الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | مريزيق بن فليح السواط |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
نعمة الطعام تدعوك إلى عبادة الله تعالى، وتوحيده معرفة وإثباتًا، وقصدًا وطلبًا، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ). نعمة الطعام تدعوك إلى الإسلام، والبراءة من أهل الشرك والأصنام، قال تعالى: (قُلْ أغيرَ اللهِ أتَّخِذُ وَليًّا فاطِرِ السمواتِ والأرضِ وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ قُلْ إنّي أُمرتُ أن أكونَ أوَّلَ من أسْلَمَ ولا تَكُونَنَّ من المُشركين).
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكَفَانا وآوانا، وجعلَنا بفضله مسلمين، أحمده سبحانه، وأشكره على نعمه وآلائه، وقد تأذّن بالزيادة للشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له ربُّ العالمين، ووليُّ الصالحين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، إمامُ المتقين، وسيدُ ولد آدم أجمعين، اللهم صل وسلم وبارك وأنعم، على عبدِك ونبيّك محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.
أما بعد:
فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله تعالى، ومراقبته في السر والنجوى، وحمده وشكره على نعمه التي عليكم تترى، قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)، ويقول سبحانه -آمراً عباده بتَذَكُّر نعمه عليهم، وفضله لديهم-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
ونعم الله -بأصنافها وأشكالها وألوانها- تثبت بطاعة الله، وتزداد بعبادة الله، وبكفرها، وعدم شكر مُسديها، واستعمالها في غير طاعة مُعطيها، تَزولُ هذه النعم، وتَحلُّ النقم: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، فإذا دامت منكم نعمة الطاعة والاستقامة، دامت عليكم نعمة الدنيا والآخرة، وإذا اقترفتم المعصية، وبارزتم بالفاحشة، حلّت عليكم نقم الدنيا، مع ما أُعد لكم في الآخرة: (وضَرَبَ اللهُ مثلًا قرْيةً كانتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُهَا رَغَداً من كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بأَنْعُمِ اللهِ فأَذَقَها اللهُ لباسَ الجُوعِ والخوفِ بما كانوا يَصْنعون).
عباد الله: نعمة الطعام من أعظم النعم الربانية، وأجل المنن الإلهية، لفت الله إليها الأنظار، لنعرفَ قدرها، ونشكرَ المولى سبحانه عليها؛ قال تعالى: (فَلْيَنْظُرْ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْباً * وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَتَاعاً لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ).
نعمة الطعام تدعوك إلى عبادة الله تعالى، وتوحيده معرفة وإثباتًا، وقصدًا وطلبًا، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ).
نعمة الطعام تدعوك إلى الإسلام، والبراءة من أهل الشرك والأصنام، قال تعالى: (قُلْ أغيرَ اللهِ أتَّخِذُ وَليًّا فاطِرِ السمواتِ والأرضِ وهو يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ قُلْ إنّي أُمرتُ أن أكونَ أوَّلَ من أسْلَمَ ولا تَكُونَنَّ من المُشركين).
نعمة الطعام استدل بها الخليل -عليه السلام- على وحدانية الله، وأنه المُسْتحقُّ للعبادة دون ما سواه، قال تعالى حاكيًا قوله لقومه: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)، فالذي خلق وهدى، وأطعم وسقى، وشفى المرضى، وأمات وأحيا، هو الذي تُصرف العبادة له، ويتوجه الناس إليه.
نعمة الطعام امْتنَّ الله بها على الناس، في كل الأمم والأجناس: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلَلْتُمْ تَتَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)، وإذا حُرم الإنسان هذه النعمة صار جائعًا ضعيفًا لا يقدر على القيام ولا يستطيع العمل، ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذُ بكَ من الجُوعِ؛ فإنه بئْسَ الضّجيع".
وإذا جاع الإنسان حُرم لذة الحياة، فلا يهنأُ بلقاء، ولا يستمتع بمنام، خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا فوجد أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، فقال: "ما أخرجَكُما من بيوتكما هذه الساعة؟!"، فقالا: الجوع يا رسول الله. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "وأنا والذي نفسي بيده لأخْرَجني الذي أخرجَكُما، انطلقا". فانطلقوا إلى بيت أبي الهيثم مالك ابن التّيَهان فما وجدوه في بيته، ووجدوا امرأته فسألوها عنه؟! فقالت: ذَهَبَ يَسْتَعذِبُ لنا الماء. فبينما هم كذلك إذ أَتى أبو الهيثم فقال: مرحبًا وأهلاً، ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافًا مني، فانطلق وجاء بعَذَقٍ فيه بُسْرٌ وتمر ورُطَب، فقال: كُلوا. ثم أَخذ المُدية -السكين- وذبح لهم فأكلوا حتى شبعوا، وقدّم لهم الماء البارد فشربوا حتى ارتووا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والله لتُسْأَلُنَّ عن هذا النعيم، أخرجكُما من بيوتكم الجوع، ولم تنصرفوا حتى أصابكم هذا النعيم".
أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول مبيناً ما كان يُصيبه بسبب الجوع: والله الذي لا إله إلا هو، إنْ كُنتُ لأربط على بطني من الجوع، وإنْ كُنتُ لأُصْرعُ -يصيبه الصرع- فيأتي الرجل فيقرأ عليّ يظنُّ بي جنون وما بي جنون ما بي إلا الجوع"!!
أهل الصفة -فقراء الصحابة- كان أحدهم يسقط من شدة الجوع، فيراهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول لهم مبشرًا بما أعده الله لهم: "لو تعلمون ما أَعدَّ الله لكم لأحببتم أن تزدادوا فاقة". فالجوع مؤلم مؤذٍ مع ما كانوا عليه من صبر واحتساب، ورضا وتسليم، انظروا إلى موقف الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، وقارنوا بينهم وبين بني إسرائيل حين ابتلوا بالجوع زمن عيسى -عليه السلام-، فلم يصبروا على شدته، بل تمردوا على نبيهم، وشَكّوا في قدرة ربهم، فقالوا لنبيهم: (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ)، فدعا عيسى ربه أن يُنزّل عليهم مائدة تكون لهم عيدًا ورزقًا وآية تدل على صدق نبوته، وقدرة ربه، فأنزلها الله عليهم، فقابلوا النعمة بالعصيان، فاستحقوا غضب الله ومقته وعذابه.
عباد الله: أكل الحلال الطيب سبب لإجابة الدعاء، والتوفيق للعمل الصالح، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناسُ: إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثم ذكر الرجل يُطيلُ السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب! يا رب! ومطعمُه حرام، ومشربُه حرام، وملبسه حرام، وغُذّي بالحرام، فأنى يُستجاب له".
قال يحيى بن معاذ -رحمه الله-: "الطاعة خزانة من خزائن الله إلاّ أن مفتاحها الدعاء، وأسنانه لُقم الحلال".
أكل الحلال الطيب سببٌ للنجاةِ من النار، والسلامةِ من دار الخزي والبوار؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا كعبَ بن عُجْرة: إنّه لا يدخل الجنة لحمٌ نبت من سُحْت، النار أولى به".
أيها المسلمون: كم نتقلب في نعم الله، نأكل أشهى طعام، ونشرب ألذ شراب، على موائدنا أصناف وأشكال، وأنواع وألوان، جُلبت لنا من كل البلاد فحُقّ علينا شكرها، واستعمالها في طاعة ربنا، والحذر من الإسراف فيها: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُوا، واشْرَبوا، والْبَسُوا، وتَصَدقُوا، في غير إسراف ولا مَخِيلة".
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطاتك خصلتان: سرف أو مخيلة".
فإذا زاد الأكل والشرب عن القدر الكافي، حصل الضرر الصحي، والتعب البدني، يقول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لُقيْمات يُقِمْنَ صُلْبه، فإن كان لا بد فاعلاً، فثُلُثٌ لطعامه، وثُلُثٌ لشرابه، وثُلُثٌ لنفَسه".
دِينٌ شامل كامل، لا يغفل جانبًا على حساب جانب، قائم على العدل والاعتدال حتى في الطعام والشراب، لو عمل الناس بهذه الوصية النبوية لسلموا من الأمراض، ولأغلقت كثير من المستشفيات، وكسدت كثير من الأدوية، فغالب أمراض الناس وأدوائهم من جهة طعامهم وشرابهم، وفي الحكمة المشهورة: المعدة بيت الداء، والحمية أصل الدواء، وقد قيل قديمًا: لو سئل أهل القبور: ما سببُ آجالكم؟! لقالوا: التخمة، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ما شبع آل محمد -صلى الله عليه وسلم- من خُبْز شعير يومين متتابعين حتى قُبض"، (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ).
الخطبة الثانية:
الحمد الله على إحسانه...
عباد الله: للأكل والشرب في الإسلام آدابٌ وأحكام، على المسلم معرفتها، والعمل بها، شكرًا لله على نعمه، وابتغاءً للأجر عنده، ومن ذلك غسل اليدين قبل الطعام، لما رواه النّسَائي أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا أرادَ أن ينامَ وهو جُنُب توضأ، وإّذا أرادَ أن يأكلَ غسل يديه".
وعلى المسلم إذا أراد أن يأكل أن يُسمّي الله، ففي التسميةِ بركة، وحفظٌ للطعام من الشيطان: "يا غلام: سم الله" وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يأْكُلُ طعامًا في ستةٍ من أصحابه، فجاءَ أعرابيٌّ فأكلَه بلقمتين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنه لو سمى لكفاكم".
فبالتسمية تحصلُ البركة، وتُطْردُ الشيطان: "إن الشيطان يَسْتحلُّ الطعام إن لم يُذكر اسم الله عليه".
وعلى المسلم الأكل باليمين، وهو واجب لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أكل أحدُكُم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فلْيشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكلُ بشماله، ويشرب بشماله".
وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن رجلاً أكل عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشماله!! فقال: "كل بيمينك"، قال: لا أستطيع!! -ليس لمرض أو حاجة بل تكبرًا- فدعا عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "لا استطعت"، فَشُلّت يدُه. ولما رأى امرأة تأكل بشمالها قال: "أَخَذها طاعون غزّة".
فالأكل بالشمال حرام، من يأخذ السكين بيمينه والشوكة أو الملعقة بشماله ويأكل مُدعيًا أن هذه حضارة وتقدم وتطور فهو جاهل متخلف، آثم بفعله، مُستحق للعقوبة، إذا كان الصغار ومن لم يبلغ الحُلُم يُعلّم الأكل باليمين فكيف بالمسلم البالغ!! عن عمر بن سلمة -رضي الله عنه- قال: كنت غلامًا في حِجْر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت يدي تطيشُ في الصحفة -الصحن- فقال لي رسول الله: "يا غلام: سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك". قال عمر بن سلمة: فما زالت تلك طُعْمتي بعدُ. أي لزمت ما علمني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصار عادة لي.
وعلى المسلم أن يتجنب الأكل وهو مُتكئ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا آَكُلُ وأنا متكئ". ومن صور ذلك أن يميل على جنبه، أو يتكئ على يدٍ ويأكل بالأخرى، بل المستحب في الجلوس أن يكون جاثيًا على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى.
وعلى المسلم إذا انتهى من طعامه أن يَلْعقَ أصابعه قبل مسحها أو غسلها، لما في ذلك من تطبيقِ السنة، والتواضعِ، واحترامِ النعمة وتقديرِها، ورجاءِ تحصيل البركة؛ فعن جابر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: "إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة".
وإذا سقطت لُقمةٌ من طعامه فلا يتركها بل يأخذها، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا وقعت لُقمةُ أحدكم فلْيأَخذها، ولْيُمط ما كان بها من أذى، ولْيَأكلها، ولا يدعُها للشيطان". ومن الخطأ تقبيل اللقمة إذا سقطت، وهو من فعل العوام، بل يفعل ما ورد في السنة كما تقدم.
ومن السنة: وضع الطعام في سفرة، لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالسفرة تحفظ الطعام لئلا يسقط منه شيء فيداس بالأقدام، ويعبث به الأطفال، لما وجد النبي -صلى الله عليه وسلم- تمرة ملقاة على الأرض رفعها وقال: "لولا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها".
ومن السنة: الأكل بثلاثة أصابع لاسيّما إذا كان الطعام جامدًا كالعصيد والثريد، وعليه أن يأكل مما يليه؛ لأن الأكل من مواضع أيدي الناس سوء أدب، وقد يتقذّر الآكلون من فعله، فإن كان الطعام مختلف الأنواع، فله أن يأكل من أي مكان، لحديث أنس -رضي الله عنه- قال: "رأيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتتَبّعُ الدُّبَاء في القصعة".
ومن السنة: أن لا يعيب الطعام؛ قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "ما عاب النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- طعامًا قط، إن اشتهاهُ أكله، وإن كرهَهُ تركه". فلا يعيب الطعام من جهة الخلق لأن خالقه هو الله، ولا من جهة الصنعة لئلا يكسر قلب المسلم الذي أعدّه، فكيف إذا كان الذي يُعدّ الطعام هي الأم!! فيأتي هذا الابن العاق ويذمه ويكسر قلب أمه التي تعبت في إعداده وتجهيزه!! النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قُدّم له الضب، رفع يده ولم يأكل منه، فقيل له: أحرام هو؟! قال: "لا. ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدُني أعافه".
فأكل ما تشتهيه النفس وترك ما تعافه هو التصرف الصحي السليم، فتناولُ الطعام المُشْتهَى يُساعد على الهضم، قال ابن القيم -يرحمه الله-: "وهذا أصل عظيم في حفظ الصحة، فمتى أكل الإنسان ما تعافه نفسه ولا تشتهيه، كان تضرره به أكثر من انتفاعه. وله أن يُفتِّش التمر، قال أنس: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُؤتىَ بالتمر فيه دود فيفتشه يُخرج السوسَ منه".
ومن الآداب: الاجتماع على الطعام، وعدم التفرق، قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن خير طعامِكُم ما كثرت عليه الأيدي"، ولما قال بعض الصحابة: يا رسول الله: إنا نأكُلُ ولا نشبع!! قال: "لعلكم تَفْتَرقون؟!"، قالوا: نعم. فقال: "اجتمعوا على طعامكم، واذْكروا اسم الله يُبارك لكم فيه".
ومن الآداب: الأكل من جوانب القصعة لا من وسطها، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن البركة تنزلُ وسط الطعام، فكلوا من حافته، ولا تأكلوا من وسطه".
وعلى المسلم أن يعتني بما دلت عليه الشريعة من الأطعمة كالتمر، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "بيت لا تمر فيه جياع أهله"، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "كُلوا الزيت وادهنوا به"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "نعم الإدام الخل"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"، وأما فضل اللبن فلقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أكل طعامًا قال: "اللهم بارك لنا فيه، وارزقنا خيرًا منه، إلاّ اللبن، فكان إذا شربه قال: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإني لا أعلم طعامًا أفضلَ منه، أو خيرًا منه".
وعلى المسلم إكرام الخبز، وعدم إلقائه، والاستهانة به؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أكرموا الخُبُز". وإذا وجده ملقى على الطريق فعليه أن يأخذه، وأن يضعه في مكان مرتفع، أو يجعله طعامًا للدواب.
وعلى المسلم إذا فرغ من طعامه، أن يحمد الله، فمن أعظم الحرمان، ودليلِ تلاعب الشيطان بالإنسان، أن يفرغ من الطعام الشهي، ثم لا يحمد الله عليه!! مع ما في ذلك من رضا الرب -تبارك وتعالى-، وكثرة الخير والفلاح، "إن الله ليرضى عن العبد، أن يأكلَ الأكْلَةَ فيحمدُه عليها، أو يشربَ الشربة فيحمدُه عليها".
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع مائدته قال: "الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه، غير مَكْفِي ولا مُوَدّعٍ ولا مُسْتَغْنى عنه". وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من أكلَ طعاماً فقال: الحمدُ لله الذي أطْعَمَني هذا ورزَقَنِيه من غيرِ حولٍ مني ولا قوةٍ؛ غُفرَ لهُ ما تقدّمَ من ذنبه".