف الكرة وتنسون رب العالمين؟! يا شباب المسلمين: تتابعون الكرة وتغفلون عن الصلاة في المساجد؟! أهذه أمة؟!
أيها الإخوة: الرباني قد تعلّق قلبه بالله لا بالنبي، سبحان الملك، وشيءٌ يُحزن أن تقول هذا الكلام لشباب تعلقت قلوبهم بالكرة، فماذا تقول؟! مأساة مأساة مأساة بجميع المقاييس؛ يقول ربنا -عز وجل-: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ).
لما كان في غزوة أحد وأُشِيع أن النبي قد مات -صلى الله عليه وآله وسلم-، فداه أبي وأمي ونفسي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، اهتزت لذلك قلوب المؤمنين، وفي غزوة أحد دروس عظيمة وفوائد جمة ربى الله عليها أمة الحبيب؛ من هذه الدروس درس موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، غياب النبي عن الساحة -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، هذا الدرس ربى الله عليه الصحابة، قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ)، وما، إلا، الاستثناء بعد النفي يفيد الحصر والقصر، ما محمد إلا رسول، رسول يعني رجل أرسلته إليكم ليُبلِغكم، وقد بلَّغ، فإذا مات فالقضية عندكم لا عنده: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)، نعم أراد الله أن يربي الأمة على أن التعلق به وحده، فالدين دينه، والأمر أمره، والشرع شرعه، والهداية منه، والثبات منه، فالتعلق به وليس بشخص رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، أيّ أثر في هذا دون الله!! قال الله للنبي: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ)، قال الله للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، فأراد الله أن يربي الأمة على أن التعلق إنما بالله لا بشخص رسول الله، وعلى هذا يُرَبَّي الربانيون ويُرَبُّون مَن بعدهم، فالعبد الرباني عبدٌ لله وحده لا لأحد مع الله، فينبغي ألا نخلط ما لله من حق بما للرسول من حق، وقد مَرَّ المولد وكالعادة خرجت الأمة من المولد بلا حمص، فما عرفت الأمة النبي ولا اتبعت النبي ولا أطاعت النبي ولا نصرت دين النبي، ومر المولد أكل الناس الحلوى والبط المحمر وخرجت الزفة ورُفعت أعلام الصوفية وانتهت القضية عند هذا الحد، وما هو الأثر في قلوب الناس أو في أعمالهم؟! الأمر كما هو، فاللهم اهد أمة حبيبك محمد.
أيها الأحبة في الله: العبد الرباني متعلق بالله وحده؛ إن بعض الشباب تعلقت قلوبهم بأشخاص الدعاة والمشايخ والعلماء وبأسمائهم، وهذا باطل من كل وجه، وخطر على دينك أن يتعلق قلبك بشخص باسمه أو بصورته أو بفعله أو بكلامه، إنما هذا الشخص مجرد دلاَّل على بضاعة الله، فخذ البضاعة ولا تنشغل بالدلال، إن أي شيخ الآن بين لحظة وأختها يموت أو يسجن أو يفتن أو يضيع، وارد، ليس على أحد مأمن، فتعلق دينك بالرجال خطر عليك، ونحن في عصر يشنع فيه على أهل الدين، أيّ صحفي تافه يبيت يعاقر الخمر ويضاجع النساء ثم يُصبح فيكتب مقالة في عيب المفتي أو الشيخ أو العالم أو الداعية أو غيره، وللأسف الشديد يصبح هذا الكلام قرار اتهام يُصدَّق فيه الكاذب ويُكذَّب فيه الصادق؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بين يدي الساعة سنون خداعة، يُصَدَّق فيها الكاذب ويُكَذَّب فيها الصادق، ويُخَون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة". قيل: من الرويبضة؟! قال: "المرء التافه يتكلم في أمر العامة". وفى رواية: "الفاسق يتكلم في أمر العامة".
إننا في عصر خطر، فتعلق قلبك بالشخص خطر، فقد يُهدَم الشخص بنحوٍ ما أو بطريقة ما فيُهدَم عندك الدين.
أيها الإخوة: إن الدعاة أصحاب مناهج، إن الدعاة أصحاب قضية، خذ القضية ودعك من الأشخاص، فالأشخاص يموتون ويزولون والقضية دين، دين رب العالمين، والله ناصرٌ دينه ومُظهِرُ نبيه؛ لذا كن ربانياً.
فإذا بلغك أن فلانًا أذنب أو أخطأ أو فتن أو ضل أو ضاع أو ترك أو خان، كل هذا لا يؤثر فيك، إنما أنت تعمل لقضية الدين، وعلى هذا ربَّى رسول الله صحابته -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فلما أطروه قالوا: أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا، قال: "قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، إنما أنا عبد"، "إنما أنا عبد"، وانتهت القضية، مات رسول الله ووقف أبو بكر يقول قولته المشهورة: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات". فما ارتد من الصحابة رجل واحد، ما ارتد أحد بسبب موت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما ارتد من ارتد بسبب قضية الزكاة أو غيرها، أما بسبب فقدان شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يفعل ذلك أحد.
فأول صفة: أن يتعلق قلبك بالله، وكما قال شيخ الإسلام: "لن تصح لك عبودية مادام لغير الله فيك بغية". يطهر قلبك حتى لا يبقى فيه غير الله. قال محمد بن المنكدر لرجل: "لأعلمنك كلمة هي خيرٌ من الدنيا وما فيها، إذا سخط الخلق من قلبك فلم يعد في قلبك أحد إلا طلب رضا الله، ما سألت الله شيئاً إلا أعطاك إياه".
إن كثيراً من الناس اليوم لم يتعلق بأشخاص الدعاة فحسب، وإنما تعلق قلبه بالناس، ماذا يقول الناس عنه!! وماذا يظن الناس به!! وماذا يتصور الناس فيه!! تعلق القلب بالخلق بهذه الطريقة يجعله يعيش للخلق لا لله.
ذكرت بالأمس أن ضابط قضية الزهد أن الإسلام لا يحجر على المال، بل الأغنياء لهم فضل عند الله بما أنفقوا من أموالهم، وهذا محل شكوى الفقراء، قالوا: يا رسول الله: إخواننا الأغنياء يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويَفضُلوننا بصدقات أموالهم، ويَفضُلوننا بالحج والجهاد والصدقة. الشاهد: ولكن الضابط عند الأغنياء في قضية الزهد في الدنيا ألا يخشى الفقر، بل إذا تصور الفقر رضيه وقبله ولم يأنف به ولم يحتج على ربه ولم يعترض ولم يكن في صدره حرج، هذا هو الشرط، أنه يفقد سيارته وعمارته وشركته وأرصدته ويركب الميكروباص ويستأجر شقة صغيرة، هو لا يأنف من هذا، إذا كان فهو راضٍ بالله غنيٌ به، هذا هو الضابط، أما إذا كان يقول: لا، أفتقر؟! وماذا يقول الناس عني! وكيف ينظر الناس إلي! وكيف أعيش في وسط هؤلاء الناس! فهو حين ذاك عبد ماله لا عبد ربه.
تعلق القلب بالله صفة الربَّاني، فهو ليس عبداً للمال ولا عبداً للناس ولا عبداً للنساء ولا عبداً للشهوات ولا عبداً للمنصب والجاه ولا عبداً لمن يدعوه ويرتبط به، إنما هو عبدٌ لله وحده.
الصفة الثانية من صفات الربَّانيين: أنهم أهل العلم: (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)، فهو يدرس العلم ويعلمه، عالمٌ مُعلم مُربٍ مُربى، طالب علمٍ داعية، شيخٌ تلميذ، هو يعيش العمر يطلب العلم، خرج الإمام أحمد قبل صلاة الصبح يطلب مجلس أحد المشايخ فقيل له: إلى متى تطلب العلم؟! قال: "مع المحبرة إلى المقبرة".
ويُذكَر أن الإمام ابن الجوزي -عليه رحمة الله- قرأ بالعشر في الثمانين من عمره، ذهب يقرأ القرآن على شيخ وعمره ثمانون سنة. إن كثيراً منا يأنف أن يطلب العلم يقول: كبرت وانشغلت واتسعت علي الدنيا، دع الأولاد يتعلمون، وأنت؟! لقد اكتشفنا -أيها الإخوة- بعد مَرات أننا كنا نأمل في وهم، فقد كان أملنا أن يكون جيل أبناء الإخوة هو جيل التمكين، ولكن فوجئنا أن أبناء الإخوة أسوأ من الإخوة مع شديد الأسف، سامحوني أنا آسف، أعتذر، ولكن هذا هو الواقع، تلكم هي الحقيقة، أن الجيل الذي صعد الآن وبلغ سن الشباب من أبناء الإخوة الكبار على نفس النمط، والسبب أن الأب غير مُرَبَّى، فخرج الولد غير مُرَبى فلذا لابد على الأب أن يطلب العلم ليعلم ابنه ويربيه، ليوجه ابنه ويُذكِّره، ليحاسب ابنه ويُثبته، ليدل ابنه ويرشده، ليعاتب ابنه ويصلحه، ليعيش معيشة صحيحة، فطلب العلم على الكبار قبل الصغار.
طلب العلم فرض؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، افتح كتاباً من كتب العقيدة واقرأ كتاباً من كتب الفقه وادرس كتاباً من كتب السيرة، وتناول التفسير مع زوجتك وأولادك كل يوم. كل يوم طلب العلم، اسعَ، استمع إلى الأشرطة، واقرأ في الكتب، وتدارس على الإسطوانات، على الكمبيوتر وغيره، واقرأ البحوث الفقهية، تعلّم، تعلَّم تكن ربانيًا، ولا عبرة في ذلك بسن كبير أو صغير، مهما بلغ بك السن تعلَّم.
انظر لجابر بن عبد الله بعد موت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبلغه أن هناك حديثاً في الشام ليس عنده، يشتري دابة بألف درهم ويضرب أكباد الإبل شهراً من المدينة إلى دمشق ليسمع حديثاً واحداً من صحابي، حديث واحد، وأنت بين يديك ستة مجلدات، مسند الإمام أحمد سبعة وعشرون ألف حديث وكسر، أمامك بضغطة واحدة على جهاز الكمبيوتر ينفتح أمامك، صحيح البخاري سبعة آلاف وستمائة حديث، ماذا تريد؟! في مجلد واحد صغير بين يديك تتصفحه، رياض الصالحين ألف وخمسمائة حديث صحيح بدون أن تتكلف، رياض الصالحين بثلاثة جنيهات أو جنيهين ألف وخمسمائة حديث صحيح، تقرؤه في يومين بجنيهين أو ثلاثة، وإن أردت الطبعة الفاخرة التي تُريح عينك وتسر قلبك بخمسة جنيهات والأمر هيِّن.
أيها الإخوة: طلب العلم، إن أمة الإسلام اليوم يُراد بها الجهل، إن التخطيط لتجهيل الأمة بدينها واضح، تعلموا فالعبد الرباني مُعلِّم مُعلَّم، ثم زكاة العلم نشره، كلما تعلمت حديثاً اذكره لغيرك، قال رسول الله: "نعمت الهدية نعمت العطية الكلمة من الخير يسمعها الرجل فيبلِّغها لأخيه المسلم". قد كنا يوماً إذا مضينا لزيارة أخٍ نأخذ فاكهة، ثم ترقت الأمور إلى البونبون والشيكولاتة أو الجاتوه والتورتة، دعها تترقى إلى الأشرطة والكتب، إلى الأحاديث والآيات، إلى الإسطوانات والديسكات التي عليها العلم الشرعي، وتكون نعمت الهدية كما قال رسول الله سيد البشرية: "نعمت الهدية نعمت العطية الكلمة من الخير يسمعها الرجل فيبلغها لأخيه المسلم". قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بلّغوا عني ولو آية"، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "نضَّر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع".
إنني أريدك أن تخرج من خطبتي هذه الآن فتبلغ رجلاً واحداً كلمة الربَّانية، قل: أنا سمعت خطبة عن الربَّانية، ويقول لك: ما معنى الربَّانية، وتبدأ تذكر له أن العبد الرباني عبدٌ لله وحده عالم معلِّم.
الصفة الثالثة: صابر؛ اللهم ارزقنا الصبر واجعلنا من أهله، صابر صبور يواجه المكايد والمناكد، وهو كالجبل الراسخ؛ قال الله الملك ذو الجلال -جل جلاله- العليّ سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)، صفتهم الصبر، الصبر أمام فتنة الدنيا، الصبر أمام مشكلة الأذى، الصبر على الفقر، والصبر على أذى الجيران، الصبر سمتُهم، الصبر والصبر الطويل والصبر الجميل، صبر بلا ضجر، الصبر بلا تعلق بنتيجة ولا ثمرة: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا)، قيل للإمام الشافعي: أحب إليك أن يُمَكن الرجل أو يبتلى؟! قال: "لا يُمَكن حتى يبتلى". البلاء لازم، والأذى لازم، والتضييق لازم، والفقر لازم، والهم لازم، اصبر اصبر لله، والعبد الرباني صابر، الصبر الجميل حبس اللسان عن الشكوى، وحبس القلب عن التسخط، هذا هو الصبر الجميل، صبر بلا جزع، صبر بلا استعجال، صبر برضا، إنه استمراء المر واستعذاب العذاب في طلب رضا الحبيب، الصبر.
رابعاً: التألُّه والتنسك: صفة العبد الرباني أنه عابد ناسك متأله مخبت خاشع منكسر لله، ذليل مقبل متواضع، إنه لا يفتر لسانه عن الذكر ولا عقله عن التفكر ولا قلبه عن حفظ القرآن ولا جسده عن القيام في العبادة ولا لسانه عن بذل الخير للخلق، لا يَكُف، العبد الرباني عابد، تجده وقت الصلاة في صلاة، وبعد الصلاة في ذكر، وبعد الذكر في تلاوة قرآن، وبالصفة الدائمة صائم، وفي الليل قائم، ومن المال متصدق، في صلة الرحم مسارع، وفي هداية الخلق عامل، وفي إصلاح الخلق وخدمة المسلمين مسارع، رباني، بتاع ربنا ببساطة، هذا معناها البسيط الدارج، إن الراجل ده راجل بتاع ربنا، فليس لنفسه فيه شيء، ولا لأهله منه شيء، إنما هو لله، فإذا قام على خدمة أهله، إنما هو لله، وإذا عمل على إصلاح ماله فإنما هو لله، وإن جلس مع أولاده فإنما ذلك لا لشهوة بل لله. نعم إنه متعلق القلب بالله.
خامساً: العبد الرباني غيورٌ لله؛ قال تعالى: (لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ)، العبد الرباني غيور على محارم الله، كان رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لا يغضب لنفسه قط، فإذا انتُهكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء، انظر لما سرقت مخزومية من بني مخزوم من الأشراف، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قطع يدها، فجاؤوه يكلمونه فهابوه فقالوا: من يكلمه؟! قالوا: أسامة بن زيد، حبُّه ابن حبِّه، فقام أسامة وقال: يا رسول الله: المخزومية. فلما تكلم أسامة هذه الكلمة غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحمر وجهه وانتفخت أوداجه وقال: "يا أسامة: أتشفع في حد من حدود الله! والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمدٌ يدها".
وهنا يعجز اللسان عن وصف حال المسلمين اليوم في أمر الغيرة، حين ترى المتبرجات في الشوارع، لا تدري أتتساءل عن غيرة أبيها وأخيها أم تتساءل عن غيرة المسلمين الذين ينظرون فيشتهون، ليست مصيبة هؤلاء بأقل من مصيبة هؤلاء، إنك حين ترى امرأة متبرجة في الشارع تتساءل: أهذه خرجت من بيت رجل؟! مستحيل، أياً كان هذا الرجل ولا أقول: بيت مسلم، رجل يدع ابنته أو زوجته أو أخته تخرج بكامل زينتها وعليها ملابس كأنها عارية! أي رجلٍ يرضى هذا؟! لقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيّما امرأة تعطرت ليشم الناس ريحها فهي زانية"، فما بالك بامرأة لبست ليرى الناس مفاتنها ماذا تكون؟! ثم هذه المرأة التي خرجت أمام أبيها أو أخيها أو ابنها أو زوجها بهذا المنظر كلما كُتبت عليها زنية كُتبت على هذا الديوث مثلها، فإنه مُقِر، أين الغيرة؟! ثم تجدنا نمشى في الشارع ونرى وما يغضب أحدنا لله. أنا لا أقول: اضربها أو اشتمها أو آذها، ولكن على الأقل أن ينكر قلبك، أن يحزن قلبك، أن تتألم نفسك، أن تحمل الهم، أن تغار لله تقول: يا رب حرماتك قد انتهكت، وهذه يدي قد قُيدت ولساني قد مُنع وحُجب، فاعذرني فإن قلبي يقطر دماً من أجل دينك وشرعك.
العبد الرباني غيور؛ قال العبد الرباني عمر بن عبد العزيز: "وددت لو أن الناس كلهم أطاعوا الله وقُرِّض جسمي بالمقاريض".
هذه هي الغيرة، الغيرة أن تحمل همَّ هذا الدين؛ قال الله: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)، قتلوه قتلهم الله قتلوه حين قال: اسمعوني، فلما قُتِل قيل: ادخل الجنة، فبعد أن دخل الجنة ما نسي القضية: (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ) .
الله أكبر!! العبد الرباني لا يزال ناصحاً للأمة وإن آذوه وإن ضربوه وإن شتموه وإن أهانوه وإن حبسوه وإن قتلوه، يظل يدعو للأمة أن يهديها الله، اللهم اهد أمة حبيبك محمد.
نعم -أيها الإخوة- لابد أن تثور الغيرة لله في قلوبنا، بأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر بلطف، مُر بالمعروف بمعروف، وانه عن المنكر بغير منكر، وقدِّم الدين في صورة حسنة وبلِّغ الدين: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، نعم إنك بحاجة إلى أن تثور في قلبك الغيرة، إن أكبر جماعة على الساحة في هذه الأيام جماعة لها اسم مشهور، جماعة الأناماليه، وأنا ما لي، هذه الجماعة أتباعها كثير (وأنا ما لي)، أنت أمام الله مسؤول، وعن دينك مسؤول، وربك سيسألك عن علمك ماذا عملت به.
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا قلوباً حيه تغار من أجلك وتثور من أجل دينك، وثبت اللهم قلوبنا على الإيمان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله، أحمده تعالى وأستعينه وأستهديه، أومن به وأتوكل عليه، أثني عليه الخير كله، أشكره ولا أكفره، وأخلع وأعادي من يفجره.
أيها الأحبة في الله: لعل كلاً منا يتلفت الآن ليبحث عن عبدٍ رباني يزيد النظر إلى وجهه الإيمان، وأنا أقول لك ومازلت أكرر: لمَ لا تكون أنت؟! بقيت ثنتان.
أما السابعة: الربانيون يحكمون بما أنزل الله ويقيمون شرع الله؛ ففي قول ربنا -عز وجل-: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ)، فهؤلاء الربانيون يحكمون بما أنزل الله، هؤلاء الربانيون يقيمون شرع الله، إذا تكلمنا عن الحكم بما أنزل الله انصرفت الأذهان مباشرة إلى الحاكم، دعك من هذا فليس من شأننا، إنما شأني أنت يا من تجلس أمامي، هل أنت تقيم حكم الله وشرعه في نفسك ومن تعول؟! هل أنت تقيم حكم الله وشرعه في نفسك وأعمالك وأحوالك ومعاملاتك وبيتك ومن تستطيع أن تحكم فيهم؟! تلكم البداية، تلكم البداية الصحيحة، من عند نفسك، إن الذي يتحدث عن التغيير في كل شيء إلا من عند نفسه لن يغير شيئاً على الإطلاق.
فالرباني عبد، حين يريد أن يتحرك لا يتحرك إلا بإذن سيده، قال أحد الناس لي: إنه يشعر بالخشوع وحلاوة الصلاة وهو وحده أكثر من شعوره بالخشوع في صلاة الجماعة، قلت له: أنت تصلي لله لا لنفسك، فصلّ كما يريد الله لا كما تريد. نعم العبد الرباني يقيم شرع الله وإن خالف هواه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ).
نعم، (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ)، الربانيون يحكمون بما أنزل الله، أنت مُطالب أن تُنَفِذ في نفسك وزوجتك وشقتك وعملك وجيرانك ومن تستطيع أن تُقيم فيهم حكم الله أن تقيم حكم الله يا رباني، وإلا فأنت صاحب هوى.
ثم الأخيرة وأسأل الله أن يختم لنا بالجنة، الأخيرة: أنهم حفظة شهداء: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)، فهم حفظة لكتاب الله، يحفظون المصحف، يحملون بين جنباتهم القرآن، ثم هم عليه شهداء.
يا أمة محمد: أخرجكم الله شهداء على الناس: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ)، وشرط من يشهد أن يرى، فهل رأيت؟! هذه هي القضية، إنما تحصل الرؤية باليقين، وأين يقينك الذي به رأيت لتكون شهيداً للدين، شهيداً بالدين، شهيداً في الدين، شهيداً على الدين: (وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)، (فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً).
أيها الإخوة الأفاضل، أيها الأكارم: أين كتاب الله فيكم؟! فهل أنتم شهداء للدين؟! صدق رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إذ يقول: "يا عباد الله: إن منكم منفرين"، قال رسول الله: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".
إن بعض الناس ممن يحمل اللحى الطويلة والثياب القصيرة يصد عن سبيل الله، يصد عن سبيل الله بأقواله، يصد عن سبيل الله بأفعاله، يصد عن سبيل الله بتصرفاته، يصد عن سبيل الله بمعاملاته، يصد عن سبيل الله بأخلاقه، فإياك أن تكون منهم -يا عبد الله-، أنت مَظهر الدين، وأنت علامة الدين، وأنت قد ارتبط بك الدين، فكن شهادة حق، كن قرآناً يمشي على الأرض، ليكن خُلقك القرآن، احفظه واعمل به، ولِن للناس في غير ضعف، ومُر بالمعروف بمعروف وانه عن المنكر بغير منكر، واثبت على الدين، وأحسن إلى الناس وإن أساؤوا إليك تكن عبداً ربانياً.
العبد الرباني قائم بحدود الله، عفيف عن أموال الناس، عفيف العين عن النظر إلى ما عندهم، عفيف اللسان عن الرد عليهم والبطش بهم، عفيف القلب عن اشتهاء غير ما قُسِم له، العبد الرباني عبدٌ أبصر الحق فهو يسير به، فهو شهيدٌ له شهيدٌ به شهيدٌ عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.