البحث

عبارات مقترحة:

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

حقيقة الهجرة وصورها

العربية

المؤلف هاني مصطفى نجم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. المهاجر من هجر ما نهى الله عنه .
  2. حقيقة الهجرة ومعناها .
  3. مم يجب الهجرة؟! .

اقتباس

والمهاجر من هجر ما نهى الله -تعالى- عنه، كما عند البخاري في صحيحه، وفي رواية أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "المهاجر من هجر الذنوب والخطايا"، وفي رواية قال: "المهاجر من هجر السيئات"، وفي رواية قال: "المهاجر من هجر السوء"، وفي رواية قال: "المهاجر من هجر ما...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -تعالى- من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد:

عباد الله: فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ"؛ فهذا حديث عظيم الشأن، كبير النفع، وكذا كل كلام النبي -صلى الله وسلم وبارك عليه-، وهو من جوامع الكلم، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أعطيت جوامع الكلم"؛ فكان -صلى الله عليه وسلم- يتكلم بالألفاظ القليلة التي تحمل المعاني الكثيرة صلوات الله وسلامه عليه، بين في هذا الحديث حق المسلم على إخوانه من المسلمين وبين حق الله -رب العالمين-.

فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، أي المسلم الكامل في إسلامه، الذي أدى حق الله تبارك وتعالى عليه، وقام بما أوجب الله -رب العالمين- عليه، قياما بالواجبات والفرائض، المسلم الكامل هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، وخص اللسان واليد بالذكر لأن الإيذاء منهما أكثر وقوعا، وقدم اللسان على اليد لأن الخطأ منه أيسر ولأن الذنب به أعظم فالعبد قد يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يلقيه الله -رب العالمين- في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب، واللسان بكلمة واحدة قد يقع في الأحياء وفي الأموات على السواء؛ لذلك قدمه النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن أعظم الأعمال عند الله تبارك وتعالى بعد الصلاة على ميقاتها أن يسلم الناس من لسانك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-.

والمهاجر من هجر ما نهى الله -تعالى- عنه، كما عند البخاري في صحيحه، وفي رواية أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "المهاجر من هجر الذنوب والخطايا"، وفي رواية قال: "المهاجر من هجر السيئات"، وفي رواية قال: "المهاجر من هجر السوء"، وفي رواية قال: "المهاجر من هجر ما حرم الله -تعالى- عليه".

وحقيقة الهجرة -عباد الله- أن يفارق العبد أهله ووطنه فرارا بدينه إلى الله -رب العالمين-، كما فعل النبي الأمين، وكما فعل الصحابة رضي الله -تعالى- عنهم أجمعين، تركوا ديارهم وتركوا أوطانهم وتركوا أموالهم وتركوا نساءهم وأولادهم وكل شيء فرارا بدينهم إلى الله -رب العالمين-.

هذه هي حقيقة الهجرة، وأما الهجرة التي عناها النبي -صلى الله عليه وسلم- في مجموع هذه الروايات أن يهجر العبد ما حرم الله -رب العالمين- عليه، أن يهجر العقائد الباطلة، وأن يترك الأعمال الفاسدة، وأن يترك ما نهى الله -رب العالمين- عنه، وأن يترك جميع ما حرم الله -رب العالمين- عليه، وهذه هي المقصودة، بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المهاجر من هجر ما نهى الله -تعالى- عنه".

إذا كنا -عباد الله- لم نكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ننل شرف الصحبة المباركة وكفى بها شرفا فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- هجرة لا تنقطع أبدا، والعبد ينبغي أن يكون عليها ما أحياه الله -رب العالمين-؛ وذلك بأن يهجر ما حرم الله عليه، وأن يهجر الخطايا والذنوب وأن يهجر الفواحش، وأن يهجر المعاصي وأن يهجر السيئات، وأن يهجر ما حرم الله -رب العالمين- عليه.

ألا وإن من أعظم الذنوب التي نهى الله -رب العالمين- عنها والتي حذر الله -تعالى- عنها منها، أعظم الذنوب على الإطلاق الشرك بالله -رب العالمين-، فينبغي على العبد أن يحذرها ظاهرا وباطنا لأن العبد إذا لقي الله -رب العالمين- وهو يشرك بالله شيئا دخل النار، من مات وهو يشرك بالله -رب العالمين- شيئا صغيرا كان أو كبيرا، ظاهرا كان أو باطنا يسيرا أو كثيرا؛ فإنه لا يدخل جنة الله -رب العالمين-؛ فالشرك –عباد الله- أعظم ذنب عصي الله -عز وجل- به؛ عن ابن مسعود رضي الله -تعالى- عنه، قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم: "قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك"، والشرك –عباد الله- هو أكبر الكبائر وهو أعظم المحرمات وهو أعظم الموبقات، ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، فذكر صلى الله عليه وسلم أول ما ذكر الشرك بالله -رب العالمين-، العبد عباد الله إذا أشرك أحبط الله -رب العالمين- عمله، لا يقبل الله -رب العالمين- عملا، قال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزُّمَرِ: 65]، هذا كلام للإمام النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي دعا إلى توحيد الله تبارك وتعالى ليلا ونهارا وسرا وجهارا صلوات الله وسلامه عليه.

والعبد إذا لقي الله تبارك وتعالى وهو يشرك به شيئا ومات على الشرك قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [الْمَائِدَةِ: 72]، أعظم الذنوب هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله -رب العالمين- لمن مات عليه، أما من مات منه، وعاد من الشرك إلى التوحيد فإن الله تبارك وتعالى يقبل التوبة عن عباده، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) [النِّسَاءِ: 48]، كما بين -سبحانه وتعالى- في كتابه، فالشرك –عباد الله- محبط للأعمال، مخرج من ملة الإسلام إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل.

فعلى العبد أن يسأل الله -تعالى- كثيرا أن يحفظه الله -تعالى- منه، وأن ينجيه الله -تعالى- رب العالمين منه، على العبد أن يخاف منه، لأنه في أمة النبي -صلى الله عليه وسلم- أخفى من دبيب النمل، عندك الدعاء، الدعاء عبادة، من دعا الله -رب العالمين- وحده فهو موحد، ومن دعا غير الله -رب العالمين- فقد أشرك بربه -عز وجل-.

وقد علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سألت فاسأل الله"، وعلمنا الله -تبارك وتعالى- في كتابه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غَافِرٍ: 60]، ادعوني وحدي، خصوني بالدعاء، فالدعاء هو العبادة، كما قال صلى الله وسلم وبارك عليه، ومع ذلك تجد بعض المسلمين يدعون غير الله -رب العالمين-، ويتضرعون إلى غير الله، ويستعينون بغير الله، ويستغيثون بغير الله ويظنون عندهم كشف الكربات وقاضت الحاجات؛ فيطلبون الحاجات من موتاهم واتخذوا إلههم هواهم؛ فيا ذا الفضل والإنعام، إليك نشكو غربة السنة والإسلام.

والعبد العاقل لا يسأل إلا الله ولا يدعو إلا الله، ولا يستعين إلا بالله ولا يتوكل إلا على الله، ولا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا لله، ولا يتقرب بقربان إلا إلى الله، لا يفعل شيئا من العبادات الظاهرة والباطنة إلا لله رب العالمين؛ فعلى العبد إذا نزلت به نازلة أن يلجأ إلى الله؛ فكشف الضر عنه، "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت؛ فاستعن بالله"، بعض المسلمين يعتقد في الأموات نفعا أو ضرا ومنهم من يعتقد في السحرة، ومنهم من يعتقد في الجن، والله أخبرنا: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) [الْأَنْعَامِ: 17]، -سبحانه وتعالى-، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الْأَنْعَامِ: 17].

فعلق قلبك بربك واملأ قلبك رجاء وتوكلا واعتمادا على الله؛ فإن الأمة جميعا لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء أليس هذا من كلام نبينا -صلى الله عليه وسلم- الذي لا ينطق عن الهوى؟ وإن اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك"، ينبغي عليك أن تعتقد هذا، فعلى العبد أن يهجر الشرك ظاهرا وباطنا، عليك إذا أردت أن تحلف لا تحلف إلا بالله، لا تحلف بالآباء ولا بالأمهات ولا بالأنداد، لا تحلف إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حلف بغير الله فقد أشرك"، وقال: "من حلف بالأمانة فليس منا" كما قال -صلى الله عليه وسلم-، فالحلف لا يكون إلا بالعظيم جل في علاه، لا تحلف إلا بالله -عز وجل-، وكذلك من الذنوب التي يقع فيها العبد وهو لا يشعر الرياء.

أسأل الله -تعالى- أن ينجينا جميعا منه؛ فهو –عباد الله- أخفى من دبيب النمل، وهو الشرك الأصغر،  كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، الشرك الأصغر هو الرياء، بل خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- على الصحابة وهم يتذاكرون المسيح الدجال، قال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الرياء، وذلك بأن يقوم الرجل؛ فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل إليه".

والرياء يعني أن يعمل العبد العمل الصالح يصلي أو يتصدق أو يحج، يعمل العمل ولكنه لا يقصد به وجه الله -تعالى-، ولكنه يقصد به الناس لينال بذلك مكانة أو مهابة أو مقدارا أو قدرا أو رفعة أو أن يتقدم أو أن يعلو على أعناقهم فهو لا يقصد بعمله وجه الله، وعندنا في الخبر خبر الثلاثة: "أول من تسعر بهم النار" كما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم-، أعمال كثيرة وأعمال عظيمة ولكنها لم تكن خالصة لله رب العالمين؛ فأحبط الله أعمالهم، يقول الله للعبد المرائي يوم العرض عليه: "اذهب إلى من عملت له العمل لا أجر لك عندنا اليوم، خذ أجرك ممن كنت تعمل له اليوم" فالله -تعالى- يا عباد الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا وابتغي به وجه الله -رب العالمين-؛ فعلى العبد أن يحذر الرياء ظاهرا وباطنا وأن يخلص النية والقصد لله تبارك وتعالى، (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزُّمَرِ: 2].

نسأل الله -تعالى- أن يباعد بيننا وبين الذنوب والخطايا كما باعد بين المشرق والمغرب.

أقول قولي هذا..

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، وصلاة وسلاما على من لا نبي بعده، نبينا وإمامنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد:

عباد الله: لا أخوف على الناس من التورط في المعاصي والذنوب ليلا ونهارا؛ فمنا من يأكل الحرام ولا يبالي ويأخذ الرشوة ولا يبالي ويأكل مال اليتيم ولا يبالي ويأكل الميراث ولا يبالي ويشرب الخمر ولا يبالي ومنا من يكذب ليلا ونهارا، غارق في الغيبة والنميمة، يتحرى الكذب في قوله وفعله وحاله، يتطلع ويتتبع عورات المسلمين، إذا خلا بمحارم الله -رب العالمين- انتهكها، والمعصوم من عصم الله -رب العالمين-، الأمة بهذا الحال –عباد الله- تستحق رحمة الله وفضل الله وإنعام الله -رب العالمين- القائل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الْأَعْرَافِ: 96]، تنزع البركة ويقل الخير ويكثر الشر بسبب الذنوب والمعاصي والسيئات كم من متجرئ على الله في الليل والنهار، كم من ساب لدينه وكم من طاعن في شرعه، وكم من متجرئ على محارمه، وكم من مرتكب للفواحش، كم وكم إلى ما لا نهاية عباد الله، أهذه أمة تستحق فضل الله وكرم الله العالمين، نزعت البركة وقل الخير بسبب الذنوب والمعاصي.

نزعت البركة وقل الخير وكثر الشر بسبب السيئات والعصيان، فعلى العبد عباد الله أن يبدأ بنفسه، وأن يغير من شأنه وأن يهاجر من الشرك إلى التوحيد، ومن الرياء إلى الإخلاص ومن البدعة إلى السنة ومن المعصية إلى التوبة، وأن يستقيم على منهاج النبي -صلى الله عليه وسلم-، قوموا بما أوجب الله عليكم واتركوا ما نهى الله -رب العالمين-، واحذروا غضب الله وسخط الله لعل الله -تعالى- أن يرفع عنا الكرب ولعل الله -تعالى- أن يرفع عنا النقم ولعل الله -تعالى- أن يرفع عنا البلاء فأروا الله -تعالى- من أنفسكم خيرا وسيبدل الله أحوالنا إلى خير حال فإن العبد إذا أطاع الله يسر الله أمره وفرج الله كربه ورزقه من حيث لا يحتسب، وإذا عصى الله بدل الله أمره فعلى العبد أن يعلم أصل المسالة لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يرفع إلا بتوبة، وإنما تؤتى الأمة من قبل ذنوبها ومعاصيها، ولولا ستر الله علينا لافتضحنا جميعا.

نسأل الله -تعالى- كما سترنا في الدنيا أن يسترنا بستره الجميل في الآخرة وألا يفضحنا غدا بين يديه.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وتجاوز عن سيئاتنا، وأصلح لنا أحوالنا، اللهم أصلح لنا أحوالنا، اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك.

اللهم كما سترتنا في الدنيا فاسترنا في الآخرة، اللهم استرنا في الآخرة.

اللهم لا تفضحنا غدا بين يديك، ولا تخزنا يوم العرض عليك، واغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.