العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
إن سلامة القلوب وصلاحها يكون باستقامتها على أمر الله تعالى ، وإذا استقام قلب العبد ضمن صاحبه طهارته من الشرك والنفاق والرياء والحسد والغش للمسلمين ، ومن كان سليم القلب فاز في الدنيا والآخرة0
وأصحاب القلوب السليمة يدركون من الأجر ، ويبلغون من المنازل بطهارة قلوبهم ونقائها ما لا يبلغه الصائمون القائمون بصيامهم وأعمالهم الصالحة
الحمد لله ؛ اختار لنا من الدين أحسنه ، ومن الشريعة أكملها ، أحمده على ما من به علينا من عظيم النعم ، وأشكره فكم دفع عنا من النقم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ؛ شرع الصيام تطهيرا للقلوب ، وزكاء للنفوس ، وصلاحا للعباد في المعاش والمعاد (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: من الآية184] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ؛ كان يصوم حتى يقول أصحابه لا يفطر ، ويفطر حتى يقولوا لا يصوم ، وما استكمل صيام شهر إلا رمضان ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد :
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ؛ فإنكم في شهر تتأكد فيه التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183] أيها الناس : امتن الله تعالى على المؤمنين بأن جمع قلوبهم على الإيمان ، ووحد كلمتهم ضد الأعداء ، وجعلهم إخوة متحابين متعاونين ، وحين كانت الثارات والحروب بين قبيلتي الأنصار: الأوس والخزرج جاء الله تعالى بالإسلام الذي جمعهم بعد التفرق ، ووحدهم بعد الشتات ، وأبدل ما في قلوبهم من البغضاء والشحناء محبة ووئاما وإيثارا (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران: من الآية103] بل امتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بتأليفه سبحانه بين قلوبهم ، وجمعه لكلمتهم ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليجمعهم ولو أنفق كنوز الأرض في سبيل ذلك ؛ لتمكن الشيطان منهم ، وامتلاء قلوبهم بالضغينة والشحناء ، فمن رحمة الله تعالى أن أزال ذلك من قلوبهم ببركة الإسلام ، وغسل قلوبهم من الأحقاد بماء الإيمان (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:63] إن سلامة القلوب وصلاحها يكون باستقامتها على أمر الله تعالى ، وإذا استقام قلب العبد ضمن صاحبه طهارته من الشرك والنفاق والرياء والحسد والغش للمسلمين ، ومن كان سليم القلب فاز في الدنيا والآخرة.
وأصحاب القلوب السليمة يدركون من الأجر ، ويبلغون من المنازل بطهارة قلوبهم ونقائها ما لا يبلغه الصائمون القائمون بصيامهم وأعمالهم الصالحة ؛ كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: "كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة ، فطلع رجل من الأنصار تَنْطِفُ لحيتُه من وضوئه قد تعلَّق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغدُ قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلَ ذلك ، فطلع ذلك الرجل مثلَ المرةِ الأولى ، فلما كان اليومُ الثالثُ قال النبي صلى الله عليه وسلم مثلَ مقالتِه أيضا ، فطلع ذلك الرجلُ على مثل حاله الأولى ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال :إني لاحيتُ أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا فإن رأيت أن تؤويَني إليك حتى تمضيَ ، فعلتُ ، قال : نعم ، قال أنس: وكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئا غير أنه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبَّر ، حتى يقومَ لصلاة الفجر ، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن احتقر عمله قلت: يا عبد الله ، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هَجْرٌ ثَمَّ ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاثَ مرار فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملُك فاقتدي به ، فلم أرك تعمل كثير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت ، قال: فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه ، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهى التي لا نطيق" رواه أحمد .
وفي حديث آخر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أفاضل الناس هم من سلمت قلوبهم من الضغائن والأحقاد ؛ كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أفضل ؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان ، قالوا: صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب ؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد " رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.
وامتدح الله تعالى من جاء بعد الصحابة رضي الله عنهم فسلمت قلوبهم عليهم وعلى عموم المسلمين ، ونوه الله تعالى بدعائهم في قرآن يتلى إلى يوم القيامة (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10] وأرشد الله سبحانه وتعالى إلى كيفية التعامل مع من ناصبك العداء من إخوانك المسلمين بأن تقابل إساءته بالإحسان ، وترد جهله بالحلم ، ولا تستسلم لعمل الشيطان وكيده ووسوسته الذي يدفعك إلى الانتصار والانتقام دفعا (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت:34-36] وصاحب القلب السليم على إخوانه المسلمين متصف بصفات أهل الجنة ، الذين سلمت قلوب بعضهم على بعض من الغل والكراهية بتطهير الله تعالى لها (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47] ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم حالهم في الجنة فقال: " لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم على قلب رجل واحد " رواه البخاري.
إن قلوب العباد تفسدها الضغائن والشحناء والحسد والأحقاد ؛ حتى يشقى بها أصحابها في الدنيا ، فلا يهنئون بعيش ، ولا يرتاح لهم بال ، ولا ترفع لهم أعمال ، مع ما يفوتهم من الخير الكثير ، بل ويفوتون الخير على غيرهم بسبب ما في قلوب بعضهم على بعض ، ولتعلموا - أيها الإخوة - أن ليلة القدر رفع العلم بها في سنة من السنوات - ولا تزال معرفتها مرفوعة إلى يوم القيامة - بسبب خصومة وقعت بين رجلين ؛ كما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : "خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت ..." رواه البخاري.
وأما عدم رفع العمل الصالح بسبب الشحناء فجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا" رواه مسلم ، وفي رواية لأحمد "تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل لكل عبد لا يشرك به شيئا إلا المتشاحنين يقول الله للملائكة: ذروهما حتى يصطلحا" .
وكم في المسلمين من التقاطع والتدابر بسبب خلافات يمكن علاجها ، وإزالة أسبابها ؟! كم في القرابة والأرحام والأصهار من الشحناء والبغضاء ، والحسد والهجران ، والتفرق والاختلاف بسبب إرث لم يقسم ، أو مزارع ميتة لا تساوي شيئا ، يدفعون أضعاف أثمانها للغرباء عنهم ، ويعزُّ على الواحد منهم أن يتنازل عن شبر واحد منها لقريبه ، ولم تكن الأرض هي السبب ، ولا الإرث هو المشكلة ، إنْ هي إلا تعلات تجعل في الواجهة ، وأعذار تبدى للناس عند المناقشة، ولكن المشكلة الحقيقية هي في قلوب امتلأت بالضغائن ، واسودت بالأحقاد ، فتمنى القريب معها لقريبه كل سوء ، وحسده على كل خير...
وكم في البيت الواحد من قطيعة وهجران بين الزوج وزوجته ، والأب وابنه ، والأخ وأخيه ، يشربون ويأكلون من زاد واحد ، ويستظلون تحت سقف واحد ، وربما جمعهم مجلس أو فراش واحد ، فيعرض كل واحد منهما عن الآخر ، فأي بؤس لأسرة تجتمع أبدان أصحابها كل يوم وكل ساعة ، وقلوبهم متفرقة متنافرة ؟! وأي ضرر يصيب من قدر عليه أن يعيش بينهم ، ويكتوي بنار قطيعتهم؟!
أرحام جمعتها أواصر الرحم ، ووشائج القربى ، ففرقتها الأحقاد ، ومزقتها الضغائن ، ويا ويل قاطعيها من الرحمن جل جلاله ؛ إذ أوجب صلتها ، وحرم قطيعتها ، وقال سبحانه في الحديث القدسي : " أنا الرحمن وهي الرحم ، شققت لها اسما من اسمي ، من وصلها وصلته ، ومن قطعها بتته" رواه أبو داود.
وكم في الجيران من قلوب لا تخلو من كدر الحسد والغل والكراهية ، بيوتهم متجاورة وربما متلاصقة ، ويسلكون في ذهابهم وإيابهم طريقا واحدة ، ويشاهد بعضهم بعضا صباحا ومساء ، بل يصطفون في مسجد حيهم خلف إمام واحد ، قد التصقت أكعبهم ومناكبهم في عبادة من أجلِّ العبادات وأعظمها عند الله تعالى ، ولكن بينهم من التنافر والتباعد أبعد مما بين المشرق والمغرب ، وإذا جمعهم الله تعالى على غير ميعاد في سوق أو وليمة أو عند باب المسجد أعرض هذا وتنحى ذاك ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وكم بين بعض الزملاء في الوظائف والشركات والمؤسسات من الضغينة والبغضاء والتقاطع والتدابر والهجر بسبب التنافس على الترقيات أو الدورات أو غيرها مما هو من عرض الدنيا التي لا تساوي أن يتقاطع الإخوان من أجلها، ولا أن يتهاجروا في سبيلها، مكاتبهم متجاورة، ويقضي بعضهم مع بعض في يومهم أكثر مما يقضون مع والديهم وأهلهم وأولادهم، قد جمعتهم الوظائف والمكاتب، ولكن فرق الشيطان بين قلوبهم بعرض من الدنيا يزول، ولا تزول ضغائنهم، نعوذ بالله تعالى من ذلك.
ولو فتشت عن كثير من أسباب الغل والكراهية ، والتدابر والقطيعة ، لوجدتها أسبابا تافهة ، ولكنه الشيطان الذي أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم.
إنها عزة متوهمة ، وقوة مزعومة تمنع الواحد من المتخاصمين أن يزيل أسباب الخلاف ، ويدحر الشيطان ، ويبدأ صاحبه بالسلام ، وتمضي الأيام وهما على قطيعتهما ، فلا ترفع إلى الله تعالى أعمالهما ؛ لأن رفع الأعمال مشروط باصطلاحهما ، وإزالة الشحناء بينهما ، وصفاء قلب كل واحد منهما على صاحبه.
ولو مات أحدهما وهما على قطيعتهما لندم الآخر ، ومن ختم حياته بهجران أخيه المسلم فبئس الخاتمة ، فإن كان جارا له فبئس الجار ، وإن كان ذا رحم فالأمر أشد ، والمعصية أكبر ، وبقدر قرب رحمه منه مع هجره له يزداد الإثم ، وتعظم شناعة الهجر والقطيعة ، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار" رواه أبو داود, هذا في حق المسلم عموما ، فكيف إذًا بالجار ، ثم كيف بذي الرحم والقرابة؟!
فإن بلغ الهجر بينهما سنة كاملة فالأمر أخطر ، والإثم أشد ؛ لما جاء في حديث أبي خراش السلمي رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه" رواه أبو داود, فكيف إذن بهجران وتقاطع يمتد سنوات كثيرة ؟! نعوذ بالله تعالى من ذلك ، ونسأله سبحانه أن يطهر قلوبنا من الحقد والحسد والضغينة ، وأن يجعلها قلوبا سليمة (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: من الآية10].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ...
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد :
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ، واعمروا أوقاتكم بذكره وشكره وحسن عبادته ؛ فإن الأعمار تمضي ، والأعمال تكتب ، ولا ينفع العبد في آخرته بعد رحمة الله تعالى إلا ما قدم من عمل صالح في الحياة الدنيا (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30] أيها الناس: شهر رمضان شهر خير وبركة وإحسان ، وهو فرصة عظيمة لتطهير القلوب من أدران الحسد والبغضاء ، والكراهية والشحناء.
إنه فرصة لوصل أرحام قطعت ، وزيارة إخوان هجروا..
إنه مناسبة جليلة لإزالة أسباب الخلاف والنزاع بين المتخاصمين ، ووضع حد للمتهاجرين والمتقاطعين ،
إنه فرصة لأن تسمو فيه النفوس على حظوظها ، وتتطهر فيه القلوب من أدرانها وغلوائها ، فتمتد فيه الأيدي بالمصافحة بعد سنوات الانقباض ، وتطرق فيه الأبواب للزيارة بعد طول الجفاء والهجران ، وتجتمع فيه الأرحام بعد التفرق والانقطاع.
إن رمضان قد جمع المسلمين في وقت إمساكهم وإفطارهم ، وضيق مجاري الشيطان في عروقهم، فصار للصائمين فيه إقبال على الخير والإحسان ، ومشاهد ذلك ظاهرة للعيان في موائد الإفطار ، وكثرة البر والصدقات ، ومساعدة الناس ، فلماذا لا يمتد هذا الإحسان إلى مواطن النزاع ، ومواضع الخلاف ، فتزال أسبابها ، ويستعلي على حظوظ النفس أصحابها ، فيستبقون إلى من قطعوا وهجروا بالمصافحة والاعتذار استباقهم إلى سائر أنواع البر والإحسان ، ورمضان هو الفرصة المواتية لذلك ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصيام سبب لإزالة ما في القلوب من الإحن والغش والدغل ، فتكون النفوس أقرب ما تكون إلى الصفح والعفو والمسامحة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يذهب كثير من وحر صدره فليصم شهر الصبر أو ثلاثة أيام من كل شهر" رواه أحمد ، وفي رواية للنسائي " ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر صوم ثلاثة أيام من كل شهر" .
وجاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر ، ويذهب مغلة الصدر قال: قلت: وما مغلة الصدر ؟ قال: رجس الشيطان " رواه أحمد.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: "مغل الصدر ما يجده الواجد في صدره من الغل والفساد".
وجاء في غير ما حديث أن الصيام جنة يستجن بها العبد ، ومن جملة ما يستجن منه العبد بالصيام الأحقاد والشحناء والبغضاء ، حتى يكون قلبه سليما على إخوانه المسلمين.
ألا فاتقوا الله ربكم أيها المسلمون ، وأصلحوا ذات بينكم ، وطيبوا قلوبكم على إخوانكم ، وصلوا ما قطعتم من أرحامكم ، وأزيلوا أسباب الخلاف والنزاع بينكم ، وخذوا بوصية نبيكم صلى الله عليه وسلم التي وصاكم بها فقال عليه الصلاة والسلام " لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال".
وصلوا وسلموا على نبيكم...