الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | أحمد محمد مخترش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
أيها المسلمون: لقد سبق المتقون إلى كل بر، فحازوا كل خير؛ من شرح الصدر، ويسر الأمر، وذهاب الهم، وانكشاف الغم، والزيادة من صالح العمل، والسداد في القول، وبركة العمر، وسعة الرزق، والطهارة من سيء الخلق، مع ما لهم عند الله من عظيم الأجر، ورفيع الذكر، ورفعة الدرجات، وحط الخطيئات، وبذلك تطيب الحياة وتتحقق السعادة من بين المخلوقات، وتنال الغرف العالية من الجنات، والفوز برضوان رب الأرض والسماوات، قال ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أما بعد:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أيها الناس: كل الناس ينشدون السعادة، ويطلبون الراحة، وكل ما يسعى إليه البشر من تحصيل الأموال، والترقي في الجاه، وتنويع وسائل الترف والرفاهية المباح منها والمحرم؛ إنما كان سعيهم فيها لتحصيل الراحة والسعادة، ولا راحة للعبد، ولا سعادة للقلب إلا في طاعة الله -تعالى-، وكل سعادة بغير الله -تعالى- وطاعته تزول سريعا، ولا تبقى أبدا.
أحبتي في الله: قد زُين وحُبِب لنا حب النساء والبنين، وجمع الأموال، يقول تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ)[آل عمران: 14].
فلا يكون ذلك محموداً إلا بتحقيق تقوى الله وتحكيم شرعه، ولنعلم أنه متاع متاعٌ زائل، فلا يكون هذا المتاع سببا في الطغيان والتكبر، والتجبر والإنكار، ولا يكون أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا.
وعلينا -أحبتي-: أن نحقق تقوى الله، وأن نحكم شرعه، وأن نطيع الله فيما أمر، وأن نجتنب ما نهانا عنه لنظفر بالسعادة والراحة النفسية في الدارين.
أيها المسلمون: لقد سبق المتقون إلى كل بر، فحازوا كل خير؛ من شرح الصدر، ويسر الأمر، وذهاب الهم، وانكشاف الغم، والزيادة من صالح العمل، والسداد في القول، وبركة العمر، وسعة الرزق، والطهارة من سيء الخلق، مع ما لهم عند الله من عظيم الأجر، ورفيع الذكر، ورفعة الدرجات، وحط الخطيئات، وبذلك تطيب الحياة وتتحقق السعادة من بين المخلوقات، وتنال الغرف العالية من الجنات، والفوز برضوان رب الأرض والسماوات، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 2-3].
وقال سبحانه: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].
وقال جل ذكره: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62 - 64].
واعلم يا من تطلب انشراح الصدر، وسعادة القلب -اعلم رعاك الله-: أن مفتاح السعادة، وأُسَّها وأساسها، هو في: الإيمان بالله -تعالى- رباً، وخالقاً، ومدبَّراً.
إذا عرف العبد ربَّه بأسمائه وصفاته، وأنه المالك المدبِّر بيده نواصي العباد، حينئذٍ تطمئن نفسه، ويثبت جأشه، ويقوى قلبه؛ لأنه يعلم أنَّه يأوي إلى ركن شديد، ويحتمي بملِك عظيم، قد توكل عليه، وفوَّض أمره إليه.
ومن الإيمان بالله: الإيمان بقضاء الله وقدره، والقناعة بالرزق والرضى بما قسم الله له، وإذا رُزق العبد القناعة أشرقت عليه شمس السعادة، وما قلَّ وكفى خير مما كثُر وألهى، ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث يقول: "من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله".
ومن أكبر الأسباب وأعظمها في تحصيل السعادة وانشراح الصدر وطمأنينة القلب: الإكثار من ذكر الله -تعالى-؛ فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته، وزوال غمه وهمه: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28].
ومن أسباب السعادة: لزوم التوبة والاستغفار، فبالاستغفار تُدفع الكوارث والقلائل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون)[الأنفال: 33].
وبالاستغفار تستمطر الخيرات، والنعم المباركات، وبالاستغفار تُدرك ألوان الزينة، وأنواع النعيم التي تهنأ معها النفوس: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) [نوح: 10- 12].
بالاستغفار تنقشع الأحزان، وتزول الأشجان.
وإنك لتجد عند المدمن على الاستغفار من طيب العيش، وتسهيل الأمور ما لا تجده عند غيره، وصدق الله، ومن أصدق من الله قيلاً: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)[هود: 3].
ومن أسباب السعادة: انشراح الصدر، والإحسان إلى الناس، وقصر الأمل، وعدم التعلق بالدنيا؛ ومنها: ما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ".
ومنها أيضاً: اليقين التام بأن سعادة المؤمن الحقيقية في الآخرة لا في الدنيا، وأن يحسن العبد الظن بالله -عز وجل-، وليعلق قلبه بالله، فحين يتعلق قلب العبد بخالقه تعظيماً ورجاءً وخوفاً، وتعمل من الصالحات جوارحه اتِّباعاً وإخلاصاً، فقد أصاب العبد حينها نور التقى، وإذا استقر في القلب التُّقى، فلْيبْشُرِ العبد بعدها بالراحة والهناء، فمن اتقى الله وأدى واجب ما عليه من حق الله، وتزود بنوافل العبادات، وأكثر من فعل المعروف، وبذل الصدقات؛ فتح الله له أبواب الرزق، ويسر له أسباب الكسب، وجعل في قلبه القناعة والرضى، اللذين هما أغنى الغنى.
عباد الله: إن الله يحجب السعادة عن كل من أعرض عنه، وعن كل من لم يعترف بألوهيته، ويدين بربوبيته، فيقول سبحانه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[طه: 124].
أي أن حياته كلها في نكد، إنها معيشةٌ يُصوِّر واقعَها الإمام الحافظُ ابن كثيرٍ -رحمه الله- بقوله: "أي: ضنكًا في الدنيا؛ فلا طمأنينة له، ولا انشراحَ لصدره؛ بل صدرُه ضيِّقٌ حرجٌ لضلاله وإن تنعَّم ظاهرُه، ولبِسَ ما شاء، وأكل ما شاء، وسكنَ حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلُص إلى اليقين والهُدى فهو في قلقٍ وحيرةٍ وشكٍّ، فلا يزالُ في ريبه يتردَّد، فهذا من ضنك المعيشة".
ثم بعد ذلك ماذا؟ ماذا في الآخرة؟ (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)[طه: 124].
فإن من سكن القصر وهو دون إيمان كتب الله عليه: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[طه: 124].
ومن جمع المال بلا إيمان ختم الله على قلبه: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).
ومن جمع الدنيا، وتقلد المنصب بلا إيمان، جعل الله خاتمته: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا).
وإن مما يحجب ويفقد السعادة: الذنوب والمعاصي التي قال عنها المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
وكما أن من مهلكات السعادة، جعل البيت المسلم محلا لمردة الجن، وبعد الملائكة، وذلك لعدم قراءة القرآن فيه، وجعله مرتعاً لكلام الشيطان بسماع الغناء مزمار الشيطان، ورقية الزنا، الذي ينبت النفاق والقلق، وبنشر الصور التي حرمها الشارع على جدرانه وفي فنائه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة ".
فما بال الكثيرين يغلقون أبوابهم في وجوه الملائكة، ويستدعون أسباب الشقاء والقلق، ثم هم ينشدون السعادة بعد ذلك؟!
قصة ترويها من عاشت أحداثها، تقول: هي امرأة متزوجه، ولها ولدان، تقول: كانت السعادة تخيم على منزلنا، وفجأة بدأت المشاكل في هذا البيت، بدأ الزوج دائماً غاضب، الأولاد دائماً في مشاكل، الزوجة دائماً في همٍّ وغضب، البيت كأن ناراً قد أحاطت به من كل جانب، حتى قارب الأمر على الطلاق، تقول: فجاءتها امرأة ناصحة، وقالت لها: أين أنتِ عن سورة البقرة؟ اقرئي سورة البقرة.
تقول: فأخذت أقرأها وأوصيت زوجي بقراءتها، وأمرت أبنائي بقراءتها، ووضعنا شريطاً في المسجل فيه سورة البقرة، أصبح البيت كله يردد سورة البقرة، يوم تلو يوم، بدأت المشاكل تخف وتنتهي من البيت إلى أن انتهى الأمر إلى كما هو عليه، وعاد زوجي ذاك الضاحك الذي كنت أعرفه.
تقول: وفي يومن من الأيام دخلت لأنام، فلما نمت رأيت رؤيا عجيبة، رأيت امرأة هي أسوء وأقذر وأبشع امرأة رأيتها في حياتي، ومعها أطفال على شاكلتها، تقول هذه المرأة: رأيتها داخل بيتي تريد أن تخرج من بيتي، تقول: فقلت من أنت؟
فقالت: نحن من أهل الأرض نحن من الجن أردنا مجاورتك في بيتك، ولكنكِ طردتنا بسورة البقرة، وأخذت تردد هذا الكلام، فلما استيقظت الأم وإذا بالأبناء يذاكرون والزوج نائم، والسكينة ترفرف على البيت، وكأن الملائكة تحف بهم.
"لا إله إلا الله" كم بيتٍ من بيوت المسلمين -إلا من رحم الله- طردوا الملائكة من بيوتهم! واستضافوا الشياطين في بيوتهم! كلام الله وقرآنه لا يكاد يقرأ فيها! وكلام الشيطان ومزماره ليل نهار تدندن فيها! وإذا رأيت أهلها رأيت الضيق والبؤس على وجوههم -والعياذ بالله-.
فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ-: وَاحْرِصُوا عَلَى أَسْبَابِ السَّعَادَةِ، وَتَشَبَّثُوا بِهَا يَطِبْ عَيْشُكُمْ، وَتَهْنَأْ حَيَاتُكُمْ.
نَسْأَلُ اللهَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ أَنْ يُصْلِحَ عَيْشَنَا وَحَالَنَا فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَجْعَلَ لَذَّتَهَا مَوْصُولَةً بِلَذَّةِ الآخِرَةِ، وَأَنْ يُبَاعِدَ عَنَّا أَسْبَابَ الضِّيقِ وَالْعَنَاءِ، وَأَن لا يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِ دَارِ الشَّقَاءِ.
أقولُ هذا القول، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام المتقين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: إن السعادة، هي الاستقامة على دين الإسلام، واتباع منهج سيد المرسلين، والتزود من الدنيا بالأعمال الصالحات، قال تعالى: (منْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل: 97].
وذلك في الدنيا حتى ولو كان قليل مال وجاه وشهرة، وأما بعد الممات وأما في الآخرة: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97- 98].
وقوله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الأحقاف: 13].
الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا على الإيمان به فلا خوف عليهم بعد موتهم ولا من فزع يوم القيامة وأهواله، ولا هم يحزنون على ما خلفوا ورائهم بعد مماتهم من حظوظ الدنيا، فالسعادة الكبرى -والله- هي عند خروج العبد المؤمن من هذه الدنيا فيُبشر عند موته بروحً وريحان، وربٌ غير غضبان، وعند فوزه بدخول الجنة، فتلك -والله- هي السعادة العظمى التي لا يخالطها كدر.
واسمعوا –إخواني- لهذه القصة، اسمعوا -يا شباب الأمة- قصة شاب يرويها أحد الدعاة، ويقسم بالله الذي لا إله إلا هو إنه على يقين، وأنه حدثه بها عدول، ومن سمعها وراءاها وشاهدها، يقول قبل فترة جاءت الموافقة على إكمال طريق أبها الحجاز، فوصلت الشركة المنفذة للمشروع إلى منطقة يقال لها: شمران، فأوقف سير هذه الشركة، وإتمام هذا الطريق، مقبرة قديمة في هذه المنطقة، فذهبت تلك الشركة إلى المحكمة في شمران، ثم قدموا عليهم استدعاء يستفتونهم في شأن هذه المقبرة التي وقفت في إتمام هذا الطريق، فصدرت الفتوى من هيئة كبار العلماء بتغير أماكن هذه القبور، فشكلوا لجنة.
أحبتي الكرام: آخر من دفن في هذه المقبرة قبل ثلاثين سنة.
يا إخوان: بالله تأملوا معي في هذه القصة: آخر من دفن قبل ثلاثين سنة، شكلوا لجنة من المحكمة ومن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن البلدية، ومن أعيان القبيلة لنبش هذه القبور، وتغير أماكنها، بدأوا في عملهم، أخذوا ينبشون القبور قبراً تلو قبر، ما يجدون في هذه القبور إلا روائح منتنة ورفات العظام، فوقفوا على ذاك القبر، وبدأوا ينبشون التراب من على ذلك القبر.
أحبتي الكرام: عيشوا معي هذا الواقع، ينبشون القبر على صاحبه، حتى وقفوا على اللحود والصلايا، أبعدوا تلك اللحود، فإذا بالجميع يكبر وجدوا صاحب ذلك القبر في كفنه كما هو، ما تغير الكفن! أبيض! ورائحة طيبة زكية! فضلاً عمن هو داخل ذلك الكفن! أخرجوه من قبره! والجميع يكبر!.
يا الله يا الله منه سعيد الحظ الذي داخل هذا الكفن! أخرجوه من القبر ثم فتحوا الغطاء عن وجه! وإذا بأعيان القرية والقبيلة يعرفونه ! هذا فلان ابن فلان! مات قبل ثلاثين سنة!.
يا الله وجدوه كما هو لم يتغير! وجهه هو هو! ما تغير جسمه هو هو! ما تغير كفنه هو هو! ما تغير، أخذوه وحملوه، ثم ذهبوا به إلى أبيه، طرقوا الباب على أبيه! ثم أدخلوا الولد على الأب فتح الغطاء عن وجه! ثم جعله في حضنه! وأخذ ينظر إلى ابنه ويقبله! ويقول: يا الله ما أعظمك! يا الله ما أكرمك! بعد ثلاثين سنة تعيد لي ابني وما تغير منه شيء!.
حملوه وغيروا قبره! ثم عاد الصالحون إلى الأب يسألونه، يقولون للأب: نسألك بالله على إيش مات ابنك؟! ليش هذه النهاية ثلاثين سنة ما تغير في قبره؟! ثلاثين سنة رائحته طيبة زكيه! كأنه دفن اليوم أو قبل أيام! على أي شيء مات ابنك؟!.
اسمعوا –أحبتي-: اسمعوا -يا شباب- اسمعوا -يا من ضيعتم الصلاة- قال ذاك الأب: والله منذ أن عرفت ولدي ما تأخر ولا فاتته تكبيرة الإحرام! ولا فاته الصف الأول! والله إني منذ عرفت ولدي ما عمري جيته وصحيته لصلاة الفجر! أجي أصحيه لصلاة الفجر وإذا هو صاحي وقد توضئ! وذهب إلى صلاة الفجر! والله ما أتعبني في قضية الصلاة، محافظ على صلاته!.
أحبتي في الله: والله لا نسعد إلا بالدين؛ إلا بالطاعة؛ إلا بالعبادة!.
لن تسعدنا شاشات وقنوات! لن تسعدنا مباريات وكأس العالم ومتابعتها! لن نسعد يوم أن نعلق القلوب بغير الله! لن نسعد –والله- إلا بالقرب من الله.
أسأل الله أن يجعل قلوبنا معلقة به سبحانه.
فاتقوا الله -عباد الله-: وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وأَعِنه على البِّر والتقوى، وسدِّده في أقواله وأعماله، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة.
اللهم وفق جميع ولاة أُمور المسلمين للعمل بكتابك، واِتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم إنا نسألك ألسنة ذاكرة صادقة، وقلوباً سليمة، وأخلاقاً مستقيمة، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة، يا كريم يا رحيم.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].